المصورون الحربيون وسط الرعب والمجازر
مجزرة (ماي لاي) في فيتنام ... تهز الضميرالاميركي
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى .
ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند - عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد .
ونظراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي . تاريخ التصوير " رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد .
ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينية فابيان وهانس کریستیان آدم
ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بـالأسـود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳ .
عام ١٩٦٣ كانت الحرب الفيتنامية لا تزال تبدو وكانها حرب نموذجية ... دزينة من الصحافيين كانوا معتمدين في سايغون . وفي مطعم بروداردز ( Brodards ) بشارع تودو ( Tudo Street ) وهو مطعم أميركي بكل ما في الكلمة من معنى ، مع مرايا على الجدران وتكييف هواء وعليـة موسيقية ( Musik box ) نسمع منها غالباً صوت اديث بياف كان هؤلاء الصحـافيـون يجتمعون حول طاولة واحدة وكانت حياة الحرب لا تزال تفتح لهم الشهية .
وفي الصباح ، كان بإمكانهم اخذ سيارة تاكسي والذهاب عبر الطريق الرابع إلى دلتا - ميكونغ حيـث ( Delta Mekong )
يتناولون طعام الغذاء في مطعم فرنسي يقدم اربعة أصناف من الطعام مع المشروب ، واثناء ذلك يناقشون الوضع العسكري مع ضابط فيتنامي جنوبي ، ومن ثم قبل ان يحل الظلام . يعودون ثانية إلى سايفون .
الدزينة الأولى من الصحافيين دبرت إقامتها في سايغون ونزل افرادها في فندق كونتينتال (Cou tinental Hotel ) ، وهو فندق شيد في عهد الاستعمار ، وكانوا اثناء النهار يقضون الوقت في بار الفندق المعروف باسم كارافيل ( Caravelle ) . ومن اجل الحصول على الأخبار واصطيادها ، في مـدينـة الشـائـعـات ، كـان الصحافيون يقصدون حوض السباحة او بار ، غراهام غرين میلش بار ، Graham Green's Milch bar )
ومن كان يريد ان يستجم ويستريح لبضعة ايام كان بإمكانه أن يسافر إلى دانانع حيث يوجد هناك دوش .
ومشـروبـات ولحم . ستيك مستورد مباشرة من الولايات المتحـدة ، وهنا كان ايضاً الشاطيء الصيني ( China Beach ) حيث يشعر المرء فيه
وكانه في الولايات المتحدة فتيات بلباس البيكيني ، شراب الكريب فروت كافيتيريا وبطـاطـا . شبيس » ، وبإمكان المرء هناك ان يسبح او ان يمارس رياضة التزلج على الماء ، وأن يفعل ما يحلو .
له وعدا رجال الصحافة والاعلام فقد طارت إلى هناك الشخصيات البارزة ، ومن بينها ، لوسيان بودارد ( Cuclen Bodard الذي اصدر اكثر الكتب رواجاً في العالم والذي أخرج في الحي الصيني في سايغون كتابه الجديد بعنوان
الـرجـل الثالث ( The Third Man) . وما كاد لوسیان بودارد يصل إلى سايفون حتى تعددت الحكايات والقصص النادرة وفي مؤتمر صحافي التفت احـد عسكريين إلى الصحـافيـين الموجودين وطرح عليهم هذا السؤال : لقد استلمنا لتونا برقية تقول إن ثمة صحافي أميركي قد وصل وإسمه غراهام غرين (Gra ham Green )
هل هو معروف يا ترى من احد منكم ؟
فضـج الحاضرون بالضحك .
كثيرون ذهبوا إلى فيتنام لأن حياتهم المدنية كانت روتينية وخالية من المغامرات . وعلى سبيل المثال کتاب مشاهير يعانون من مركب نقص ومنهم آرنست همنغواي ! Ernest ) Hemingway )، مخبرون حربیون من الحرب العالمية الثانية يودون تنشيط ذكريات قديمة اختصاصيون من مجلات التسلح يريدون ان يشاهدوا بام اعينهم الحـرب الحقيقية . وطبعاً مصورون حربیون ، كانوا سعداء للعمـل ثانية في مجال عملهم الحقيقي وإلى فيتنام قدم ايضاً هيبيون مثل تیم باج ( Tim Page ) .
تيم كان في العشرين من عمره . وفي سايفون اكتشف الفتى اليتيم القادم من ضاحية في لندن ما كان ينقصه دائماً ، حب الخطر والمجازفة ، ويقول باج في أي مكان في العالم يحصل المرء على فرصة اللعب بطائرة نفاثة تفوق سرعتها سرعة الصوت ، ويقود دبـابـة او يطلق صاروخاً ويتقاضى من أجل ذلك المال الوفير ؟ ولكن محب الإثارات لم يقد دبابة يل دراجة نارية وكان ايضاً يتقاضى راتبا محترما وشانه شان بقية المصورين - الهيبيين ، كان يضع حول عنقه القلادات ويحمل
بندقية ومعه , كاسيتات ، وجهاز لسماع موسيقى البوب في حقيبته ، وكان يسافر مع سين فلين ( Sean Flynn ) إبن نجم هوليوود السينمائي الـراحـل إيرول فلين ( Errol Flynn ) ، ومع المصورين ريك ميرون Rick ) Merron ودانا ستون Dana ) ( Stone ، على دراجات نارية ملطخة بالوحول ، إلى الجبهة وهؤلاء الفرسان الذين اطلق عليهم إسم ايزي رايـد Ray ) Riders كانو مصورين مشهورين ، يقومون بالاختبارات مع الكاميرا المثبتة على ماسورة البندقية وفي جزء من الثانية التي يحتاجها الجندي للضغط على الزناد تعمل - كاميرته ، في نفس الوقت الالتقاط حيث يكون في الوقت ذاته قد قتـل رجلا واخـذ صورته ! ....
وكان تيم باج يتقاضى رواتبه من كل من مجلة ، لايف ، ومجلة تايم . وكانت تقدر بنصف مليون من الماركات ، بالإضافة . إلى نفقـات الإقـامـة في المستشفيات .. وبعد إثني عشرة عملية وإقامة سنة ونصف السنة مستشفى والتر ريد Walter ) ( Reed- Hospital في واشنطن ، حضر نفسه من أجل المشاركة في العملية المقبلة واثناء النقاهة . حصل تیم باج ، من ناشر بريطاني على عرض لتأليف كتاب وقد إقتـرح عنواناً للكتاب ، انا والحرب ، . ويقول الناشر . مع هذا الكتاب اريد ان انزع عن الحرب فتنتها ، ا ، وهذا يدل على الناشر لم يكن يعرف تيم باج حق المعرفة .
