نقفور ثاني فوكاس
Nikephoros II Phocas - Nicéphore II Phocas
نقفور الثاني فوكاس
(912 ـ 969م)
نقفور الثاني فوكاس Nikephoros II Phokas قائد وامبراطور بيزنطي كبير (963ـ969م) حكم في أثناء مايسمى بالعصر الذهبي للامبراطورية البيزنطية، واشتهر بحروبه ضد المسلمين في عهد أمير حلب سيف الدولة الحمداني.
ولد لأسرة عسكرية عريقة في كبادوكيا (شرقي الأناضول) اشتهر أفرادها بالحرب والقتال، فقد أحرز جده المعروف باسم نقفور فوكاس شهرة كبيرة بفضل أعماله الحربية الجليلة في إيطاليا في عهد باسيل الأول (867ـ 886م)، كما اشتهر والده وعمه بالبسالة والبطولة، وبلغ أبوه بارداس Bardas أرقى الوظائف العسكرية، وكان من ألد أعداء العرب المسلمين، ولكنه لقي هزيمة منكرة مع ضخامة جيشه عام 343هـ/954م عند قلعة الحدث على يد سيف الدولة خلدها المتنبي بقصيدته المشهورة ومطلعها: على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ… والتي يقول فيها واصفاً جيش الروم العرمرم:
خميسٌ بشرقِ الأرضِ والغربِ زحفُهُ وفي أذنِ الجوزاء منْهُ زمازمُ
تجمّع فيهِ كلُّ لِسن وأمـَّـةٍ فما تفهمُ الحداثَ إلاّ التَّراجمُ
وعلى إثر هذه المعركة أعفاه الامبراطور قنسطنطين السابع Konstantinos VII من منصبه وعين مكانه ابنه نقفور قائداً عاماً (دمستقاً Domesticus) على كل القوات المرابطة في الثغور الآسيوية (تركيا اليوم). وهكذا بدأ نقفور حروبه التوسعية، وقاد الهجوم البيزنطي على كيليكيا وشمالي سورية مستعيناً بخيرة القادة العسكريين، ومنهم أخوه ليو فوكاس Leo وأحرز عدداً من الانتصارات بسبب الصراعات التي قامت في البيت الحمداني.
اختير لقيادة الحملة الحربية الكبيرة ضد جزيرة كريت التي كانت في أيدي العرب منذ خلافة المأمون (210هـ/826م)، وكانت كما يقول ياقوت الحموي في «معجم البلدان»: من أعظم بلاد المسلمين نكاية على الروم إلى أن أناخ عليها نقفور بن الفقاس الدمستق في خلافة المطيع… ولم يزل محاصراً لها حتى فتحها عنوة بالحرب والجوع في نصف المحرم سنة 350هـ»، وذلك بعد مقاومة باسلة وصراع دام خمس سنوات، لذلك عُدّ سقوط كريت من الأحداث المشهورة في التاريخ البيزنطي، وقد اقترن باسم نقفور، فذاع صيته في كل أرجاء الامبراطورية، وعيّن قائداً للجيوش البيزنطية في الشرق، فارتحل إلى آسيا الصغرى، واستأنف الغارات على الأملاك الإسلامية التي بدأت عام 961م، واستمرت حتى أوائل 963م، وتكللت باستيلاء البيزنطيين على حلب.
