نقل بحري ونهري
Maritime and river transport - Transports maritimes et fluviaux
النقل البحري والنهري
النقل البحري والنهري maritime and river transportation أو النقل المائي water transportation هو نقل الأشخاص والبضائع من مكان إلى آخر على الطرق المائية بالاستفادة من خاصة التعويم في الماء، وكذلك الوسائل التي يتم بها ذلك النقل. إن نقل كميات كبيرة من البضائع أو أعداد كبيرة من الناس على الماء براحة وأمان يتطلب توافر وسائل آمنة وقادرة على العوم والتحرك ذاتياً، هذه الوسائل هي «المراكب» بأنواعها كالسفن والزوارق والقوارب، وتختلف كل منها عن الأخرى باختلاف وظائفها وحجمها ونوع حمولتها.
يطلق أحياناً على عمليات نقل المواد والسلع بحراً اسم «الشحن البحري». وعلى عمليات النقل عبر الأنهار والقنوات الملاحية اسم «النقل النهري». وقد شهد النقل البحري في القرن العشرين تطوراً كبيراً من حيث الكم والنوع ومن حيث الوسائل الملاحية المستعملة فيه، وصار النفط الخام ومشتقاته و الغاز المميع من أهم المواد المنقولة بحراً. أما النقل النهري فقد سبق النقل البحري بفارق زمني كبير. ومارسته البشرية منذ عصورها الأولى للتنقل ونقل البضائع عبر مجاري الأنهر.
لمحة تاريخية
أدرك الإنسان الأول في بحثه عن الوسائل التي تعينه على التنقل و نقل أشيائه إمكانية الإفادة من خاصة العوم في المياه ومن قوة الريح. ولاشك أن اهتمامه الأول تركز على استغلال المياه الجارية. وهذا ما فعله المصريون القدماء حين نقلوا الحجارة الضخمة لبناء الأهرام مستعينين بالأرماث والمراكب القادرة على حملها في النيل. وبسبب الاعتماد على النقل المائي للمتاجرة والتنقل نشأت أقدم المدن، باستثناء القليل منها، على ضفاف الأنهار وسواحل البحار الصغيرة والضيقة. ومع غياب أي منظومة ملاحة فلكية متطورة استعان إنسان الحضارات القديمة بأشكال الأرض الجغرافية والنجوم للتوجه في النهر والبحر، متجنباً الابتعاد كثيراً عن البر. ومع اعتماد المراكب على الريح في حركتها بعد اختراع الشراع، لجأ الإنسان إلى اختيار أماكن رسوٍ لها في الأماكن المحمية من البحار الضيقة. وهكذا أبحر الناس بنجاح في بحار البلطيق والمتوسط والأحمر والأسود والخليج العربي وبحر العرب وخليج البنغال ومضيق ملقا وبحار الصين وأنهارها العظيمة. واجتذبت الخلجان النهرية والبحرية الآمنة المستوطنين إليها، وتحولت أوروك Erech على الفرات، وممفيس Memphis على النيل، وموهنجوـ دارو على نهر السند Indus River في الألف الرابع قبل الميلاد إلى مراكز مدينية على مجاري أنهار قابلة للملاحة.
أولاً ـ النقل النهري
تعد الطرق المائية أول منظومات نقل يعتمدها الإنسان. وقد حظيت الأنهار بعناية السكان المقيمين في جوارها، واستغلوها في تحركاتهم، وخاصة في نقل البضائع نزولاً مع مجرى النهر. وأول مركب مائي كان على الأرجح جذع شجرة جُوِّف قليلاً أو كثيراً لزيادة قدرته على الحمل والعوم، أو رمثاً من أغصان أو قصب أو من جلود الحيوانات أو سعف النخل أو نبات البردي المشدودة إلى عيدان خشبية، أو أطواف من قرب منفوخة. ومهما يكن نوع الرمث أو الطوف فطريقه نزولاً مع مجرى النهر. أما إذا كان المطلوب الصعود في النهر فكان الراكب يضطر إلى جر مركبه على اليابسة أو توفير طاقة له، فإما أن يجدّف بيديه وإما يستخدم مجدافاً من خشب وإما مجدافاً مكيف الشكل وإما مردياً (خشبة طويلة) يدفع به المركب بالاستناد إلى القاع (الشكل1). ولما تبين للناس مصادفة أن أي سطح مرتفع في الرمث أو الطوف يمكن أن يكون مصدراً للطاقة إذا تلقى دفقة من ريح غدا الشراع المثبت إلى صار أول آلة من آلات المراكب. وكانت كل المراكب تزود بمجاديف حتى الشراعية منها. وتعلم الملاحون مع الزمن كيف يستخدمون قلوعهم للإبحار مع الريح وضدها. وبعد تكييف أشكال المراكب وإضافة رافدة القاعدة (الهيراب)، ورفع المقدمة، وغمر قسم كبير من الجسم تحت مستوى الماء (الغاطس) أصبح في وسع الملاحين المغامرة بالسفر في البحر المفتوح، والاستعاضة عن المجدّفين بحمولة. وقد استخدمت الأشرعة أول مرة نحو 3500 سنة قبل الميلاد، وظل المركب الشراعي سيد الطرق المائية أكثر من 5400 سنة.[ر: البحرية] (الشكل2).
مارس الإنسان الري بالمياه الجارية منذ ما قبل التاريخ، غير أن الري بالراحة يفترض أن يكون مستوى الماء أعلى من مستوى الأرض التي يرويها. وهو أمر نادر الحدوث في معظم المناطق الزراعية وخاصة الأراضي البعيدة عن المجرى. وقد تجلت عبقرية الإنسان، وخاصة في مصر وبلاد الرافدين، عن ابتكار وسائل مختلفة لرفع الماء، وفي مقدمتها النواعير [ر] والقنوات والقناطر [ر] ومحابس الماء[ر]. ولم يكن في المستطاع توفير منظومات الري وصيانتها من دون وجود حكومات قوية وقادرة، كالسلالات الحاكمة في أكد وسومر وبابل وآشور وفراعنة مصر (الشكل3).
إن أقدم القنوات والترع المعروفة تاريخياً تلك التي وجدت في بلاد الرافدين والشام وتعود إلى أربعة آلاف عام. وقد استخدمت في النقل المائي، كشطِّ العرب، وفي الري. ففي القرن السابع ق.م جرّ سنحريب Sennacherib ملك آشور المياه إلى نينوى في أكثر من 12 قناة، شيدت إحداها على قناطر هائلة. وكانت الحدائق المعلقة في بابل تروى في القرن السادس ق.م بمياه ترفع من نهر الفرات القريب منها. وقد كيَّف المصريون القدماء قنوات الري لتصبح صالحة لسير المراكب في عهد المملكة القديمة (الشكل 4). وفي القرن 19ق.م تمّ شق قناة للالتفاف على الشلال الأول على النيل. وفي القرن الخامس قبل الميلاد أمر داريوس ملك فارس بتجديد قناة كان سنوسرت الثالث قد شقها لتربط النيل بخليج السويس على البحر الأحمر، وقد طمرت تلك القناة بمرور الزمن وأعيد فتحها وتنظيفها أكثر من مرة وجددها عمرو ابن العاص عام الرمادة بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب] لنقل الحبوب من مصر إلى الحجاز. غير أن الطريق المائي الصنعي الأقدم والأطول والأهم في العالم هو القناة التي شقّها الصينيون ابتداء من القرن الثامن ق.م وعرفت باسم «الخندق العظيم». وكانت تربط بين البحر الأصفر ونهر هوي Huai River، وهي الجزء الأول من القنال الكبرى Grand Canal (الشكل5) بين بكين ومدينة هانزو، ويبلغ طولها 1794كم، وقد استمر العمل على بنائها أربع سنوات وما تزال تعمل إلى اليوم.
