الندوية موقع أثري في منطقة الكوم في البادية السورية على بعد 100كم شمال تدمر تقريباً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الندوية موقع أثري في منطقة الكوم في البادية السورية على بعد 100كم شمال تدمر تقريباً

    ندويه

    -

    الندوية

    موقع أثري في منطقة الكوم في البادية السورية على بعد 100كم إلى الشمال من تدمر تقريباً. اكتشف أول مرة في الثمانينات من القرن الماضي، وجرت فيه أسبار اختبارية أدارها الباحث الفرنسي فرنسيس أور F.Hours أثبتت الأهمية الكبرى المتوقعة منه، ثم بدأت فيه منذ 1989 تنقيبات نظامية من قبل بعثة سورية سويسرية مشتركة يديرها كل من سلطان محيسن من جامعة دمشق، وجان ماري لوتنسورير J.-M.Le Tensorer من جامعة بازل.
    الموقع نبع ماء قديم، جفت مياهه اليوم، ترددت على الإقامة بجواره جماعات متنوعة ولمدة زادت على النصف مليون سنة، وهذا أطول استيطان بشري مستمر ومعروف في الشرق الأوسط حتى تاريخه.
    تبلغ أبعاد الموقع 100×250م. تداخلت فيه الطبقات الأثرية مع الترسبات الطبيعية التي حفظت هذه الطبقات التي بلغت سماكتها نحو العشرين متراً. كشف في الطبقات الدنيا عن آثار الحضارة الأشولية Acheulean التي دلت عليها مجموعة من السويات المتتالية والمتكاملة على امتداد مئات الآلاف من السنين وبشكل فريد من نوعه حتى اليوم. وبلغت الأدوات الحجرية - وعلى رأسها الفؤوس اليدوية Hand-axes التي صنعت من الصوان ذي النوعية العالية الذي جلبه السكان من مقالع تبعد عن الموقع بين 5 ـ 10كم ـ درجة عالية جداً من الدقة في التنفيذ من حيث شكلها وتشذيبها وتناظرها وجمالها مما دفع الباحثين إلى عدها دليلاً على الفنون الأولى، إذ أن الصانع قد أولاها اهتماماً خاصاً، تجاوز الحاجة الوظيفية والعملية لها، وأعطاها بعداً رمزياً معبراً. وجدت في الطبقات الوسطى للموقع آثار الحضارة اليبرودية Yabrudian نسبة إلى موقع يبرود شمال دمشق، التي تتميز بإنتاج المقاحف القصيرة والسميكة ذات التشذيب المتدرج على شكل حراشف السمك، فوقها توضعت آثار الحضارة الهملية Hummalian نسبة إلى موقع الهمل في الكوم، التي اشتهرت بإنتاج حراب الصيد الطويلة ذات الفعالية العالية، وظهرت في الطبقة التي تليها آثار الحضارة الموستيرية Mousterian، كما التقطت من سطح الموقع آثار من مختلف العصور التاريخية اللاحقة.
    كشف في الندوية عن دلائل معرفة النار منذ نحو 200000 سنة خلت، والتي لا شك أن الناس استخدموها في التدفئة والإنارة وتحضير الطعام والدفاع عن النفس، كما وجدت دلائل مستحاثية متنوعة أعطت معلومات عن المناخ القديم الذي تبدل بين الحار والبارد، وأحياناً الجليدي، وتبين أن السكان عاشوا من صيد الحيوانات البرية المتنوعة كالحصان وحمار الوحش والجمل والبقر والغزال حتى وحيد القرن الذي يشير وجوده أن هذه المنطقة الصحراوية الحالية كانت قديماً منطقة غابات ومستنقعات، كما استهلك السكان الطيور والزواحف وغيرها، وتغذوا بالثمار والنباتات البرية كاللوز والبطم والزعرور والعرعر والنجيليات وما إليها.
    إن الكشف العلمي والعالمي الأهم من الندوية هو العظم الجداري اليساري os pariétal لجمجمة إنسان الهومو اركتوس (Homo erectus) الذي كان أول نوع بشري خرج من القارة الإفريقية ليستوطن أرجاء جديدة من آسيا وإفريقيا. وقد تم العثور عليه ضمن طبقة من العصر الآشولي، عمرها نحو نصف مليون سنة، وهو يعود إلى إنسان يافع، وشكل هذا العظم بدائي ومتطاول وسماكته ملحوظة، نحو 1سم، وأبعاده 13×9سم، وهو بذلك يمثل القطعة الأكمل والأهم من نوعها لهذا الإنسان في الشرق الأوسط، وقد رافقت الجمجمة كميات كبيرة من عظام الغزال وحمار الوحش. وأظهرت الدراسة الأولية لهذه الجمجمة تقارباً واضحاً مع إنسان الصين الأول؛ مما أثار استغراب الباحثين الذين توقعوا أن يكون هذا التشابه أكثر مع الإنسان الإفريقي، حيث ظهر الهومو إركتوس أول مرة. ومهما يكن فإن كشف الندوية يطرح فرضيات جديدة حول ظهور الإنسان وانتشاره في مختلف القارات، وحول العلاقة بين جنوب شرقي آسيا وإفريقيا، ودور الشرق الأوسط بين هاتين المنطقتين المتباعدتين. وسيبقى إنسان الهومو إركتوس من الندوية محط اهتمام الباحثين ـ من حيث عمره وشكله وموقعه الجغرافي ـ سنوات كثيرة قادمة.
    سلطان محيسن
يعمل...
X