وإلى حـرب الـرجـال ذهبت النساء ايضاً البعض منهن تبعن أصدقاء لهن إلى فيتنام وبعدما وصلن إلى هناك اقترضن كاميرا وشرعن بالتصوير .
إلى سايغون قدم كل من فرنسواز دومولر Françoise ) كريستين سبنغلر ( Christine Spengler ) وبيني تويدي ( Penny Tweedy ) من اجل تصوير ضحايا الحرب .
في عام ١٩٦٦ وصلت کاترین Demulder
لوروا ( Catherine Leroy ) إلى سـايـغـون . وكانت المصـورة الفرنسية قد حجزت فقط بطاقة ذهاب ، بدون إياب ولم يكن معها سوی كاميرا مع مبلغ خمسمائة دولار والرغبة في أن تصبـح مصورة صحافية ! كاترين لوروا أصبحت متعاملة مستقلة مع وكالة الـ ، اسوشيتد بريس . -Associ ) ( ated Press ، وإذا ما بيعت إحدى صورها كانت تحصل بالمقابل على خمسة عشر دولاراً . الكثير من المصورين الصحافيين قاموا فقط بنوع من الزيارة لكنهم عادوا واستقروا لمعظم الوقت سايفون - وكانوا يستمعون في المؤتمرات الصحافية اليومية إلى الوضع العسكري ، يقيمون كل ما يحصلون عليه من نشرات ومعلومات ، و يذهبون بعد ذلك لكتابة تقاريرهم عن الجبهات والقتال في غرفهم المكيفة الفندق . على الآلة الكاتبة ، دون أن يكونوا قد ذهبوا إلى الجبهة على الإطلاق وبالنسبة لهؤلاء فالحرب كانت ( عبارة عن موعد وضع الجبهة مع العمليات الحربية كان معروفاً وكان المرء يذهب إلى الحرب بالوقت المحدد تماماً ، كما يذهب إلى حفلة الافتتاح لمسرحية ما وكان الصحافيون والمصورون ينتقلـون إلى أماكن الجبهات بالتاكسيات وبالباصات وطائرات الهليكوبتر ، كما لو أنهم ذاهبون إلى مؤتمر صحافي وقبل الإقلاع كانت تعطي إشارات لتعليقها على - جاكيتاتهم ، ودفتر للكتابة مع قلم وعلبة تبريد من اجل المشروبات . والكلمة الفيتنامية الوحيدة التي يعرفونها هي . باوتشي ، Bao Chl ) اي صحافة والغرض منها الاشارة لعدم إطلاق النار .
معظم الصحافيين لم يكونوا بحاجة لمغادرة سايفون لاستيحاء لمة شيء عن الحرب . مايك هر يقول . كنا نجلس على سطح الفندق ونراقب الغارات الجوية على طرفي النهر وهي قريبة للغاية لدرجة ان عدسة مكبرة بإمكانها تصوير العلامات المميزة للطـائـرات وكنا نقف هناك بـالـعشـرات . تماماً مثل الأرستقراطيين الذين يراقبون مشهداً مثيراً لكن بدون ادنى إكتراث السناتور الأميركي ويليام فولبرايت William ) ( Fullbright قال في كتابه بعنوان . عجرفة السلطة .
- في الأسبوع الأول من آذار لعام ١٩٦٦ تورطت مشاة البحرية الأميركية والقوات الفيتناميـة الجنوبية في عملية تدعى اوتاه ( Utah ) بقتال دموي مع القوات الفيتنامية الشمالية الصحافي جوزيف غـالـوواي ( Joseph Galloway ) من وكالة الأخبار الأميركية يونايتد بريس انترناسیونال -Un ) ( ited Press International كتب التقرير التالي حول مرحلة من عملية اوتاه .
كنا نقف على التلة نهتف ، نصغر وكنا نعطي النصائح الجيدة إقتلوا ابن الكلب ... الحقوا به ... مـاذا دهاكم ايها الأغبياء ؟ .
العسكريون كانوا . يحبون دائمـا الصحافيين الذين لا يتدخلون بما لا يعنيهم وكتب غاراهام غرين ( Graham Green ) عن حرب الهند الصينية يقول بعد ان تكون المعركة قد انتهت بصورة نخليفة وأبعد القتلى عن ساحة المعركة ، يصار إلى استدعاء الصحـافيـين إلى هانوي ، وهناك كانوا يستقبلون من قبل القائد الأعلى ويستضافون في معسكر الصحافة لليلة ومن ثم يحلق بهم بالطائرة إلى ارتفاع عدة آلاف من الأمتار إلى علو لا تصل إليه رصاصات الرشاش الثقيل . فوق ساحة المعركة الأخيرة . ومن ثم كانت الطائرة تعود بهم إلى سايغون وإلى فندقهم ، كونتينتـال .. وكانهم كانوا في رحلة طيران مدرسية !! . .
وحتى الأولاد كانوا يصورون في فيتنام ، من أجل إرضاء الإعلام الغربي ، الذي كان يأتي للحصول على الصور وهكذا التقى مخبرو مجلة شترن ( Stern الألمانية الغربية في يوم من الأيام باصغر مصور في العالم وكان إسمه لومانة - هونغ -Lo Manh Hung ويبلغ من العمر اثنتي عشر عاماً ، كان لومانه يقف أمام الفندق مزودة بكاميرتين وخوذة كتب عليها ، باوشي . . وكان يبيع الصورة الواحدة بعشرة دولارات وصوره تظهر مشاهد من حرب الشوارع وقتلى الفيتكونغ Viet ) ( Kong والخرائب ، واللاجئين بوجوههم التي يرتسم عليها الذعر والخوف المميـت ... وكمواطن فيتنامي كان بإمكـان الفتى ان يصور على هواه في أحياء المدينة وفي الضواحي ، حيث لا يجرؤ أي مصور اجنبي على الدخول .
وبالنسبة للـرجـال مـع الكاميرات ، اي المصورين ، فإن المجازفة بالحياة كانت أكبر منها بالنسبة للصحافيين مع الاتهم الكاتبة . وكتب توم هوبكنسون ( Tom Hopkinson )
المصور الصحافي لمجلة بيكتشور بوست ( Picture Post ) البريطانية يقول : في الأحوال الخطيرة بإمكان المؤلف أو الصحـافي ان ينجو
بنفسه وبعـدو هارباً .
بكل بساطة ، بقدر ما يستطيع وعند الضرورة ، فإنه يدون في راسه ما شاهدة ، ولكن إحمل الكاميرا وصور وعندها سترى ما قد يحصل لك ، وهذا يشبه تماماً اخذ عود ثقاب واشعاله في قبو مملؤ بالغاز . وعندما تتطاير القنابل . بإمكان الكاتب أن يخفي راسه ، يلتقط الصور .. عليه الوقوف . ورفع رأسه بكل ما في الكلمة من معنی التصوير !!!