سار نقفور على رأس جيش كبير بلغ تعداده 150 ألف مقاتل، واستولى على عدد كبير من الحصون والمواقع، وتابع زحفه بعد أن أحرق، ودمّر كل مايقع في طريقه حتى وصل إلى حلب التي استبسل أهلها في الدفاع عنها بقيادة سيف الدولة، وسقطت المدينة في يده، فأعمل في أهلها القتل والتدمير، ولم يصمد سوى قلعتها. ثم انسحب من حلب عائداً إلى آسيا الصغرى، وهناك وردته الأنباء بوفاة الامبراطور رومانوس الثاني Romanos II تاركاً طفلين صغيرين فتولت الوصاية عليهما أمهما الامبراطورة تيوفانو Theophano التي دعت نقفور إلى القدوم إلى القسطنطينية، ولكنه واجه معارضة من رجالات البلاط يتزعمهم رئيس الوزراء برينكاس Bringas، فاضطر إلى التوجه إلى الأناضول. وفي تموز/يوليو سنة 963م نادى الجيش بنقفور امبراطوراً في مدينة قيصرية، فزحف باتجاه القسطنطينية التي قامت فيها ثورة شعبية ضد معارضيه انتهت بدخول نقفور العاصمة وتتويجه امبراطوراً في كنيسة القديسة صوفيا في 16 آب/أغسطس عام 963م، فأعلن رعايته لحقوق ولدي الامبراطور القاصرين وإشراكهما معه في الحكم. وبعد شهر تزوج أرملة سلفه الشابة الجميلة الامبراطورة تيوفانو وكان في الخمسين من عمره. وبدأ يكافئ أنصاره ومساعديه المخلصين، فعهد بالقيادة العليا في الشرق إلى القائد البارع زمسكيس Tzimiskes (ابن الشمشقيق في المصادر العربية)، كما عيّن شقيقه ليو دمستقاً في الغرب ومنح أباه مرتبة قيصر.
رعت سياسة نقفور الداخلية مصالح الجيش والأرستقراطية العسكرية، فقد أصدر مرسوماً يدعم السادة الإقطاعيين، ويحدّ من حقوق صغار الفلاحين، كما زاد الإقطاعات العسكرية، فضاعف ثلاث مرات الحد الأدنى لحيازة جنود الثغور من الأراضي، وربط هذا التغيير بإدخال التسليح الثقيل إلى سلاح الفرسان الذي شكل نواة الجيش البيزنطي.
من جهة أخرى حاول أن يحدّ من ثروة الكنيسة، فمنع عام 964م هبات الأراضي للأديرة والمؤسسات الكنسية.
كان نقفور يرى في الحرب ضد المسلمين رسالة مقدسة، إذ اجتمع في شخصه صفات الجندي المحارب والراهب المتصوف في آن معاً، وهكذا سار في ربيع سنة 964م على رأس جيش ضخم لمهاجمة المواقع الإسلامية، ونجح في العام 965م في الاستيلاء على أكبر حصنين منيعين في كيليكيا، وهما المصيصة وطرسوس، كما استولى الأسطول البيزنطي على جزيرة قبرص، فتدعمت بذلك القوة البحرية البيزنطية. وفي عام 356هـ/967م تُوفِّي بطل المقاومة سيف الدولة، وضعف الحمدانيون، ونشب النزاع بينهم، وخبت روح الجهاد فيهم، فاستغل نقفور هذه الأوضاع وهاجم بلاد الشام عام 968م، واستولى على كثير من مدنها:معرة النعمان وشيزر وحماة وحمص، وظل شهرين كاملين يعيث في البلاد قتلاً وتدميراً، ويحرق الجوامع، ويخرب القرى، ثم عاد إلى القسطنطينية محملاً بالغنائم والأسرى.
وفي عام 358هـ/969م سقطت أنطاكية، وأعقب ذلك عقد معاهدة مذَّلة بين البيزنطيين وحاكم حلب آنذاك قرعويه، كانت أشبه بمعاهدة حماية وتبعية لبيزنطة، وهي تظهر حالة الضعف والفتن الداخلية والمنازعات على العروش والسلطة التي سادت آنذاك.
كما أن نقفور تصدى للبلغار، ورفض دفع الجزية المعهودة لهم مقابل منعهم المجريين من الإغارة على الممتلكات البيزنطية وقد استعان بأمير كييف سفياتوسلاف Svjatoslav في كسر شوكة البلغاريين وإخضاعهم.
