Ramesside Egypt with Dr. Mohamed Raafat Abbas
٥ فبراير، الساعة ٢:٣٤ م ·
#خواطر_تاريخية
من قنتيــر إلى هيلدسهايــم :
فى خاطرتى التاريخية هذه المرة سوف أطوف بكم بين موقعين متباعدين فى عالمى الشرق والغرب ، حيث شاءت الأقدار أن تشهد حضارة الغرب الحديثة على عظمة حضارة الشرق القديمة .. هذان الموقعان هما قرية قنتير المصرية فى شرق الدلتا ومدينة هيلدسهايم الألمانية التى قمت بزيارتها فى رحلة علمية منذ عامين .. وقنتير هى أحد المواقع الأثرية الهامة فى شرق الدلتا بالقرب من الختاعنة بمحافظة الشرقية ، حيث شيد هناك ملك مصر الخالد رمسيس الثانى ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة عاصمته الشمالية " بر رعمسيس " بالقرب من عاصمة الهكسوس القديمة أواريس ( تل الضبعة الحالية ) ، وتشير غالبية الآراء التاريخية إلى أن " بر رعمسيس " قد بدأ العمل فى تشييدها خلال عهد الملك سيتى الأول ، ثم استكمل ولده وخليفته رمسيس الثانى العمل فى المدينة وأعطاها اسمه ، وجعل منها مقرا ملكيا جديدا ومقرا للحكومة .. ويبدو أن المدينة قد تم هجرانها عقب نهاية عصر الرعامسة ، ونقلت الكثير من آثار المدينة واستخدمت فى تزيين مدينتى تانيس وبر باستت ( تل بسطة ) .. ومنذ مطلع الثمانينات فى القرن الماضى ، توجهت أنظار المدارس الأثرية الألمانية إلى الأهمية الكبرى التى يشكلها موقع قنتير ، حيث كانت العاصمة المصرية العظيمة بر رعمسيس والتى كانت واحدة من أعظم مدن الشرق القديم والتى احتلت موقعا عبقريا لإمبراطورية الرعامسة الكبرى الممتدة شمالا فى سوريا الجنوبية وبلاد كنعان ( فلسطين ) وحتى الجندل الرابع ببلاد النوبة جنوبا .. وقد قامت أعمال الحفائر الأثرية بالموقع من قبل اثاريين مدرسة علم المصريات فى مدينة هيلدسهايم الألمانية والذين كان أبرزهم الأثارى القدير دكتور / إدجار بوش Edgar Pusch ، وعلى مدار نحو ثلاثون عاما من العمل العلمى الشاق والمنظم تم العثور على بعض بقايا المبانى والقصور والاصطبلات الملكية حيث كانت تتمركز مجموعات من فرق الجيش المصرى فى العاصمة لامداد ولايات الإمبراطورية المصرية بما تحتاجه من مساعدات عسكرية خاصة فى بلاد كنعان .. وقد كان لهذه الاكتشافات عظيم الأثر فى تبين صورة العاصمة بر رعمسيس من قبل الباحثين والتى ثبت كذلك أنها كانت مركزا تجاريا هاما وعظيما مع الشام وجزر البحر المتوسط ، كما كانت مركزا دبلوماسيا وثقافيا كبيرا تتوافد عليها الوفود الأجنبية المختلفة من الحيثيين والكنعانيين والسوريين وغيرهم من شعوب الشرق القديم المعاصرين لعهد الرعامسة .
ولقد تلاحظ لى أثناء زيارتى لمتحف بيليزايوس PELIZAEUS-MUSEUM بهيلدسهايم عن وجود قطع أثرية فريدة من عصر الرعامسة من موقع قنتير يجعلنا نستطيع رسم صورة تاريخية فريدة عن بر رعمسيس عاصمة إمبراطورية الرعامسة ، وقد دارت بينى وبين العالمة الجليلة البروفسير ريجين شولز Regine Schulz مديرة المتحف بعض النقاشات الهامة عن طبيعة ودلالة هذه القطع الأثرية التى جاءت إلى متحف هيلدسهايم من قنتير ( بر رعمسيس ) .. كان منها هذه اللوحة الرائعة لأحد جنود الجيش المصرى المدعو " حسى " والذى كان يقوم بالتعبد لتمثال الملك رمسيس الثانى .. جذبت هذه اللوحة اهتمام وفضول الكثير من علماء المصريات الأجلاء الذين برعوا فى التخصص فى دراسات عصر الرعامسة كالعالم المصرى الجليل لبيب حبشى والانجليزى القدير كينيث كتشن .. وأرى أن هذه اللوحة تعبر بشدة عن طبيعة الحياة العسكرية والمكانة الرفيعة للعسكريين داخل العاصمة المصرية ، ومدى الارتباط الشديد بين الجنود المصريين ومليكهم المحارب الباسل الذى خاض بهم القتال والزحف فى سوريا وكنعان لاستعادة الإمبراطورية المصرية والتى كان أبرزها معركة قادش الخالدة .. العبادة هنا فى نظرى ليست عبادة إلهية ، ولكنه التبجيل والتمجيد لمحيى الإمبراطورية المصرية فى الشرق القديم رمسيس الثانى ملك الملوك .. هذه العلاقة العظيمة والوطيدة بين رمسيس الثانى وجنوده هى من جعلته يعترف بفضل قائد عربته الحربية الجندى " منا " فى نصوص ملحمة قادش المسجلة على جدران معابده المختلفة ، وهى التى تجعلنا نرى الان التبجيل والتعظيم لذلك المحارب الجسور الذى لم يتخاذل فى سبيل الدفاع عن حدود الإمبراطورية المصرية من قبل أحد جنوده المخلصين ..
هكذا تجسدت بر رعمسيس الخالدة بعظمتها فى قلب هيلسدهايم الألمانية رغم بعد المسافة بمئات الأميال .. ولكنها العظمة التى جعلت التاريخ ينحنى دائما وأبدا أمام مصر الخالدة !
د. #محمد_رأفت_عباس
#مصر_الخالدة
#إمبراطورية_مصر_الكبرى