مارون النقاش Al-Naqash family مؤسس المسرح العربي الحديث، مواليد لبنان عام 1817م

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مارون النقاش Al-Naqash family مؤسس المسرح العربي الحديث، مواليد لبنان عام 1817م

    نقاش (اسره)

    Al-Naqash family - Famille d’Al-Naqash

    النقاش (أسرة ـ)

    مارون النقاش مؤسس المسرح العربي الحديث، ولد في مدينة صيدا جنوبي الساحل اللبناني في عام 1817. كان والده تاجراً ثرياً ذا مكانة اجتماعية مرموقة، صار بعد أن انتقلت أسرته إلى مدينة بيروت في عام 1825 عضواً في المجلس البلدي. وقد وفَّر هذا لمارون فرصة جيدة للتعلم والدراسة. يروي عنه أخوه الأصغر نقولا أنه أتقن العربية قراءة وكتابة، وتعلم النحو والصرف والمنطق والعروض والمعاني والبيان والبديع بتعمق وافٍ، وأخذ ينظم الشعر بطلاوة وسهولة منذ أن كان في الثامنة عشرة من عمره. كما أتقن علم الحساب والمحاسبة والقوانين التجارية حتى بزَّ من حولَه في هذا الميدان، وصار قبلة للاستشارات وحلاّلاً للمشكلات. وكان في الوقت نفسه مولعاً بالفنون واللغات، فتعلم التركية والفرنسية والإيطالية، كما تعلم قواعد الموسيقى والعزف على آلة العود. عمل مارون النقاش في دائرة الجمارك في بيروت رئيساً لكتَّابها، وكان لبضع سنوات عضواً في مجلسها التجاري، لكنه آثر أن يوجه جهوده نحو الأعمال التجارية، فزار المدن الكبرى في بلاد الشام، كما زار الإسكندرية والقاهرة.
    وفي عام 1846 غادر مارون النقاش الإسكندرية متجهاً نحو إيطاليا حيث أمضى قرابة السنة شاهد في أثنائها بعض العروض المسرحية الإيطالية والفرنسية، كما شاهد بعض العروض «الأوبرالية». فأعجب أيما إعجاب بفنون العرض المسرحية والموسيقية الغنائية الراقصة؛ إذ لبَّت توقه إلى المعرفة الفنية ذات التأثير التنويري روحياً واجتماعياً، ووجد فيها وسيلة فعالة للإسهام في النهوض بمجتمعه العربي المتخلف. ومنذ ذلك الحين جمع مارون بين العمل التجاري والنشاط الفني، فكتب بنصوصه وعروضه اللاحقة بداية المسرح العربي.
    كان على مارون النقاش أن يباشر عمله المسرحي في بيروت من نقطة الصفر، إذ إن هذا الفن الوافد من حيث مكان تقديم العرض ومستلزماته (خشبة عرض و«ديكور» وستائر وإضاءة وممثلون وموسيقيون مرافقون و«مكياج» وصالة للمشاهدين) لم يكن معروفاً عند العرب إلا تقريبياً في خيمة كراكوز وعيواظ (مسرح خيال الظل) في المشرق، أو الأراجوز (الدمية) في مصر. واقتداءً بما شاهده من مسارح في إيطاليا بادر مارون في باحة داره البيروتية إلى تصنيع خشبة مسرح وتزويدها بالستائر، حتى إنه صمم حفرة الملقن وغطاءها على الرغم من عدم وجود ملقن في أثناء العرض. كما درَّب مجموعة من شباب عائلته وأصدقائه على التمثيل والإلقاء؛ ليؤدوا أدوار الرجال والنساء، إذ لم يكن ممكناً اجتماعياً حينذاك التفكير بأن تؤدي النساء أدوار النساء. وكان قد وقع اختياره على مسرحية «البخيل» لموليير[ر]، فاقتبس فكرتها بحرية مطلقة بحيث باتت أحداثها وشخصياتها لبنانية صرفاً، ونظم حواراتها بالعربية الفصحى وكذلك أغانيها التي ألَّف لها ألحاناً شرقية. وكان بارعاً في ابتكار المواقف المضحكة طوال فصول المسرحية الخمسة. وعندما عرض المسرحية في شهر شباط/فبراير عام 1848 أمام نخبة من وجهاء المدينة وقناصلها الأجانب قدّم لها بخطبة طويلة، تعدّ أول بيان فني في تاريخ المسرح العربي، شرح فيها هدفه الإصلاحي الاجتماعي وغايته الفنية من نقل هذا الفن الأوربي إلى مجتمعه العربي، فقال: «وها أنا متقدم دونكم إلى قدّام، محتملاً فداءً عنكم إمكان الملام، مقدِّماً… ومبرزاً مرسحاً أدبياً، وذهباً إفرنجياً مسبوكاً عربياً… ظاهره مجاز ومزاح، وباطنه حقيقة وصلاح». ولما كانت نفسه تهفو إلى «الأوبرا» قرّ قراره أن يجعل من نصه الأدبي «مرسحاً موسيقياً مُجدياً». لقد رأى مارون النقاش في المسرح رسالة تهذيبية ومتعة فنية تصقل النفوس، وتوقظ الأرواح. وعندما عبَّر عن رأيه بفن الإخراج والتمثيل قال: «إن طلاوة الرواية (المسرحية) ورونقها وبديع جمالها يتعلق ثُلثه بحسن التأليف، وثلثه ببراعة المشخصين، والثلث الأخير بالمحل اللائق والطواقم والكسومة الملائمة… ومن لا يُحسن تشخيص روايتي (من الممثلين) بدون إشارات تدل على ما ينبغي عمله فالأحسن أن لا يشخصها».
