ذكريات المعلم فاتح المدرس في سطور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكريات المعلم فاتح المدرس في سطور

    ذكريات المعلم فاتح المدرس
    سعد القاسم
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	336388612_921054392263375_7380275304746027817_n.jpg 
مشاهدات:	6 
الحجم:	156.5 كيلوبايت 
الهوية:	83735

    أثناء إعداد سلسلة حلقات (متحف الوطن الافتراضي) حول المعلم فاتح المدرس التي تزامنت مع مئوية ولادته طلبت من الفنان والباحث أسعد عرابي أن يكتب عن ذكرياته مع المدرس خلال الفترة اتي شاركه معه في التدريس بكلية الفنون الجميلة، إذ أن السلسلة قد عرضت شهادة اثنين من طلابه من مرحلتين متتاليتين، المرحوم رضا حسحس وأنا، ووجدت حاجة إلى شهادة مدرس عرف فاتح المدرس عن قرب، وقد لبى الصديق أسعد عرابي طلبي مشكوراً فكان هذا النص الذي عنونه ب (الشراكـة الوجوديـة في التدريس في كليـة الفنـون - شهـادة أسعـد عرابـي). وأرفق معها لوحة تجمع بين أسلوب المدرس وأسلوبه. يقول عرابي:
    - ليس من السهل القبض على مسار أحادي في شخصية "فاتح المدرس" (مثل بقية معاصريه)، فشخصيته بالغة التناقض ولكن عند الاحتكاك به كصديق نجدها بالغة التوحّد مثل فنه. وبالتالي فإن علاقتي الصدوقة معه ليست فقط من تقديري لعبقرية لوحته وإنما لأنه لا يمكن التفريق بين عالمه الداخلي وسلوكه اليومي خاصة، مثل طريقته التربوية في كلية الفنون وخاصة عالم محترفه المفتوح لزوار وعابرين يعاقرون ويشاركون كؤوس خمرته الكحولية، ثم يخرجون من ضباب الثمل والدخان فينساهم وينسى أسماءهم ويتجدّر بالعكس في ذاكرتهم. ينتشي كل يوم بالعبور من مشروع صديق جلسة آنية، بدليل أنه يقطع مباغتة هذا الأنس ويتجه إلى لوحة قيد الإنجاز والتحول. كثيراً ما كنت أشهد لديه "معلولا" والتكوينات المدماكية التي تشبه تنظيمها العريق. وغالباً ما كنت أراوده في مرسمه مستقلاً من غمامياته الميثولوجية لأتأمّل شظايا أوراق حكمته في هزيع الليل مخططة على مزق وملصقة على سقف المجلس، بين هذه الجمل الشائعة نتجول في أصالة الفكر القلق والنخبوي لفاتح على غرار عبارة: "لا يهطل المطر على الفقراء."
    - أما صورة "جان بول سارتر" التي تحتل موقعها ضمن شظايا وريقات حكمته وباستقرار لا يتبدل موقعها، هي نقطة علام رئيسية في محاولة إثالة الضباب عن شخصيته.
    - إذا تعرف في باريس على خاتم الفلسفة الوجودية بالصدفة فإن سارتر تعلق به عندما تعرف على بعده الوجودي في لوحات فاتح، كاشفاً ستار هذا التعلق الفكري (رغم أن فاتح كان زائراً بيروقراطياً لباريس يلبي اكراهاً رسمياً بتحضير الدراسة العليا).
    يصرح سارتر بأن "لوحات فاتح أقرب إلى وجوديته من جياكوميتي".
    وقع إذاً في شخصية فاتح المركبة (تلميذ الفلسفة في لبنان). تتجلى هذه الوجودية في عدم التزام فاتح بأي فكر سياسي ،(بما فيه الفكر القومي السوري)، وعبثية علاقته العائلية والوظيفية والرسمية (تسلم لفترة مسؤولية نقابة الفنون). وأخيراً التربوية التدريسية في كلية الفنون قسم التصوير (ساحة التحرير).
