اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الفن المعاصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الفن المعاصر

    اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الفن المعاصر


    الفن المعاصر عمل مفتوح يرواح بين الذات والمجموعة بسلاسة، وبين المكتوب والمرسوم والمنطوق بلا أدنى تمييز.
    الأربعاء 2023/03/15

    فن يهتم بالفكرة والتاريخ

    محمد ناصر المولهي

    مثلت ندوات وحوارات لقاء مارس، الذي نظمه بينالي الشارقة هذا العام من التاسع من مارس إلى الثالث عشر من نفس الشهر، فرصة مهمة لفهم جذور الممارسة الفنية المعاصرة، ولكشف وجوه متنوعة من هذه الممارسات التي تبلورت بشكل خاص في النصف الثاني من القرن العشرين.

    كان للاستعمار ومن ثم الحربين الكونيتين وما برز من حركات اجتماعية وتيارات سياسية تحررية واستقلال المستعمرات وولادة مجتمعات ناشئة، تأثير في خلق حركة فنية لم تقف في حدود الأدب والكتابة، بل طالت السينما والتشكيل والنحت وغيرهاصولا إلى الفنون الأدائية ومحاولة خلق فنون أخرى أكثر التصاقا بالإنسان.



    تمكن الفن المعاصر على امتداد عقود من ترسيخ مكانته وبناء منظومة تسويقية هامة، إلى حد أن الكثيرين اتهموه بأنه مجال لتبييض الأموال، وعداء اعتباطي للجمالية.

    لا أعتقد أن العداء الجمالي اعتباطي أو ناشئ من فراغ. نتبين من خلال المداخلات المتعددة التي استشهدت بتجارب فنية من أفريقيا وأوروبا وأميركا وآسيا وغيرها، أن الفن المعاصر الذي حاول أن يكون صرخة البشر المضطهدين وأن يكون فاعلا في الحراك الفكري والسياسي، لم يلتفت بشكل أساسي إلى الجماليات المكررة، بل فتح الفن على التجربة الذاتية في التحامها مع قضايا المجموعة.

    أعمال ضد العنصرية وأخرى ضد الاستعمار وأخرى ضد الاضطهاد والقمع وأخرى تفكر في بدائل خيالية وفكرية لواقع ما انفك يخنق الإنسان وهو يتسارع بقتامته. عالم مضطرب نتجت فيه توجهات فنية تحاول مواكبته.

    إذن ونحن نعود إلى منشأ الحركات الفنية المعاصرة نفهم أنها لم تأت نوعا من الترف، ولا تعبيرا عن جمال متوافق عليه، ولا هي تقليعات فردية ما، وإنما هي ممارسة في صميم التاريخ البشري، إن الفن المعاصر وعي تاريخي وفكري بالتاريخ، وهو أيضا خطاب سياسي، ومن هنا تأتي قوة تأثيره الصادمة، والتي لا تختار جمهورها ولا تقسمه ولا تلعب على تخديره، بل توقظه برجات عنيفة أحيانا.

    نفهم مما أسلفنا أن ادعاءات البعض أنهم يعملون في مساحة الفن المعاصر ما هي إلا افتراء، إذ خرج الفنانون المعاصرون من عمق الاحتجاج ومن جذور وعي عميقة بما حدث ويحدث وما يمكن أن ينشده الإنسان اليوم.

    ليس الفن المعاصر ممارسة جماعية في صميم حركة ما وليس فرديا في عزلة المرسم، إنه عمل مفتوح يرواح بين الذات والمجموعة بسلاسة، وبين المكتوب والمرسوم والمنطوق بلا أدنى تمييز، إنه فن الإنسان الأكثر ديمقراطية في فتحه آفاق ممارساته للجميع، لا تحتاج إلى أن تكون ذا موهبة فذة لتكون فنانا معاصرا، لكنك تحتاج إلى أن تكون صاحب وعي فذ، يخلق الفكرة، ومن ثم يتصورها، ويخرجها، ويقدمها مركزا على ما تحدثه من حولها.

    نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الفن المعاصر، إنه ما يمكن أن يصبح المتنفس الوحيد للأخلاق البشرية التي تتآكل بفعل عدم تجديدها واكتفائها بالتوارث حد الانغلاق، ما ترك فجوات عقلية وحتى عاطفية كبيرة، دخلت منها عتمات كثيرة حولت إنسان اليوم إلى آلة كئيبة منتهية الصلاحية.

    لقد قال أحد نجوم “أفاتار 2”، “السينما تحاول التقدم بمقياس السنوات أمام التطورات المهولة والتسارع الذي يقاس بالثانية في عالم الإنترنت، فعلا الفنون تتقدم ببطء أمام الواقع السريع، وهو ما يدعو إلى تكثيف التفكير حول الفن والممارسة الفنية في أكثر من لقاء وبشكل مستمر، فالفن هو ما يحمي الإنسان من انزلاقات خطيرة وربما يكون هو المنظومة الأخلاقية الجديدة التي ستعوض العادات والإرث”.
يعمل...
X