هود (بن)
Hood - Hotte
هود (بنو ـ)
عائلة عرفت باسم جدها الداخل إلى الأندلس هود، ترجح نسبته إلى قبيلة جذام العربية وانحداره من شيخها المشهور في صدر الإسلام روح ابن زنباع الجذامي.
برزت العائلة على مسرح الأحداث في الثغر الأعلى للأندلس وحاضرته سرقسطة في أثناء الفتنة التي أودت بوحدة هذا البلد السياسية في بداية القرن 5هـ/11م، وقد أفلح سليمان بن محمد بن هود «المستعين» في إقامة واحدة من كبريات دول الطوائف، وتعاقب على حكمها عدد من نسل المؤسس لها.
كان سليمان قائد جند في الثغر الأعلى أواخر أيام الخلافة، ثم خاض في الفتنة التي تمخضت عن قيام دول الطوائف، بمشاركته في حملة الخليفة المرتضى ضد الزيريين البربر في جهات غرناطة سنة 408هـ/23 أيلول/سبتمبر 1039م، واغتيل في الشهر نفسه أمير بني تجيب المنذر من قبل ابن عم له في الحاضرة سرقسطة، لكن مشيخة البلد رفضت الخضوع لحكم القاتل وسلمت البلد لسليمان بن هود الذي بسط سلطانه سريعاً على المنطقة كلها منهياً حكم بني تجيب. اتخذ لقباً خلافياً هو المستعين مخالفاً بذلك غالبية مؤسسي دول الطوائف الذين تورعوا عن استخدام هذا اللقب، وكانت دولته واسعة نسبياً، إذ ضمت أغلب أراضي وادي إبْرُه بما فيه مدن سرقسطة ولاردة شرقاً ووشقة شمالاً وتطيلة وقلعة أيوب غرباً. انشغل المستعين على الصعيد الخارجي بالصراع مع بني ذي النون أصحاب طليطلة في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته التي انتهت عام 438هـ/1046م. كان يحيى بن ذي النون يعد نفسه صاحب حق في أراضي الثغر الأعلى لأن صاحبه التجيبي المقتول كان ابن أخت له، في حين طمع ابن هود في اقتطاع منطقة وادي الحجارة من أملاك يحيى.
تحارب الطرفان من دون نجاح لأي منهما، فلجأ ابن هود إلى التحالف مع ملك قشتالة الإسباني المجاور من الغرب لمملكة بني ذي النون. رد خصمه بالتحالف مع ملك نافارا، الذي تجاور أملاكه أراضي الثغر الأعلى من الشمال؛ مما نشر الخراب في أراضي الدولتين نتيجة لغارات الإسبان في أراضي الدولتين ونهبهم المحاصيل.
وزع المستعين قبيل وفاته أملاكه بين أبنائه الخمسة، كانت الحاضرة سرقسطة من نصيب ابنه أحمد الأول «المقتدر»، الذي استخلص من إخوته أملاكهم باستثناء أخيه الأكبر صاحب لاردة حيث قاومه فيها حتى السنوات الأخيرة لحكمه.
سار أحمد الذي اتخذ لقب المقتدر على سنة أبيه في التوسع، لكنه اتجه نحو الجنوب الشرقي الموزع بين عدة أمراء، احتل طرطوشة الميناء الحصين والنشيط على بحر الروم (المتوسط) عام 453هـ/1061م، ثم فوجئ بظهور النورمانديين الأغراب عن الأندلس الذين احتلوا حصن بربشتو في شمال دولته، وصدموا جميع الأندلسيين بشناعة ما فعلوه سنة 456هـ/ 1067م.
أفاد المقتدر من هذا الوضع، إذ تقاطر عليه متطوعون من أنحاء أندلسية شتى، مما مكنه من تحرير الحصن في العام التالي واكتساب شعبية في عموم الأندلس، تابع المقتدر بعدها توسعه على الشاطئ جنوباً فاحتل دانية المشهورة بغناها آنذاك وطرد منها صاحبها علي بن مجاهد العامري، لكنه وعلى الرغم مما بدا عليه من قوة حذا حذو ملوك الطوائف الآخرين في التبعية لملوك الإسبان المعبر عنها بدفع الجزية لهم، عد عمله مخالفاً للشرع وتجرأ أحد الفقهاء على إبلاغه ذلك فكان نصيبه القتل.
توفي أحمد بن هود سنة 475هـ/1082م، فخلفه ابنه يوسف «المؤتمن» الذي لم يتجاوز أمد حكمه ثلاث سنوات إذ توفي سنة 478، فتولى الحكمَ من بعده ابنُه أحمد الثاني «المستعين الثاني».