أتقن اليونان القدامى والرومان كذلك بناء القناطر والقنوات لتوفير المياه لمدنهم واستخدموها في النقل على نطاق واسع. وهناك العديد من القنوات التي تعود إلى عصر الامبراطورية الرومانية في بلاد الشام الأناضول وفي أوربا. لعل أهمها قناة فوس دايك Foss Dyke التي شقت سنة 120ميلادي في المملكة المتحدة. ومن المنجزات الحضارية في تلك الحقبة قنوات جر المياه المغلقة، كقناة أفقا التدمرية على سبيل المثال، وهي في الواقع أول خطوط أنابيب عرفها الإنسان. ويعد الصينيون في الواقع أصحاب هذا الابتكار. فقد أقاموا خطّاً من أنابيب قصب البامبو في القرن العاشر ق.م لنقل الغاز الطبيعي إلى مناقع الملح من أجل إزالة المياه وترسيب الملح.
يعتمد النقل النهري أساساً على الأنهار الصالحة للملاحة، كأنهار النيل والدجلة والفرات والسند والغانج والأمازون وغيرها، كما يعتمد على القنوات الصنعية التي يتم شقها لتغيير اتجاه مجرى مائي أو تخفيف جريانه أو للوصل بين حوضين مائيين لتخديم المناطق الصناعية والزراعية وتوفير وسيلة نقل سهلة وبسيطة. ويتطلب النقل النهري شروطاً معينة يجب توافرها في المجرى، ومنها صلاحيته لمرور المراكب من حيث خلوه من مساقط المياه والعوائق التي تعوق سير المراكب، وتوافر العرض والعمق المناسبين لنوع المراكب التي تمر فيه، وإمكانية التحكم بسرعة جريان الماء أو فروق الارتفاع عن طريق الصنّاعات (الهويس) والبوابات.
لم يحدث تطور مميز في النقل المائي حتى عصر النهضة. وبدءاً من القرن الثاني عشر تجدد نشاط النقل النهري في أوربا، وفتح استعمال البوّابات والصنّاعات المجال لبناء القنوات والسدود بمستويات مختلفة وتنظيم مرور السفن عبر المجاري المائية. ونشب بسبب ذلك نزاع شديد بين أصحاب المصانع والطواحين التي تعتمد على تدفق المياه لإدارة آلاتهم، وبين المسؤولين عن عمليات النقل (الشكل6) لأن حبس المياه لرفع منسوبها أو خفضه خلف البوابات يؤثر في شدة جريان الماء في النهر، و يخفف من قدرته على إدارة الآلات. ومع ذلك تطور بناء القنوات تطوراً كبيراً من حيث النوعية والطول. ومع بدء الثورة الصناعية أصبحت الطرق المائية الوسيلة الأساسية لنقل منتجات الصناعة وموادها الأولية وخاصة في بريطانيا وأيرلندا وفرنسا. وقد أدى افتتاح قناة بريدجووتر Bridgewater Canal (الشكل7) في القرن 18 بين مناجم الفحم في ورزلي Worsley ومانشستر Manchester في إنكلترا بطول 16كم إلى خفض سعر الفحم إلى النصف، وساعد على تطور الصناعات النسيجية في مدينة مانشستر في وجه مزاحمة الأسواق العالمية. وأدى هذا النجاح إلى ما يمكن تسميته بحمى إنشاء الاقنية، فتم في مدى ستين عاماً إنشاء مئة قناة للنقل النهري في المملكة المتحدة وحدها.
في عام 1766 قرر لويس الرابع عشر (1638ـ1715) تحسين أحوال التجارة في فرنسا فمنح وزيره كولبير Colbert مهندساً يدعى بيير بول دي ريكيه Pierre Paul de Riquet تفويضاً بشق قناة دي ميدي Canal du Midi (الشكل8) بتمويله الخاص بين البحر المتوسط ونهر غارون Garonne River الذي يصب في المحيط الأطلسي. وقد بلغ طول القناة 240كم ولم تكن شيئاً عادياً. فقد كانت القنوات قبلها ذات مجرى مستو أو تتخللها سلسلة من المستويات المائلة، تجر فيها المراكب بالحبال. أما هذه القناة التي استغرق شقها 15 عاماً وأنجزت عام 1681 فكان عليها أكثر من 100 صنّاعة (هويس) [ر] لرفع مستوى الماء أو خفضه لمرور المراكب.
تعد الحقبة بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر العصر الذهبي لبناء القنوات الملاحية. فتضاعف طول الطرق المائية الصالحة للملاحة في إنكلترا في هذه السنوات أربعة أضعاف. واجتاحت أوربا موجة شق القنوات المائية لتسهيل حركة السفن. وتم ربط بحر الشمال ببحر البلطيق خلال الدنمارك، كما تم ربط بحر الشمال بالبحر الإيرلندي عبر سكوتلندا. وفي روسيا بدأت أعمال ربط البلطيق ببحر الخزر.
تطلب توسع الولايات المتحدة غرباً وجود طرق للمهاجرين وللعمليات العسكرية وللتجارة بين الشرق المستقر والحدود الغربية وإجراء تحسينات داخلية سريعة. ولما كانت الأرض صعبة المسالك وجبال الأبالاش تقف حائلاً يصعب تجاوزه كان البديل الوحيد الطرق المائية الصالحة للملاحة عبر الأنهار الطبيعية أو الصنعية. فقد جرت محاولة جريئة في بنسلفانيا لبلوغ نهر أوهايو عن طريق الجمع بين النقل بالقنوات المائية ونقل المراكب براً، غير أنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً. في حين كانت المواعين (الصنادل) barges تحمل الكثير من إنتاج الغرب الجبلي نزولاً عبر نهري أوهايو والمسيسيبي. ولكن قبل تملك أراضي لويزيانا كان النقل عشوائياً. حتى عصر البخار لم يكن بالإمكان نقل السلع إلا نزولاً عبر الأنهار. وبعد شق قناة إري Erie في ولاية نيويورك بين بحيرة إري ونهر الهدسون بطول 584كم تبدلت تماماً ملامح النقل هناك (الشكل9)، إذ وفرت هذه القناة المزودة بـ 82 صناعة تحكم أسرع وأرخص وسيلة نقل بين وادي أوهايو وساحل الأطلسي، وربطت المنطقة الشمالية الشرقية من ولاية مساشوستس المكتظة سكانياً بمنطقة السهول الكبرىGreat Plains الخصبة، واحتلت مدينة نيويورك بفضلها المكانة الأولى بين موانئ البلاد.
وتعد مدينة لويل Lowell في الولايات المتحدة مهد القنوات النهرية في القارة الأمريكية التي استعملت في إدارة الآلات إلى جانب حركة السفن، وساعدت على تسهيل انتقال الحضارة إلى المناطق النائية. وتجاوز كثير منها الأنهر غير الصالحة للملاحة، وشق بعضها في مجار موازية للأنهار، وربطت أخرى بين المنظومة المائية كلها. وكان الربط بين بحيرة ميتشيغان ونهر إيلينويز ونهر المسيسيبي بداية نمو مدينة شيكاغو. غير أن سرعة النقل عبر القنوات كانت بطيئة، وكانت البغال أو الخيول تجر المراكب على دروب محاذية لضفة القناة بسرعة لا تزيد على 2.5 - 4كم في الساعة (الشكل10).
