نتح
Transpiration - Transpiration
النتح
النتح transpiration آخر مرحلة من مراحل حركة الماء في النبات إذ تطرح الأوراق، خاصة، جزءاً من الماء الذي امتصته الجذور إلى الوسط الخارجي. وتخضع كميات الماء المطروحة ـ إلى حد ما ـ لسيطرة النبات، الأمر الذي يميزها من حادثة التبخر evaporation الفيزيائية البحتة.
قياس النتح
يقاس نتح نبات ما، إما بتقدير كمية الماء الضائعة منه في وسط معزول، وامتصاصها بوساطة مادة ماصة للماء مثل كلوريد الكلسيوم CaCl2 أو خامس أكسيد الفوسفور P2O5 أو حمض الكبريت الكثيف H2SO4، وإما بقياس نقصان وزن النبات في زمن محدد، مع أخذ الاحتياطات الضرورية لعزل التربة في الوعاء بإحكام إغلاقها في أثناء القياس. وتفضل عادة الطريقة الثانية لتركها النبات في وسطه الطبيعي، أما التبدلات الطفيفة الناتجة من المبادلات الغازية للتنفس والتركيب الضوئي فيمكن عدّها ضئيلة مقارنة بعملية النتح، ومن ثمّ يمكن إهمالها. ويكتفى في بعض الحالات بعزل ورقة أو غصن، على سبيل المثال، ووزنها عند فصلها، وإعادة وزنها بعد دقيقتين أو أكثر لمعرفة كمية الماء التي فقدتها العينة المدروسة. ويمكن قياس شدة النتح في بعض الحالات باستخدام مقياس الشرب أو المشرب potometer الذي يقيس كمية الماء التي يمتصها غصن مقطوع في فترة زمنية معينة، مع افتراض ثبات المحتوى المائي للغصن في فترة التجربة.
يراوح متوسط قيم النتح ـ التي تم التوصل إليها بالطرق السابقة ـ بين 0.1 و0.5 مغ ماء في الساعة لكل دم2 من سطح الأوراق النباتية، ويمكن لهذه القيم أن تصل في بعض الحالات إلى 5 غ/سا/دم2. وقد تم حساب كمية الماء التي تضيع بعملية النتح من شجرة قيقب érable ارتفاعها 15م وتحمل/170/ألف ورقة أو ما يعادل 60م2، فوجد أنها تعادل 300 لتر ماء بالساعة، وذلك في ساعات بعد الظهر الحارة، وأن هكتاراً من الأرض المزروعة بنباتات الفصيلة النجيلية Graminacées ينتح 250 طناً من الماء في السنة، وعندما تقل معدلات النتح فإنها تصل إلى 0.01غ/سا/دم2 أو أقل من ذلك في النباتات أليفة الجفاف Xérophytes. والواقع أن إنتاج غرام واحد من المادة النباتية الحية يتطلب مرور 300غ ماء داخل النبات، وهو ما يعرف بمعامل النتح coefficient de transpiration، وعموماً فإن الأمطار الطبيعية والثلوج والندى هي التي توفر حاجة النباتات الطبيعية من الماء، أما الأراضي المزروعة والزراعات المائية فإن الأمر يتطلب في بعض الظروف المناخية إجراء عمليات رش أو ري التربة مباشرة، وبذلك يسهم الماء في خلق مناخات دقيقة microclimats. ولابد هنا من الإشارة إلى أن العمل في الحقل أو البيوت الزجاجية يتطلب الانتباه إلى تنافس عوامل عديدة لتحرير الماء في الجو المحيط بدءاً من عمليات التبخر الفيزيائية البسيطة في التربة الرطبة وانتهاء بعمليات النتح التي يمكن عدّها عمليات تتم على مستوى النبات وتتحكم بها آليات فيزيولوجية. ويمكن قياس النوعين من عمليات التبخر حيث يعبر عنهما في مجال العلوم الزراعية والغابات بالمصطلح العلمي بخر النتح évapotranspiration. يتم قياس بخر النتح باستخدام مكعبات تربة مشربية cases lysimétriques معزولة بعضها عن بعض، ويمكن جمع كل الماء الذي يرشح منها، وتمثل كمية الماء التي ضاعت عن طريق بخر النتح بالفرق بين كمية الماء التي تمسك في المكعبات والماء الذي يُجمَع في قاعدة المكعب.