كانت هذه الفترة عصيبة لتعاظم قوة الإسبان مما استدعى دخول المرابطين إلى الأندلس لحمايتها. وعانت دولة بني هود كوارث كان أولها سقوط مدينة وشقة شمال الثغر الأعلى بيد الإسبان بعد معركة هُزم فيها المستعين الثاني وخسر من قواته اثني عشر ألفاً أواخر ذي القعدة 489هـ/ أواسط تشرين الأول/أكتوبر 1096م. وتشجع المنتصرون فنزلوا على سرقسطة التي أُنقذت باقتراب جيش مرابطي منها، مما جعل المحاصرين الإسبان ينسحبون، وقد أبقى المرابطون على دولة بني هود دولة حاجزة بعد إسقاطهم ملوك الطوائف الآخرين، ورد المستعين الثاني على ذلك بملاطفتهم وإرسال السفارات ليوسف ابن تاشفين محملة بالهدايا الثمينة. ثم تجددت الهجمات الإسبانية في أماكن أخرى واستشهد المستعين الثاني في معركة بجوار تطيلة في 1 رجب 503هـ/24 كانون الثاني/يونيو 1110م، فبايع وجوه سرقسطة عبد الملك بن أحمد «عماد الدولة» إثر استشهاد والده على أن يتبع سنته، لكنهم تبينوا فيما بعد أنه متحالف مع ملك قشتالة ضد المرابطين، فأخرجوه واستدعوا جيش المرابطين فدخلها 10 ذي القعدة 503هـ/ 1حزيران/يونيو 1110م. دام حكم المرابطين لسرقسطة قرابة تسع سنوات، إذ احتلها ألفونسو الأول المحارب في 3 رمضان 512هـ/18كانون الأول /ديسمبر 1118م إثر حصار دام سبعة شهور، أتبع ذلك باحتلال مواقع الثغر الأعلى وأعطى عبد الملك بن المستعين الثاني حصن روطة (Rueda de jalon حالياً) حيث بقي إلى أن وافاه أجله في 524هـ/1130م.
فخلف أحمد الثالث «سيف الدولة المنتصر بالله» والده في الحصن تابعاً لملك أراغون، الذي انتزعه منه وعوضه عنه بأراضٍ واسعة إما من تطيلة وإما من طليطلة سنة 534هـ/1140م. شهد من موقعه بعد سنوات قليلة انتشار الثورة في الأندلس على المرابطين لعجزهم عن حمايتها، ولقي أنصاراً كثيرين رحبوا بالطاعة له ملكاً أندلسياً مثلهم واعترفوا بسيادته لآماد مختلفة في قرطبة وجيان ومرسية وبلنسية وغرناطة عام 539هـ /1144م، لكنه سرعان مالقي حتفه في مجابهة مع الأسبان في جنجالة بشرق الأندلس في شعبان سنة 540هـ/ شباط/فبراير 1146م، وانتهت بموته هذه السلالة الحاكمة.
بعد أقل من قرن انتشرت الثورات على الموحدين في الأندلس، وكان منهم قائد الجند محمد بن يوسف بن هود الجذامي الذي ادعى الانحدار من ملوك سرقسطة، ثار سنة 625هـ/1228م في منطقة مرسية واستطاع بمن انضم إليه من جند وعصابات بسط سلطته على جنوب الأندلس بين مرسية شرقاً وإشبيلية غرباً كما اتخذ لقب المتوكل وأنشأ إدارة وجيشاً وأسطولاً، لكن دولته سرعان ما تداعت أمام الإسبان والمنافسين الأندلسيين وابن الأحمر، وانتهت بوفاته في آخر معاقله المرية 635هـ/1238م.
على الرغم من الاضطراب الذي أحاط بدولة بني هود داخلياً وخارجياً وفر ملوكها موارد أنفقوا منها على إحاطة ملكهم بهالة حضارية من العمران والعلم. يقدم قصر الجعفرية من بناء المقتدر - الذي مازالت آثاره قائمة - شاهداً على المجال الأول، أما في المجال الثاني فقد ضم بلاطهم عدداً من أعلام الفكر، فقد وضع الملك يوسف المؤتمن كتباً في الرياضيات حظيت باهتمام عدة قرون، ونزل في سرقسطة أبو الحكم عمرو الكرماني الذي حَصَّل الطب والهندسة في الأندلس والمشرق، ومنه أدخل إلى الأندلس الموسوعة الفلسفية المعروفة برسائل إخوان الصفا.
وبرز كذلك اليهودي حسداي بن يوسف بن حسداي في الرياضيات والهندسة والفلك، وقد أثر هذا المناخ الفكري في الحاكم المرابطي للمدينة، حيث قام الفيلسوف المشهور ابن ماجة مقام الوزير لديه.