مع دخول عصر البخار كانت المراكب المائية أول ما استخدم الطاقة الجديدة. ففي عام 1809 كيّف شخص يدعى روبرت فولتون Robert Fulton محركاً بخارياً لإدارة دولاب بمغاديف على مركب مسطح القاع، عرف فيما بعد باسم كليرمون Clermont، وقد قام هذا المركب برحلة صعوداً في نهر الهدسون Hudson River حتى ألباني Albany في 32 ساعة، أي أسرع من المركب الشراعي بثلاثة أضعاف. وفي بضع سنين أصبح كل نهر صالح للملاحة في مناطق الاستيطان في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كثير من أنهار أوربا يضم أسيطيلاً من السفن البخارية (البواخر). وفي عام 1819 كان الفحم والخشب ينقلان إلى ليفربول، إنكلترا على متن السفينة الشراعية ساڤانا Savannah في 29 يوماً، ولما زودت هذه السفينة بمحرك بخاري اجتازت المسافة بثمن المدة.
أما أول قناة دخلت الخدمة البحرية العالمية فهي قناة السويس التي افتتحت عام 1769 (الشكل11). وقد اختصرت قناة السويس مسافات النقل بين الشرق الأقصى وأوربا بنحو 5900 كم. ووضعت الخطط لشق قناة مثلها في أمريكا الوسطى تصل بين المحيطين الهادئ والأطلسي. ولأهمية هذا النقل تم توظيف مهارات هندسية عالية لبناء قناة بنما (الشكل12)، التي استغرق بناؤها ما يقارب الخمسين عاماً، وراح ضحيتَها عشرون ألف عامل. علماً أن التقنيات المستخدمة في إدارتها وحركة السفن عبرها تعدّ آية في الإعجاز الهندسي.
تلقت القنوات النهرية مزاحمة كبيرة جداً مع تطور السكك الحديدية في نهاية القرن التاسع عشر. فأهمل كثير منها وجفف بعضها كما في كندا، أو استعمل مجراها مساراً للسككك الحديدية كما في الولايات المتحدة. وبقيت قناة مانشستر واحدة من قناتين اثنتين فقط قيد الاستخدام في المملكة المتحدة، في حين توسعت القنوات النهرية كثيراً في بلدان أخرى مثل فرنسا، التي ربطت أنهارها المختلفة بشبكة من القنوات النهرية، لتسهيل نقل البضائع والركاب.
كذلك كان تأثير النقل الجوي بالغاً أيضاً، شأنه شأن السكك الحديدية والسيارات، فاندثر معظم القنوات في الولايات المتحدة، مع أنها مازالت تعمل في أوربا. حتى قناة السويس وقناة بنما باتتا عاجزتين عن استيعاب مرور السفن الحربية وسفن الشحن الضخمة التي يزيد عرضها على 60متراً. وتضطر ناقلات النفط اليوم إلى أن تسلك طريقاً طويلاً إلى مناطق التفريغ؛ لأن تكاليف توسيع هاتين القناتين بالغة جداً.
البنية التحتية اللازمة للنقل النهري
تشمل البنية التحتية للنقل النهري مجموعة من المنشآت الميكانيكية والكهربائية ومنظومات الاتصال اللازمة لتنظيم عبور السفن والقوارب النهرية مع ركابها وحمولاتها. وأهم المنشآت الميكانيكية الصنّاعات (الهواويس) وبوابات رفع مستوى المياه أو خفضها بما يسمح بمرور السفن في المجرى على مستويات مختلفة. وأما المعدات الكهربائية ومنظومات الاتصال فهي العمود الفقري لعمليات ضبط وتشغيل النقل النهري ومهمتها التحكم بالصّناعات والبوابات من غرف تحكم مركزية وتحديد أفضلية مرور المراكب. ويخضع النقل النهري غالباً للقوانين المعمول بها في البلد صاحبة الشأن، وتستثنى من ذلك الممرات الدولية التي تخضع للشروط المنصوص عنها في الاتفاقيات الدولية أو المنظمات العالمية كقناة السويس وقناة بنما ومضائق البوسفور والدردنيل وغيرها.
ثانياً ـ النقل البحري
يرجع تاريخ النقل في البحر المتوسط إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وأول مرافئه وأهمها: كنوسوس Knossos في جزيرة كريت وجبيل (بيبلوس) وصيدا وصور الفينيقيان. وقد حفز النشاط التجاري بطبيعة الأحوال حملات الاستكشاف، بحثاً عن مناطق استيطان ومصادر جديدة على سواحل البحر، غير أن المستعمرات بقيت على اتصال مع مواطنها الأصلية وتتعامل معها تجارياً. وتعدّ الحضارة الفينيقية من أولى الحضارات التي استثمرت في مجال النقل البحري، وامتلكت الأساطيل التي جابت البحار. وقد زرع الفينيقيون مستعمراتهم في القرن 11ق.م على سواحل حوض المتوسط كلها، وسيطروا على التجارة البحرية فيه، وأقاموا العديد من الموانئ على سواحله. وجابت سفنهم في القرن السادس ق.م سواحل إفريقيا، وصلت حتى الجزر البريطانية وتاجرت معها بالأقمشة المصبوغة والنحاس و القصدير. وكانوا بالتأكيد أول من أبحر في بحر الظلمات (المحيط الأطلسي).
وكان لتبدل اتجاه الرياح الموسمي دوره في تشجيع الإبحار على طرق بحرية معينة وفي أوقات معينة من السنة. وقد ظلت الملاحة البحرية حتى العصور الكلاسيكية تعتمد على الريح وتلجأ إلى الخلجان المحمية للرسو قريباً من اليابسة من أجل الراحة وقضاء الليل وتجنيد البحارة، على الرغم من تطور السفن الكبيرة وتطور الأشرعة وإمكانية القيام برحلات بعيدة في أعالي البحار (الشكل13).
كان النقل البحري يعتمد في بداياته على قوارب بسيطة من جذوع مجوفة، أو صنعت جوانبها من أغصان أشجار يصف بعضها فوق بعض وتشذب وتوثق بحبال من ألياف النخل أو غيرها، ثم تبطن بحصير. ومن المرجح أن تكون قلوع الحصير قد ظهرت في هذه المرحلة. وكانت هذه الزوارق على صغرها الوسيلة التي استعملها الإنسان للتنقل في بحر العرب والمحيط الهندي وفي الأرخبيل الأندونيسي وأستراليا وغينيا الجديدة. و مع تطور فن الملاحة أصبحت السفن من أهم ما تملكه الدول المطلة على البحار والشرط الأول لتقدمها ومحافظتها على سيادتها (الشكل 14).
كانت السفن المستخدمة في الحرب في العصور القديمة تختلف عن تلك التي تستخدم في التجارة. فالأولى كانت تسمى شواني أو قوادس، وتعتمد على المجدفين في تحركها ومناورتها وتبقى قريبة من خط الساحل. وقد حقق الرومان السيادة على البحر المتوسط بفضل أسطولهم القوي وقضوا على القرصنة فيه منذ القرن الأول ق.م حتى سمي بحر الروم. واستمرت سيطرتهم إلى أن تغلب عليهم المسلمون في معركة ذات الصواري الفاصلة.