    ونتيجة لهذا المزج الذي قام به بين المسرح و«الأوبرا» جاء عرضه شبيهاً بفن «الأوبريت الكوميدية» التي وجدها أقرب إلى الذوق الشرقي من المسرح الأدبي المحض الخالي من الشعر والغناء والموسيقى.
    حملت مسرحية النقاش الثانية عنوان «أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد»، وقدّمها أواخر عام 1849 في داره أيضاً. وقد استوحى موضوعها من إحدى حكايات «ألف ليلة وليلة»، وترتيبها هو الثالثة والخمسين بعد المئة، وتحمل عنوان «النائم واليقظان»، فكان بذلك أول من لفت أنظار الكتّاب المسرحيين العرب لاحقاً إلى غنى حكايات شهرزاد بالموضوعات القابلة للإعداد مسرحياً. وقد أضفى النقاش على حكاية شهرزاد في إعداده المسرحي خط فعلٍ دارمي ثان، هو حب أبي الحسن أخت صهره عثمان (دعد) والتنافس بينه وبين أخيه سعيد على حب الفتاة نفسها. وقد استوحى النقاش هذه الحبكة الثانوية من نص «البخيل» لموليير. وكما في التجربة الرائدة الأولى أدخل الكاتب على عمله المسرحي ما وجده ملائماً من الأغاني والألحان إضافة إلى جميع إمكانيات الإضحاك الممكنة، فاندرجت تجربته الثانية في صنف «الأوبريت الكوميدية» أيضاً. وعلى أثر نجاح هذا العمل كما السابق حصل النقاش على (فرمان عالٍ) من السلطات العثمانية بإنشاء مسرحه الذي أقامه بجوار داره في حي الجميزة، والذي تحول بعد وفاته إلى كنيسة بناء على وصيته.
    وفي عام 1853 قدّم مارون النقاش في مسرحه الجديد تجربته الثالثة والأخيرة بعنوان «الحسود السليط»؛ وهي مسرحية اجتماعية معاصرة، تجري أحداثها في بيروت بين شخصيات بيروتية ومقدسية مسيحية من مختلف الشرائح الاجتماعية. وقد ركز المؤلف هنا على رسم البنية النفسية للشخصيات وتحولات سلوكها ضمن الظروف التي تخوضها وانعطافات الأحداث التي تواجهها. وعلى الرغم من بعض الهنات في البناء الفني العام للمسرحية يمكن القول: إن مارون النقاش قد نجح في تجربته الثالثة ممهداً الطريق لتطور المسرحية العربية. وهنا أيضاً يتلمس الناقد مؤثرات مسرح موليير بوساطة بعض التشابهات، ولاسيما على صعيد حالات الالتباس المولِّدة للضحك في جو تسوده المأساة، أو في سياق حوارات بعض الشخصيات، ولكن من نصوص مختلفة لموليير، وليس من نص بعينه.
    سافر مارون النقاش في أيلول/سبتمبر عام 1854 في رحلة تجارية إلى مدينة طرسوس التركية، ويرى محمد يوسف نجم في كتابه «المسرحية في الأدب العربي الحديث» أن النقاش في تلك الآونة كان شديد الحزن «لما لاقاه من جحود أبناء وطنه، وتجاهل فئة منهم لجهاده في سبيل الفن ـ وقد صوَّر مارون ألمه هذا في قصيدة نظمها في طرسوس سنة 1854، ونُشرت في «أرزة لبنان» ـ ص (465) ـ ومكث في طرسوس ثمانية أشهر، وفي أواخر أيار/مايو سنة 1855 أصابته حمى شديدة أودت بحياته في أول حزيران/يونيو في العام نفسه، فخسرت النهضة الفنية العربية بوفاته ركناً عزيزاً من أركانها».
    نقولا النقاش أول تلاميذ مارون وأخوه الأصغر، رافقه في تجاربه الثلاث، وتابع طريقه من بعده. ولد في مدينة بيروت عام 1825، ومشى على خطى أخيه في طلب العلم، وتعلم اللغات الأجنبية (التركية والفرنسية والإيطالية)، واشتغل أيضاً في العمل التجاري سنوات معدودة حتى طلبته حكومة ولاية بيروت للعمل عضواً في مجلس إدارتها، ثم مديراً لجمارك الدخان، مما اضطره إلى دراسة قوانين الدولة العثمانية وأنظمتها على أيدي علماء بيروت في العلوم الشرعية، ومن ثم عُيِّن عضواً دائماً في محكمة بيروت التجارية. اشتغل إضافة إلى ذلك في التأليف والترجمة والصحافة، وله ديوان شعر صدر عام 1879. وأصدر كتاب «أرزة لبنان» (1869) الذي ضمّ جميع أعمال أخيه مارون المسرحية والشعرية إضافة إلى المقدمات والخطب. والأرزة هي الشعار الذي اختاره مارون رمزاً لمسرحه.