مسارات voies طرح الماء النباتي
يتحقق طرح الماء النباتي عبر المسام stomates على هيئة بخار عبر الغرفة تحت السمية المتصلة مع الفضوات الهوائية والأصمخة meats التي تشكل الجو الداخلي المحيط بالخلايا النباتية. يتألف السم من خليتين كلويتي الشكل تشكل أجزاؤها المقعرة فتحة السم أو فوهته ostiole (الشكل1) ويمكن لهذه الفوهة حسب الشروط الخاصة لهذه الخلايا أن تكون مغلقة كلياً أو مفتوحة للغاية وبنحو 3 حتى 12 ميكرون عرضاً و 20 حتى 40 ميكرون طولاً.
يتفاوت عدد المسام حسب الأنواع فمن عدد محدود من المسام في الأنواع الجفافية، إلى نحو 50000 مسام وجدت على الوجه السفلي لورقة السنديان أو البلوط chêne في كل سنتمتر مربع. وتتوزع هذه المسام بشكل متجانس عادة على وجهي الورقة في النباتات أحادية الفلقة Monocotylidéones كالشوفان إذ يوجد على الوجه العلوي 25 سُماً و23 على الوجه السفلي. ويتميز نبات الشوفان بصفائح أوراقه المنتصبة، ومسامه العديدة المتوضعة على السطح السفلي للأوراق أفقية النصل, وهناك حالات يكون فيها السطح العلوي خالياً كلياً من المسام، ففي أوراق الجوز تكون النسبة صفراً للسطح العلوي إلى 460 للسطح السفلي، وفي الفاصولياء تكون النسبة 40 إلى 280، وفي حالات نادرة جداً يمكن أن تصادف المسام على السطح العلوي للأوراق العائمة في النباتات المائية على سبيل المثال، ومع هذا لا تتجاوز فوهات المسام 3% من السطح الكلي للأوراق نظراً لأبعادها الصغيرة للغاية، غير أنها كافية لضمان المبادلات بين الجو الداخلي للنبات الذي لا يصل إلى حد الإشباع إلا عندما يكون العجز في الضغط الانتثاري للخلايا مساوياً الصفر.
تمثل الخلايا السُمية جزءاً من خلايا البشرة، وهي تحوي صانعات خضر chloroplastes في أغلب النباتات الزهرية، وتكون هذه الخلايا محاطة بمجموعة خلايا البشرة التي تفصل الجو الداخلي للنبات والجو الخارجي متغير ضغط بخار الماء.
ويتم التأكد من طرح بخار الماء عبر الفوهة السمية بوضع ورقة مبللة بأزرق الكوبلت على الوجه السفلي للورقة وتحسس انطلاق بخار الماء من السم بتحويل أزرق الكوبلت إلى اللون الوردي في مواضع التماس مع هذه المسام. وتتبين خريطة توزع المسام باستعمال المجهر.
أما في النباتات رقيقة القشيرة cuticule فتتم عملية النتح جزئياً عبر كامل سطح الورقة. أما الأعضاء ذات القشرة المتفلنة كالسوق والجذور فإنها تحوي فتحات خاصة داخل نسج الفلين تسمح بالصلة بين الجو الداخلي للنبات والجو الخارجي ويطلق على هذه الفتحات اسم العديساتlenticelles غير أن عملية النتح عبر العديسات أضعف من مثيلاتها في الأوراق.
تغيرات شدة النتح
تتغير حدة النتح بتبدل العديد من العوامل الداخلية والعوامل الخارجية.
العوامل الداخلية المؤثرة في شدة النتح: ترتبط العوامل الداخلية المؤثرة في شدة النتح بنوع النبات وبنية أعضائه ووضع مسامه وعددها ونظام سقوط أوراقه، فالأشجار ساقطة الأوراق تتوقف، كلياً أو جزئياً عن النتح في فصل الشتاء. كما تتميز أغلب النباتات أليفة الجفاف بسمك القشيرة، وتحول الأوراق إلى أشواك أو حراشف يقلل كميات النتح إلى حد كبير. وتستطيع الأوراق ـ إضافة إلى ما تقدم ـ الالتفاف حول نفسها لتضع مسامها في منأى عن الوسط الخارجي كما في أوراق الفستوكا Festuca من الفصيلة النجيلية، أو أنها تكوِّن المسام داخل جوف خاص مزود بأوبار لتقليل النتح كما في أوراق الدفلى (الشكل 2).