كانت السفن التجارية عادة أكبر وأعرض وأبطأ من السفن الحربية، وهي في حاجة إلى أمكنة لشحن البضاعة، وتعتمد على القلوع و الريح أكثر من المجاديف لتسييرها. وكان متوسط طول السفينة التجارية في القرن الثاني الميلادي نحو30م وعرضها 9م، ولها شراع مربع واحد، وتبحر بسرعة 5 عقد ويوجهها مجدافان، واحد من كل جانب يتحكم بهما ذراع الدفة.
في الحقبة التي سيطر فيها الرومان على البحر المتوسط طور نموذج للتجارة يتفق مع اتساع الامبراطورية و مقاطعاتها. ومع أن البحر لم يكن يسمح بالإبحار شتاءً، والسفر فيه غير منتظم فقد كانت الرحلة من الإسكندرية إلى إيطاليا تستغرق أسبوعاً على الأكثر بوجود الريح المواتية. وكان لديهم دليل ملاحي للبحر الأحمر منذ القرن الأول الميلادي. وكانت التجارة رائجة في البحر الأحمر وبحر العرب وعبر المحيط الهندي. كما كان الجمع بين السفر براً وبحراً من الأمور المعتادة، وظل معمولاً به في بعض المناطق حتى استخدام طاقة البخار.
ثمة أدلة كثيرة تثبت أن العرب كانوا على معرفة بالبحر ومنافعه قبل الإسلام، ويعرفون الكثير من أسس فن الملاحة والاستدلال بالنجوم. وفي القرآن آيات كثيرة تتحدث عن البحر والفُلْك التي تجري فيه. وكان العرب الجنوبيون يحتكرون التجارة البحرية في المحيط الهندي ومع الساحل الإفريقي. ومع مرور الزمن صار العرب المسلمون سادة البحار التي تغسل مياهها سواحلهم. وكان لاتساع حركة التجارة في العصرالعباسي مع نزوع دول الأطراف إلى الاستقلال عن الخلافة ـ ولاسيما الأندلس والمغرب وتونس ومصر ـ دور كبير في تحويل البحر المتوسط إلى بحر عربي قروناً عديدة، إلى أن تغلبت عليه الدول البحرية الأوربية بعد سقوط الأندلس. ومن المرجح أن العرب كانوا أول من استعمل الحقة أو بيت الإبرة والأخنان للدلالة على الاتجاهات في البحر [ر: البحرية العربية].
لما بدأ الغرب توسعه البحري كانت الطرق البحرية مفتوحة للجميع. ومال المغامرون والتجار إلى ركوب البحر لرحلاتهم لأنه أكثر أماناً من البر، على الرغم من نشاط القراصنة. وحول الفايكنغ قاربهم الطويل ذا المجاديف الذي ساد بحار الشمال في القرن الثالث للميلاد إلى مركب قوي جابوا به المحيط الأطلسي وغزوا سواحله من أيسلندا إلى إفريقيا(الشكل15). ومهروا في بناء سفن قادرة على القيام برحلات الاستكشاف البعيدة بفضل اختراعهم السكّان (الدفة) وتعميقهم جسم المركب وتشييدهم الطارمة (يسميها الأوربيون «قلعة» castle) فوق كوثل (مؤخر) السفينة. وفي القرن العاشر والحادي عشر أبحر هؤلاء في الأطلسي إلى أمريكا، ولكن لم يتركوا فيها سوى أثر لزيارتهم وحكايات تحولت مع الزمن إلى أساطير. وقد أدى البحث عن طريق مائي سريع إلى الشرق إلى تنافس المغامرين الأوربيين في الوصول إلى القارة الجديدة التي كانوا يجهلون وجودها. وتورطت سفن أمم كثيرة في المنافسة، غير أن الملكيات الاستعمارية القوية، مثل إسبانيا والبرتغال وإنكلترا وفرنسا وهولندا، تمكنت من إرسال حملات قوية إلى ماوراء البحار. وقد فرض عليهم الواقع الجديد التسابق إلى تجديد أساطيلهم البحرية وتسليحها والإنفاق عليها بسخاء لتتمكن من التحكم بخطوط النقل البحري والمحافظة على مستعمراتها. وكان لاكتشافهم إمكانية الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح ـ الذي هو من أهم المسالك البحرية، وكان حكراً على العرب ـ أهمية في ربط أوصال العالم بعضها ببعض، غير أنه فقد أهميته بعد افتتاح قناة السويس.
واعتباراً من القرن التاسع عشر أصبحت حركة النقل البعيدة المدى في العالم تعتمد على الملاحة في أعالي البحار. ولم يكن عصر الكشوف الجغرافية و الاستعمار والاستيطان ممكن الحدوث لو لم يكن بناء السفن قد حقق تقدماً أبعد بكثير مما عرفه العالم القديم. فقد كانت سفينة كولومبوس سانتا ماريا وأمثالها من أفضل أنواع السفن في يومها، وكانت بثلاثة صوار وقلوع مربعة عند الجؤجؤ (المقدمة foremast) وعلى الدقل الرئيسي، وقلوع مثلثة lateen على صاري الكوثل mizzen، وكان ربابنتها وبحارتها أصحاب جرأة ومقدرة. وفي القرون الأربعة التي تلت ازدادت السفن الشراعية حجماً وتعقيداً وقدرة. وصارت قادرة على حمل ملايين الركاب والمتاجرة مع العالم وراء البحار. وامتازت القلبّر clipper ship، وهي سفينة شراعية سريعة، على حساب مواضع الحمولة منها، بكونها من التحسينات التي أدخلتها أمريكا على السفن الشراعية. وقد ظلت القلبّر الأمريكية The Yankee Clipper سيدة البحار في أربعينات وخمسينات القرن 19 حتى بداية عصر البخار.
كانت المشكلة الرئيسية في استخدام السفن البخارية تنحصر في عدم كفاية كمية الوقود التي تحملها واللازمة لعمل المحرك. ومع زيادة حجم السفينة وحجم الوقود الذي تحمله تمكنت سفينتان بريطانيتان أكبر حجماً من «ساڤانا» في عام 1838 من عبور الأطلسي من دون الاستعانة بالقلوع. وتمكنت السفينة غريت وسترن Western Great الأكبر منهما من القيام بالرحلة نفسها في مدة 15 يوماً بحمولتها التي زادت على أربعة أضعاف حمولة ساڤانا.
كانت الخطوة التالية تحسين أجسام المراكب نفسها، فحل الحديد والفولاذ محل الخشب، وحل «الدفّاش» أو العنفة محل الدولاب ذي المغاديف، ومع تطوير المحركات تضاعفت السرعة ثلاثة أضعاف. وبحلول العام 1889 كانت الباخرة قد تخلت تماماً عن استعمال تجهيزات القلوع مع الإبقاء عليها لحالات الطوارئ. ولم ينصرم العقد الأخير من القرن 19 حتى كانت البواخر قد تغلبت على السفن الشراعية وعاشت عصرها الذهبي. ومع اختراع محرك الاحتراق الداخلي ومحرك الديزل تحولت كل السفن الكبيرة والسفن الحربية وناقلات النفط التي تزيد حمولتها على 500000 طن، وكذلك الغواصات إلى استخدام طاقة الديزل.