أحمد بدر
Hood - Hotte
هود (بنو ـ)
عائلة عرفت باسم جدها الداخل إلى الأندلس هود، ترجح نسبته إلى قبيلة جذام العربية وانحداره من شيخها المشهور في صدر الإسلام روح ابن زنباع الجذامي.
برزت العائلة على مسرح الأحداث في الثغر الأعلى للأندلس وحاضرته سرقسطة في أثناء الفتنة التي أودت بوحدة هذا البلد السياسية في بداية القرن 5هـ/11م، وقد أفلح سليمان بن محمد بن هود «المستعين» في إقامة واحدة من كبريات دول الطوائف، وتعاقب على حكمها عدد من نسل المؤسس لها.
كان سليمان قائد جند في الثغر الأعلى أواخر أيام الخلافة، ثم خاض في الفتنة التي تمخضت عن قيام دول الطوائف، بمشاركته في حملة الخليفة المرتضى ضد الزيريين البربر في جهات غرناطة سنة 408هـ/23 أيلول/سبتمبر 1039م، واغتيل في الشهر نفسه أمير بني تجيب المنذر من قبل ابن عم له في الحاضرة سرقسطة، لكن مشيخة البلد رفضت الخضوع لحكم القاتل وسلمت البلد لسليمان بن هود الذي بسط سلطانه سريعاً على المنطقة كلها منهياً حكم بني تجيب. اتخذ لقباً خلافياً هو المستعين مخالفاً بذلك غالبية مؤسسي دول الطوائف الذين تورعوا عن استخدام هذا اللقب، وكانت دولته واسعة نسبياً، إذ ضمت أغلب أراضي وادي إبْرُه بما فيه مدن سرقسطة ولاردة شرقاً ووشقة شمالاً وتطيلة وقلعة أيوب غرباً. انشغل المستعين على الصعيد الخارجي بالصراع مع بني ذي النون أصحاب طليطلة في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته التي انتهت عام 438هـ/1046م. كان يحيى بن ذي النون يعد نفسه صاحب حق في أراضي الثغر الأعلى لأن صاحبه التجيبي المقتول كان ابن أخت له، في حين طمع ابن هود في اقتطاع منطقة وادي الحجارة من أملاك يحيى.
تحارب الطرفان من دون نجاح لأي منهما، فلجأ ابن هود إلى التحالف مع ملك قشتالة الإسباني المجاور من الغرب لمملكة بني ذي النون. رد خصمه بالتحالف مع ملك نافارا، الذي تجاور أملاكه أراضي الثغر الأعلى من الشمال؛ مما نشر الخراب في أراضي الدولتين نتيجة لغارات الإسبان في أراضي الدولتين ونهبهم المحاصيل.
وزع المستعين قبيل وفاته أملاكه بين أبنائه الخمسة، كانت الحاضرة سرقسطة من نصيب ابنه أحمد الأول «المقتدر»، الذي استخلص من إخوته أملاكهم باستثناء أخيه الأكبر صاحب لاردة حيث قاومه فيها حتى السنوات الأخيرة لحكمه.
سار أحمد الذي اتخذ لقب المقتدر على سنة أبيه في التوسع، لكنه اتجه نحو الجنوب الشرقي الموزع بين عدة أمراء، احتل طرطوشة الميناء الحصين والنشيط على بحر الروم (المتوسط) عام 453هـ/1061م، ثم فوجئ بظهور النورمانديين الأغراب عن الأندلس الذين احتلوا حصن بربشتو في شمال دولته، وصدموا جميع الأندلسيين بشناعة ما فعلوه سنة 456هـ/ 1067م.
أفاد المقتدر من هذا الوضع، إذ تقاطر عليه متطوعون من أنحاء أندلسية شتى، مما مكنه من تحرير الحصن في العام التالي واكتساب شعبية في عموم الأندلس، تابع المقتدر بعدها توسعه على الشاطئ جنوباً فاحتل دانية المشهورة بغناها آنذاك وطرد منها صاحبها علي بن مجاهد العامري، لكنه وعلى الرغم مما بدا عليه من قوة حذا حذو ملوك الطوائف الآخرين في التبعية لملوك الإسبان المعبر عنها بدفع الجزية لهم، عد عمله مخالفاً للشرع وتجرأ أحد الفقهاء على إبلاغه ذلك فكان نصيبه القتل.
توفي أحمد بن هود سنة 475هـ/1082م، فخلفه ابنه يوسف «المؤتمن» الذي لم يتجاوز أمد حكمه ثلاث سنوات إذ توفي سنة 478، فتولى الحكمَ من بعده ابنُه أحمد الثاني «المستعين الثاني».
