هايدن (جوزيف)
Haydn (Joseph-) - Haydn (Joseph-)
هايدن (جوزيف ـ)
(1732 ـ 1809)
جوزيف هايدن Joseph Haydn مؤلف نمساوي، لم يتلق من علوم الموسيقى سوى بعض الدروس المتفرقة، وعدا ذلك فقد كان عصامياً من البداية إلى النهاية، لقنه ابن عم والده جوهان ماتياس فرانك الذي أُعجب بصوته الجميل بعض دروس العزف على الكمان والكلافير، وضمه إلى جوقة المنشدين في كنيسة هاينبورغ Hainburg التي كان يعمل قائداً لها. وقال هايدن فيما بعد بأنه لولا فرانك لما أصبح موسيقياً. وحدث عام 1740 أن استمع إليه كارل جورج روتير Karl George Reutter الذي كان يعمل قائداً لجوقة كاتدرائية القديس إيتين في ڤيينا، فأعجب بصوته الجميل، واتفق مع والده على أن يصطحبه معه ليتابع دراسته الموسيقية في فرقة المرتلين التابعة للكاتدرائية.
تلقى هايدن في الكاتدرائية - مثله مثل بقية التلاميذ - دروساً عادية في العزف على الكمان والكلافير وبعض الآلات الموسيقية الأخرى، من دون أن يتلقى أي درس في فن التأليف، وزعم في سنوات متأخرة بأنه كان أستاذ نفسه، وأن كل ما تعلمه في مدرسة المرتلين في الكاتدرائية كان بمجهود شخصي.
غادر هايدن المدرسة عام 1748 بعد أن فقد صوته الجميل، واضطر إلى أن يقطن في سقيفة منزل أحد زملائه السابقين في فرقة المرتلين، حيث انكب على دراسة أعمال معاصريه ولاسيما مصنَّفات كارل فيليب إيمانويل باخ، فدرس سوناتاته للكلافسان وأعاد عزفها مئات المرات، وكتب بعد ذلك يقول: «جلست إلى الكلافسان ولم أتركه إلى أن أتقنت عزف جميع سوناتاته».
ألف هايدن عام 1752 أول أعماله الموسيقية «قداس من مقام فا، وأوبرا هزلية»، ولكن العملين كانا متواضعين، وكان بحاجة إلى تعميق معلوماته النظرية ولاسيما في مجالي الكونتربوان (الطباق) والهارموني (الانسجام)، فاقتنى كتاب فوكس Fux النظري الشهير «خطوة إلى بارناس» Gradus ad Parnassum، وساعده المؤلف الإيطالي ميتاستاسيو Metastasio ليعمل أستاذاً لماريا مارتينز ابنة أحد النبلاء الإسبان براتب جيد إضافة إلى غرفة للإقامة في قصر النبيل، والتقى هناك نيكولا بوربورا Nicola Porpora ت(1686-1766) وتلقى منه بعض النصائح، وبقي يعمل في خدمة ماريا مارتينز حتى عام 1758، ثم ذهب إلى بوهيميا ليعمل في لوكافيتسة Lukavice (على بعد 100 كم من براغ) قائداً لفرقة الكونت مورزين، وألَّف هناك أول أعماله الأوركسترالية بالأسلوب الباروكي المتأخر، ولمّا كان يطمح إلى تأليف أعمال بطابع جديد؛ فقد عمل على توسيع الفرقة الأوركسترالية الباروكية؛ فجعل الباص كونتينيو [ر. الآلات الموسيقية] من صميم الفرقة الموسيقية بدلاً من كونه مرافقاً للحن الرئيسي، وأُعجب الأمير أنطون إيسترهازي Anton Esterhazy - الذي كان له هو وعائلته فيما بعد دور كبير في حياته - بأفكاره الطليعية، وعندما أفلس الكونت مورزين ولم يعد باستطاعته دفع تكاليف الفرقة الموسيقية، وجد هايدن لنفسه عملاً لدى عائلة إيسترهازي.
كان الأمير إيسترهازي معجباً بهايدن الشاب إلى أبعد الحدود، حتى إنه فضله بسرعة على جميع الموسيقيين المحنكين في قصره، ومنحه راتباً يفوق رواتبهم، ومنع في الوقت نفسه نسخ مؤلفاته وعدّها ملكه الخاص، وكان هايدن يؤلف أعماله من أجل الأمير فقط، فكتب سمفونياته الأولى، وكان الأمير يسمي السمفونيات وفق ما يحلو له، وهو الذي أطلق على سبيل المثال على السمفونيات السادسة والسابعة والثامنة أسماء: الصباح، الظهيرة، المساء، ولم يُلغَ الحظر على نسخ أعمال هايدن ونشرها إلا بعد وفاة الأمير وتولي شقيقه نيكولاس Nicholas مهامه في قصر إيسينستات Eisenstadt.
