هنري ثامن (ملك انكلترا)
Henry VIII (of England) - Henry VIII ( roi d'Angleterre)
هنري الثامن (ملك إنكلترا)
(1491 ـ 1547)
اشتهر هنري الثامن بزيجاته الست، وهو أقوى ملوك إنكلترا؛ إذ عمل على حل ملكيات الأديرة، ووحّد إنكلترا وويلز.
سيطر على هنري الثامن هاجس إنجاب وريث ذكر للعرش مما دفعه إلى الزواج ست مرات، وقد طلق زوجته الأولى كاترين Catherine أرملة أخيه آرثر Arthur، وأعدم الثانية آن بولين Anne Boleyn بتهمة الإلحاد، أما الثالثة وهي جين سيمور Jane Seymour فتوفيت في أثناء إنجابها الوريث الذكر الوحيد لهنري، ولم يكتمل زواجه الرابع، وأعدم زوجته الخامسة كاترين هوارد Catherine Howard بتهمتي الزنا والإلحاد، ومن ثم تزوج كاترين بار Catherine Parr التي استمرت معه حتى وفاته.
تجنب هنري الثامن في بداية عهده الحكم بنفسه مفضلاً الترحال والصيد في الأرياف تاركاً شؤون البلاد لآخرين، ومن أبرزهم توماس وولسي Thomas Wolsey الذي استمر في حكم إنكلترا إلى أن أخفق في نيل الموافقة البابوية على إبطال الزواج الذي احتاج إليه هنري الثامن من أجل زيجته الثانية. كان وولسي مستشاراً قوياً لكنه غلّب مصالحه الشخصية على مصالح الملك، وجاء سقوطه إثر فقدان ثقة الملك به. ومهما يكن فقد شهدت المرحلة الأولى عن عهد هنري الثامن غزو الملك الشاب لفرنسا، وهَزْم القوات الاسكتلندية في معركة فلودن فيلد Flodden Field سنة 1513 التي قتل فيها ملك اسكتلندا جيمس الرابع James IV، وفي سنة 1521 قام بكتابة رسالة شجبٍ لأفكار الإصلاحي مارتن لوثر[ر] Martin Luther مما جعل البابا ليو العاشر Leo X يكافئ هنري الثامن بلقب «المنافح عن الإيمان».
شهدت ثلاثينيات القرن السادس عشر انهماكاً أكثر لهنري الثامن بشؤون الحكم، كما شهدت سلسلة من الأحداث التي غيرت وجه إنكلترا والمسيحية الغربية تغييراً كاملاً تمثل بانفصال الكنيسة الإنكليزية عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. والحقيقة أن هاجس هنري الثامن في إنجاب وريث ذكر لعرشه كان السبب الرئيس في هذا الانفصال، فبعد أن أخفقت زوجة هنري الأولى كاترين في إنجاب وريث ذكر للعرش سعى هنري إلى نيل موافقة البابا على إبطال زواجه الأول ليتزوج بآن بولين، بيد أن البابا كليمنت السابع Clement VII الذي كان مديناً لابن عم كاترين شارلز الخامس Charles V امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة رفض منحه الموافقة، فأصدر الملك قانون السيادة الملكية على الكنيسة الذي أدى إلى الانفصال عن الكنيسة الرومانية بالقانون وليس باحتجاج اجتماعي. وقد أحدث هنري الثامن بوصفه رأس الكنيسة الإنكليزية (الأنغليكانية) تبدلات طفيفة في شعائر العبادة ولم يعمد إلى تجديد العقيدة الدينية بمجملها، وانتقلت إنكلترا إلى عهد «الامتثال إلى العقل» مع السيادة الملكية الجديدة. ومع قدوم عام 1536 ثارت ضده جماعة كاثوليكية فقمعها بشدة، وصار مطلوباً من موظفي الكنيسة والحكومة المصادقة على الانفصال عن روما، وأقسم الجميع يمين الولاء للملك وللكنيسة الإنكليزية. وقد انتقل هنري الثامن بهذا الإجراء من فكرة القرون الوسطى التي ترى الحاكم مشرِّعاً رئيساً ومراقباً للسلوك المدني إلى فكرة أحدث ترى الحاكم رمزاً إيديولوجياً للدولة.
شهد ما تبقى من عهد هنري الثامن هبوطاً مفاجئاً، فقد استمر زواجه بآن بولين ثلاث سنوات فقط قبل إعدامها، وحلت مكانها جين سيمور التي أنهت مشكلة وراثة عرش هنري بإنجابها الوريث الذكر إدوارد الرابع Edward IV. أما زمر النبلاء المتشرذمة التي تورطت في حرب الوردتين (1455- 1485) فقد وجدت نفسها مجبرة على السعي إلى نيل حظوة البلاط الملكي. وفي تلك الأثناء اكتسبت زمر الإصلاحيين ثقة الملك وأفادت إفادة كبيرة من عملية حل ملكيات الأديرة؛ إذ كانت أراضي الأديرة ودخولها تذهب، إما للتاج الملكي وإما للنبلاء. واستمر الموظفون الملكيون بالصعود في مراتبهم ليصبحوا منافسين أقوياء لسلطة النبلاء، ومن أبرز هؤلاء توماس كرومويل Thomas Cromwell، وتوماس كرانْمِر Thomas Cranmer.
كان كرومويل مديراً كفؤاً وخلف وولسي لورداً مستشاراً، وقد ابتكر أقساماً حكومية جديدة لتنظيم الدخول المتنوعة، وأسس خدمة كهنوتية جديدة لتسجيل الولادات والعماد والزيجات والوفيات. أما كرانمر - رئيس أساقفة كانتربري Canterbury- فقام بتغييرات رئيسة في السياسة الكنسية وراقب عملية حل ملكيات الأديرة.
أشاد هنري الثامن بنيان دولته على ما أسس له والده، وقد أفضى الانفصال عن روما مع زيادة البيروقراطية الحكومية إلى السيادة الملكية التي استمرت مئة عام بعد وفاته.
كان هنري محبوباً بين أتباعه ولم يواجه سوى العصيان الذي سبق ذكره، ومات بعد أن ترك وصيته التي ذكر فيها أن العرش ينبغي أن يكون لورثة أخته ماري Marie في حال توقف ورثته عن الإنجاب.
غسان منيف عيسى