لوحاتُ الفنّان «مطيع علي»… الدهشةُ المُفزِعَة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لوحاتُ الفنّان «مطيع علي»… الدهشةُ المُفزِعَة

    لوحاتُ الفنّان «مطيع علي»… الدهشةُ المُفزِعَة!
    #صحيفة_تشرين
    جواد_ديوب
    ستصدمنا في لوحات الفنان الراحل «مطيع علي» تكويناتٌ غرائبيةٌ وشخوصٌ تعومُ في فراغ اللوحة تتجاورُ مع حيواناتٍ خرافيةٍ بأعين مكان الأنف، وأنفٍ ينبتُ مثل فطرٍ سامّ وسط الجسد، وعيون كبيرة احتلّت مكانَ الرأس، بينما بقية التشكيلات تكاد ترمينا وسطَ جحيم الكوابيس تارةً، أو تجعلنا نتعرّقُ وسطَ «هيولى» التشكّل ونتخبّط في رحمِ العبث!


    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	335850821_225713513275647_5088409724679957766_n.jpg  مشاهدات:	0  الحجم:	39.7 كيلوبايت  الهوية:	83440
    لوحاتٌ تُعرَض للمرة الأولى، بعد رحيل الفنان مطيع، انتقاها ورتّبها الدكتور غياث الأخرس مدير المركز الوطني للفنون البصرية، بالتعاون مع الدكتور محمود شاهين الصديق المقرب من الراحل والذي قال في تصريح لـ «تشرين»: «الراحل مطيع علي فنانٌ جريء جداً من حيث طريقة تنفيذ لوحاته بقلم الحبر الناشف، ومن دون أي «اسكيتشات» مسبقة أو ما نسميه أكاديمياً «دراسات للّوحة»، وهذا ما لا يفعله إلا عباقرة الرسم… حياتُه شقية جداً لأنه عمِلَ حارساً ليلياً في إحدى الدوائر الرسمية، ووهبَ حياته لتربية ابن أخيه المعوق بعد وفاة والده، وكان يحمله على ظهره بإخلاص شديد ويأخذه إلى الطبيعة في نزهات يومية حتى توفي».. ويضيفُ شاهين: «لديه في حياته معرضان فقط، وكان يرسم «موتيفات» سريعة لمصلحة مجلة المعرفة السورية، وبعضها كنتُ أرفقه مع المواد الثقافية التي كنتُ أنشرها في صحيفة تشرين… لكنه لم يُعرَف بشكل واسع بسبب اعتكافه المطلق عن المشاركة في أي فعاليات فنية، كان لديه نوع من العيش الكفاف، يزرع ويفلح قطعة أرض صغيرة، ويقلّم أشجارَ بيوت قريته القنجرة في ريف اللاذقية، ومعظم هذه اللوحات رسمها على ورق من نوع رخيص وتركها عندي في البيت».
    ثيماتٌ متكررة!
    الموت، جسد المرأة، الحيوانات… ثلاث «ثيماتٍ» أراها تتكرر في تفاصيل اللوحات كما لو أنّ الفنان مطيع علي يدورُ في فلك هذياناته وهلوساته غيرَ مكترثٍ بما يمكن أن يقال عن تلك التكوينات العجائبية، وغير خائفٍ من أن تظهرَ «فلَتاتُ لاوعيه» مشحونةً بكل تلك الرمزية والدلالات، إذ إنّ جسدَ المرأة يكاد يتكرر في لوحاته كلها باستطالاتٍ وتفرعات مُفزعة تحيلُ إلى علاقةٍ مرتجفة وخائفة بينه وبين النساء!
    يوضّحُ لنا الدكتور شاهين حين نسأله عن دلالات ذلك؟
    فيقول: «لم يكن لدى الراحل مطيع علي أي أنثى في حياته على الإطلاق، بسبب خجله الشديد، وفقره المدقع، إلى درجة أنه لم يستطع ولم يتجرأ على دعوة أي صبية إلى لقاء خاص بينهما، وهذا ما جعل ذلك يظهر كنوع من التعويض في لوحات تمتلئ بأجساد نساء بكل التشكيلات الخيالية والغرائبية تلك!»