أنواع السفن
كُيّفت المراكب البحرية والنهرية لتناسب الأغراض التي وجدت من أجلها. فمنها ما هو مخصص للمهام العسكرية كالبارجة والطراد وحاملة الطائرات وغيرها، ومنها ما يستخدم للأغراض التجارية، سواء لنقل الركاب أم الشحن، ومنها ما هو لمهن معينة كسفن الصيد بأنواعها وسفن البراد أو نقل الغاز أو النفط وقواطر الجر والرافعات العائمة. ومن حيث الحجم تقسم المراكب البحرية إلى سفن عملاقة وسفن متوسطة وسفن صغيرة وزوارق ويخوت وقوارب مختلفة (الأشكال 16، 17، 18).
وتختلف تصاميم السفن وأشكالها اعتماداً على أنواع المواد التي تنقلها، ويمكن تصنيفها في اثني عشر نوعاً أساسياً هي : سف2ن الشحن وهي العمود الفقري للأساطيل التجارية، وسفن شحن المواد الصلبة وغالب حمولتها من المواد الغذائية، وناقلات الموائع، وسفن خاصة مثل السفينة البراد وسفن التعليب والصيد، وسفن نقل الآليات، وسفن النقل الساحلي، والعبارات، وسفن النزهة، وسفن مد الكبول، والقواطر، وسفن الحفر، والمواعين والصنادل وهي مخصصة لتفريغ الحمولات من السفن الكبيرة.
البنية التحتية اللازمة للنقل البحري:
تعد الموانئ والمراسي من أهم المنشآت الضرورية للنقل المائي. ولكي تتمكن الموانئ من القيام بدورها في استقبال السفن و توجيهها يجب أن تزود بمنشآت وتجهيزات هندسية وميكانيكية خاصة، مثل أحواض الرسو المناسبة وأرصفة التحميل والتفريغ والمكاسر لصد أمواج البحر والروافع المختلفة والمستودعات، وكذلك الرافعات الشوكية لتحميل الحاويات، ووسائل ضخ الموائع، والسيور الناقلة وغيرها، إضافة إلى وجود المرشدين البحريين والقواطر والرافعات العائمة ووسائل الإرشاد البحري ومنظومة الاتصالات (الشكل19).
القواعد العامة للنقل البحري
تعد حركة السفن في مختلف البحار من أخطر قضايا النقل وأكثر الأمور التي تعنى بها الدول البحرية، وفي مقدمتها مشكلات التأمين. كما تخضع الملاحة البحرية التجارية لأعراف وتقاليد ملزمة لكل من ركب البحر، وقوانين وتشريعات تنص عليها الاتفاقات بين الدول، ومنها ترتيبات الملاحة والإرشاد والتعارف بين السفن [ر: الإرشاد البحري]، ونظام الرسو ودخول الموانئ والخروج منها [ر: الميناء]. وشروط التأمين على المراكب وعلى الركاب والبضاعة ومسؤولية تحميلها وتفريغها، وكذلك الإشارات المتفق عليها للتخاطب بين السفن ومع سلطات الميناء، والمحظورات، والتعليمات الصادرة عن المنظمة الدولية للملاحة البحرية [ر] المسؤولة عن تشريع القوانين الخاصة بالملاحة وحركة السفن في أعالي البحار.
محمد وليد الجلاد
Maritime and river transport - Transports maritimes et fluviaux
النقل البحري والنهري
النقل البحري والنهري maritime and river transportation أو النقل المائي water transportation هو نقل الأشخاص والبضائع من مكان إلى آخر على الطرق المائية بالاستفادة من خاصة التعويم في الماء، وكذلك الوسائل التي يتم بها ذلك النقل. إن نقل كميات كبيرة من البضائع أو أعداد كبيرة من الناس على الماء براحة وأمان يتطلب توافر وسائل آمنة وقادرة على العوم والتحرك ذاتياً، هذه الوسائل هي «المراكب» بأنواعها كالسفن والزوارق والقوارب، وتختلف كل منها عن الأخرى باختلاف وظائفها وحجمها ونوع حمولتها.
يطلق أحياناً على عمليات نقل المواد والسلع بحراً اسم «الشحن البحري». وعلى عمليات النقل عبر الأنهار والقنوات الملاحية اسم «النقل النهري». وقد شهد النقل البحري في القرن العشرين تطوراً كبيراً من حيث الكم والنوع ومن حيث الوسائل الملاحية المستعملة فيه، وصار النفط الخام ومشتقاته و الغاز المميع من أهم المواد المنقولة بحراً. أما النقل النهري فقد سبق النقل البحري بفارق زمني كبير. ومارسته البشرية منذ عصورها الأولى للتنقل ونقل البضائع عبر مجاري الأنهر.
لمحة تاريخية
أدرك الإنسان الأول في بحثه عن الوسائل التي تعينه على التنقل و نقل أشيائه إمكانية الإفادة من خاصة العوم في المياه ومن قوة الريح. ولاشك أن اهتمامه الأول تركز على استغلال المياه الجارية. وهذا ما فعله المصريون القدماء حين نقلوا الحجارة الضخمة لبناء الأهرام مستعينين بالأرماث والمراكب القادرة على حملها في النيل. وبسبب الاعتماد على النقل المائي للمتاجرة والتنقل نشأت أقدم المدن، باستثناء القليل منها، على ضفاف الأنهار وسواحل البحار الصغيرة والضيقة. ومع غياب أي منظومة ملاحة فلكية متطورة استعان إنسان الحضارات القديمة بأشكال الأرض الجغرافية والنجوم للتوجه في النهر والبحر، متجنباً الابتعاد كثيراً عن البر. ومع اعتماد المراكب على الريح في حركتها بعد اختراع الشراع، لجأ الإنسان إلى اختيار أماكن رسوٍ لها في الأماكن المحمية من البحار الضيقة. وهكذا أبحر الناس بنجاح في بحار البلطيق والمتوسط والأحمر والأسود والخليج العربي وبحر العرب وخليج البنغال ومضيق ملقا وبحار الصين وأنهارها العظيمة. واجتذبت الخلجان النهرية والبحرية الآمنة المستوطنين إليها، وتحولت أوروك Erech على الفرات، وممفيس Memphis على النيل، وموهنجوـ دارو على نهر السند Indus River في الألف الرابع قبل الميلاد إلى مراكز مدينية على مجاري أنهار قابلة للملاحة.
أولاً ـ النقل النهري
|
الشكل (1) |
|
الشكل (2) |
|
الشكل (3) |
|
الشكل (4) |
|
الشكل (5) |
|
الشكل (6) |
|
الشكل (7) |
|
الشكل (8) |
|
الشكل (9) |
|
الشكل (10) |
|
الشكل (11) |
|
الشكل (12) |
مارس الإنسان الري بالمياه الجارية منذ ما قبل التاريخ، غير أن الري بالراحة يفترض أن يكون مستوى الماء أعلى من مستوى الأرض التي يرويها. وهو أمر نادر الحدوث في معظم المناطق الزراعية وخاصة الأراضي البعيدة عن المجرى. وقد تجلت عبقرية الإنسان، وخاصة في مصر وبلاد الرافدين، عن ابتكار وسائل مختلفة لرفع الماء، وفي مقدمتها النواعير [ر] والقنوات والقناطر [ر] ومحابس الماء[ر]. ولم يكن في المستطاع توفير منظومات الري وصيانتها من دون وجود حكومات قوية وقادرة، كالسلالات الحاكمة في أكد وسومر وبابل وآشور وفراعنة مصر (الشكل3).
