هولدرلين (فريدريش)
Holderlin (Friedrich.) - Holderlin (Friedrich.)
هولدرلين (فريدريش ـ)
(1770 ـ 1843)
يوهان كريستيان فريدريش هولدرلين Johann Christian Friedrich Hölderlin، المعروف أدبياً باسمه الثالث فريدريش، هو أحد أبرز شعراء البرجوازية الثورية في إطار الأدب الألماني الكلاسيكي في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر.
ولد هولدرلين في بلدة لاوفِن Lauffen على نهر نِكَّار Nekkar في منطقة شڤابن Schwaben وتوفي في مدينة توبِنغن Tübingen. كان والده معلماً في الدير توفي في عام 1772، وكانت والدته ربة بيت متواضعة الثقافة رأت أن تُلحقه بالمدرسة الكنسية المجانية التي ستؤهله لسلك الكهنوت البروتستنتي. انتقل بعد المرحلة الأولى إلى دير ماولبرون Maulbronn الشهير بمؤسسته التعليمية، ثم إلى دير توبِنغن الكبير في عام 1788 حين بدأ ينظم أول أناشيده الشعرية متأثراً بالشاعرين كلوبشتوك[ر] وشيلر[ر]، كما ارتبط بعلاقات صداقة مع هيغل[ر] وشيلنغ[ر]. وحصل في عام 1793 عن طريق شيلر على وظيفة معلم خاص في مدينة ڤالترزهاوزن Waltershausen، وانتقل في العام التالي إلى مدينة يينا Jena حيث نشر له شيلر الأجزاء الأولى من روايته «هيبِريون» Hyperion في مجلته الأدبية «تاليا الجديدة» Die neue Thalia، والتقى في مدينة ڤايمار Weimar كلاً من غوته[ر] وهردر[ر]. تخلى في عام 1795 عن وظيفته ليتعمق في دراسة فلسفة فيشتِه[ر. فيختِه]، لكنه اضطر مالياً بعد شهور إلى قبول وظيفة مشابهة في منزل المصرفي غونتارد Gontard في فرانكفورت على نهر الماين، وارتبط بعلاقة حب متبادلة مع والدة تلميذه سوزيتِّه Susette التي تكبره بعام واحد، والتي صار اسمها في أشعاره ديوتيما Diotima. وبعد ثلاث سنوات طرده غونتارد من منزله، فحاول جهده تأسيس مجلة أدبية والاستقرار في يينا، لكن جهوده ذهبت هباء، فقبل وظيفة معلم خاص في هاوبتفيل Hauptwyl في سويسرا وأخرى في بوردو Bordeaux في فرنسا حيث بلغه نبأ وفاة سوزيته حزناً وقهراً، وهي لم تتجاوز الثانية والثلاثين من عمرها. كان وقع الصدمة على هولدرلين هائلاً، هز كيانه وتوازنه العقلي، فتخلى عن عمله وعاد مشياً على الأقدام من بوردو حتى توبِنغن. وعلى الرغم من أزمته النفسية الشديدة استمر هولدرلين بنظم الشعر والترجمة من اللغة الإغريقية، وقد دعمه في محنته المادية والمعنوية هذه صديقه المقرب منه إسحاق فون سنكلير Isaac von Sinclair بأن وفر له عملاً في مكتبة مدينة هومبورغ Homburg كان يسدد أجره من جيبه الخاص. وبحلول عام 1806 كان لا بد من إدخال هولدرلين إلى مشفى الأمراض العصبية في توبِنغن، ونقل بعد سنة إلى منزل النجار تسِيمّر Zimmer الذي أشرف على رعايته مع زوجته حتى وفاته وهو في حالة تشتت عقلي تام.
