هانيء عروه مرادي
Hani ibn Urwa al-Muradi - Hani ibn Urwa al-Muradi
هانئ بن عُرْوة المرادي
(… ـ 60هـ/… ـ 680م)
هانئ بن عروة بن الفضفاض، الغُطَيفي المرادي، ينسب إلى بني مُراد، وهم بطن من قبيلة مَذْحِج.
لم تذكر كتب التراجم سنة ولادته، ولم تتحدث عن نشأته؛ إلاّ أنه كان أحد سادات الكوفة وأشرافها، وأنه كان في أول أمره من خواص الإمام علي بن أبي طالبt.
تعرض في حياته لحادثتين اثنتين تدلان على مروءته وكرم نفسه ووفائه لمن يلوذ به. وقد نجا في الأولى، ودفع حياته ثمناً لهذا الوفاء في الثانية.
أما الأولى فقد كان معاوية بن أبي سـفيانt قد ولَّى كَثِير بن شهاب المَذْحِجِيَّ خراسان، فاختان مالاً كثيراً، ثم هرب فاستتر عند هانئ بن عروة المرادي. فبلغ ذلك معاوية، فغضب ونذر دم هانئ، فخرج هانئ إلى دمشق إلى أن أصبح في جوار معاوية، ثم حضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه. فلما نهض الناس وانصرفوا ثبت هانئ في مكانه، فسأله معاوية عن أمره، فقال: أنا هانئ ابن عروة. فقال معاوية يهدده: إن هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه أبوك:
أُرجِّلُ جُمَّتي وأجرُّ ذيلي
وتحملُ شِكَّتي أُفُقٌ كُمَيْتُ
أُمشِّي في سَراةِ بني غُطَيفٍ
إذا ما سامَني ضَيْمٌ أبَيْتُ
فقـال لـه هانئ: أنا اليومَ أعـزُّ مني ذلك اليوم! فقال لـه معاوية: بِمَ ذاك؟ فقال: بالإسلام يا أمير المؤمنين. فقال لـه: أين كَثِير بن شهاب؟ فقال هانئ: عندي في عسكرك يا أمير المؤمنين. فأعجب معاوية بجواب هانئ وعفا عنه، ثم أمره أن ينظر فيما اختانه كثير بن شهاب وأن يأخذ منه بعضاً وأن يدع لـه بعضاً خالصاً لـه.
وأما الثانية فقد حدثت في سنة 60 من الهجرة، وذلك أن معاوية بن أبي سفيان لما تُوفِّي بويع بالخلافة لابنه يزيد بن معاوية بعده، فبلـغ ذلك أهلَ الكوفة، فكتبوا إلى الحسين بن عليt - وهو بمكة - يستقدمونه إليهم ليبايعوه بالإمامة. فبعث إليهم الحسينُ مُسلمَ بنَ عَقِيل بن أبي طالب يستطلع أمرهم، وبعث معه كتاباً إلى أهل الكوفة يَعِدهم فيه بالقدوم إليهم إذا ما اطمأن إلى اجتماع كلمتهم واتفاق ذوي الرأي منهم. فدخل مسلم ابن عقيل الكوفة متخفياً، فأخذ الشيعة يختلفون إليه سرًّاً، فكلما قرأ عليهم كتاب الحسين بكوا ووعدوه بالتأييد والنصرة.
ولكن أمير الكوفة النعمان بن بشير لما سمع بوجود مسلم وبتحريضه الناس على مناصرة الحسين لم يستطع أن يقرر أمراً في شأنه، حتى وصلت الأخبار إلى يزيد بن معاوية، وعلم بتهاون النعمان واستضعاف الناس في الكوفة لـه، فعزله، وعيَّن على الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد، وأمره بطلب مسلم بن عقيل وبقتله أو نفيه.
فوقف عبيد الله يخطب في الناس ويتهددهم، ويتوعد من آوى عنده أحداً من المنشقين الخارجين على يزيد. فلما سمع بذلك مسلم بن عقيل أتى دار هانئ بن عروة، فتردد هانئ في استضافته أول الأمر، ثم أجاره وخبأه عنده.
ثم طفق عبيد الله بن زياد يبث العيون، وينصب الشباك لمسلم بن عقيل، ويبحث عنه للقبض عليه، فاستعمل مولى من أتباعه، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وأمره أن يندسَّ بين جماعة مسلم بن عقيل، وأن يزعم أنه منهم وأنه يريد أن يوصل هذه الدراهم إلى ذلك الرجل القادم من عند الحسين، وأنه يريد مبايعته.