فقد نقفور في نهاية حكمه الدعم الشعبي بسبب سياسته المالية والضريبية والكنسية وتسخيره كل إمكانات الدولة لمصلحة الجيش ونفقات الحروب الباهظة التي جرّت عليه سخط العامة وعداء رجال الدين والأوساط المتنفذة الأرستقراطية التي حاكت مؤامرة تزعمها صديقه القديم زمسكيس وزوجته الخائنة الامبراطورة تيوفانو، انتهت بمقتله في 11كانون الأول/ديسمبر 969م؛ ليخلفه زمسكيس على عرش بيزنطة.
محمد الزين
Nikephoros II Phocas - Nicéphore II Phocas
نقفور الثاني فوكاس
(912 ـ 969م)
نقفور الثاني فوكاس Nikephoros II Phokas قائد وامبراطور بيزنطي كبير (963ـ969م) حكم في أثناء مايسمى بالعصر الذهبي للامبراطورية البيزنطية، واشتهر بحروبه ضد المسلمين في عهد أمير حلب سيف الدولة الحمداني.
خميسٌ بشرقِ الأرضِ والغربِ زحفُهُ وفي أذنِ الجوزاء منْهُ زمازمُ
تجمّع فيهِ كلُّ لِسن وأمـَّـةٍ فما تفهمُ الحداثَ إلاّ التَّراجمُ
وعلى إثر هذه المعركة أعفاه الامبراطور قنسطنطين السابع Konstantinos VII من منصبه وعين مكانه ابنه نقفور قائداً عاماً (دمستقاً Domesticus) على كل القوات المرابطة في الثغور الآسيوية (تركيا اليوم). وهكذا بدأ نقفور حروبه التوسعية، وقاد الهجوم البيزنطي على كيليكيا وشمالي سورية مستعيناً بخيرة القادة العسكريين، ومنهم أخوه ليو فوكاس Leo وأحرز عدداً من الانتصارات بسبب الصراعات التي قامت في البيت الحمداني.
اختير لقيادة الحملة الحربية الكبيرة ضد جزيرة كريت التي كانت في أيدي العرب منذ خلافة المأمون (210هـ/826م)، وكانت كما يقول ياقوت الحموي في «معجم البلدان»: من أعظم بلاد المسلمين نكاية على الروم إلى أن أناخ عليها نقفور بن الفقاس الدمستق في خلافة المطيع… ولم يزل محاصراً لها حتى فتحها عنوة بالحرب والجوع في نصف المحرم سنة 350هـ»، وذلك بعد مقاومة باسلة وصراع دام خمس سنوات، لذلك عُدّ سقوط كريت من الأحداث المشهورة في التاريخ البيزنطي، وقد اقترن باسم نقفور، فذاع صيته في كل أرجاء الامبراطورية، وعيّن قائداً للجيوش البيزنطية في الشرق، فارتحل إلى آسيا الصغرى، واستأنف الغارات على الأملاك الإسلامية التي بدأت عام 961م، واستمرت حتى أوائل 963م، وتكللت باستيلاء البيزنطيين على حلب.
سار نقفور على رأس جيش كبير بلغ تعداده 150 ألف مقاتل، واستولى على عدد كبير من الحصون والمواقع، وتابع زحفه بعد أن أحرق، ودمّر كل مايقع في طريقه حتى وصل إلى حلب التي استبسل أهلها في الدفاع عنها بقيادة سيف الدولة، وسقطت المدينة في يده، فأعمل في أهلها القتل والتدمير، ولم يصمد سوى قلعتها. ثم انسحب من حلب عائداً إلى آسيا الصغرى، وهناك وردته الأنباء بوفاة الامبراطور رومانوس الثاني Romanos II تاركاً طفلين صغيرين فتولت الوصاية عليهما أمهما الامبراطورة تيوفانو Theophano التي دعت نقفور إلى القدوم إلى القسطنطينية، ولكنه واجه معارضة من رجالات البلاط يتزعمهم رئيس الوزراء برينكاس Bringas، فاضطر إلى التوجه إلى الأناضول. وفي تموز/يوليو سنة 963م نادى الجيش بنقفور امبراطوراً في مدينة قيصرية، فزحف باتجاه القسطنطينية التي قامت فيها ثورة شعبية ضد معارضيه انتهت بدخول نقفور العاصمة وتتويجه امبراطوراً في كنيسة القديسة صوفيا في 16 آب/أغسطس عام 963م، فأعلن رعايته لحقوق ولدي الامبراطور القاصرين وإشراكهما معه في الحكم. وبعد شهر تزوج أرملة سلفه الشابة الجميلة الامبراطورة تيوفانو وكان في الخمسين من عمره. وبدأ يكافئ أنصاره ومساعديه المخلصين، فعهد بالقيادة العليا في الشرق إلى القائد البارع زمسكيس Tzimiskes (ابن الشمشقيق في المصادر العربية)، كما عيّن شقيقه ليو دمستقاً في الغرب ومنح أباه مرتبة قيصر.