يعود السبب في هذا المصير المأساوي للشاعر الوطني والإنساني البارز هولدرلين إلى بحثه اليائس عن مخرج ناجع من النظام الملكي الاستبدادي المهيمن حينذاك والضاغط على الإنسان البالغ الحساسية على نحو مقلق. كان هولدرلين يتوق إلى نظام اجتماعي مثالي وجده في العالم الإغريقي القديم، ولاسيما في عصر بِريكْلِس[ر. بركليس]، وكان هولدرلين في الوقت نفسه متأثراً بآراء اليعاقبة[ر. الثورة الفرنسية]، فأراد بهذين المنبعين تجديد مجتمعه ثورياً. وقد تجلى ذلك بوضوح في إبداعه الشعري والروائي والمسرحي، وكذلك في كتاباته النظرية التي بقي معظمها للأسف شذرات غير مكتملة، لكنها أضافت كثيراً إلى جوهر الفكر الكلاسيكي الألماني [ر: ألمانيا(الأدب)] بتركيزها على مسؤولية الأديب تجاه مجتمعه وعلى ضرورة تربية الأجيال الجديدة إنسانياً من أجل تفتح الذات الفردية بجميع إمكاناتها الإبداعية والعلمية باتجاه المستقبل المتغير. ولكن بعد تَكشُّفِ تحولات الثورة الفرنسية عن محضِ تكالبٍ برجوازي على السلطة اصطبغت آراء هولدرلين بمسحة طوباوية، وإلى حد ما بطابع ديني أسطوري. ومنذ قصائده المبكرة - من نوع الأود[ر] Ode - تبدى توقه التحرري في نغمات صادحة، كما في «نشيد إلى الحرية» Hymne an die Freiheit و«نشيد إلى البشرية» Hymne an die Menschheit من مرحلة إبداعه الأولى. وفي المرحلة الثانية التي برز فيها أسلوبه الخاص في التعبير الشعري الغنائي امتزجت المُثل الإنسانية بحزنٍ وألمٍ عميقين نابعين من شعور أصيل بأزمة الوطن على الصعد كافة؛ على صعيد تمجيد الإنسان أجمل كائنات الطبيعة في «الإنسان» Der Mensch، والوطن في «نهر نِكار» Der Nekkar و«هايدلبرغ» Heidelberg، والاستعداد للتضحية من أجل حرية الوطن في «إلى الألمان» An die Deutschen و«الموت من أجل الوطن» Der Tod fürs Vaterland، والتماهي مع طبيعة الوطن في «شجر البلوط» Eichbäume و«غروب» Sonnenuntergang، والتوق إلى مثال الإنسان الإغريقي في «اليونان» Griechenland و«الأرخبيل» Der Archipelagus، والشوق إلى الحب الممتزج بالألم في «ديوتيما» Diotima و«نواح مينون على ديوتيما» Menons Klagen um Diotima، والإيمان الراسخ بوظيفة الفن الاجتماعية والإشباع الفني في «إلى آلهات القدر» An die Parzen، إضافة إلى الطموح لتجديد البشرية فكرياً. وقد تمظهر هذا كله في اقتباس الأشكال الشعرية الإغريقية باللغة الألمانية وبأسلوبِ تعبيرٍ فريد في عصره من حيث جزالة اللفظ وعمق الشعور وتدفق المعاني وقوة الإيحاء وجمال الإيقاعات.
أما في مرحلة إبداعه الأخيرة فقد شابَ «أغاني الوطن» Die vaterländlichen Gesänge نوع من الغموض نتج من تصور الشاعر لارتباط مصير الفرد المأساوي بانهيار الوطن. وقد عبرت هذا القصائد عن فلسفة التاريخ عند هولدرلين في صور شعرية جريئة، في حين تأثرت قصائده اللاحقة بأزمته العقلية فاستغلقت على الفهم كلياً، لولا بعض الصور الواقعية المحسوسة. ويرى النقاد والباحثون في الأدب واللغة أن اللغة الألمانية قد بلغت ذروتها في شعر هولدرلين، وكذلك في نثره الإيقاعي الغنائي الذي يعبر عن الحنين والرثاء، كما في روايته الرسائلية[ر. الرواية] «هيبِريون أو الزاهد في اليونان» Hyperion oder Der Eremit in Griechenland (في جزأين 1797-1799) التي عالج فيها انتفاضة اليونان التحريرية ضد الحكم العثماني في عام 1770 والتي تُعدّ إحدى درر الأدب الألماني، وفي مسرحيته غير المكتملة «إمْبِِدُوكلِس» Empedokles ت(1797-1800) التي تُعد بسبب شكلها الرمزي الشعري ومضمونها الفلسفي نشيداً شعرياً ممسرحاً أكثر منها عملاً درامياً. قدم هولدرلين في هذا العمل رؤيته عن نهاية «عصر الملوك» وعن التضحية الضرورية بغية تحقيقها من أجل مستقبل البشرية.
وفي رأي النقاد الأدبيين ترقى ترجمات هولدرلين عن اليونانية واللاتينية إلى مستوى الإبداع الأدبي الجديد، كما في كثير من «أناشيد» بيندار[ر] ومسرحيتي سوفوكليس[ر] (سفوكليس) «أنتيغون» و«أوديب ملكاً» (1804). ولم تكتشف أهمية أعمال هولدرلين على صعيد الأدب الألماني إلا في عشرينيات القرن العشرين، فتُرجم إلى الإنكليزية ثم إلى كثير من اللغات الأوربية.