نشر هايدن المجلد الأول من أعماله الذي تضمن 30 سمفونية و18 رباعية وترية و18 ثلاثية وترية عام 1765، أي بعد خمس سنوات من الخدمة في قصر إيسينستات، ومعظم هذه الأعمال عدا المصنفات المبكرة تُظهر ابتعاده عن الأسلوب الباروكي القديم في التأليف واقترابه من العمل بالأسلوب الكلاسيكي الذي جاء به (الاعتماد على لحنين أساسيين آ و ب، والتخلي عن الباص كونتينيو، وتوسيع الفرقة الموسيقية، وتأسيس فرقة هايدن السمفونية عام 1766 من 22 عازفاً، والاعتماد على قالب السوناتا).
انتقل هايدن عام 1768 ليقطن في قصر إيسترهازا Eszterhaza الذي شيّده الأمير إيسترهازي المعجب بالثقافة الفرنسية على نموذج قصر ڤرساي، والذي كلف بناءه 11 مليون قطعة ذهبية، ولم ينس الأمير أن يخص هايدن والموسيقيين في قصره بشقق خاصة بهم، ولكن عمل هايدن أصبح هنا أصعب مما كان عليه في السابق، فالأمير المحب للفن والموسيقى كلفه مسؤوليات كثيرة، فكان عليه أن يؤلف السمفونيات ويكتب الأوبرات والقداسات ويقود الأوركسترا، ويؤلف لعازفي الكمان والڤيولونسيل الكونشرتات، وكان كل عام يؤلف من أربع إلى خمس سمفونيات، وبفضل عمله هذا تحول قالب السمفوني من قالب صغير من قوالب التأليف إلى قالب كبير وصل إلى ذروته على أيدي أساتذة مثل بتهوڤن[ر] وبرامز[ر] وشوستاكوفيتش[ر]، وقد ضاع عدد من أعماله في حريقين شبّا في القصر عامي 1776 و1779.
تجاوزت شهرة هايدن حدود النمسا، وأُطلق عليه اسم «بابا هايدن» Papa Haydn، وطلب منه المحفل الأولمبي الماسوني في باريس تأليف أعمال سمفونية له، فكتب ما بين عامي 1785-1786 السمفونيات الست المعروفة اليوم باسم السمفونيات الباريسية (من 82-87)، ولكنه تخلى نهائياً عن كتابة الأوبرات بعد أن استمع إلى أوبرا «دون جيوڤاني» لموتسارت، فقد أدرك أنه لم يكن بارعاً في الكتابة للمسرح، وأن عبقريته الحقيقية هي في الكتابة لموسيقى الآلات (موسيقى الحجرة والموسيقى السمفونية)، ففي هذا المجال ألف أعمالاً مهمة ولاسيما السمفونيات اللندنية (93-104)، وهي المصنفات التي ألفها في نهاية حياته بعد زيارتين قام بهما إلى بريطانيا (1791- 1792) و(1794- 1795) حيث استقبل في المرتين استقبالاً حافلاً، واستمع في كاتدرائية وستمنستر Westminster Abbey في لندن عام 1791 إلى أوراتوريو هَنْدل[ر] «المسيح» The Messiah الذي ترك في نفسه أثراً كبيراً، وفكر بتأليف أوراتوريو على طراز أوراتوريات هَنْدل التي أثَّرت في التاريخ الموسيقي البريطاني، وحمل معه من لندن نص أوراتوريو «الخلق» Die Schopfung (The Creation) الذي كان مخصصاً في الأصل لهَنْدل، وكان النص باللغة الإنكليزية، فأرسله للترجمة إلى الألمانية، ثم قام بتأليف أوراتوريو على كلماته، كان في الأصل معدّاً ليضارع أعمال هَنْدل في هذا المجال وليكون شكراً للعاصمة البريطانية التي استقبلته مرتين استقبالاً كبيراً، ولكن الأوراتوريو الذي قُدم في ڤيينا في نيسان/أبريل عام 1798 جاء بالأسلوب الكلاسيكي الحديث الذي لم يكن هَنْدل الباروكي يعرف عنه شيئاً، وبلغ عدد أعضاء الفرقة الموسيقية التي قادها هايدن بنفسه في قصر شفارتسنبرغ 180 عازفاً!، وكان بعمله هذا كأنه يبشر ببروكنر ومالر[ر]، واستقبل العمل استقبالاً كبيراً، مما اضطره إلى إعادة الحفل مرات عدة، أما في لندن فقد قُدم الأوراتوريو عام 1800، وفي العام نفسه دعته باريس إلى الاستماع إلى الأوراتوريو ولكنه رفض الدعوة؛ لأن فرنسا كانت في حرب مع ڤيينا ولندن.