إن أقدم القنوات والترع المعروفة تاريخياً تلك التي وجدت في بلاد الرافدين والشام وتعود إلى أربعة آلاف عام. وقد استخدمت في النقل المائي، كشطِّ العرب، وفي الري. ففي القرن السابع ق.م جرّ سنحريب Sennacherib ملك آشور المياه إلى نينوى في أكثر من 12 قناة، شيدت إحداها على قناطر هائلة. وكانت الحدائق المعلقة في بابل تروى في القرن السادس ق.م بمياه ترفع من نهر الفرات القريب منها. وقد كيَّف المصريون القدماء قنوات الري لتصبح صالحة لسير المراكب في عهد المملكة القديمة (الشكل 4). وفي القرن 19ق.م تمّ شق قناة للالتفاف على الشلال الأول على النيل. وفي القرن الخامس قبل الميلاد أمر داريوس ملك فارس بتجديد قناة كان سنوسرت الثالث قد شقها لتربط النيل بخليج السويس على البحر الأحمر، وقد طمرت تلك القناة بمرور الزمن وأعيد فتحها وتنظيفها أكثر من مرة وجددها عمرو ابن العاص عام الرمادة بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب] لنقل الحبوب من مصر إلى الحجاز. غير أن الطريق المائي الصنعي الأقدم والأطول والأهم في العالم هو القناة التي شقّها الصينيون ابتداء من القرن الثامن ق.م وعرفت باسم «الخندق العظيم». وكانت تربط بين البحر الأصفر ونهر هوي Huai River، وهي الجزء الأول من القنال الكبرى Grand Canal (الشكل5) بين بكين ومدينة هانزو، ويبلغ طولها 1794كم، وقد استمر العمل على بنائها أربع سنوات وما تزال تعمل إلى اليوم.
أتقن اليونان القدامى والرومان كذلك بناء القناطر والقنوات لتوفير المياه لمدنهم واستخدموها في النقل على نطاق واسع. وهناك العديد من القنوات التي تعود إلى عصر الامبراطورية الرومانية في بلاد الشام الأناضول وفي أوربا. لعل أهمها قناة فوس دايك Foss Dyke التي شقت سنة 120ميلادي في المملكة المتحدة. ومن المنجزات الحضارية في تلك الحقبة قنوات جر المياه المغلقة، كقناة أفقا التدمرية على سبيل المثال، وهي في الواقع أول خطوط أنابيب عرفها الإنسان. ويعد الصينيون في الواقع أصحاب هذا الابتكار. فقد أقاموا خطّاً من أنابيب قصب البامبو في القرن العاشر ق.م لنقل الغاز الطبيعي إلى مناقع الملح من أجل إزالة المياه وترسيب الملح.
يعتمد النقل النهري أساساً على الأنهار الصالحة للملاحة، كأنهار النيل والدجلة والفرات والسند والغانج والأمازون وغيرها، كما يعتمد على القنوات الصنعية التي يتم شقها لتغيير اتجاه مجرى مائي أو تخفيف جريانه أو للوصل بين حوضين مائيين لتخديم المناطق الصناعية والزراعية وتوفير وسيلة نقل سهلة وبسيطة. ويتطلب النقل النهري شروطاً معينة يجب توافرها في المجرى، ومنها صلاحيته لمرور المراكب من حيث خلوه من مساقط المياه والعوائق التي تعوق سير المراكب، وتوافر العرض والعمق المناسبين لنوع المراكب التي تمر فيه، وإمكانية التحكم بسرعة جريان الماء أو فروق الارتفاع عن طريق الصنّاعات (الهويس) والبوابات.
لم يحدث تطور مميز في النقل المائي حتى عصر النهضة. وبدءاً من القرن الثاني عشر تجدد نشاط النقل النهري في أوربا، وفتح استعمال البوّابات والصنّاعات المجال لبناء القنوات والسدود بمستويات مختلفة وتنظيم مرور السفن عبر المجاري المائية. ونشب بسبب ذلك نزاع شديد بين أصحاب المصانع والطواحين التي تعتمد على تدفق المياه لإدارة آلاتهم، وبين المسؤولين عن عمليات النقل (الشكل6) لأن حبس المياه لرفع منسوبها أو خفضه خلف البوابات يؤثر في شدة جريان الماء في النهر، و يخفف من قدرته على إدارة الآلات. ومع ذلك تطور بناء القنوات تطوراً كبيراً من حيث النوعية والطول. ومع بدء الثورة الصناعية أصبحت الطرق المائية الوسيلة الأساسية لنقل منتجات الصناعة وموادها الأولية وخاصة في بريطانيا وأيرلندا وفرنسا. وقد أدى افتتاح قناة بريدجووتر Bridgewater Canal (الشكل7) في القرن 18 بين مناجم الفحم في ورزلي Worsley ومانشستر Manchester في إنكلترا بطول 16كم إلى خفض سعر الفحم إلى النصف، وساعد على تطور الصناعات النسيجية في مدينة مانشستر في وجه مزاحمة الأسواق العالمية. وأدى هذا النجاح إلى ما يمكن تسميته بحمى إنشاء الاقنية، فتم في مدى ستين عاماً إنشاء مئة قناة للنقل النهري في المملكة المتحدة وحدها.
في عام 1766 قرر لويس الرابع عشر (1638ـ1715) تحسين أحوال التجارة في فرنسا فمنح وزيره كولبير Colbert مهندساً يدعى بيير بول دي ريكيه Pierre Paul de Riquet تفويضاً بشق قناة دي ميدي Canal du Midi (الشكل8) بتمويله الخاص بين البحر المتوسط ونهر غارون Garonne River الذي يصب في المحيط الأطلسي. وقد بلغ طول القناة 240كم ولم تكن شيئاً عادياً. فقد كانت القنوات قبلها ذات مجرى مستو أو تتخللها سلسلة من المستويات المائلة، تجر فيها المراكب بالحبال. أما هذه القناة التي استغرق شقها 15 عاماً وأنجزت عام 1681 فكان عليها أكثر من 100 صنّاعة (هويس) [ر] لرفع مستوى الماء أو خفضه لمرور المراكب.
تعد الحقبة بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر العصر الذهبي لبناء القنوات الملاحية. فتضاعف طول الطرق المائية الصالحة للملاحة في إنكلترا في هذه السنوات أربعة أضعاف. واجتاحت أوربا موجة شق القنوات المائية لتسهيل حركة السفن. وتم ربط بحر الشمال ببحر البلطيق خلال الدنمارك، كما تم ربط بحر الشمال بالبحر الإيرلندي عبر سكوتلندا. وفي روسيا بدأت أعمال ربط البلطيق ببحر الخزر.
تطلب توسع الولايات المتحدة غرباً وجود طرق للمهاجرين وللعمليات العسكرية وللتجارة بين الشرق المستقر والحدود الغربية وإجراء تحسينات داخلية سريعة. ولما كانت الأرض صعبة المسالك وجبال الأبالاش تقف حائلاً يصعب تجاوزه كان البديل الوحيد الطرق المائية الصالحة للملاحة عبر الأنهار الطبيعية أو الصنعية. فقد جرت محاولة جريئة في بنسلفانيا لبلوغ نهر أوهايو عن طريق الجمع بين النقل بالقنوات المائية ونقل المراكب براً، غير أنها أخفقت إخفاقاً ذريعاً. في حين كانت المواعين (الصنادل) barges تحمل الكثير من إنتاج الغرب الجبلي نزولاً عبر نهري أوهايو والمسيسيبي. ولكن قبل تملك أراضي لويزيانا كان النقل عشوائياً. حتى عصر البخار لم يكن بالإمكان نقل السلع إلا نزولاً عبر الأنهار. وبعد شق قناة إري Erie في ولاية نيويورك بين بحيرة إري ونهر الهدسون بطول 584كم تبدلت تماماً ملامح النقل هناك (الشكل9)، إذ وفرت هذه القناة المزودة بـ 82 صناعة تحكم أسرع وأرخص وسيلة نقل بين وادي أوهايو وساحل الأطلسي، وربطت المنطقة الشمالية الشرقية من ولاية مساشوستس المكتظة سكانياً بمنطقة السهول الكبرىGreat Plains الخصبة، واحتلت مدينة نيويورك بفضلها المكانة الأولى بين موانئ البلاد.