يمكن أن يصل سمك القشيرة في الصنوبر والزيتون إلى 10 مكرون، وقد يتجاوز ذلك في النباتات أليفة الملوحة halophyte كما في الرغل Atriplex. ويؤدي وجود الطبقات الشمعية المغطية لخلايا بشرة أوراق النخيل والملفوف إلى تباطؤ عمليات النتح بطبيعة الحال، إضافة إلى وجود نسيج حباكي tissue palissadique متماسك يقلل إلى حد كبير من فقدان الماء من النبات إضافة إلى التخشب والتفلن التي تضاف إلى العوامل الداخلية المخفِّفة من شدة النتح.
العوامل الخارجية المؤثرة في شدة النتح: تتمثل برطوبة التربة وحركة الهواء ورطوبة الجو وارتفاع حرارته إضافة إلى شدة الإنارة.
أ ـ أثر رطوبة التربة في شدة النتح: تؤثر رطوبة التربة مباشرة في النتح، فالتربة الجافة تؤدي إلى إغلاق المسام، كما أن وجود أيون (شاردة) البوتاسيوم في الوسط يحد من النتح، في حين تنشط شاردة الكلسيوم هذه العملية. كما يحد انخفاض حرارة التربة من شدة النتح.
ب ـ حركة الهواء: تنشط حركة الهواء شدة النتح لأنها تجدد الهواء المجاور للنسج النباتية، وتؤدي شدة الرياح، على العكس، إلى إغلاق المسام. كما تقوم مصدات الرياح المعدة في بعض الحقول بالحد من عمليات النتح الناجمة عن الرياح القوية.
ج ـ أثر رطوبة الهواء في شدة النتح: تؤدي رطوبة الهواء دوراً أساسياً في عمليات النتح، فكلما كان الجو الخارجي جافاً مقارنة بالجو الداخلي للنبات زادت حدة النتح ما دامت المسام مفتوحة، ولكن مقاومة الجفاف تؤدي إلى إغلاق المسام.
د ـ أثر حرارة الهواء في شدة النتح: يزيد ارتفاع درجة الحرارة في شدة النتح التي تأخذ مداها بين 25ـ30 ْس تقريباً وتتراجع بعد ذلك، كما هي حال أغلب الظواهر البيولوجية. وينطلق النتح من جديد عندما تصل درجة الحرارة إلى 45 ْس وتنهار عمليات الدفاع الذاتية للنبات (مثل الانتباج وإغلاق المسام وزيادة الامتصاص الجذري)، ويؤدي ذلك إلى موت الخلايا، وقرابة الدرجة 50 ْس تتأثر السيتوبلاسما إلى حد كبير ويذبل النبات بشكل غير قابل للعودة. وفي درجات الحرارة المنخفضة من 4 ْس تحت الصفر إلى ـ10 ْس يكون النتح محدوداً للغاية كما في نباتات جبال الألب من المناطق الباردة.
هـ ـ أثر الضوء في شدة النتح: ينشط الضوء عملية النتح، وفعلياً تكون عمليات النتح ـ إجمالاً ـ في النهار أشد بكثير مما هي عليه في الليل. غير أن كثيراً من النباتات في أيام الصيف الحارة والمشمسة تغلق مسامها في ساعات الظهيرة.
الآلية الناظمة للنتح
تقوم القشيرة و العديسات بعملية بخر بسيط، في حين يتحكم بالنتح فتح المسام وإغلاقها. تفتح الخلايا السُمية بارتفاع الضغط الانتباجي turgescence لفجواتها بسبب سمك جدرانها المجاورة للفوهة السُمية ورقة جدرانها الوحشية، وتغلق بارتفاع الضغط الانتباجي لفجوات خلايا البشرة. وقد تم شرح هذه الآلية بعدد من النظريات منها ما يأتي:
تعتمد النظرية الأولى لانفتاح المسام على حقيقة احتواء الخلايا السمية على صانعات يخضورية غير موجودة في الخلايا المجاورة للخلايا السُمية الأمر الذي دعا إلى التفكير بارتفاع الضغط الانتباجي لفجوات الخلايا السمية بسبب زيادة السكر فيها نتيجة عملية التركيب الضوئي photosynthèse.