وبالنسبة للمصور الصحافي دون ماك كولين Don Me ) ولكن الرجل مع الكاميرا . عليه ان ليتمكن من Cullin ، فإن إبقاء الراس عالياً هو من اخلاقية الصحافة حيث يقول :
- لا اعتقد انه بإمكان المرء الرؤية من فوق الحافة إذا لم يعد عنقه لقد وقفت غالباً بصلابة على شفير الهاوية ولم أكن بعيداً عنها حتى ولا خطوة واحدة وهذا هو الموقف الصحيح لمن يريد ان يرى ويظهر ما معنى المعاناة والألم بصورة حقيقية ماك كولين كان مشهوراً بجراته وشجاعته وإستخفافه بالخوف وكتب زميله الصحافي غرين واي ( Green way ) عنه يقول :
- دون كان يذهب إلى المخاطر تماماً كما يذهب مصارع الثيران إلى الحلبة امام قرون الثـور
الهائج و في المعركة الرهيبة حول ( Hud ) في
مدينة هوه شباط عام ١٩٦٨. كان وسط ذلك الخضم من جدران القرن الثامن عشر . مركز للتقدم ، حيث منيت سرية من مشاة البحرية بخسائر فادحة وعلى كل فإن اولئك الرجال أمضوا ساعات من اشد الأهوال فالقذائف كانت تنهال عليهم من كل حدب وصوب .
وفيما بعد سالني أمر السرية هل تعرف ماك كولين : فاجبته أجـل إنني أعرف هذا الرجل ، فقال لي الضابط : تصور هذا الرجل تقدم الى الخطوط الأمامية في تلك الجبهة وقام لوحده بإنقاذ الاشخاص وأعادهم إلى الخطوط الخلفية ... ولو كان هذا الرجل من عداد مشـاة البحرية التابعة لسريتي . لكنت رشحته لنيل وسام الشرف !
وضحية لمهنته قضى مصور الأوبي Upi ) شارل إيغلستون ( Charles Eggleston ) ... في ايار عام ١٩٦٨ كان إيغلستون مع خمسة من زملائه من الصحافة الأجنبية بالقرب من مدينة كولون ( Cholon ) ، وقد ضلوا طريقهم لـوجـدوا انفسهم في موقع للفيتكونغ وفي الهجوم الذي قام به هؤلاء على سيارة جيب الصحافيين قتل أربعة منهم ، على الرغم من أنهم ، كما ذكر الوحيد ( الذي بقي على قيد الحياة من بينهم وهو ايغلستون نفسه ... كانوا يصرخون دائما ، باوشي ، اي « صحـافة ، وبعد يوم من المجزرة ، تزود ايغلستون بالأسلحة ، وعاد إلى الأدغال . ضمن عملية انتقام شخصية ... راح هو ضحيتها ...
ويقول المصور هورست فاس ( Horst Fass ) : القوات تستعد دائماً جودتها من القادة ، وانا شخصياً لا اذهب ابدأ إلى الجبهة مع قوات سيئة القيادة ... فقبل الصعود إلى طائرة الهليكوبتر حين لا يقوم القائد بتفحص دقيق لسلاح مجموعته أو إذا ما كان جنوده بهتمون بالفتيات أكثر من ( اهتمامهم باسلحتهم الهجومية فما من شيء يجبرني على مرافقتهم .
في إحدى المرات وقبل عملية عسكرية ، تصفح فاس الصـور الجوية لمنطقة القتال . وهي عبارة عن مكـان فـارغ محـاط بالادغال وكلما اطال فاس النظر إلى الصور ، كلما شعر بخوف مضاعف حيث لاحظ العديد من الفجوات في كل مكان من الصور وقال في نفسه « إن رشاشاتهم المخفية سوف تمزقنا إربا إربا .
ً ، و الكـومـانـدوس ، الذين أرسلوا إلى المكان المذكور ، ولم يقبل المصور هورست فاس ان يكون واحداً منهم قتل عشرة افراد ضمنهم في الثواني الأولى لعملية الإنزال .
إن معظم المصورين كانوا يتقنون فن البقاء على قيد الحياة فالبعض كانوا يطلون باللون الأسود الأجزاءالبراقة المعدنية آلات تصـويـرهم ، حتى لا يفضح لمعانها مكان وجودهم بالنسبة للقناصين من الأعداء المصور الايطالي رومانو . كاينوني ( Romano Cngnoni ) طلى وجهه بالأسود ، اما المصورة الفرنسية کاترین لوروا كتبت هذه الكلمات على قطعة من ورق وحملتها امامها كلافتة الصحافة الفرنسية باريس ..
في حين ان المصور الحـربـي روس بـوغـهـام كان يصفر من بين شفتيه في الأدغال اغنية لـ موريس شفالية ( Maurice Chevalier ) .
اما ليلا ، فكان من المستحسن ان يصار إلى إضاءة السيارة من الداخل ، كي يعرف كل واحد ان بداخلها أشخاصاً مدنيين في طريقهم إلى منازلهم ....
بيتـر شـول - لاتـور ( Peter Scholl- Latour ) كان يتجه بذراعين مفتوحين نحو جنود الفيتكونغ ويشد على أيديهم ، لأن الحركات السلمية كانت تعبر عن الثقة .
مثل هذه الألاعيب تعلمها المصورون الحربيون في جبهات القتال الفوضوية في أفريقيا ففي السودان اشتری مصور مجلة شترن الألمانية الغربية المعروفة فرد إيرت ( Fred lhrt ) ثيابا كاكية اللون كالتي يرتديها ضباط الاستعمار البريطانيين وكان يمر بها في كل مكان ، حيث يعتقد الناس أنه ضابط بريطاني وهـورسـت فـاس ارتـدى في الكونغو رغم الحرارة الشديد القميص مع الياقة وربطة العنق ويقول :
- لقد كانوا يظنون انني موظف لاحـدى السفارات الأجنبية ، : وكان فاس يلتقط الصور التي يريدها رغم حراس الأمن ، وقد تمكن حتى من اخذ صورة للزعيم الكونغولي باتريس لومومبا ، اول رئیس دولة الكونغو المستقل وهو في طريقه مع المفرزة التي نفذت فيه حكم الاعدام ...