وصادف أن مرض هانئ بن عروة، وكان عبيد الله بن زياد يكرمه، ويُجلُّه، فأتاه يعوده، فوجد مسلمُ بن عقيل الفرصة متاحة لقتل ابن زياد، ولكنه امتنع لأنه يعلم أن هانئ بن عروة لا يريد أن يُقتل ابن زياد وهو في منزله، ولأنه تذكر قول النبيt: «إن الإيمان قيَّد الفتكَ، فلا يَفتِكْ مؤمن بمؤمن». فقال لـه هانئ فيما بعد: «لو قتلتَه لقتلتَ فاسقاً فاجراً كافراً غادراً».
ثم إن المخبر الذي دسَّه ابن زياد استطاع أن يدخل بيت هانئ بن عروة، فلما التقى بمسلم بن عقيل تظاهر بأنه من الشيعة، وبايع الحسين بن علي. ثـم رجـع إلى ابن زياد ونقل إليه أسرار القوم وأخبارهم. فبعث من يأتي إليه بهانئ بن عروة. فلما مثل بين يديه سأله ابن زياد: «يا هانئ، جئت بمسلم فأدخلته دارك، وجمعت لـه السلاح والرجال، وظننت أن ذلك يخفى عليَّ!» ثم أحضر المخبرَ الذي دسَّه، فعلم هانئ أن هذا الرجل كان عيناً عليهم، فما كان منه إلاّ أن اعترف قائلاً: «والله ما دعوت مسلم بن عقيل ولا علمت بشيء من أمره حتى رأيته جالساً على باب داري يسألني النزول عليَّ، فاستحييت من ردِّه، ولزمني من ذلك ذِمام، فأدخلته داري وضِفْته».
وأبى هانئ أن يسلِّمه إياه. فقام أحد أعوان ابن زياد، وأمسك برأس هانئ، وأخذ ابن زياد القضيبَ فلم يزل يضربه حتى كسر أنفه، وسيَّل الدماء على ثيابه، ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته، ثم أمر بأن يلقى في بيت منعزل وأن يغلق عليه.
ولما تمكن عبيد الله بن زياد من القبض على مسلم بن عقيل أوعز بقتله ورميه من أعلى القصر، ثم أوعز بأن يؤتى بهانئ، فأُخرج إلى السوق، وضُربت عنقه أمام الناس.
وقد قال الشاعر عبد الله بن الزُبير في رثاء هانئ ومسلم:
فإنْ كنْتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري
إلى هانئٍ في السُّوقِ وابنِ عَقيلِ
إلى بطلٍ قدْ هشَّمَ السَّيفُ وَجْهَهُ
وآخرَ يَهْوي منْ طَمارِ قتيلِ
محمّد كمال
Hani ibn Urwa al-Muradi - Hani ibn Urwa al-Muradi
هانئ بن عُرْوة المرادي
(… ـ 60هـ/… ـ 680م)
هانئ بن عروة بن الفضفاض، الغُطَيفي المرادي، ينسب إلى بني مُراد، وهم بطن من قبيلة مَذْحِج.
لم تذكر كتب التراجم سنة ولادته، ولم تتحدث عن نشأته؛ إلاّ أنه كان أحد سادات الكوفة وأشرافها، وأنه كان في أول أمره من خواص الإمام علي بن أبي طالبt.
تعرض في حياته لحادثتين اثنتين تدلان على مروءته وكرم نفسه ووفائه لمن يلوذ به. وقد نجا في الأولى، ودفع حياته ثمناً لهذا الوفاء في الثانية.
أما الأولى فقد كان معاوية بن أبي سـفيانt قد ولَّى كَثِير بن شهاب المَذْحِجِيَّ خراسان، فاختان مالاً كثيراً، ثم هرب فاستتر عند هانئ بن عروة المرادي. فبلغ ذلك معاوية، فغضب ونذر دم هانئ، فخرج هانئ إلى دمشق إلى أن أصبح في جوار معاوية، ثم حضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه. فلما نهض الناس وانصرفوا ثبت هانئ في مكانه، فسأله معاوية عن أمره، فقال: أنا هانئ ابن عروة. فقال معاوية يهدده: إن هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه أبوك:
أُرجِّلُ جُمَّتي وأجرُّ ذيلي
وتحملُ شِكَّتي أُفُقٌ كُمَيْتُ
أُمشِّي في سَراةِ بني غُطَيفٍ
إذا ما سامَني ضَيْمٌ أبَيْتُ
فقـال لـه هانئ: أنا اليومَ أعـزُّ مني ذلك اليوم! فقال لـه معاوية: بِمَ ذاك؟ فقال: بالإسلام يا أمير المؤمنين. فقال لـه: أين كَثِير بن شهاب؟ فقال هانئ: عندي في عسكرك يا أمير المؤمنين. فأعجب معاوية بجواب هانئ وعفا عنه، ثم أمره أن ينظر فيما اختانه كثير بن شهاب وأن يأخذ منه بعضاً وأن يدع لـه بعضاً خالصاً لـه.