وتعتمد النظرية الثانية على إماهة نشاء الخلايا السُمية بوساطة الضوء وزيادة كمية السكاكر في فجوات الخلايا السُمية المؤدية إلى زيادة الضغط الانتباجي وانفتاح المسام. تشرح هذه النظرية ظاهرة انفتاح المسام أثناء الليل وانغلاقها في الأيام المشمسة الشديدة الحرارة كما في سلوك نباتات الفصيلة الصبارية Cactacées. ويعتقد بعض الدارسين أن ظاهرة تفتح المسام أكثر تعقيداً مما تم عرضه في النظريتين.
الدور الحيوي للنتح
يعد النتح من المظاهر الفيزيولوجية المفيدة الضرورية للنبات فهو ينشط صعود النسغ وحركته داخل الأوعية الخشبية، ويساعد على صعود الماء، كما يسهل امتصاص الأملاح المعدنية ونقلها، ويمنع ارتفاع حرارة الأوراق، ويسهل المبادلات الغازية عبر الفتحة السمية أياً كانت درجة انفتاحها، وقد يضر النتح بالنبات إذا لم يعوض الماء المفقود محدثاً ذبولاً مؤقتاً أو دائماً.
التعرق Sudation
هو فقدان الماء على هيئة قطرات سائلة تلاحظ بسهولة في الصباح على حواف الأوراق (الشكل 3) أو في نهاياتها. يتم خروج الماء عبر مسارات مائية hydathodes، تمثل فتحات تتصل بالوسط الخارجي بوساطة نهايات أوعية محاطة ببَرَنْشيم ضعيف ومخلخل يدعى بالطارح Épithème. والتعرق هو غير الندى rosée الناتج من تكاثف قطرات بخار الماء في أثناء الليل.
يجري التعرق نتيجة زيادة ضغط الماء داخل النسج النباتية في أمسيات الصيف، إذ تكون التربة دافئة والامتصاص شديداً، ويكون الهواء قليل البرودة الأمر الذي يؤدي إلى نقصان النتح. وكذلك يجري التعرق أيضاً في جو مشبع بالرطوبة، عديم النتح، مستمر الامتصاص الفعال كما هي الحال من النباتات المزروعة في بيوت زجاجية، وفي نباتات المناطق الاستوائية وبعض المناطق المدارية الرطبة، والتعرق ظاهرة غير سلبية Passive لأنه لا يجري إلا في الأعضاء الحية مع توفر الطاقة والأكسجين، وكما أن التعرق هو عملية طرح للماء ناتجة من عملية الدفع الجذري Poussée radiculaire التي تحول دون زيادة انتباج النسج عن حد معين.
عبد الجبار الضحاك
Transpiration - Transpiration
النتح
النتح transpiration آخر مرحلة من مراحل حركة الماء في النبات إذ تطرح الأوراق، خاصة، جزءاً من الماء الذي امتصته الجذور إلى الوسط الخارجي. وتخضع كميات الماء المطروحة ـ إلى حد ما ـ لسيطرة النبات، الأمر الذي يميزها من حادثة التبخر evaporation الفيزيائية البحتة.
قياس النتح
يقاس نتح نبات ما، إما بتقدير كمية الماء الضائعة منه في وسط معزول، وامتصاصها بوساطة مادة ماصة للماء مثل كلوريد الكلسيوم CaCl2 أو خامس أكسيد الفوسفور P2O5 أو حمض الكبريت الكثيف H2SO4، وإما بقياس نقصان وزن النبات في زمن محدد، مع أخذ الاحتياطات الضرورية لعزل التربة في الوعاء بإحكام إغلاقها في أثناء القياس. وتفضل عادة الطريقة الثانية لتركها النبات في وسطه الطبيعي، أما التبدلات الطفيفة الناتجة من المبادلات الغازية للتنفس والتركيب الضوئي فيمكن عدّها ضئيلة مقارنة بعملية النتح، ومن ثمّ يمكن إهمالها. ويكتفى في بعض الحالات بعزل ورقة أو غصن، على سبيل المثال، ووزنها عند فصلها، وإعادة وزنها بعد دقيقتين أو أكثر لمعرفة كمية الماء التي فقدتها العينة المدروسة. ويمكن قياس شدة النتح في بعض الحالات باستخدام مقياس الشرب أو المشرب potometer الذي يقيس كمية الماء التي يمتصها غصن مقطوع في فترة زمنية معينة، مع افتراض ثبات المحتوى المائي للغصن في فترة التجربة.