المصور غرد هایدمان Gred ) Heidermann إدعى الكونغو انه من الجنود المرتزقة ، وعندما اقتحم الـرجـال المنازل للسلب والنهب عمل مصور مجلة شترن وكانه بدوره يعبث في الخزائن والأدراج وفي لحظة لم يكن يراقبه فيها أحد دس آلة تصويره أحد الأدراج ومن ثم قام بفتح الدرج ثانية وصاح والدهشة مرتسمة على وجهه : ما هذا ؟ يا للمفاجاة الحلوة .. واخرج آلة التصوير وقد حسده الكل على هذه الغنيمة حيث انها كانت المن من كل الأشياء الأخرى التي حصل عليها زملاؤه . ... وبعدها صاح هایدمان مجدداً يبدو أن الكاميرا مجهزة بفيلم فلنجرب ذلك . .. وشرع على الأثر في اخذ الصور للجنود المرتزقة وهم يقومون باعمال السلب والنهب دون أن ينتبه أحد منهم لتلك اللعبة الذكية وهذه الأعمال التي صورها كانت في مدينة ستانليفيل ( Stanleyville )
الحصول على اعتماد للتصوير في فيتنام وبالتالي في سايغون كان اشبه بلحية أطفال ، فالمخبر أو المصور الحربي كان عليه فقط حجز بطاقة سفر إلى سايغون حيث يذهب إلى مصلحة ( MACV ) اي -Military Assist ) وبعد ذلك يقصد ويضع أمام المسؤول هناك كتاب رئاسة التحـريـر وبطـاقـتـه الصحافية ويوقع على بيان من خمسة عشر بندأ ، فيستلم بعدها بطـاقـة اعتمـاده من قبل الـ ( MACY ) الصحافي الخياط ويفصل عنده جاکیت سافاري مع سروال ضد النار .
وبالنسبة للـ رجـال الأشداء ، كانت هناك جاكيتات قتالية للمصورين من شركة کاستون آرمور مـانـوفاكتـوروز Armor ( Custom ( Manufacturers من فورت لاودردال ( Fort Lauderdale ) في فلوريدا ، يمكن شراؤها ، مصممة من قبل مخبرين حربيين مهنيين . ( Gadget ) إنها مكفولة ضد الرصاص والحـزام المزود بالحقائب بقي المصور - كما يشير الاعلان - من رصاص الرشاشات والشظايا ورصاص المسدسات .
الصحـافيـون هـم رجـال . غادجيت مهووسون بالألعاب التقنية والصحافيون كانوا الأوائل الذين اخذوا يعملون على آلات الجيب الحاسبة .
وكانوا يسيرون مـع الـولكمـان ( Walkmann ) في آذانهم . وقد اشتروها إما من طهران أو هونغ كونغ ، ويحملون ساعات يد وقد ركب بداخلها جهاز تلفزيون صغير . والمصورون الحربيون هم عبارة عن رجال ه غادجيت ، سوبر . إنهم يحبون الألعاب التقنية . كانوا يشترون في فيتنام كل الأشياء والسلع التي يمكن أن تنفع في الحرب : منظار وقاية جـاكيت ضد الرصاص نظارات ضد الشمس خـاصـة بسلاح الجو الملكي .
في سايغون وفي بيروت كان بإمكان المرء أن يشاهدهم في المؤتمرات الصحافية ، دافيد .د
دانگان ( David D.Puncan ) كان يرتدي ثياباً جديدة من راسه حتى اخمص قدميه وكان مزوداً بكل ما يلزم لكل الأحوال والظروف . دانكان كان يرتدي جاكيت طيار ويعتمر على راسه خوذة ، كما اشترى منظاراً عسكرياً ، ليتمكن بواسطته من مشاهدة ومتباعة المعارك عن بعد ، وكان يحمل معه راديو ترانزیستور يستمع إلى الأخبار ، ومصباح جيب للمراقبة الليلية . بالإضافة إلى بوصلة ووعاء لا ينفذ منه الماء من أجل تظهير الأفلام ، وزجاجتين للشرب .
زميله لاري بوروز L , arry ) ( Burrows صمم ، مثل الكثيرين من المخبرين العسكريين ، ثيابه بنفسه مع جيوب عميقة بصورة خاصة لتتسع للمواد والأفلام بوروز كان يحضر نفسه للمهمات تماماً كما يهيء المرء نفسه عندما ينوي الذهاب إلى الجبهة للقتال وقبل ان يضع على كتفه كاميراته الأربعة ، كان يمضي ليلة طويلة بتنظيف العدسات والمرشحات المختلفة بتفحص فيما إذا كانت البطاريات جديدة ، ويعمل ، إذا دعت الضـوررة على تفكيك الكاميرا ، ومن ثم يعيد تركيبها ويملا جيوب جاكيت الأدغال باسلحة من المرشحات والعدسات الإضافية واقمشة خاصة لتنظيف العـدسـات وأوراق للكتابة وبطاريات إحيـاطـايـة وافلام وكتب أحد الصحافيين سريعة المصورين يقول : . عندما كان لاري بوروز بمد يده إلى جيبه كان يجد دائماً ما يبحث عنه دون جهد ! ..
لارلي بوروز كان يعمل بصورة منتظمة : وقبل أن يلتقط فقط صورة واحدة . كان يرسم كل
صورة يريد اخذها على قطعة ورق ، ويحدد فيما إذا كان يريد الصورة بالطول ام بالعـرض وكيف يمكن أن تبدو مثلا داخل الصفحة في مجلة ، لايف ، واثناء الـعمـل طـول الشـهـر عـلى الريبورتاج ، كان يستخدم تلك الملاحظات كنوع من المستندات .
وعندما يكون لاري بوروز عائداً من مهمة سيجد ضمن غنيمته الفوتوغرافية . عدا عن الأفلام التي قام بتصويرها . مجموعة من الأوراق المدسوسة في جيوبه والتي دون عليها أسماء الأماكن التي زارها والتقط فيها الصور ، وكذلك الأحداث وأسماء الأشخاص الذين صورهم إضافة للمستندات من أجل النصوص الصحيحة تحت كل صورة كان يكتبها ليلا في المعسكر ، وهو في كيس النوم على ضوء الشموع .
وثمة عادة لا يقلع عنها لاري بوروز ، بعد قيامه بالمهمة ، مهما كان شعوره وتتمثـل بـارتـداء اللباس الرسمي عند تناول العشاء وعندما كان زملاؤه من المصورين والصحافيين يأتون إلى الفندق متسخين وبذقون غير محلوقة ، يتصبب العرق منهم ، كانوا يوصون بإحضار حسـاء ساخن إلى غرفهم ، يقذفون جزمهم مثل رعاة البقر إلى ركن الغرفة ويرتمون على الأسرة واحياناً بكامل ثيابهم ... وهذا أمر لا يقدم لاري بوروز عليه إطلاقاً مهما كلف الأمر ، وحتى في منتصف الليل ، كان ياخذ حماماً ساخنـا يحلق ذقنه ويرتدي قيمصاً نظيفاً وثياباً رسمية مع ربطة العنق طبعاً ويذهب لتناول العشاء -
الحلقة المقبلة
- من أوقف حرب فيتنام ؟
مجزرة (ماي لاي) في فيتنام ... تهز الضميرالاميركي
في حرب القرم عام ١٨٤٨ دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى .
ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند - عام ٨٣ والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد .
ونظراً لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي . تاريخ التصوير " رأينا ترجمته من الألمانية ، خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد .
ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينية فابيان وهانس کریستیان آدم
ويقع في ٣٤٠ صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بـالأسـود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳ .
عام ١٩٦٣ كانت الحرب الفيتنامية لا تزال تبدو وكانها حرب نموذجية ... دزينة من الصحافيين كانوا معتمدين في سايغون . وفي مطعم بروداردز ( Brodards ) بشارع تودو ( Tudo Street ) وهو مطعم أميركي بكل ما في الكلمة من معنى ، مع مرايا على الجدران وتكييف هواء وعليـة موسيقية ( Musik box ) نسمع منها غالباً صوت اديث بياف كان هؤلاء الصحـافيـون يجتمعون حول طاولة واحدة وكانت حياة الحرب لا تزال تفتح لهم الشهية .
وفي الصباح ، كان بإمكانهم اخذ سيارة تاكسي والذهاب عبر الطريق الرابع إلى دلتا - ميكونغ حيـث ( Delta Mekong )
يتناولون طعام الغذاء في مطعم فرنسي يقدم اربعة أصناف من الطعام مع المشروب ، واثناء ذلك يناقشون الوضع العسكري مع ضابط فيتنامي جنوبي ، ومن ثم قبل ان يحل الظلام . يعودون ثانية إلى سايفون .
الدزينة الأولى من الصحافيين دبرت إقامتها في سايغون ونزل افرادها في فندق كونتينتال (Cou tinental Hotel ) ، وهو فندق شيد في عهد الاستعمار ، وكانوا اثناء النهار يقضون الوقت في بار الفندق المعروف باسم كارافيل ( Caravelle ) . ومن اجل الحصول على الأخبار واصطيادها ، في مـدينـة الشـائـعـات ، كـان الصحافيون يقصدون حوض السباحة او بار ، غراهام غرين میلش بار ، Graham Green's Milch bar )
ومن كان يريد ان يستجم ويستريح لبضعة ايام كان بإمكانه أن يسافر إلى دانانع حيث يوجد هناك دوش .
ومشـروبـات ولحم . ستيك مستورد مباشرة من الولايات المتحـدة ، وهنا كان ايضاً الشاطيء الصيني ( China Beach ) حيث يشعر المرء فيه
وكانه في الولايات المتحدة فتيات بلباس البيكيني ، شراب الكريب فروت كافيتيريا وبطـاطـا . شبيس » ، وبإمكان المرء هناك ان يسبح او ان يمارس رياضة التزلج على الماء ، وأن يفعل ما يحلو .
له وعدا رجال الصحافة والاعلام فقد طارت إلى هناك الشخصيات البارزة ، ومن بينها ، لوسيان بودارد ( Cuclen Bodard الذي اصدر اكثر الكتب رواجاً في العالم والذي أخرج في الحي الصيني في سايغون كتابه الجديد بعنوان
الـرجـل الثالث ( The Third Man) . وما كاد لوسیان بودارد يصل إلى سايفون حتى تعددت الحكايات والقصص النادرة وفي مؤتمر صحافي التفت احـد عسكريين إلى الصحـافيـين الموجودين وطرح عليهم هذا السؤال : لقد استلمنا لتونا برقية تقول إن ثمة صحافي أميركي قد وصل وإسمه غراهام غرين (Gra ham Green )
هل هو معروف يا ترى من احد منكم ؟
فضـج الحاضرون بالضحك .
كثيرون ذهبوا إلى فيتنام لأن حياتهم المدنية كانت روتينية وخالية من المغامرات . وعلى سبيل المثال کتاب مشاهير يعانون من مركب نقص ومنهم آرنست همنغواي ! Ernest ) Hemingway )، مخبرون حربیون من الحرب العالمية الثانية يودون تنشيط ذكريات قديمة اختصاصيون من مجلات التسلح يريدون ان يشاهدوا بام اعينهم الحـرب الحقيقية . وطبعاً مصورون حربیون ، كانوا سعداء للعمـل ثانية في مجال عملهم الحقيقي وإلى فيتنام قدم ايضاً هيبيون مثل تیم باج ( Tim Page ) .
تيم كان في العشرين من عمره . وفي سايفون اكتشف الفتى اليتيم القادم من ضاحية في لندن ما كان ينقصه دائماً ، حب الخطر والمجازفة ، ويقول باج في أي مكان في العالم يحصل المرء على فرصة اللعب بطائرة نفاثة تفوق سرعتها سرعة الصوت ، ويقود دبـابـة او يطلق صاروخاً ويتقاضى من أجل ذلك المال الوفير ؟ ولكن محب الإثارات لم يقد دبابة يل دراجة نارية وكان ايضاً يتقاضى راتبا محترما وشانه شان بقية المصورين - الهيبيين ، كان يضع حول عنقه القلادات ويحمل
بندقية ومعه , كاسيتات ، وجهاز لسماع موسيقى البوب في حقيبته ، وكان يسافر مع سين فلين ( Sean Flynn ) إبن نجم هوليوود السينمائي الـراحـل إيرول فلين ( Errol Flynn ) ، ومع المصورين ريك ميرون Rick ) Merron ودانا ستون Dana ) ( Stone ، على دراجات نارية ملطخة بالوحول ، إلى الجبهة وهؤلاء الفرسان الذين اطلق عليهم إسم ايزي رايـد Ray ) Riders كانو مصورين مشهورين ، يقومون بالاختبارات مع الكاميرا المثبتة على ماسورة البندقية وفي جزء من الثانية التي يحتاجها الجندي للضغط على الزناد تعمل - كاميرته ، في نفس الوقت الالتقاط حيث يكون في الوقت ذاته قد قتـل رجلا واخـذ صورته ! ....
وكان تيم باج يتقاضى رواتبه من كل من مجلة ، لايف ، ومجلة تايم . وكانت تقدر بنصف مليون من الماركات ، بالإضافة . إلى نفقـات الإقـامـة في المستشفيات .. وبعد إثني عشرة عملية وإقامة سنة ونصف السنة مستشفى والتر ريد Walter ) ( Reed- Hospital في واشنطن ، حضر نفسه من أجل المشاركة في العملية المقبلة واثناء النقاهة . حصل تیم باج ، من ناشر بريطاني على عرض لتأليف كتاب وقد إقتـرح عنواناً للكتاب ، انا والحرب ، . ويقول الناشر . مع هذا الكتاب اريد ان انزع عن الحرب فتنتها ، ا ، وهذا يدل على الناشر لم يكن يعرف تيم باج حق المعرفة .