وتعد مدينة لويل Lowell في الولايات المتحدة مهد القنوات النهرية في القارة الأمريكية التي استعملت في إدارة الآلات إلى جانب حركة السفن، وساعدت على تسهيل انتقال الحضارة إلى المناطق النائية. وتجاوز كثير منها الأنهر غير الصالحة للملاحة، وشق بعضها في مجار موازية للأنهار، وربطت أخرى بين المنظومة المائية كلها. وكان الربط بين بحيرة ميتشيغان ونهر إيلينويز ونهر المسيسيبي بداية نمو مدينة شيكاغو. غير أن سرعة النقل عبر القنوات كانت بطيئة، وكانت البغال أو الخيول تجر المراكب على دروب محاذية لضفة القناة بسرعة لا تزيد على 2.5 - 4كم في الساعة (الشكل10).
مع دخول عصر البخار كانت المراكب المائية أول ما استخدم الطاقة الجديدة. ففي عام 1809 كيّف شخص يدعى روبرت فولتون Robert Fulton محركاً بخارياً لإدارة دولاب بمغاديف على مركب مسطح القاع، عرف فيما بعد باسم كليرمون Clermont، وقد قام هذا المركب برحلة صعوداً في نهر الهدسون Hudson River حتى ألباني Albany في 32 ساعة، أي أسرع من المركب الشراعي بثلاثة أضعاف. وفي بضع سنين أصبح كل نهر صالح للملاحة في مناطق الاستيطان في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كثير من أنهار أوربا يضم أسيطيلاً من السفن البخارية (البواخر). وفي عام 1819 كان الفحم والخشب ينقلان إلى ليفربول، إنكلترا على متن السفينة الشراعية ساڤانا Savannah في 29 يوماً، ولما زودت هذه السفينة بمحرك بخاري اجتازت المسافة بثمن المدة.
أما أول قناة دخلت الخدمة البحرية العالمية فهي قناة السويس التي افتتحت عام 1769 (الشكل11). وقد اختصرت قناة السويس مسافات النقل بين الشرق الأقصى وأوربا بنحو 5900 كم. ووضعت الخطط لشق قناة مثلها في أمريكا الوسطى تصل بين المحيطين الهادئ والأطلسي. ولأهمية هذا النقل تم توظيف مهارات هندسية عالية لبناء قناة بنما (الشكل12)، التي استغرق بناؤها ما يقارب الخمسين عاماً، وراح ضحيتَها عشرون ألف عامل. علماً أن التقنيات المستخدمة في إدارتها وحركة السفن عبرها تعدّ آية في الإعجاز الهندسي.
تلقت القنوات النهرية مزاحمة كبيرة جداً مع تطور السكك الحديدية في نهاية القرن التاسع عشر. فأهمل كثير منها وجفف بعضها كما في كندا، أو استعمل مجراها مساراً للسككك الحديدية كما في الولايات المتحدة. وبقيت قناة مانشستر واحدة من قناتين اثنتين فقط قيد الاستخدام في المملكة المتحدة، في حين توسعت القنوات النهرية كثيراً في بلدان أخرى مثل فرنسا، التي ربطت أنهارها المختلفة بشبكة من القنوات النهرية، لتسهيل نقل البضائع والركاب.
كذلك كان تأثير النقل الجوي بالغاً أيضاً، شأنه شأن السكك الحديدية والسيارات، فاندثر معظم القنوات في الولايات المتحدة، مع أنها مازالت تعمل في أوربا. حتى قناة السويس وقناة بنما باتتا عاجزتين عن استيعاب مرور السفن الحربية وسفن الشحن الضخمة التي يزيد عرضها على 60متراً. وتضطر ناقلات النفط اليوم إلى أن تسلك طريقاً طويلاً إلى مناطق التفريغ؛ لأن تكاليف توسيع هاتين القناتين بالغة جداً.
البنية التحتية اللازمة للنقل النهري
تشمل البنية التحتية للنقل النهري مجموعة من المنشآت الميكانيكية والكهربائية ومنظومات الاتصال اللازمة لتنظيم عبور السفن والقوارب النهرية مع ركابها وحمولاتها. وأهم المنشآت الميكانيكية الصنّاعات (الهواويس) وبوابات رفع مستوى المياه أو خفضها بما يسمح بمرور السفن في المجرى على مستويات مختلفة. وأما المعدات الكهربائية ومنظومات الاتصال فهي العمود الفقري لعمليات ضبط وتشغيل النقل النهري ومهمتها التحكم بالصّناعات والبوابات من غرف تحكم مركزية وتحديد أفضلية مرور المراكب. ويخضع النقل النهري غالباً للقوانين المعمول بها في البلد صاحبة الشأن، وتستثنى من ذلك الممرات الدولية التي تخضع للشروط المنصوص عنها في الاتفاقيات الدولية أو المنظمات العالمية كقناة السويس وقناة بنما ومضائق البوسفور والدردنيل وغيرها.
ثانياً ـ النقل البحري
|
الشكل (13) |
|
الشكل (14) |
وكان لتبدل اتجاه الرياح الموسمي دوره في تشجيع الإبحار على طرق بحرية معينة وفي أوقات معينة من السنة. وقد ظلت الملاحة البحرية حتى العصور الكلاسيكية تعتمد على الريح وتلجأ إلى الخلجان المحمية للرسو قريباً من اليابسة من أجل الراحة وقضاء الليل وتجنيد البحارة، على الرغم من تطور السفن الكبيرة وتطور الأشرعة وإمكانية القيام برحلات بعيدة في أعالي البحار (الشكل13).
كان النقل البحري يعتمد في بداياته على قوارب بسيطة من جذوع مجوفة، أو صنعت جوانبها من أغصان أشجار يصف بعضها فوق بعض وتشذب وتوثق بحبال من ألياف النخل أو غيرها، ثم تبطن بحصير. ومن المرجح أن تكون قلوع الحصير قد ظهرت في هذه المرحلة. وكانت هذه الزوارق على صغرها الوسيلة التي استعملها الإنسان للتنقل في بحر العرب والمحيط الهندي وفي الأرخبيل الأندونيسي وأستراليا وغينيا الجديدة. و مع تطور فن الملاحة أصبحت السفن من أهم ما تملكه الدول المطلة على البحار والشرط الأول لتقدمها ومحافظتها على سيادتها (الشكل 14).
كانت السفن المستخدمة في الحرب في العصور القديمة تختلف عن تلك التي تستخدم في التجارة. فالأولى كانت تسمى شواني أو قوادس، وتعتمد على المجدفين في تحركها ومناورتها وتبقى قريبة من خط الساحل. وقد حقق الرومان السيادة على البحر المتوسط بفضل أسطولهم القوي وقضوا على القرصنة فيه منذ القرن الأول ق.م حتى سمي بحر الروم. واستمرت سيطرتهم إلى أن تغلب عليهم المسلمون في معركة ذات الصواري الفاصلة.