يراوح متوسط قيم النتح ـ التي تم التوصل إليها بالطرق السابقة ـ بين 0.1 و0.5 مغ ماء في الساعة لكل دم2 من سطح الأوراق النباتية، ويمكن لهذه القيم أن تصل في بعض الحالات إلى 5 غ/سا/دم2. وقد تم حساب كمية الماء التي تضيع بعملية النتح من شجرة قيقب érable ارتفاعها 15م وتحمل/170/ألف ورقة أو ما يعادل 60م2، فوجد أنها تعادل 300 لتر ماء بالساعة، وذلك في ساعات بعد الظهر الحارة، وأن هكتاراً من الأرض المزروعة بنباتات الفصيلة النجيلية Graminacées ينتح 250 طناً من الماء في السنة، وعندما تقل معدلات النتح فإنها تصل إلى 0.01غ/سا/دم2 أو أقل من ذلك في النباتات أليفة الجفاف Xérophytes. والواقع أن إنتاج غرام واحد من المادة النباتية الحية يتطلب مرور 300غ ماء داخل النبات، وهو ما يعرف بمعامل النتح coefficient de transpiration، وعموماً فإن الأمطار الطبيعية والثلوج والندى هي التي توفر حاجة النباتات الطبيعية من الماء، أما الأراضي المزروعة والزراعات المائية فإن الأمر يتطلب في بعض الظروف المناخية إجراء عمليات رش أو ري التربة مباشرة، وبذلك يسهم الماء في خلق مناخات دقيقة microclimats. ولابد هنا من الإشارة إلى أن العمل في الحقل أو البيوت الزجاجية يتطلب الانتباه إلى تنافس عوامل عديدة لتحرير الماء في الجو المحيط بدءاً من عمليات التبخر الفيزيائية البسيطة في التربة الرطبة وانتهاء بعمليات النتح التي يمكن عدّها عمليات تتم على مستوى النبات وتتحكم بها آليات فيزيولوجية. ويمكن قياس النوعين من عمليات التبخر حيث يعبر عنهما في مجال العلوم الزراعية والغابات بالمصطلح العلمي بخر النتح évapotranspiration. يتم قياس بخر النتح باستخدام مكعبات تربة مشربية cases lysimétriques معزولة بعضها عن بعض، ويمكن جمع كل الماء الذي يرشح منها، وتمثل كمية الماء التي ضاعت عن طريق بخر النتح بالفرق بين كمية الماء التي تمسك في المكعبات والماء الذي يُجمَع في قاعدة المكعب.
مسارات voies طرح الماء النباتي
الشكل (1) إلى اليمين المسام في منظر جبهي يوضح الفوهة السمية محاطة بخليتين سميتين كلويتي الشكل، جدرانها الأنسية سميكة والوحشية رقيقة، إلى اليسار مقطع عرضي يوضح السم والخلايا المحيطة به |
يتفاوت عدد المسام حسب الأنواع فمن عدد محدود من المسام في الأنواع الجفافية، إلى نحو 50000 مسام وجدت على الوجه السفلي لورقة السنديان أو البلوط chêne في كل سنتمتر مربع. وتتوزع هذه المسام بشكل متجانس عادة على وجهي الورقة في النباتات أحادية الفلقة Monocotylidéones كالشوفان إذ يوجد على الوجه العلوي 25 سُماً و23 على الوجه السفلي. ويتميز نبات الشوفان بصفائح أوراقه المنتصبة، ومسامه العديدة المتوضعة على السطح السفلي للأوراق أفقية النصل, وهناك حالات يكون فيها السطح العلوي خالياً كلياً من المسام، ففي أوراق الجوز تكون النسبة صفراً للسطح العلوي إلى 460 للسطح السفلي، وفي الفاصولياء تكون النسبة 40 إلى 280، وفي حالات نادرة جداً يمكن أن تصادف المسام على السطح العلوي للأوراق العائمة في النباتات المائية على سبيل المثال، ومع هذا لا تتجاوز فوهات المسام 3% من السطح الكلي للأوراق نظراً لأبعادها الصغيرة للغاية، غير أنها كافية لضمان المبادلات بين الجو الداخلي للنبات الذي لا يصل إلى حد الإشباع إلا عندما يكون العجز في الضغط الانتثاري للخلايا مساوياً الصفر.
تمثل الخلايا السُمية جزءاً من خلايا البشرة، وهي تحوي صانعات خضر chloroplastes في أغلب النباتات الزهرية، وتكون هذه الخلايا محاطة بمجموعة خلايا البشرة التي تفصل الجو الداخلي للنبات والجو الخارجي متغير ضغط بخار الماء.