    ولكن تلك الغرائبية يصفها الدكتور فؤاد دحدوح في رده على سؤالنا بأن سببها ما لدى الراحل من خيال خصب ومتنوع ومتشعب يجعل أعماله هذه ترقى إلى العالمية بكل جدارة، ففي العالم هناك مقياس أو ميزان ضمن المدرسة السوريالية يسمى «سيلفادور دالي»، وأعمالُ مطيع علي ترقى إلى أعمال دالي، بل إن في بعضها ما هو أجمل وأعمق في رمزيته وإحالاته، كأنها تحيلُ إلى قلق رهيب وعميق عاشه الفنان».
    شجاعة اللاوعي!
    القلقُ، وما يبدو -بنظرةٍ غير مدققة وغير عارفة- كـ «تشوّهاتٍ»” جسدية، شواهدُ القبور، ذاك البورتريه الصغير للفنان بريشته نفسه والذي يبدو فيه مع الكثير من التكوينات الأخرى كما لو أنه مصلوبٌ بعذابٍ أبديّ، الأسهمُ المغروزة في أجساد شخوص اللوحات، أعناقُ الإوزّات المتدلية من جسد النساء، الاستطالاتُ والتدرّناتُ النابتةُ من أكواع وأرجل تلك الكائنات البشرية، التمعجاتُ وسط سرّة الأنثى وذاك النبع الشهيُّ، الأثداء المتكررة عشرات المرات، الحلزونات الزاحفة والطائرة… كلها تجعلنا نفكّر بفنانٍ صارعَ مخاوفه مرّةً بوعيٍ مذهل جعله يعرف تماماً ما يرسم، ومراتٍ بشجاعة اللاوعي التي تجعل منا أطفالاً يرسمون كل ما يخطر في ذهنهم وبأغرب طريقة ممكنة من دون خوف من اتّهامٍ أو تفسيراتٍ «عاقلة» لا تفعل إلا أن تزيدَ غرابةَ اللوحاتٍ غرابةً وتشوّشاً!
    نسألُ الفنان وسام قطرميز أن يقدّم لنا رؤيته، فيقول: «إنّ كثافة الرموز الحيوانية في لوحات مطيع علي تدلُّ على غنىً خصبٍ في خياله، وشواهدُ القبور تلك تدلّ على معاناةٍ وقسوةٍ عاشها الفنان في مجمل حياته، أو توحي برجلٍ مصلوبٍ، بإنسانٍ تقتله المأساة… كما يشعرُ الناظرُ إلى اللوحات أن ما يراه ينتمي -بطريقة عجيبة- إلى العالم بأكمله، وفي الوقت ذاته يشعرُ بخصوصية البيئة التي عاش فيها الفنان، لاحظِ البيوتَ الطينية والسلالم والنوافذ وشكل الطبيعة المرسومة ونوعية الأشجار… أمرٌ آخر يُحسب للدكتور غياث الأخرس وهو طريقة تجميعه اللوحات إلى جوار بعضها بما أعطى انسجاماً لونياً وتشكيلياً فريداً وكأن الفنان الراحل هو مَن رتّبها بهذا الشكل تماماً!»
    شخصياً، خرجتُ من معرض «مطيع علي» وفي روحي تلك الصرخة المفزوعة، وتلك الدهشة التي تهزُّ الجسدَ من رتابته و«شيئيته»، وترميه في سؤال «معنى الوجود» بأكمله!… إنه معرِضٌ يستحق المشاهدة مرات ومرات، فشاهدوه وتأملوه جيداً.
    #المركز_الوطني_للفنون_البصري

    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	335338732_2082398931953190_6115847079264204981_n.jpg  مشاهدات:	0  الحجم:	71.3 كيلوبايت  الهوية:	83441
    التعديل الأخير تم بواسطة Najwa Mahmod; الساعة 03-15-2023, 08:39 PM.
يعمل...
X