هليودوروس Heliodoros الحمصي أحد كبار الأدباء الذين أنجبتهم سورية في العصر الروماني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هليودوروس Heliodoros الحمصي أحد كبار الأدباء الذين أنجبتهم سورية في العصر الروماني

    هليودوروس

    Heliodoros - Heliodoros

    هليودوروس
    (القرن الثالث الميلادي)

    هليودوروس Heliodoros الحمصي أحد كبار الأدباء الذين أنجبتهم سورية في العصر الروماني، ومؤلف أشهر رواية عرفتها الآداب الإغريقية والرومانية القديمة المعروفة باسم «الإثيوبية» Aithiopika. لا يعرف عنه من الأخبار الموثوقة إلا ما جاء على لسانه في آخر الرواية إذ يقول «ألفها رجل فينيقي حمصي إنه هليودوروس بن ثيودوسيوس من سلالة هليوس». وهو يشير بذلك إلى ارتباط أسرته بعبادة إله الشمس، التي كان لها تقاليد عريقة في مدينة حمص (إمِسا Emesa). ومن المعروف أن هليوس كان إله الشمس عند الإغريق وقد تسمى به هليودوروس الذي يعني اسمه «هبة هليوس».
    تعد رواية هليودوروس أضخم رواية وصلت من العصور القديمة فهي تتألف من عشرة كتب (أجزاء) تدور أحداثها في زمن السيطرة الفارسية على مصر. بطلتها خاريكليا Charikleia ابنة الملك الإثيوبي، التي ولدت بيضاء اللون فتخلصت منها أمها خوفاً من شكوك زوجها فأخذها الكهنة وجيء بها إلى مدينة دلفي في بلاد اليونان فنشأت هناك وصارت كاهنة لإله الشمس والحكمة أبولون Apollo. وفي أثناء الألعاب الدلفية تعرفت شاباً نبيلاً يدعى تياغِنيس Theagenes وقع في حبها وبادلته حباً بحب. وذهبت معه في رحلة بعيدة برفقة الرجل العجوز كلازيريس Kalasiris الذي أرسلته الملكة الإثيوبية للبحث عن ابنتها. وفي طريق العودة إلى وطنها خاضت خاريكليا وصحبها سلسلة من المغامرات وتعرضت لأخطار على أيدي القراصنة الذين اختطفوهم. وأخيراً وعند اقتيادها مع تياغِنيس للتضحية بهما يتم تعرفها بوصفها ابنة الملك وتزف إلى حبيبها باحتفال ملكي كبير.
    تتجلى في «الإثيوبية» السمات الأساسية المعهودة للرواية قديماً من قبيل العرض الملحمي الواسع ووضوح الوصف والمحافظة على عنصر التشويق حتى النهاية. وتعد الرواية شاهداً مهماً على القيم الأخلاقية في ذلك الوقت، فالعفاف اقتناع داخلي أصيل، والحكماء الإثيوبيون يكادون يستنكرون تقديم الضحايا البشرية، وتبدو في مجرى أقدار البشر ظاهرة عدالة إلهية. ويتمثل هنا تأثير الشرق في تصوره السامي لإله الشمس العالمي الشامل (المرتبط بأبولون)، مثلما يتمثل في ظاهرة السحر والتنجيم والاعتقاد بالأحلام. ويظهر أيضاً دور الكهنة وطقوس عبادة الشمس في جوانب أخلاقية أخرى مثل إدانة الانتحار والابتعاد عن حب الغلمان والتوبة وطلب الغفران لأقل الذنوب. وهكذا تكتسب الرواية أهمية كبيرة على صعيد التاريخ الثقافي بوصفها جزءاً من المساعي المبذولة في ذلك الزمن لجعل هليوس الحمصي إله الامبراطورية الرومانية.
    وتحفل لغة الرواية بالاستعارات الجريئة والمجازات والعناصر الفنية والبلاغية التي تصل أحياناً إلى درجة التصنع. ويتجلى فن الوصف عند هليودوروس في وصف ألعاب دلفي والطبيعة عند مصب النيل. وقد أجاد في وصف الأمور الخارجية، أما في وصف الأحاسيس والحياة الروحية فهو أقل مهارة وحيوية. ويتجلى في اقتباساته وتلميحاته الذكية اطلاعه الواسع على الأدب الإغريقي.
    لقد ضمّن هليودوروس روايته كل العناصر التقليدية المألوفة: الجمال الفائق للأبطال، الانفصال القسري للحبيبين، تعارض الأشرار والأخيار، الدسائس والمكايد، وأخيراً النهاية السعيدة. ولكن ما يرفع المؤلف فوق مستوى الروائيين القدماء الآخرين إنما هو فنه القصصي الذي لا يبارى، بسيطرته التامة على تطور حبكة الرواية. وهو يدخل القارئ في جو الرواية مباشرة ويستأثر باهتمامه، فعنصر التشويق والتوتر لا ينقطع أبداً. فلا عجب إذاً أن حظي هليودوروس بالإعجاب والتقدير لدى الأدباء البيزنطيين. وقد ورث عصر النهضة هذا الإعجاب فأثنى كبار الأدباء عليه أبلغ ثناء وصاغ شعراء كبار مثل تاسو [ر] Tasso وثربانتس[ر] Cervantes بعض شخصيات أعمالهم على شاكلة شخصيات «الإثيوبية». وبعد صدور الطبعة الرئيسة لهذه الرواية عام 1547 ظهرت أعداد لا تحصى من الترجمات التي نقلتها إلى معظم اللغات الحديثة الحية، وكان لها تأثير كبير في الأدب الروائي والدرامي الأوربي والعالمي.
    محمد الزين
يعمل...
X