ويتم التأكد من طرح بخار الماء عبر الفوهة السمية بوضع ورقة مبللة بأزرق الكوبلت على الوجه السفلي للورقة وتحسس انطلاق بخار الماء من السم بتحويل أزرق الكوبلت إلى اللون الوردي في مواضع التماس مع هذه المسام. وتتبين خريطة توزع المسام باستعمال المجهر.
أما في النباتات رقيقة القشيرة cuticule فتتم عملية النتح جزئياً عبر كامل سطح الورقة. أما الأعضاء ذات القشرة المتفلنة كالسوق والجذور فإنها تحوي فتحات خاصة داخل نسج الفلين تسمح بالصلة بين الجو الداخلي للنبات والجو الخارجي ويطلق على هذه الفتحات اسم العديساتlenticelles غير أن عملية النتح عبر العديسات أضعف من مثيلاتها في الأوراق.
تغيرات شدة النتح
الشكل (2) إلى اليمين مقطع عرضي في ورقة الدفلى يوضح المسام ضمن تجويف غزير الأوبار. إلى اليسار، مقطع عرضي في ورقة الفيستوكا يوضح التفاف الورقة على نفسها |
العوامل الداخلية المؤثرة في شدة النتح: ترتبط العوامل الداخلية المؤثرة في شدة النتح بنوع النبات وبنية أعضائه ووضع مسامه وعددها ونظام سقوط أوراقه، فالأشجار ساقطة الأوراق تتوقف، كلياً أو جزئياً عن النتح في فصل الشتاء. كما تتميز أغلب النباتات أليفة الجفاف بسمك القشيرة، وتحول الأوراق إلى أشواك أو حراشف يقلل كميات النتح إلى حد كبير. وتستطيع الأوراق ـ إضافة إلى ما تقدم ـ الالتفاف حول نفسها لتضع مسامها في منأى عن الوسط الخارجي كما في أوراق الفستوكا Festuca من الفصيلة النجيلية، أو أنها تكوِّن المسام داخل جوف خاص مزود بأوبار لتقليل النتح كما في أوراق الدفلى (الشكل 2).
يمكن أن يصل سمك القشيرة في الصنوبر والزيتون إلى 10 مكرون، وقد يتجاوز ذلك في النباتات أليفة الملوحة halophyte كما في الرغل Atriplex. ويؤدي وجود الطبقات الشمعية المغطية لخلايا بشرة أوراق النخيل والملفوف إلى تباطؤ عمليات النتح بطبيعة الحال، إضافة إلى وجود نسيج حباكي tissue palissadique متماسك يقلل إلى حد كبير من فقدان الماء من النبات إضافة إلى التخشب والتفلن التي تضاف إلى العوامل الداخلية المخفِّفة من شدة النتح.
العوامل الخارجية المؤثرة في شدة النتح: تتمثل برطوبة التربة وحركة الهواء ورطوبة الجو وارتفاع حرارته إضافة إلى شدة الإنارة.
أ ـ أثر رطوبة التربة في شدة النتح: تؤثر رطوبة التربة مباشرة في النتح، فالتربة الجافة تؤدي إلى إغلاق المسام، كما أن وجود أيون (شاردة) البوتاسيوم في الوسط يحد من النتح، في حين تنشط شاردة الكلسيوم هذه العملية. كما يحد انخفاض حرارة التربة من شدة النتح.
ب ـ حركة الهواء: تنشط حركة الهواء شدة النتح لأنها تجدد الهواء المجاور للنسج النباتية، وتؤدي شدة الرياح، على العكس، إلى إغلاق المسام. كما تقوم مصدات الرياح المعدة في بعض الحقول بالحد من عمليات النتح الناجمة عن الرياح القوية.
ج ـ أثر رطوبة الهواء في شدة النتح: تؤدي رطوبة الهواء دوراً أساسياً في عمليات النتح، فكلما كان الجو الخارجي جافاً مقارنة بالجو الداخلي للنبات زادت حدة النتح ما دامت المسام مفتوحة، ولكن مقاومة الجفاف تؤدي إلى إغلاق المسام.