وإلى حـرب الـرجـال ذهبت النساء ايضاً البعض منهن تبعن أصدقاء لهن إلى فيتنام وبعدما وصلن إلى هناك اقترضن كاميرا وشرعن بالتصوير .
إلى سايغون قدم كل من فرنسواز دومولر Françoise ) كريستين سبنغلر ( Christine Spengler ) وبيني تويدي ( Penny Tweedy ) من اجل تصوير ضحايا الحرب .
في عام ١٩٦٦ وصلت کاترین Demulder
لوروا ( Catherine Leroy ) إلى سـايـغـون . وكانت المصـورة الفرنسية قد حجزت فقط بطاقة ذهاب ، بدون إياب ولم يكن معها سوی كاميرا مع مبلغ خمسمائة دولار والرغبة في أن تصبـح مصورة صحافية ! كاترين لوروا أصبحت متعاملة مستقلة مع وكالة الـ ، اسوشيتد بريس . -Associ ) ( ated Press ، وإذا ما بيعت إحدى صورها كانت تحصل بالمقابل على خمسة عشر دولاراً . الكثير من المصورين الصحافيين قاموا فقط بنوع من الزيارة لكنهم عادوا واستقروا لمعظم الوقت سايفون - وكانوا يستمعون في المؤتمرات الصحافية اليومية إلى الوضع العسكري ، يقيمون كل ما يحصلون عليه من نشرات ومعلومات ، و يذهبون بعد ذلك لكتابة تقاريرهم عن الجبهات والقتال في غرفهم المكيفة الفندق . على الآلة الكاتبة ، دون أن يكونوا قد ذهبوا إلى الجبهة على الإطلاق وبالنسبة لهؤلاء فالحرب كانت ( عبارة عن موعد وضع الجبهة مع العمليات الحربية كان معروفاً وكان المرء يذهب إلى الحرب بالوقت المحدد تماماً ، كما يذهب إلى حفلة الافتتاح لمسرحية ما وكان الصحافيون والمصورون ينتقلـون إلى أماكن الجبهات بالتاكسيات وبالباصات وطائرات الهليكوبتر ، كما لو أنهم ذاهبون إلى مؤتمر صحافي وقبل الإقلاع كانت تعطي إشارات لتعليقها على - جاكيتاتهم ، ودفتر للكتابة مع قلم وعلبة تبريد من اجل المشروبات . والكلمة الفيتنامية الوحيدة التي يعرفونها هي . باوتشي ، Bao Chl ) اي صحافة والغرض منها الاشارة لعدم إطلاق النار .
معظم الصحافيين لم يكونوا بحاجة لمغادرة سايفون لاستيحاء لمة شيء عن الحرب . مايك هر يقول . كنا نجلس على سطح الفندق ونراقب الغارات الجوية على طرفي النهر وهي قريبة للغاية لدرجة ان عدسة مكبرة بإمكانها تصوير العلامات المميزة للطـائـرات وكنا نقف هناك بـالـعشـرات . تماماً مثل الأرستقراطيين الذين يراقبون مشهداً مثيراً لكن بدون ادنى إكتراث السناتور الأميركي ويليام فولبرايت William ) ( Fullbright قال في كتابه بعنوان . عجرفة السلطة .
- في الأسبوع الأول من آذار لعام ١٩٦٦ تورطت مشاة البحرية الأميركية والقوات الفيتناميـة الجنوبية في عملية تدعى اوتاه ( Utah ) بقتال دموي مع القوات الفيتنامية الشمالية الصحافي جوزيف غـالـوواي ( Joseph Galloway ) من وكالة الأخبار الأميركية يونايتد بريس انترناسیونال -Un ) ( ited Press International كتب التقرير التالي حول مرحلة من عملية اوتاه .
كنا نقف على التلة نهتف ، نصغر وكنا نعطي النصائح الجيدة إقتلوا ابن الكلب ... الحقوا به ... مـاذا دهاكم ايها الأغبياء ؟ .
العسكريون كانوا . يحبون دائمـا الصحافيين الذين لا يتدخلون بما لا يعنيهم وكتب غاراهام غرين ( Graham Green ) عن حرب الهند الصينية يقول بعد ان تكون المعركة قد انتهت بصورة نخليفة وأبعد القتلى عن ساحة المعركة ، يصار إلى استدعاء الصحـافيـين إلى هانوي ، وهناك كانوا يستقبلون من قبل القائد الأعلى ويستضافون في معسكر الصحافة لليلة ومن ثم يحلق بهم بالطائرة إلى ارتفاع عدة آلاف من الأمتار إلى علو لا تصل إليه رصاصات الرشاش الثقيل . فوق ساحة المعركة الأخيرة . ومن ثم كانت الطائرة تعود بهم إلى سايغون وإلى فندقهم ، كونتينتـال .. وكانهم كانوا في رحلة طيران مدرسية !! . .
وحتى الأولاد كانوا يصورون في فيتنام ، من أجل إرضاء الإعلام الغربي ، الذي كان يأتي للحصول على الصور وهكذا التقى مخبرو مجلة شترن ( Stern الألمانية الغربية في يوم من الأيام باصغر مصور في العالم وكان إسمه لومانة - هونغ -Lo Manh Hung ويبلغ من العمر اثنتي عشر عاماً ، كان لومانه يقف أمام الفندق مزودة بكاميرتين وخوذة كتب عليها ، باوشي . . وكان يبيع الصورة الواحدة بعشرة دولارات وصوره تظهر مشاهد من حرب الشوارع وقتلى الفيتكونغ Viet ) ( Kong والخرائب ، واللاجئين بوجوههم التي يرتسم عليها الذعر والخوف المميـت ... وكمواطن فيتنامي كان بإمكـان الفتى ان يصور على هواه في أحياء المدينة وفي الضواحي ، حيث لا يجرؤ أي مصور اجنبي على الدخول .
وبالنسبة للـرجـال مـع الكاميرات ، اي المصورين ، فإن المجازفة بالحياة كانت أكبر منها بالنسبة للصحافيين مع الاتهم الكاتبة . وكتب توم هوبكنسون ( Tom Hopkinson )
المصور الصحافي لمجلة بيكتشور بوست ( Picture Post ) البريطانية يقول : في الأحوال الخطيرة بإمكان المؤلف أو الصحـافي ان ينجو
بنفسه وبعـدو هارباً .
بكل بساطة ، بقدر ما يستطيع وعند الضرورة ، فإنه يدون في راسه ما شاهدة ، ولكن إحمل الكاميرا وصور وعندها سترى ما قد يحصل لك ، وهذا يشبه تماماً اخذ عود ثقاب واشعاله في قبو مملؤ بالغاز . وعندما تتطاير القنابل . بإمكان الكاتب أن يخفي راسه ، يلتقط الصور .. عليه الوقوف . ورفع رأسه بكل ما في الكلمة من معنی التصوير !!!
