نسيء
- - -
النسيء
إنّ عدد شهور السنة القمريّة اثنا عشر شهراً، حرّم الله تعالى منها أربعة أشهر، وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم، وشهر رجب مفصول عن الثلاثة المتتالية، فقالوا في تحديدها: واحد فرد وثلاثة سرد، وكان هذا التحديد هو الدارج في شرع الله قبل ظهور الإسلام، وحرمة شهر رجب متّفق عليها بين القبائل، إلاّ أنّ بعض القبائل كرهت أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها، لأنّ معاشهم كان من الغارة، فعمدوا إلى حيلة بأن أحلّوا في بعض السنين القتال في شهر محرّم، وحرّموا بدلاً عنه الشهر الذي يليه وهو شهر صفر، وادّعوا أنّ هذا جائز ما داموا يلتزمون بتحريم أربعة أشهر، وأُطلق على هذا التأخير اسم النسيء، والنسيء من نَسَأَ؛ أي أخّر، وكانوا إذا أرادوا النسيء قام رجل من كنانة عند صدورهم من منى بعد أداء الحج فقال: إنّي لا أُحابُ، ولا أُعابُ، ولا يردُّ لي قضاء، فيقولون: صدقت، أنسئنا شهراً، فيحلّ لهم المحرّم، ويحرّم بدلاً عنه شهر صفر، ويطلق على نسأة الشهور القلامس، واحدهم قَلَمَّس، وهو عندهم الرئيس المطاع المعظّم الذي لايردّ له رأي، وكان أوّل هؤلاء حذيفة بن عبد بن فقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، ثمّ نسأ ابنه قلع بن حذيفة سبع سنين، ثمّ عبّاد بن قلع، ثمّ نسأ أميّة بن قلع إحدى عشرة سنة، ثمّ عوف بن أميّة، ثمّ نسأ جُنادة بن أميّة بن عوف بن قلع أربعين سنة، وهو الذي أدرك الإسلام من بني فقيم، ويعزو بعضهم سبب النسيء إلى أنّ بعض القبائل كخثعم وطيّئ كانوا ينتهكون هذه الأشهر، ولا يلتزمون بحرمتها، فيغيرون فيها، ويقاتلون، فكان من نسأ الشهور من الناسئين يقوم فيقول: إنّي قد أحللت دماء المحلّلين من طيّئ وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم، وإذا عرضوا لكم.
وأنشد القلمّس الأكبر مفاخراً:
لقدْ علمَت عُليّا كِنانةَ أنّنـا إذا الغصنُ أمسى مُورقَ العُودِ أخضرا
أعزُّهمُ سِرْباً وأمنعُهم حمىً وأكـرَمُهـم في أوَّلِ الدَّهـرِ عنصرا
وأنّا أريناهُم مناسكَ دينهم وحُزْنـا لهـم حظّاً مـنَ الخيرِ أوفرا
وأنّ بنا يُستقبلُ الأمرُ مقبلاً وإنْ نحنُ أدبـرْنا عـن الأمـرِ أدبرا
وقال بعضُ بني أسد:
لهم ناسئٌ يمشون تحت لوائه يُحِلُّ إذا شاء الشّهورَ ويُحْرمُ
وقال عُمير بن قيس بن جِذل الطعّان:
ألسنا النّاسئين على معدٍّ شهورَ الحلِّ نجعلُها حراما
وقد حرّم الله تعالى النسيء فنزلت الآية 37 في سورة التوبة: ]إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[، وقد أباح الله تعالى للمسلمين قتال المشركين في الأشهر الحرم في حالات معينة ذكرت في القرآن الكريم ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ (البقرة 217).
عبد الكريم عيد الحشّاش
- - -
النسيء
إنّ عدد شهور السنة القمريّة اثنا عشر شهراً، حرّم الله تعالى منها أربعة أشهر، وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم، وشهر رجب مفصول عن الثلاثة المتتالية، فقالوا في تحديدها: واحد فرد وثلاثة سرد، وكان هذا التحديد هو الدارج في شرع الله قبل ظهور الإسلام، وحرمة شهر رجب متّفق عليها بين القبائل، إلاّ أنّ بعض القبائل كرهت أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها، لأنّ معاشهم كان من الغارة، فعمدوا إلى حيلة بأن أحلّوا في بعض السنين القتال في شهر محرّم، وحرّموا بدلاً عنه الشهر الذي يليه وهو شهر صفر، وادّعوا أنّ هذا جائز ما داموا يلتزمون بتحريم أربعة أشهر، وأُطلق على هذا التأخير اسم النسيء، والنسيء من نَسَأَ؛ أي أخّر، وكانوا إذا أرادوا النسيء قام رجل من كنانة عند صدورهم من منى بعد أداء الحج فقال: إنّي لا أُحابُ، ولا أُعابُ، ولا يردُّ لي قضاء، فيقولون: صدقت، أنسئنا شهراً، فيحلّ لهم المحرّم، ويحرّم بدلاً عنه شهر صفر، ويطلق على نسأة الشهور القلامس، واحدهم قَلَمَّس، وهو عندهم الرئيس المطاع المعظّم الذي لايردّ له رأي، وكان أوّل هؤلاء حذيفة بن عبد بن فقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، ثمّ نسأ ابنه قلع بن حذيفة سبع سنين، ثمّ عبّاد بن قلع، ثمّ نسأ أميّة بن قلع إحدى عشرة سنة، ثمّ عوف بن أميّة، ثمّ نسأ جُنادة بن أميّة بن عوف بن قلع أربعين سنة، وهو الذي أدرك الإسلام من بني فقيم، ويعزو بعضهم سبب النسيء إلى أنّ بعض القبائل كخثعم وطيّئ كانوا ينتهكون هذه الأشهر، ولا يلتزمون بحرمتها، فيغيرون فيها، ويقاتلون، فكان من نسأ الشهور من الناسئين يقوم فيقول: إنّي قد أحللت دماء المحلّلين من طيّئ وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم، وإذا عرضوا لكم.
وأنشد القلمّس الأكبر مفاخراً:
لقدْ علمَت عُليّا كِنانةَ أنّنـا إذا الغصنُ أمسى مُورقَ العُودِ أخضرا
أعزُّهمُ سِرْباً وأمنعُهم حمىً وأكـرَمُهـم في أوَّلِ الدَّهـرِ عنصرا
وأنّا أريناهُم مناسكَ دينهم وحُزْنـا لهـم حظّاً مـنَ الخيرِ أوفرا
وأنّ بنا يُستقبلُ الأمرُ مقبلاً وإنْ نحنُ أدبـرْنا عـن الأمـرِ أدبرا
وقال بعضُ بني أسد:
لهم ناسئٌ يمشون تحت لوائه يُحِلُّ إذا شاء الشّهورَ ويُحْرمُ
وقال عُمير بن قيس بن جِذل الطعّان:
ألسنا النّاسئين على معدٍّ شهورَ الحلِّ نجعلُها حراما
وقد حرّم الله تعالى النسيء فنزلت الآية 37 في سورة التوبة: ]إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[، وقد أباح الله تعالى للمسلمين قتال المشركين في الأشهر الحرم في حالات معينة ذكرت في القرآن الكريم ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ (البقرة 217).
عبد الكريم عيد الحشّاش