د ـ أثر حرارة الهواء في شدة النتح: يزيد ارتفاع درجة الحرارة في شدة النتح التي تأخذ مداها بين 25ـ30 ْس تقريباً وتتراجع بعد ذلك، كما هي حال أغلب الظواهر البيولوجية. وينطلق النتح من جديد عندما تصل درجة الحرارة إلى 45 ْس وتنهار عمليات الدفاع الذاتية للنبات (مثل الانتباج وإغلاق المسام وزيادة الامتصاص الجذري)، ويؤدي ذلك إلى موت الخلايا، وقرابة الدرجة 50 ْس تتأثر السيتوبلاسما إلى حد كبير ويذبل النبات بشكل غير قابل للعودة. وفي درجات الحرارة المنخفضة من 4 ْس تحت الصفر إلى ـ10 ْس يكون النتح محدوداً للغاية كما في نباتات جبال الألب من المناطق الباردة.
هـ ـ أثر الضوء في شدة النتح: ينشط الضوء عملية النتح، وفعلياً تكون عمليات النتح ـ إجمالاً ـ في النهار أشد بكثير مما هي عليه في الليل. غير أن كثيراً من النباتات في أيام الصيف الحارة والمشمسة تغلق مسامها في ساعات الظهيرة.
الآلية الناظمة للنتح
تقوم القشيرة و العديسات بعملية بخر بسيط، في حين يتحكم بالنتح فتح المسام وإغلاقها. تفتح الخلايا السُمية بارتفاع الضغط الانتباجي turgescence لفجواتها بسبب سمك جدرانها المجاورة للفوهة السُمية ورقة جدرانها الوحشية، وتغلق بارتفاع الضغط الانتباجي لفجوات خلايا البشرة. وقد تم شرح هذه الآلية بعدد من النظريات منها ما يأتي:
تعتمد النظرية الأولى لانفتاح المسام على حقيقة احتواء الخلايا السمية على صانعات يخضورية غير موجودة في الخلايا المجاورة للخلايا السُمية الأمر الذي دعا إلى التفكير بارتفاع الضغط الانتباجي لفجوات الخلايا السمية بسبب زيادة السكر فيها نتيجة عملية التركيب الضوئي photosynthèse.
وتعتمد النظرية الثانية على إماهة نشاء الخلايا السُمية بوساطة الضوء وزيادة كمية السكاكر في فجوات الخلايا السُمية المؤدية إلى زيادة الضغط الانتباجي وانفتاح المسام. تشرح هذه النظرية ظاهرة انفتاح المسام أثناء الليل وانغلاقها في الأيام المشمسة الشديدة الحرارة كما في سلوك نباتات الفصيلة الصبارية Cactacées. ويعتقد بعض الدارسين أن ظاهرة تفتح المسام أكثر تعقيداً مما تم عرضه في النظريتين.
الدور الحيوي للنتح
الشكل (3) إلى اليمين الطريق المائية ممثلة بنهايات أوعية محاطة ببرنشيم طارح للماء، إلى اليسار خروج ماء التعرق على هيئة قطرات سائلة |
التعرق Sudation
هو فقدان الماء على هيئة قطرات سائلة تلاحظ بسهولة في الصباح على حواف الأوراق (الشكل 3) أو في نهاياتها. يتم خروج الماء عبر مسارات مائية hydathodes، تمثل فتحات تتصل بالوسط الخارجي بوساطة نهايات أوعية محاطة ببَرَنْشيم ضعيف ومخلخل يدعى بالطارح Épithème. والتعرق هو غير الندى rosée الناتج من تكاثف قطرات بخار الماء في أثناء الليل.
يجري التعرق نتيجة زيادة ضغط الماء داخل النسج النباتية في أمسيات الصيف، إذ تكون التربة دافئة والامتصاص شديداً، ويكون الهواء قليل البرودة الأمر الذي يؤدي إلى نقصان النتح. وكذلك يجري التعرق أيضاً في جو مشبع بالرطوبة، عديم النتح، مستمر الامتصاص الفعال كما هي الحال من النباتات المزروعة في بيوت زجاجية، وفي نباتات المناطق الاستوائية وبعض المناطق المدارية الرطبة، والتعرق ظاهرة غير سلبية Passive لأنه لا يجري إلا في الأعضاء الحية مع توفر الطاقة والأكسجين، وكما أن التعرق هو عملية طرح للماء ناتجة من عملية الدفع الجذري Poussée radiculaire التي تحول دون زيادة انتباج النسج عن حد معين.
عبد الجبار الضحاك