وبالنسبة للمصور الصحافي دون ماك كولين Don Me ) ولكن الرجل مع الكاميرا . عليه ان ليتمكن من Cullin ، فإن إبقاء الراس عالياً هو من اخلاقية الصحافة حيث يقول :
- لا اعتقد انه بإمكان المرء الرؤية من فوق الحافة إذا لم يعد عنقه لقد وقفت غالباً بصلابة على شفير الهاوية ولم أكن بعيداً عنها حتى ولا خطوة واحدة وهذا هو الموقف الصحيح لمن يريد ان يرى ويظهر ما معنى المعاناة والألم بصورة حقيقية ماك كولين كان مشهوراً بجراته وشجاعته وإستخفافه بالخوف وكتب زميله الصحافي غرين واي ( Green way ) عنه يقول :
- دون كان يذهب إلى المخاطر تماماً كما يذهب مصارع الثيران إلى الحلبة امام قرون الثـور
الهائج و في المعركة الرهيبة حول ( Hud ) في
مدينة هوه شباط عام ١٩٦٨. كان وسط ذلك الخضم من جدران القرن الثامن عشر . مركز للتقدم ، حيث منيت سرية من مشاة البحرية بخسائر فادحة وعلى كل فإن اولئك الرجال أمضوا ساعات من اشد الأهوال فالقذائف كانت تنهال عليهم من كل حدب وصوب .
وفيما بعد سالني أمر السرية هل تعرف ماك كولين : فاجبته أجـل إنني أعرف هذا الرجل ، فقال لي الضابط : تصور هذا الرجل تقدم الى الخطوط الأمامية في تلك الجبهة وقام لوحده بإنقاذ الاشخاص وأعادهم إلى الخطوط الخلفية ... ولو كان هذا الرجل من عداد مشـاة البحرية التابعة لسريتي . لكنت رشحته لنيل وسام الشرف !
وضحية لمهنته قضى مصور الأوبي Upi ) شارل إيغلستون ( Charles Eggleston ) ... في ايار عام ١٩٦٨ كان إيغلستون مع خمسة من زملائه من الصحافة الأجنبية بالقرب من مدينة كولون ( Cholon ) ، وقد ضلوا طريقهم لـوجـدوا انفسهم في موقع للفيتكونغ وفي الهجوم الذي قام به هؤلاء على سيارة جيب الصحافيين قتل أربعة منهم ، على الرغم من أنهم ، كما ذكر الوحيد ( الذي بقي على قيد الحياة من بينهم وهو ايغلستون نفسه ... كانوا يصرخون دائما ، باوشي ، اي « صحـافة ، وبعد يوم من المجزرة ، تزود ايغلستون بالأسلحة ، وعاد إلى الأدغال . ضمن عملية انتقام شخصية ... راح هو ضحيتها ...
ويقول المصور هورست فاس ( Horst Fass ) : القوات تستعد دائماً جودتها من القادة ، وانا شخصياً لا اذهب ابدأ إلى الجبهة مع قوات سيئة القيادة ... فقبل الصعود إلى طائرة الهليكوبتر حين لا يقوم القائد بتفحص دقيق لسلاح مجموعته أو إذا ما كان جنوده بهتمون بالفتيات أكثر من ( اهتمامهم باسلحتهم الهجومية فما من شيء يجبرني على مرافقتهم .
في إحدى المرات وقبل عملية عسكرية ، تصفح فاس الصـور الجوية لمنطقة القتال . وهي عبارة عن مكـان فـارغ محـاط بالادغال وكلما اطال فاس النظر إلى الصور ، كلما شعر بخوف مضاعف حيث لاحظ العديد من الفجوات في كل مكان من الصور وقال في نفسه « إن رشاشاتهم المخفية سوف تمزقنا إربا إربا .
ً ، و الكـومـانـدوس ، الذين أرسلوا إلى المكان المذكور ، ولم يقبل المصور هورست فاس ان يكون واحداً منهم قتل عشرة افراد ضمنهم في الثواني الأولى لعملية الإنزال .
إن معظم المصورين كانوا يتقنون فن البقاء على قيد الحياة فالبعض كانوا يطلون باللون الأسود الأجزاءالبراقة المعدنية آلات تصـويـرهم ، حتى لا يفضح لمعانها مكان وجودهم بالنسبة للقناصين من الأعداء المصور الايطالي رومانو . كاينوني ( Romano Cngnoni ) طلى وجهه بالأسود ، اما المصورة الفرنسية کاترین لوروا كتبت هذه الكلمات على قطعة من ورق وحملتها امامها كلافتة الصحافة الفرنسية باريس ..
في حين ان المصور الحـربـي روس بـوغـهـام كان يصفر من بين شفتيه في الأدغال اغنية لـ موريس شفالية ( Maurice Chevalier ) .
اما ليلا ، فكان من المستحسن ان يصار إلى إضاءة السيارة من الداخل ، كي يعرف كل واحد ان بداخلها أشخاصاً مدنيين في طريقهم إلى منازلهم ....
بيتـر شـول - لاتـور ( Peter Scholl- Latour ) كان يتجه بذراعين مفتوحين نحو جنود الفيتكونغ ويشد على أيديهم ، لأن الحركات السلمية كانت تعبر عن الثقة .
مثل هذه الألاعيب تعلمها المصورون الحربيون في جبهات القتال الفوضوية في أفريقيا ففي السودان اشتری مصور مجلة شترن الألمانية الغربية المعروفة فرد إيرت ( Fred lhrt ) ثيابا كاكية اللون كالتي يرتديها ضباط الاستعمار البريطانيين وكان يمر بها في كل مكان ، حيث يعتقد الناس أنه ضابط بريطاني وهـورسـت فـاس ارتـدى في الكونغو رغم الحرارة الشديد القميص مع الياقة وربطة العنق ويقول :
- لقد كانوا يظنون انني موظف لاحـدى السفارات الأجنبية ، : وكان فاس يلتقط الصور التي يريدها رغم حراس الأمن ، وقد تمكن حتى من اخذ صورة للزعيم الكونغولي باتريس لومومبا ، اول رئیس دولة الكونغو المستقل وهو في طريقه مع المفرزة التي نفذت فيه حكم الاعدام ...
