سارة سلامة هو نحات ورسام وشاعر ومغن وممثل، جنح خارج حدود الوطن يبحث عن حلم طفولي، كان قد آمن به وبقدرته منذ الصغر، وربما وحده هو حب الاكتشاف والسطوع الذي دفعه للبحث عن ذاته في كل الأمكنة، ولكن مهما تعددت أهواء الفنان سهيل بدور فإن النحت يبقى عالمه الأرحب فهو مشاغب لا يستسلم أمام الكتلة، ورسم في ذهابه للوحة خطاً وسحراً خاصاً عرف من خلاله بأسلوبه وألوانه وأدواته التي امتلكها وقدم من خلالها خطه الفني. وعلى الرغم من إقامته في الخليج فإنه لم يغادر وطنه يوماً وبقيت مترسخة في قلبه كل زاوية وكل زقاق وحارة والوجوه والقرية والشجرة والنبع وشال أمه وحنانها، فكان بحق خير سفير لبلده. في محترفه نجد علاقة غريبة وحميمة تجعله يجلس أكثر من 10 ساعات كل يوم يعمل ويبحث ويفكر ويكتشف أشياء جديدة، ولطالما كان هذا التعب كفيلاً بصنع فنان متميز وناجح، وغالباً ما تكون المرأة والآلات الموسيقية حاضرة في أعماله حيث يقدم من تناغمهما توليفة خاصة وسحراً جميلاً. حلمك وشغفك ما بين الريشة والقلم والنحت وأنت ابن عائلة فقيرة كيف استطاع أن يرى النور؟ كل صاحب عزيمة لا بدّ له من الوصول، ولا أعرف كم كان ذلك حلماً وكم رأيته حقيقة، ولكن ما كنت متيقناً منه إيماني بسهيل، واجتهدت جيداً وتعبت تعباً مضاعفاً، لأن من يريد التميز، وأدعي أنني تميزت، يجب عليه أن يتعب، ومن يريد الوصول إلى أحلامه يجب أن يعرف ما يريد ويؤمن بتجربته ومشروعه. كيف لفنان أن يجمع بين كل هذه المواهب من نحت ورسم وشعر؟ أحب أن أبحث عن سهيل في كل الأمكنة والشعر بالنسبة لي هو بهجة، وربما أكون شاعراً سيئاً ولست شاعراً مهماً، وقد أكون لا أفهم بفنيات الشعر جيداً، لكنني قارئ جيد للشعر، ولدي مساحة أحببت أن أشاغب عليها بالكلمة، وهناك الكثير من الزوايا الضيقة التي تحتاج إلى كلمة. أما النحت فهو عالمي الأساسي وذهبت للوحة باعتبار أن في الخليج كانوا يعتبرون المنحوتة أصناماً فكان لا بد لي من إنتاج أعمال آكل منها خبزاً. أين تجد ذاتك أكثر بين كل هذه الزوايا الفنية؟ في مرحلة من المراحل كنت مطرباً في ملاه رخيصة وليس بأماكن محترمة، أما المسرح فعملت به في السبعينيات، وكان ذلك لأعلن حضوري على الحياة، وبمنزلة استعراض عضلات وبحث عن الشهرة، ونوع من التوازن أمام وجودنا في بيئة فقيرة، وقدمت لي تجربة المسرح وعياً حقيقياً. أما النحت فهو عالمي الأرحب، وأنا نحات مشاغب لا أستكين ببساطة أمام الكتلة، وكرسام جيد دخلت بهذه التجربة للنهاية، ولوحتي أغلى من سعر عملي النحتي بثلاثة أضعاف، وهذا أمر مؤلم بالنسبة لي. ألا تتمنى أن تقف مجدداً على خشبة المسرح؟ لدي رغبة ولكنها محكومة بفرصة واعية، وما يعرض عليّ حالياً لا يليق بتجربتي كفنان تشكيلي، ولكن لو وجدت فرصاً جيدة بكل تأكيد فلن أتردد أبداً. المرأة والموسيقا الناي والكمان حاضران دائماً في لوحاتك لماذا؟ الموسيقا مؤنثة مثل أنوثة المرأة، وهي جزء من يومياتنا الأبدية ومن الصعب فصلنا عنها، والمرأة هي المنصة الأهم في الحياة، والمساحة الواسعة التي تقدم لنا مناخاً حقيقياً نصوغ منه الإبداع، إذاً هي توليفة بين الموسيقا والمرأة. نلمس الجرأة في ألوانك من خلال استخدام اللون الأحمر الناري وربما الأزرق، تحدث لنا عن أسلوبك؟ لدي جرأة في استخدام اللون وتلفتني الألوان الطازجة والألوان التي تحمل قدراً من البهجة، على الرغم من أن شخوصي فيها قدر كبير من الحزن والتأمل، وكل ألواني وشخوصي وحالاتهم هي من الحياة، وأعتبر نفسي ابن تجربة لونية جميلة وعملت على ثقافة وفلسفة اللون وعلى الألوان الطاهرة الطازجة المعالجة قليلاً. زرت بلداناً عربية وأوروبية ولكن ما تزال القرية تشكل عالمك الإبداعي، لماذا؟ أنا إنسان ريفي وبداخلي شيء بدائي أحن له دائماً، وحتى في سفري إلى أوروبا أبحث عن أماكن بدائية، رغم أنني ولدت وربيت في مدينة دمشق، لكن ذاكرتي ترفض أن تخون تفاصيل القرية ولا ترضى مغادرتها، لأنها بمنزلة الأم والملاذ فعندما ينفينا هذا العالم نهرب إلى قرانا. الفن بالنسبة لسهيل علم أم إبداع؟ وهل تمارسه كهواية أو رغبة وشغف؟ الفن علم قائم بذاته وفعل إبداعي ومهنة تطعمني خبزاً. تقول إنك غادرت الوطن ولكنه لم يغادرك، وبقي حاضراً دائماً في نشاطاتك، لماذا؟ وطني لم يغادرني ولا أسمح له أن يغادرني، وأسوأ الخيانات في الدنيا هي خيانة الذاكرة، وأسوأ الخيانات خيانة وعاء أكلنا منه أو أرض نمنا عليها، ولدي قدر من النبل تجاه هذا الأمر عالٍ جداً، والمكان الذي أكون به ولا يعرفون عني بالفنان السوري أزعل وأعمل مشكلة في بعض الأحيان، فهو أمي وأمني وملاذي الأول والأخير وهو البيت والمأوى ومنصة روحي وشراعي الأبدي. كرمت من المجلس الأعلى للإعلام الفلسطيني تتويجاً لك ولمسيرتك الفنية، لماذا لم تكرم من بلدك الأم سورية؟ هذا السؤال يجب أن يوجه للقائمين بالشأن الإبداعي والثقافي في سورية، وأنا كرمت في 13 عاصمة عربية وعالمية، ولم أكرم مرة واحدة في بلدي ولا أعتقد أنني سأكرم، ومع ذلك لست بعاتب والتكريم شيء رمزي، وربما هناك الكثير من المبدعين السوريين موجودين في الخارج لهم أهمية أكثر بألف مرة من ألف سفير سوري موجود في الوطن ولا أحد يهتم لهم ولا يعنون للساحة التشكيلية أي شيء. وكنت قد عدت بعد 30 أو 34 عاماً من الغربة وعملت ملتقى «السلام والمحبة»، في مدينة اللاذقية، وبجهد مشكور من وزير السياحة السيد بشر يازجي، ولكن للأسف لم يطلني بعده إلا الشتائم من الاتحاد وقامت عليه حرب شعواء بلا أي سبب، ومن الواضح أنهم ليس لديهم أي رغبة في العمل ولا يرحبون بأي أحد يعمل، وشخصياً لم يكن لدي أي عداوات ولكنني اكتشفت كماً كبيراً من الحقد وذلك بسبب الغيرة فقط، وخاصة أنهم فنياً أصحاب تجارب متواضعة وصعقت وانسحبت من تنظيم ملتقى آخر كلفت به بعد الملتقى الأول لأنني بغنى عن الشتائم. ما الذي حدث ولماذا هذا الكم الكبير من الحقد كما تقول؟ ما حصل هو أننا كنا نحتاج إلى30 فناناً وكان أمامي خيار أن آتي بالمجموعة التي تشارك دائماً في الاتحاد «الشلة»، الذين يشاركون ويفرضون الأسماء ويسافرون على كل الدعوات، أما الفنانون الذين أتيت بهم فلا أعرفهم واخترتهم من خلال ترشيحهم لي من أكثر من فنان وثقت بهم في الملتقى، وبذلك أحببت إعطاء فرصة للكثير ممن لديهم رغبة وإبداع، واكتشفنا ناساً جيدين لديهم رغبة بالعمل ولكنهم بانتظار فرصة، ومنهم نحات اسمه فادي محمد من أروع النحاتين. وللأسف فإن «شلة» الاتحاد لا تعمل على إعطاء الفرصة لهؤلاء الناس بل تسير على أهوائها ومزاجها، ونحن في الخارج ندعى ونعامل كالملوك وفي بلدنا نشتم وهذه حقيقة قائمة ويعرفها الجميع، وأعتقد أن الفن التشكيلي هو التهمة في هذا الوطن. كيف تقيم اللوحة السورية في المعارض الدولية والعربية؟ اللوحة السورية حاضرة في المزادات والمعارض والملتقيات الدولية ومحببة ولها سوق، والتجربة السورية محترمة للفنانين الذين غادروا الوطن، وذلك لأن السفر والتجريب يعطيهم ثقافة بصرية حقيقية تجعلهم يعيدون النظر بتجربتهم ويبحثون بها جيداً. وما رأيك بمستوى اللوحة والمعارض التي تقام في سورية؟ الساحة التشكيلية السورية الآن هي دائرة مغلقة حيث تتشابه الأعمال والوجوه والألوان، وهذه ليست تهمة لأنهم محكومون بجو مغلق وليس لديهم فسحة ولا يستطيعون الحصول على تأشيرة تسمح لهم بالسفر والتجوال ليخرجوا ويروا جيداً، إذاً هم معزولون ولكن مع القليل من الاجتهاد نستطيع أن نتميز. وبشكل عام أحترم الجهد ولو لم أتفق أحياناً مع بعض اللوحات لكني أحترم جهد صاحبها وبذلك فإنني قد لا أتفق مع الكثير من التجارب ولكن هذا لا يعني أنهم ليسوا أصحاب تجربة فنية مهمة. مَن مِن التشكيليين السوريين يستهويك؟ هناك الكثير من التجارب التي تستهويني وأعلق على جدار منزلي أعمالاً للكثير من التشكيليين السوريين مثل: فاتح المدرس، الحلاج، لؤي كيالي، نذير نبعة، ليلى نصير وغيرهم.. ونلاحظ أيضاً على الجدار لوحة لوالدتك كم لهذه اللوحة من الأثر لديك؟ هذه اللوحة من أعظم الأعمال التي رسمتها في حياتي، وأثرها روحي له علاقة بديمومتي واستمراريتي وطيفها الذي يلازمني بأصابعها ويدها وثيابها وشالها. وأعترف لها بضلالي وصدقي وبحزني وفرحي وأرقي ووحدتي، بكل شيء، لأن أمي مثل كل الأمهات اللواتي يقدمن مساحة روح طاهرة خالصة لنا. «نصب الجدارية» استوحيته من قصيدة الجدارية لمحمود درويش، وجدارية «دبي السلام» ستكون أضخم نصب في العالم تحدث لنا عن هذه المشاريع؟ جدارية محمود درويش ستنفذ في إحدى الجامعات بمدينة العين، حيث كنا قد تحدثنا أنا ودرويش طويلاً عنها وقمنا بتجارب وافق على بعضها وعدلنا بعضها، إلى أن وصلنا إلى صيغة نهائية كانت ستنفذ في قطر قبل الأزمة. وفيما بعد توفي درويش رحمه اللـه ووقف المشروع مكانه، وكنت أبحث عن مكان لأنفذ به المشروع، إلى أن اتصل بي أحد رجال الأعمال وقال لي إنه جاهز لتنفيذ الجدارية في دبي. وجدارية محمود درويش بارتفاع 13م، أما جدارية دبي السلام فهي بارتفاع 30 م، ووزنها 186 طناً، وفيها 18 إلى 20 طن برونز، وستكون أضخم نصب في العالم وستدخل «غينس» بمواصفاتها. هل تحقق هذه الأعمال جزءاً من أحلام سهيل؟ جدارية «دبي السلام» دخلت بها 6 من الشركات العالمية الكبرى ورست عليّ أخيراً هذا فخر لي بكل تأكيد، بمعنى أن تجربتي لم تذهب هباءً وأفخر بعملي وبسوريتي، والجدارية هي حلم أكبر من عقلي وسيكون حقيقة. أعمالك وصلت للعالمية وتعتبر من أهم الفنانين التشكيليين في سورية، ما الذي يميزك عن غيرك؟ قال أحد النقاد إن سهيل شيخ اللوحة السورية الحديثة، ولكن كل هذه المعايير لا تعني لي شيئاً سوى أن تكون لوحتي حاضرة ضمن مشروعي الوجداني والأخلاقي والمعرفي والإنساني وسوريتي، وهناك الكثير من الفنانين السوريين العالميين الذين لهم تجارب مهمة وحاضرة، وما يميز تجربتي أنني وإلى الآن أرسم ما بين 10 و12 ساعة يومياً، أدخل محترفي أعمل وأكتشف وأجرب، وفي مناكفة يومية مع تجربتي إلى الأفضل والجديد، ومن هنا ربما يأتي التميز. كفنان تشكيلي هل أخذت حقك؟ طبعاً أخذت حقي ولكن من تجربتي وليس لأحد فضل عليّ ولا أي مخلوق أو دائرة أو مؤسسة أو وزارة أو سفارة، تعبت بساعديّ وجهدي وكنت مؤمناً بما أفعله لذلك أعتقد أنني أخذت حقي، والفنان التشكيلي إذا لم يتحرر اقتصادياً يظل ينام تحت وطأة الحاجة ومن ثم ينتج لوحة منقوصة، لأنه يرسم شيئاً له علاقة بالسوق وهذا أمر مشروع، وأنا عندما تحررت اقتصادياً أصبحت لوحتي بمزاجي. كم يطلب سهيل سعراً على عمله؟ بدءاً من 5000 دولار إلى 50 ألف دولار. الأزمة والفوضى والحرب كم كان لها أثر في أعمالك؟ الحرب أثرت فيّ كإنسان سوري في المرتبة الأولى وجعلتني أرى كم يحمل هذا العالم من قبح لم نكن نتوقعه يوماً، وكل ما حدث في بلدي يؤلمني من قتل ودمار وأعتقد أن شكل هذا القتل قدم وجهاً قبيحاً وسيئاً للعالم. وأما تأثيرها فيّ كفنان فكنت بحاجة إلى مسافة من الزمن لأهضم ما حدث، وفي بلدي كانت هناك عادة جميلة عندما كنا صغاراً يغسل المولود بالملح بكل ما فيه من الطهارة والحصانة كي لا ينزلق باتجاه غير محترم، وأنا كنت قد أخذت الطهارة والحصانة من ملح أرض وطني لذلك لم يعد هناك مجال للمساومة، ومهما اختلفنا أو اتفقنا يجب ألا نختلف مع الوطن ولا نختلف عليه. ما طموحاتك وما تحلم به في الغد؟ أنا شخص لا أحلم وليس لدي أحلام كثيرة، ولكننا نحضر مع جهة في الدولة لتنفيذ عمل فني قد يكون قريباً ونعلن عنه فيما بعد، وهناك مشروع نعمل عليه كفيلم تشكيلي درامي له علاقة بوحشية ما جرى في وطني. |
يعتبرالفنان سهيل بدور.. الساحة التشكيلية السورية دائرة مغلقة تتشابه الأعمال فيها
تقليص
X
-
يعتبرالفنان سهيل بدور.. الساحة التشكيلية السورية دائرة مغلقة تتشابه الأعمال فيها