وأما الثانية فقد حدثت في سنة 60 من الهجرة، وذلك أن معاوية بن أبي سفيان لما تُوفِّي بويع بالخلافة لابنه يزيد بن معاوية بعده، فبلـغ ذلك أهلَ الكوفة، فكتبوا إلى الحسين بن عليt - وهو بمكة - يستقدمونه إليهم ليبايعوه بالإمامة. فبعث إليهم الحسينُ مُسلمَ بنَ عَقِيل بن أبي طالب يستطلع أمرهم، وبعث معه كتاباً إلى أهل الكوفة يَعِدهم فيه بالقدوم إليهم إذا ما اطمأن إلى اجتماع كلمتهم واتفاق ذوي الرأي منهم. فدخل مسلم ابن عقيل الكوفة متخفياً، فأخذ الشيعة يختلفون إليه سرًّاً، فكلما قرأ عليهم كتاب الحسين بكوا ووعدوه بالتأييد والنصرة.
ولكن أمير الكوفة النعمان بن بشير لما سمع بوجود مسلم وبتحريضه الناس على مناصرة الحسين لم يستطع أن يقرر أمراً في شأنه، حتى وصلت الأخبار إلى يزيد بن معاوية، وعلم بتهاون النعمان واستضعاف الناس في الكوفة لـه، فعزله، وعيَّن على الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد، وأمره بطلب مسلم بن عقيل وبقتله أو نفيه.
فوقف عبيد الله يخطب في الناس ويتهددهم، ويتوعد من آوى عنده أحداً من المنشقين الخارجين على يزيد. فلما سمع بذلك مسلم بن عقيل أتى دار هانئ بن عروة، فتردد هانئ في استضافته أول الأمر، ثم أجاره وخبأه عنده.
ثم طفق عبيد الله بن زياد يبث العيون، وينصب الشباك لمسلم بن عقيل، ويبحث عنه للقبض عليه، فاستعمل مولى من أتباعه، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وأمره أن يندسَّ بين جماعة مسلم بن عقيل، وأن يزعم أنه منهم وأنه يريد أن يوصل هذه الدراهم إلى ذلك الرجل القادم من عند الحسين، وأنه يريد مبايعته.
وصادف أن مرض هانئ بن عروة، وكان عبيد الله بن زياد يكرمه، ويُجلُّه، فأتاه يعوده، فوجد مسلمُ بن عقيل الفرصة متاحة لقتل ابن زياد، ولكنه امتنع لأنه يعلم أن هانئ بن عروة لا يريد أن يُقتل ابن زياد وهو في منزله، ولأنه تذكر قول النبيt: «إن الإيمان قيَّد الفتكَ، فلا يَفتِكْ مؤمن بمؤمن». فقال لـه هانئ فيما بعد: «لو قتلتَه لقتلتَ فاسقاً فاجراً كافراً غادراً».
ثم إن المخبر الذي دسَّه ابن زياد استطاع أن يدخل بيت هانئ بن عروة، فلما التقى بمسلم بن عقيل تظاهر بأنه من الشيعة، وبايع الحسين بن علي. ثـم رجـع إلى ابن زياد ونقل إليه أسرار القوم وأخبارهم. فبعث من يأتي إليه بهانئ بن عروة. فلما مثل بين يديه سأله ابن زياد: «يا هانئ، جئت بمسلم فأدخلته دارك، وجمعت لـه السلاح والرجال، وظننت أن ذلك يخفى عليَّ!» ثم أحضر المخبرَ الذي دسَّه، فعلم هانئ أن هذا الرجل كان عيناً عليهم، فما كان منه إلاّ أن اعترف قائلاً: «والله ما دعوت مسلم بن عقيل ولا علمت بشيء من أمره حتى رأيته جالساً على باب داري يسألني النزول عليَّ، فاستحييت من ردِّه، ولزمني من ذلك ذِمام، فأدخلته داري وضِفْته».
وأبى هانئ أن يسلِّمه إياه. فقام أحد أعوان ابن زياد، وأمسك برأس هانئ، وأخذ ابن زياد القضيبَ فلم يزل يضربه حتى كسر أنفه، وسيَّل الدماء على ثيابه، ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته، ثم أمر بأن يلقى في بيت منعزل وأن يغلق عليه.
ولما تمكن عبيد الله بن زياد من القبض على مسلم بن عقيل أوعز بقتله ورميه من أعلى القصر، ثم أوعز بأن يؤتى بهانئ، فأُخرج إلى السوق، وضُربت عنقه أمام الناس.
وقد قال الشاعر عبد الله بن الزُبير في رثاء هانئ ومسلم:
فإنْ كنْتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري
إلى هانئٍ في السُّوقِ وابنِ عَقيلِ
إلى بطلٍ قدْ هشَّمَ السَّيفُ وَجْهَهُ
وآخرَ يَهْوي منْ طَمارِ قتيلِ
محمّد كمال