كانت السفن التجارية عادة أكبر وأعرض وأبطأ من السفن الحربية، وهي في حاجة إلى أمكنة لشحن البضاعة، وتعتمد على القلوع و الريح أكثر من المجاديف لتسييرها. وكان متوسط طول السفينة التجارية في القرن الثاني الميلادي نحو30م وعرضها 9م، ولها شراع مربع واحد، وتبحر بسرعة 5 عقد ويوجهها مجدافان، واحد من كل جانب يتحكم بهما ذراع الدفة.
في الحقبة التي سيطر فيها الرومان على البحر المتوسط طور نموذج للتجارة يتفق مع اتساع الامبراطورية و مقاطعاتها. ومع أن البحر لم يكن يسمح بالإبحار شتاءً، والسفر فيه غير منتظم فقد كانت الرحلة من الإسكندرية إلى إيطاليا تستغرق أسبوعاً على الأكثر بوجود الريح المواتية. وكان لديهم دليل ملاحي للبحر الأحمر منذ القرن الأول الميلادي. وكانت التجارة رائجة في البحر الأحمر وبحر العرب وعبر المحيط الهندي. كما كان الجمع بين السفر براً وبحراً من الأمور المعتادة، وظل معمولاً به في بعض المناطق حتى استخدام طاقة البخار.
ثمة أدلة كثيرة تثبت أن العرب كانوا على معرفة بالبحر ومنافعه قبل الإسلام، ويعرفون الكثير من أسس فن الملاحة والاستدلال بالنجوم. وفي القرآن آيات كثيرة تتحدث عن البحر والفُلْك التي تجري فيه. وكان العرب الجنوبيون يحتكرون التجارة البحرية في المحيط الهندي ومع الساحل الإفريقي. ومع مرور الزمن صار العرب المسلمون سادة البحار التي تغسل مياهها سواحلهم. وكان لاتساع حركة التجارة في العصرالعباسي مع نزوع دول الأطراف إلى الاستقلال عن الخلافة ـ ولاسيما الأندلس والمغرب وتونس ومصر ـ دور كبير في تحويل البحر المتوسط إلى بحر عربي قروناً عديدة، إلى أن تغلبت عليه الدول البحرية الأوربية بعد سقوط الأندلس. ومن المرجح أن العرب كانوا أول من استعمل الحقة أو بيت الإبرة والأخنان للدلالة على الاتجاهات في البحر [ر: البحرية العربية].
|
الشكل (15) |
واعتباراً من القرن التاسع عشر أصبحت حركة النقل البعيدة المدى في العالم تعتمد على الملاحة في أعالي البحار. ولم يكن عصر الكشوف الجغرافية و الاستعمار والاستيطان ممكن الحدوث لو لم يكن بناء السفن قد حقق تقدماً أبعد بكثير مما عرفه العالم القديم. فقد كانت سفينة كولومبوس سانتا ماريا وأمثالها من أفضل أنواع السفن في يومها، وكانت بثلاثة صوار وقلوع مربعة عند الجؤجؤ (المقدمة foremast) وعلى الدقل الرئيسي، وقلوع مثلثة lateen على صاري الكوثل mizzen، وكان ربابنتها وبحارتها أصحاب جرأة ومقدرة. وفي القرون الأربعة التي تلت ازدادت السفن الشراعية حجماً وتعقيداً وقدرة. وصارت قادرة على حمل ملايين الركاب والمتاجرة مع العالم وراء البحار. وامتازت القلبّر clipper ship، وهي سفينة شراعية سريعة، على حساب مواضع الحمولة منها، بكونها من التحسينات التي أدخلتها أمريكا على السفن الشراعية. وقد ظلت القلبّر الأمريكية The Yankee Clipper سيدة البحار في أربعينات وخمسينات القرن 19 حتى بداية عصر البخار.
|
الشكل (16) |
|
الشكل (17) |
|
الشكل (18) |
كانت الخطوة التالية تحسين أجسام المراكب نفسها، فحل الحديد والفولاذ محل الخشب، وحل «الدفّاش» أو العنفة محل الدولاب ذي المغاديف، ومع تطوير المحركات تضاعفت السرعة ثلاثة أضعاف. وبحلول العام 1889 كانت الباخرة قد تخلت تماماً عن استعمال تجهيزات القلوع مع الإبقاء عليها لحالات الطوارئ. ولم ينصرم العقد الأخير من القرن 19 حتى كانت البواخر قد تغلبت على السفن الشراعية وعاشت عصرها الذهبي. ومع اختراع محرك الاحتراق الداخلي ومحرك الديزل تحولت كل السفن الكبيرة والسفن الحربية وناقلات النفط التي تزيد حمولتها على 500000 طن، وكذلك الغواصات إلى استخدام طاقة الديزل.
أنواع السفن
كُيّفت المراكب البحرية والنهرية لتناسب الأغراض التي وجدت من أجلها. فمنها ما هو مخصص للمهام العسكرية كالبارجة والطراد وحاملة الطائرات وغيرها، ومنها ما يستخدم للأغراض التجارية، سواء لنقل الركاب أم الشحن، ومنها ما هو لمهن معينة كسفن الصيد بأنواعها وسفن البراد أو نقل الغاز أو النفط وقواطر الجر والرافعات العائمة. ومن حيث الحجم تقسم المراكب البحرية إلى سفن عملاقة وسفن متوسطة وسفن صغيرة وزوارق ويخوت وقوارب مختلفة (الأشكال 16، 17، 18).
وتختلف تصاميم السفن وأشكالها اعتماداً على أنواع المواد التي تنقلها، ويمكن تصنيفها في اثني عشر نوعاً أساسياً هي : سف2ن الشحن وهي العمود الفقري للأساطيل التجارية، وسفن شحن المواد الصلبة وغالب حمولتها من المواد الغذائية، وناقلات الموائع، وسفن خاصة مثل السفينة البراد وسفن التعليب والصيد، وسفن نقل الآليات، وسفن النقل الساحلي، والعبارات، وسفن النزهة، وسفن مد الكبول، والقواطر، وسفن الحفر، والمواعين والصنادل وهي مخصصة لتفريغ الحمولات من السفن الكبيرة.
البنية التحتية اللازمة للنقل البحري:
|
الشكل (19) |
القواعد العامة للنقل البحري
تعد حركة السفن في مختلف البحار من أخطر قضايا النقل وأكثر الأمور التي تعنى بها الدول البحرية، وفي مقدمتها مشكلات التأمين. كما تخضع الملاحة البحرية التجارية لأعراف وتقاليد ملزمة لكل من ركب البحر، وقوانين وتشريعات تنص عليها الاتفاقات بين الدول، ومنها ترتيبات الملاحة والإرشاد والتعارف بين السفن [ر: الإرشاد البحري]، ونظام الرسو ودخول الموانئ والخروج منها [ر: الميناء]. وشروط التأمين على المراكب وعلى الركاب والبضاعة ومسؤولية تحميلها وتفريغها، وكذلك الإشارات المتفق عليها للتخاطب بين السفن ومع سلطات الميناء، والمحظورات، والتعليمات الصادرة عن المنظمة الدولية للملاحة البحرية [ر] المسؤولة عن تشريع القوانين الخاصة بالملاحة وحركة السفن في أعالي البحار.
محمد وليد الجلاد