رعت سياسة نقفور الداخلية مصالح الجيش والأرستقراطية العسكرية، فقد أصدر مرسوماً يدعم السادة الإقطاعيين، ويحدّ من حقوق صغار الفلاحين، كما زاد الإقطاعات العسكرية، فضاعف ثلاث مرات الحد الأدنى لحيازة جنود الثغور من الأراضي، وربط هذا التغيير بإدخال التسليح الثقيل إلى سلاح الفرسان الذي شكل نواة الجيش البيزنطي.
من جهة أخرى حاول أن يحدّ من ثروة الكنيسة، فمنع عام 964م هبات الأراضي للأديرة والمؤسسات الكنسية.
كان نقفور يرى في الحرب ضد المسلمين رسالة مقدسة، إذ اجتمع في شخصه صفات الجندي المحارب والراهب المتصوف في آن معاً، وهكذا سار في ربيع سنة 964م على رأس جيش ضخم لمهاجمة المواقع الإسلامية، ونجح في العام 965م في الاستيلاء على أكبر حصنين منيعين في كيليكيا، وهما المصيصة وطرسوس، كما استولى الأسطول البيزنطي على جزيرة قبرص، فتدعمت بذلك القوة البحرية البيزنطية. وفي عام 356هـ/967م تُوفِّي بطل المقاومة سيف الدولة، وضعف الحمدانيون، ونشب النزاع بينهم، وخبت روح الجهاد فيهم، فاستغل نقفور هذه الأوضاع وهاجم بلاد الشام عام 968م، واستولى على كثير من مدنها:معرة النعمان وشيزر وحماة وحمص، وظل شهرين كاملين يعيث في البلاد قتلاً وتدميراً، ويحرق الجوامع، ويخرب القرى، ثم عاد إلى القسطنطينية محملاً بالغنائم والأسرى.
وفي عام 358هـ/969م سقطت أنطاكية، وأعقب ذلك عقد معاهدة مذَّلة بين البيزنطيين وحاكم حلب آنذاك قرعويه، كانت أشبه بمعاهدة حماية وتبعية لبيزنطة، وهي تظهر حالة الضعف والفتن الداخلية والمنازعات على العروش والسلطة التي سادت آنذاك.
كما أن نقفور تصدى للبلغار، ورفض دفع الجزية المعهودة لهم مقابل منعهم المجريين من الإغارة على الممتلكات البيزنطية وقد استعان بأمير كييف سفياتوسلاف Svjatoslav في كسر شوكة البلغاريين وإخضاعهم.
فقد نقفور في نهاية حكمه الدعم الشعبي بسبب سياسته المالية والضريبية والكنسية وتسخيره كل إمكانات الدولة لمصلحة الجيش ونفقات الحروب الباهظة التي جرّت عليه سخط العامة وعداء رجال الدين والأوساط المتنفذة الأرستقراطية التي حاكت مؤامرة تزعمها صديقه القديم زمسكيس وزوجته الخائنة الامبراطورة تيوفانو، انتهت بمقتله في 11كانون الأول/ديسمبر 969م؛ ليخلفه زمسكيس على عرش بيزنطة.
محمد الزين