نبيل الحفار
Holderlin (Friedrich.) - Holderlin (Friedrich.)
هولدرلين (فريدريش ـ)
(1770 ـ 1843)
ولد هولدرلين في بلدة لاوفِن Lauffen على نهر نِكَّار Nekkar في منطقة شڤابن Schwaben وتوفي في مدينة توبِنغن Tübingen. كان والده معلماً في الدير توفي في عام 1772، وكانت والدته ربة بيت متواضعة الثقافة رأت أن تُلحقه بالمدرسة الكنسية المجانية التي ستؤهله لسلك الكهنوت البروتستنتي. انتقل بعد المرحلة الأولى إلى دير ماولبرون Maulbronn الشهير بمؤسسته التعليمية، ثم إلى دير توبِنغن الكبير في عام 1788 حين بدأ ينظم أول أناشيده الشعرية متأثراً بالشاعرين كلوبشتوك[ر] وشيلر[ر]، كما ارتبط بعلاقات صداقة مع هيغل[ر] وشيلنغ[ر]. وحصل في عام 1793 عن طريق شيلر على وظيفة معلم خاص في مدينة ڤالترزهاوزن Waltershausen، وانتقل في العام التالي إلى مدينة يينا Jena حيث نشر له شيلر الأجزاء الأولى من روايته «هيبِريون» Hyperion في مجلته الأدبية «تاليا الجديدة» Die neue Thalia، والتقى في مدينة ڤايمار Weimar كلاً من غوته[ر] وهردر[ر]. تخلى في عام 1795 عن وظيفته ليتعمق في دراسة فلسفة فيشتِه[ر. فيختِه]، لكنه اضطر مالياً بعد شهور إلى قبول وظيفة مشابهة في منزل المصرفي غونتارد Gontard في فرانكفورت على نهر الماين، وارتبط بعلاقة حب متبادلة مع والدة تلميذه سوزيتِّه Susette التي تكبره بعام واحد، والتي صار اسمها في أشعاره ديوتيما Diotima. وبعد ثلاث سنوات طرده غونتارد من منزله، فحاول جهده تأسيس مجلة أدبية والاستقرار في يينا، لكن جهوده ذهبت هباء، فقبل وظيفة معلم خاص في هاوبتفيل Hauptwyl في سويسرا وأخرى في بوردو Bordeaux في فرنسا حيث بلغه نبأ وفاة سوزيته حزناً وقهراً، وهي لم تتجاوز الثانية والثلاثين من عمرها. كان وقع الصدمة على هولدرلين هائلاً، هز كيانه وتوازنه العقلي، فتخلى عن عمله وعاد مشياً على الأقدام من بوردو حتى توبِنغن. وعلى الرغم من أزمته النفسية الشديدة استمر هولدرلين بنظم الشعر والترجمة من اللغة الإغريقية، وقد دعمه في محنته المادية والمعنوية هذه صديقه المقرب منه إسحاق فون سنكلير Isaac von Sinclair بأن وفر له عملاً في مكتبة مدينة هومبورغ Homburg كان يسدد أجره من جيبه الخاص. وبحلول عام 1806 كان لا بد من إدخال هولدرلين إلى مشفى الأمراض العصبية في توبِنغن، ونقل بعد سنة إلى منزل النجار تسِيمّر Zimmer الذي أشرف على رعايته مع زوجته حتى وفاته وهو في حالة تشتت عقلي تام.