    يذكر نقولا النقاش في مقدمته لـ«أرزة لبنان» أنه كتب في عام 1849 مسرحية «الشيخ الجاهل» وعرضها، ثم مسرحية «ربيعة بن زيد المكدم» في عام 1850، وأعاد تقديم «الحسود السليط» في عام 1869. ويقول أيضاً: «وبعده (أي بعد وفاة مارون) قدمتُ داعيكم بعض روايات (مسرحيات) حَريّة ألا تُذكر». لكن مراجع المسرح العربي لا تورد شيئاً عن الأعمال التي ألَّفها نقولا النقاش. ويبدو مما ذكره في مقدمته من تفاصيل حول بناء العمل المسرحي والخشبة المسرحية وفن التمثيل أنه مطلع بعمق على هذه الموضوعات، أما المصطلحات التي استخدمها فتدل على أن مصادره إيطالية.
    تُوفِّي نقولا النقاش عام 1894 عن عمر يناهز السبعين عاماً.
    سليم النقاش، ابن خليل الأخ الأكبر لمارون ونقولا. لا يرد ذكر تاريخ ميلاده في أيّ مرجع، ويرجح أن يكون نحو عام 1850، أما وفاته فكانت في الإسكندرية في عام 1884. يُستنتج من مقالاته الصحفية في مجلة «الجنان» البيروتية، وفي الصحف التي أصدرها في مصر «المحروسة» و«التجارة» و«العصر الجديد» بالتعاون مع الكاتب الصحفي والمترجم أديب إسحاق [ر] أنه كان ذا ثقافة واسعة وعميقة في اللغات العربية والفرنسية والإيطالية. ويبدو أنه قد عمل حسب تقاليد أسرته في التجارة، فعرف مفاتيحها وقوانينها وسُبلها حتى تمكّن من إصدار صحيفة خاصة بهذا الميدان. وإلى جانب ذلك عمل في التمثيل والإخراج والترجمة عن الفرنسية والإيطالية، كما كان ينظم الشعر لأغراض مسرحية. ألّف في بيروت فرقة مسرحية عُدَّت الاستمرار الفعلي لجهود عمّه مارون، وهي أول فرقة تهاجر إلى مصر لتؤسس دعامات المسرح العربي هناك. ويتجلى من مقالته في مجلة «الجنان» أنه قد آمن على خطى عمه مارون برسالة المسرح الاجتماعية والتعليمية والفنية، إذ أسهب في عرض تاريخ المسرح الأوربي منذ الإغريق والرومان ودوره في بناء المجتمع والحضارة وتأثيره في توجيه الأخلاق والذوق السليم، ليختم حديثه بمديح انفتاح مصر على الثقافة وسماحة نفوس المصريين، ثم ذكر الاتفاق الذي تمّ بينه وبين حكومة مصر ليقدم مسرحياته باللغة العربية على مسرح «الأوبرا» في القاهرة.
    وما يلفت النظر في هذه الفرقة أنها قد ضمت أول مرّة في تاريخ المسرح العربي أربع ممثلات، أشاد النقد الصحفي حينذاك بتنوع أدائهن وجودته في العروض التمهيدية في بيروت في القاعة الواسعة الجديدة التي أنشأها الوجيه بطرس أفندي تيان، وزودها بمستلزمات المسرح الضرورية. وبغية إنجاح هدف الرحلة وإقناع الإدارة المصرية بمشروع المسرح العربي تدربت الفرقة على مسرحيات عمّه مارون الثلاث؛ وعلى ترجمته لأوبرا «عايدة» عن الإيطالية؛ إضافة إلى اقتباس «مَيّ أو هوراس» عن كورني[ر] و«ميتريدات» عن راسين [ر] وكذلك مسرحيتي «غرائب الصدف» و«الظلوم».
    وصلت الفرقة إلى مصر في أواخر عام 1876، وقدمت أول عروضها «أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد» في مسرح «زيزينيا» في الإسكندرية بتاريخ 23/12/1876، فلاقى استحساناً كبيراً لدى جمهور الحضور وتقييماً إيجابياً نشرته «الأهرام». تتالت عروض الفرقة من ثم في المسرح نفسه، ولاقت نجاحاً مماثلاً للأول، وسلط النقد الصحفي الضوء على براعة العربي في «تشخيص الروايات المرسحية التي برع فيها الأوروباويون»، سواء على صعيد التمثيل أم في الغناء والموسيقى. بيد أن هذا النجاح لم يقابله نجاح مالي كافٍ لتوفير نفقات الحياة، فآثر سليم وصديقه أديب إسحاق التخلي عن الفرقة لصديقهما الممثل يوسف خياط، والتفتا إلى العمل الصحفي.
    نبيل الحفار

يعمل...
X