المصور غرد هایدمان Gred ) Heidermann إدعى الكونغو انه من الجنود المرتزقة ، وعندما اقتحم الـرجـال المنازل للسلب والنهب عمل مصور مجلة شترن وكانه بدوره يعبث في الخزائن والأدراج وفي لحظة لم يكن يراقبه فيها أحد دس آلة تصويره أحد الأدراج ومن ثم قام بفتح الدرج ثانية وصاح والدهشة مرتسمة على وجهه : ما هذا ؟ يا للمفاجاة الحلوة .. واخرج آلة التصوير وقد حسده الكل على هذه الغنيمة حيث انها كانت المن من كل الأشياء الأخرى التي حصل عليها زملاؤه . ... وبعدها صاح هایدمان مجدداً يبدو أن الكاميرا مجهزة بفيلم فلنجرب ذلك . .. وشرع على الأثر في اخذ الصور للجنود المرتزقة وهم يقومون باعمال السلب والنهب دون أن ينتبه أحد منهم لتلك اللعبة الذكية وهذه الأعمال التي صورها كانت في مدينة ستانليفيل ( Stanleyville )
الحصول على اعتماد للتصوير في فيتنام وبالتالي في سايغون كان اشبه بلحية أطفال ، فالمخبر أو المصور الحربي كان عليه فقط حجز بطاقة سفر إلى سايغون حيث يذهب إلى مصلحة ( MACV ) اي -Military Assist ) وبعد ذلك يقصد ويضع أمام المسؤول هناك كتاب رئاسة التحـريـر وبطـاقـتـه الصحافية ويوقع على بيان من خمسة عشر بندأ ، فيستلم بعدها بطـاقـة اعتمـاده من قبل الـ ( MACY ) الصحافي الخياط ويفصل عنده جاکیت سافاري مع سروال ضد النار .
وبالنسبة للـ رجـال الأشداء ، كانت هناك جاكيتات قتالية للمصورين من شركة کاستون آرمور مـانـوفاكتـوروز Armor ( Custom ( Manufacturers من فورت لاودردال ( Fort Lauderdale ) في فلوريدا ، يمكن شراؤها ، مصممة من قبل مخبرين حربيين مهنيين . ( Gadget ) إنها مكفولة ضد الرصاص والحـزام المزود بالحقائب بقي المصور - كما يشير الاعلان - من رصاص الرشاشات والشظايا ورصاص المسدسات .
الصحـافيـون هـم رجـال . غادجيت مهووسون بالألعاب التقنية والصحافيون كانوا الأوائل الذين اخذوا يعملون على آلات الجيب الحاسبة .
وكانوا يسيرون مـع الـولكمـان ( Walkmann ) في آذانهم . وقد اشتروها إما من طهران أو هونغ كونغ ، ويحملون ساعات يد وقد ركب بداخلها جهاز تلفزيون صغير . والمصورون الحربيون هم عبارة عن رجال ه غادجيت ، سوبر . إنهم يحبون الألعاب التقنية . كانوا يشترون في فيتنام كل الأشياء والسلع التي يمكن أن تنفع في الحرب : منظار وقاية جـاكيت ضد الرصاص نظارات ضد الشمس خـاصـة بسلاح الجو الملكي .
في سايغون وفي بيروت كان بإمكان المرء أن يشاهدهم في المؤتمرات الصحافية ، دافيد .د
دانگان ( David D.Puncan ) كان يرتدي ثياباً جديدة من راسه حتى اخمص قدميه وكان مزوداً بكل ما يلزم لكل الأحوال والظروف . دانكان كان يرتدي جاكيت طيار ويعتمر على راسه خوذة ، كما اشترى منظاراً عسكرياً ، ليتمكن بواسطته من مشاهدة ومتباعة المعارك عن بعد ، وكان يحمل معه راديو ترانزیستور يستمع إلى الأخبار ، ومصباح جيب للمراقبة الليلية . بالإضافة إلى بوصلة ووعاء لا ينفذ منه الماء من أجل تظهير الأفلام ، وزجاجتين للشرب .
زميله لاري بوروز L , arry ) ( Burrows صمم ، مثل الكثيرين من المخبرين العسكريين ، ثيابه بنفسه مع جيوب عميقة بصورة خاصة لتتسع للمواد والأفلام بوروز كان يحضر نفسه للمهمات تماماً كما يهيء المرء نفسه عندما ينوي الذهاب إلى الجبهة للقتال وقبل ان يضع على كتفه كاميراته الأربعة ، كان يمضي ليلة طويلة بتنظيف العدسات والمرشحات المختلفة بتفحص فيما إذا كانت البطاريات جديدة ، ويعمل ، إذا دعت الضـوررة على تفكيك الكاميرا ، ومن ثم يعيد تركيبها ويملا جيوب جاكيت الأدغال باسلحة من المرشحات والعدسات الإضافية واقمشة خاصة لتنظيف العـدسـات وأوراق للكتابة وبطاريات إحيـاطـايـة وافلام وكتب أحد الصحافيين سريعة المصورين يقول : . عندما كان لاري بوروز بمد يده إلى جيبه كان يجد دائماً ما يبحث عنه دون جهد ! ..
لارلي بوروز كان يعمل بصورة منتظمة : وقبل أن يلتقط فقط صورة واحدة . كان يرسم كل
صورة يريد اخذها على قطعة ورق ، ويحدد فيما إذا كان يريد الصورة بالطول ام بالعـرض وكيف يمكن أن تبدو مثلا داخل الصفحة في مجلة ، لايف ، واثناء الـعمـل طـول الشـهـر عـلى الريبورتاج ، كان يستخدم تلك الملاحظات كنوع من المستندات .
وعندما يكون لاري بوروز عائداً من مهمة سيجد ضمن غنيمته الفوتوغرافية . عدا عن الأفلام التي قام بتصويرها . مجموعة من الأوراق المدسوسة في جيوبه والتي دون عليها أسماء الأماكن التي زارها والتقط فيها الصور ، وكذلك الأحداث وأسماء الأشخاص الذين صورهم إضافة للمستندات من أجل النصوص الصحيحة تحت كل صورة كان يكتبها ليلا في المعسكر ، وهو في كيس النوم على ضوء الشموع .
وثمة عادة لا يقلع عنها لاري بوروز ، بعد قيامه بالمهمة ، مهما كان شعوره وتتمثـل بـارتـداء اللباس الرسمي عند تناول العشاء وعندما كان زملاؤه من المصورين والصحافيين يأتون إلى الفندق متسخين وبذقون غير محلوقة ، يتصبب العرق منهم ، كانوا يوصون بإحضار حسـاء ساخن إلى غرفهم ، يقذفون جزمهم مثل رعاة البقر إلى ركن الغرفة ويرتمون على الأسرة واحياناً بكامل ثيابهم ... وهذا أمر لا يقدم لاري بوروز عليه إطلاقاً مهما كلف الأمر ، وحتى في منتصف الليل ، كان ياخذ حماماً ساخنـا يحلق ذقنه ويرتدي قيمصاً نظيفاً وثياباً رسمية مع ربطة العنق طبعاً ويذهب لتناول العشاء -
الحلقة المقبلة
- من أوقف حرب فيتنام ؟
تعليق