كانت هذه الفترة عصيبة لتعاظم قوة الإسبان مما استدعى دخول المرابطين إلى الأندلس لحمايتها. وعانت دولة بني هود كوارث كان أولها سقوط مدينة وشقة شمال الثغر الأعلى بيد الإسبان بعد معركة هُزم فيها المستعين الثاني وخسر من قواته اثني عشر ألفاً أواخر ذي القعدة 489هـ/ أواسط تشرين الأول/أكتوبر 1096م. وتشجع المنتصرون فنزلوا على سرقسطة التي أُنقذت باقتراب جيش مرابطي منها، مما جعل المحاصرين الإسبان ينسحبون، وقد أبقى المرابطون على دولة بني هود دولة حاجزة بعد إسقاطهم ملوك الطوائف الآخرين، ورد المستعين الثاني على ذلك بملاطفتهم وإرسال السفارات ليوسف ابن تاشفين محملة بالهدايا الثمينة. ثم تجددت الهجمات الإسبانية في أماكن أخرى واستشهد المستعين الثاني في معركة بجوار تطيلة في 1 رجب 503هـ/24 كانون الثاني/يونيو 1110م، فبايع وجوه سرقسطة عبد الملك بن أحمد «عماد الدولة» إثر استشهاد والده على أن يتبع سنته، لكنهم تبينوا فيما بعد أنه متحالف مع ملك قشتالة ضد المرابطين، فأخرجوه واستدعوا جيش المرابطين فدخلها 10 ذي القعدة 503هـ/ 1حزيران/يونيو 1110م. دام حكم المرابطين لسرقسطة قرابة تسع سنوات، إذ احتلها ألفونسو الأول المحارب في 3 رمضان 512هـ/18كانون الأول /ديسمبر 1118م إثر حصار دام سبعة شهور، أتبع ذلك باحتلال مواقع الثغر الأعلى وأعطى عبد الملك بن المستعين الثاني حصن روطة (Rueda de jalon حالياً) حيث بقي إلى أن وافاه أجله في 524هـ/1130م.
فخلف أحمد الثالث «سيف الدولة المنتصر بالله» والده في الحصن تابعاً لملك أراغون، الذي انتزعه منه وعوضه عنه بأراضٍ واسعة إما من تطيلة وإما من طليطلة سنة 534هـ/1140م. شهد من موقعه بعد سنوات قليلة انتشار الثورة في الأندلس على المرابطين لعجزهم عن حمايتها، ولقي أنصاراً كثيرين رحبوا بالطاعة له ملكاً أندلسياً مثلهم واعترفوا بسيادته لآماد مختلفة في قرطبة وجيان ومرسية وبلنسية وغرناطة عام 539هـ /1144م، لكنه سرعان مالقي حتفه في مجابهة مع الأسبان في جنجالة بشرق الأندلس في شعبان سنة 540هـ/ شباط/فبراير 1146م، وانتهت بموته هذه السلالة الحاكمة.
بعد أقل من قرن انتشرت الثورات على الموحدين في الأندلس، وكان منهم قائد الجند محمد بن يوسف بن هود الجذامي الذي ادعى الانحدار من ملوك سرقسطة، ثار سنة 625هـ/1228م في منطقة مرسية واستطاع بمن انضم إليه من جند وعصابات بسط سلطته على جنوب الأندلس بين مرسية شرقاً وإشبيلية غرباً كما اتخذ لقب المتوكل وأنشأ إدارة وجيشاً وأسطولاً، لكن دولته سرعان ما تداعت أمام الإسبان والمنافسين الأندلسيين وابن الأحمر، وانتهت بوفاته في آخر معاقله المرية 635هـ/1238م.
على الرغم من الاضطراب الذي أحاط بدولة بني هود داخلياً وخارجياً وفر ملوكها موارد أنفقوا منها على إحاطة ملكهم بهالة حضارية من العمران والعلم. يقدم قصر الجعفرية من بناء المقتدر - الذي مازالت آثاره قائمة - شاهداً على المجال الأول، أما في المجال الثاني فقد ضم بلاطهم عدداً من أعلام الفكر، فقد وضع الملك يوسف المؤتمن كتباً في الرياضيات حظيت باهتمام عدة قرون، ونزل في سرقسطة أبو الحكم عمرو الكرماني الذي حَصَّل الطب والهندسة في الأندلس والمشرق، ومنه أدخل إلى الأندلس الموسوعة الفلسفية المعروفة برسائل إخوان الصفا.
وبرز كذلك اليهودي حسداي بن يوسف بن حسداي في الرياضيات والهندسة والفلك، وقد أثر هذا المناخ الفكري في الحاكم المرابطي للمدينة، حيث قام الفيلسوف المشهور ابن ماجة مقام الوزير لديه.
أحمد بدر