يعود السبب في هذا المصير المأساوي للشاعر الوطني والإنساني البارز هولدرلين إلى بحثه اليائس عن مخرج ناجع من النظام الملكي الاستبدادي المهيمن حينذاك والضاغط على الإنسان البالغ الحساسية على نحو مقلق. كان هولدرلين يتوق إلى نظام اجتماعي مثالي وجده في العالم الإغريقي القديم، ولاسيما في عصر بِريكْلِس[ر. بركليس]، وكان هولدرلين في الوقت نفسه متأثراً بآراء اليعاقبة[ر. الثورة الفرنسية]، فأراد بهذين المنبعين تجديد مجتمعه ثورياً. وقد تجلى ذلك بوضوح في إبداعه الشعري والروائي والمسرحي، وكذلك في كتاباته النظرية التي بقي معظمها للأسف شذرات غير مكتملة، لكنها أضافت كثيراً إلى جوهر الفكر الكلاسيكي الألماني [ر: ألمانيا(الأدب)] بتركيزها على مسؤولية الأديب تجاه مجتمعه وعلى ضرورة تربية الأجيال الجديدة إنسانياً من أجل تفتح الذات الفردية بجميع إمكاناتها الإبداعية والعلمية باتجاه المستقبل المتغير. ولكن بعد تَكشُّفِ تحولات الثورة الفرنسية عن محضِ تكالبٍ برجوازي على السلطة اصطبغت آراء هولدرلين بمسحة طوباوية، وإلى حد ما بطابع ديني أسطوري. ومنذ قصائده المبكرة - من نوع الأود[ر] Ode - تبدى توقه التحرري في نغمات صادحة، كما في «نشيد إلى الحرية» Hymne an die Freiheit و«نشيد إلى البشرية» Hymne an die Menschheit من مرحلة إبداعه الأولى. وفي المرحلة الثانية التي برز فيها أسلوبه الخاص في التعبير الشعري الغنائي امتزجت المُثل الإنسانية بحزنٍ وألمٍ عميقين نابعين من شعور أصيل بأزمة الوطن على الصعد كافة؛ على صعيد تمجيد الإنسان أجمل كائنات الطبيعة في «الإنسان» Der Mensch، والوطن في «نهر نِكار» Der Nekkar و«هايدلبرغ» Heidelberg، والاستعداد للتضحية من أجل حرية الوطن في «إلى الألمان» An die Deutschen و«الموت من أجل الوطن» Der Tod fürs Vaterland، والتماهي مع طبيعة الوطن في «شجر البلوط» Eichbäume و«غروب» Sonnenuntergang، والتوق إلى مثال الإنسان الإغريقي في «اليونان» Griechenland و«الأرخبيل» Der Archipelagus، والشوق إلى الحب الممتزج بالألم في «ديوتيما» Diotima و«نواح مينون على ديوتيما» Menons Klagen um Diotima، والإيمان الراسخ بوظيفة الفن الاجتماعية والإشباع الفني في «إلى آلهات القدر» An die Parzen، إضافة إلى الطموح لتجديد البشرية فكرياً. وقد تمظهر هذا كله في اقتباس الأشكال الشعرية الإغريقية باللغة الألمانية وبأسلوبِ تعبيرٍ فريد في عصره من حيث جزالة اللفظ وعمق الشعور وتدفق المعاني وقوة الإيحاء وجمال الإيقاعات.
أما في مرحلة إبداعه الأخيرة فقد شابَ «أغاني الوطن» Die vaterländlichen Gesänge نوع من الغموض نتج من تصور الشاعر لارتباط مصير الفرد المأساوي بانهيار الوطن. وقد عبرت هذا القصائد عن فلسفة التاريخ عند هولدرلين في صور شعرية جريئة، في حين تأثرت قصائده اللاحقة بأزمته العقلية فاستغلقت على الفهم كلياً، لولا بعض الصور الواقعية المحسوسة. ويرى النقاد والباحثون في الأدب واللغة أن اللغة الألمانية قد بلغت ذروتها في شعر هولدرلين، وكذلك في نثره الإيقاعي الغنائي الذي يعبر عن الحنين والرثاء، كما في روايته الرسائلية[ر. الرواية] «هيبِريون أو الزاهد في اليونان» Hyperion oder Der Eremit in Griechenland (في جزأين 1797-1799) التي عالج فيها انتفاضة اليونان التحريرية ضد الحكم العثماني في عام 1770 والتي تُعدّ إحدى درر الأدب الألماني، وفي مسرحيته غير المكتملة «إمْبِِدُوكلِس» Empedokles ت(1797-1800) التي تُعد بسبب شكلها الرمزي الشعري ومضمونها الفلسفي نشيداً شعرياً ممسرحاً أكثر منها عملاً درامياً. قدم هولدرلين في هذا العمل رؤيته عن نهاية «عصر الملوك» وعن التضحية الضرورية بغية تحقيقها من أجل مستقبل البشرية.
وفي رأي النقاد الأدبيين ترقى ترجمات هولدرلين عن اليونانية واللاتينية إلى مستوى الإبداع الأدبي الجديد، كما في كثير من «أناشيد» بيندار[ر] ومسرحيتي سوفوكليس[ر] (سفوكليس) «أنتيغون» و«أوديب ملكاً» (1804). ولم تكتشف أهمية أعمال هولدرلين على صعيد الأدب الألماني إلا في عشرينيات القرن العشرين، فتُرجم إلى الإنكليزية ثم إلى كثير من اللغات الأوربية.
نبيل الحفار