    طلبت مراراً من مدير الإدارة الدمث خليل الصيرفي أن أكون في العام الدراسي شريكاً لفاتح في الإشراف على نفس طلاب المحترف لمحبتي وتقديري لفنه.
    أعلم فيما بعد أن هذه كانت أيضاً رغبته هو بالتبادل. بما أننا متقاربين في عنوان المسكن، فكان أتوبيس المنطقة يجمعنا للوصول إلى عملنا، لكنه غالباً ما كان غائباً متأخراُ عن الوصول بسبب إعياء سهرته السابقة، وغالباً ما كان يحمل معه ثمرة (خاصة الرمان) ليضمن صحوه وهو يقضمها في حضور الطلبة.
    - كثيراًما كانت فوضويته وقوة شخصيته تحرجني كشريك أمام الطلبة، فأسلوبه الذي يعتمد على الإلماح أكثر من التصريح يصلح لطلبة ما بعد الماجستير، فنانين تلامذه حتى يتمكنوا من ارتشاف بركانه التعبيري وقدرته الشجاعة على الهدم في اللوحة أكثر من البناء.
    - صادف ذات مرة أن دخل الصالة متأخراً واتجه مباشرة إلى لوحة إحدى الطالبات، وبدأ بخلط الألوان على "الباليتا" بسخاء خلاق. ثم حمل هذه الإشتقاقات الحدسية إلى لوحتها البالغة العناية منذ أيام، وكانت المصيبة عندما بدأ يعالج ما بقي منها بالسكين، انفجرت الطالبة بالبكاء وانهارت أعصابها ورمت فرشاتها وخرجت من القاعة مما أغضب فاتح، حاولت أن اهدؤه وأقنعته بما أملك عليه من دالة أن ينتظر في غرفة الأساتذة وهكذا كان.
    خرج أغلب الطلبة انتصاراً لها وتوقف العمل في الوقت الذي كانت تشتكي هي للإدارة، منتقدة موقفي (أني لم أحرك ساكناً)، وعندما استدعاني عميد الكلية الأستاذ حماد، طلبت منه أن يسعى لتوفير سلايد لأعمال فاتح لأعرضها على نفس الطلبة في الصالة النظرية. لبى الطلاب دعوة الإدارة لاجتماعي معهم. وكان لقاء لا أنساه تحول من غضب إلى مباركة وانحياز لفاتح لا مثيل له، فلم يكونوا على دراية كافية بأصالة مختبره الحدسي والوجودي، كنت قادراً على إقتاعهم بتفوقه على بقية الأساتذة وأنه يحتاج فقط إلى طلاب أشد خبرة حتى ينهلوا من منابعه الثرية، وأصبحت في الجلسات التالية أكثر تدخلاً بشرح مشاكل المادة والضوء ونحت اللوحة، وكان فاتح يوافقني غالباً، وحينما نختلف أمام الطلبة يمر النقاش بمحبة وسلام وتقدير متبادل. بين هؤلاء في تلك السنة الدراسية وباعتراف الأستاذ حماد بأنهم كانوا من الأنضج تدريباً.
    لم تكن هذه الحادثة يتيمة فقد كانت علاقتنا وشيجة خاصة في بيروت من خلال لقاءاتنا في غاليري وان التي يديرها الشاعر الحداثي يوسف الخال . وشدت أيضاً من أزره حينها مثقفة ورسامة لبنانية من أصل سوري وهي إيتيل عدنان (مثل يوسف الخال ومثلي ومثل فاتح نفسه).
    كانت صداقتي إذاً مع فاتح عمودية (داخل قاعة التدريس وخارجها) حتى على مستوى الأسلوب التعبيري لدرجة أني عرضت ذات مرة لوحة تجمع أسلوبينا، أعدتها من الذاكرة منذ سنوات قريبة (لأن السابقة مقتناة في الولايات المتحدة)، أحب أن ترافق هذه الشهادة.


يعمل...
X