كانت المدافع النابوليونية تقترب من أبواب العاصمة النمساوية لتقلق راحة العجوز هايدن عندما توفيت زوجته عام 1800 وهي في السبعين من عمرها، وكان هايدن قد تزوج ماريا آنا كيللر Maria Anna Keller ت(1729-1800) التي كانت تكبره بثلاث سنوات والتي لم يستطع أن يحبها أبداً لأسباب غير معروفة، بعد أن ارتبط بشقيقتها تيريز كيللر Therese Keller قبل ذلك بعلاقة حب قوية، وانكب بعد دفنها على تأليف أوراتوريو «الفصول» Die Jahreszeiten (The Seasons)، والتقى في ذلك الوقت الأدميرال نيلسون Admiral Nelson الذي جاء يزور ڤيينا هو و«الليدي» هاملتون، وطلب منه نلسون أن يهديه شيئاً، فأهداه هايدن قلمه!، فأخرج نلسون ساعته الذهبية التي كان يحملها يوم موقعة أبي قير وأهداه إياها، وأنعمت عليه المدن والعواصم والملوك بألقاب الشرف والهدايا، وكان يحتفظ بصندوق يضع فيه جميع الألقاب والهدايا والأوسمة التي حصل عليها في حياته، وقد احترق هذا الصندوق في نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، ومع ذلك لم تكن السنوات الأخيرة من حياته سعيدة، فقد عاش طويلاً بالنسبة إلى العصر الذي ولد فيه، وتوفي أصدقاؤه واحداً بعد الآخر، وأنهكه أوراتوريو «الفصول» وهو آخر عمل من أعماله العبقرية، وكتب يقول عنه عام 1805: «لم يجعلني أوراتوريو الفصول سعيداً، كان عليّ ألا أؤلفه، لقد أنهاني»، وكان يردد هذه العبارة دائماً متهماً أكبر أعماله بأنه سلبه قوته وصحته، والحقيقة أنه صرف جهداً كبيراً وهو في عمر متقدم ليؤلف عملاً معقداً كهذا العمل، ولم يكن يشعر بالسعادة إلا عندما كان يلتقي شقيقيه جوهان وميخائيل هايدن، ولكنهما توفيا الواحد بعد الآخر، وأثرت وفاتهما في نفسه كثيراً، فلم يعد يؤلف شيئاً ورفض بعد ذلك حتى الجلوس إلى البيانو، ولم يعد يغادر منزله في ڤيينا الذي كان قد اشتراه في وقت سابق، وعندما حاصرت القوات الفرنسية العاصمة النمساوية ودكَّت بمدافعها كل شيء، عانى صداعاً كبيراً، وأرسل نابوليون بعد احتلاله ڤيينا الحرس الامبراطوري لحراسة منزله، وأمر بألا يُزعج أبداً وأن يُقدم له كل ما يطلبه، ولكن هايدن عندما عرف باحتلال ڤيينا جلس إلى البيانو للمرة الأخيرة وبدأ بعزف النشيد الوطني النمساوي مراراً وتكراراً، وكان الحراس الفرنسيون الذين كانوا يقفون بباب منزله مضطرين إلى أن يستمعوا إلى نشيد النمسا يُعزف مراراً وتكراراً، إلى أن تمكن منه المرض والإرهاق في النهاية فسقط على الأرض، ثم رقد في فراشه وهو يردد: «كان عليّ ألا أؤلف الأوراتوريو»، ليتوفى صباح 31 أيار/ مايو.
في الخامس عشر من حزيران/يونيو وبعد ترتيبات استغرقت خمسة عشر يوماً بسبب الاحتلال دفن هايدن في مقبرة فيينا التي تُسمّى اليوم حديقة هايدن في احتفال حضره الحرس الامبراطوري الفرنسي وعُزف فيه قداس الموتى لموتسارت.
في عام 1820 نُقلت رفات هايدن من حديقة هايدن في ڤيينا إلى إيسينستات وذلك بناء على طلب الأمير إيسترهازي، ولكن جمجمة هايدن فُصِلت عن جسده لأن أحد أساتذة الجامعة ادعى بأن رؤوس العباقرة يجب أن تدرس، واحتفظت جمعية أصدقاء الموسيقى بجمجمة هايدن لأكثر من مئة وثلاثين عاماً، ورفضت إعادتها حتى عام 1954، عندما رضخت في النهاية لإصرار سليل عائلة إيسترهازي الدكتور بول إيسترهازي فسلمت الجمجمة له، ونُقلت رفات هايدن لتدفن مع الجمجمة في متحف Bergkirche الذي خصص لهذه الغاية.
حضر هايدن عام 1808 آخر حفل لأوراتوريو الفصول، وبعد نهاية العرض تقدم بتهوڤن من الموسيقي المريض وقبّل يديه على الرغم من أن هايدن رفض قبل سنوات تلقينه فن الكونتربوان، ومع ذلك فإن بتهوڤن عندما قبّل يديه كان يعرف لماذا يفعل ذلك؛ فهايدن هو الموسيقي الذي اكتملت أغلب قوالب التأليف الكلاسيكية على يديه، وأخذت الشكل الذي يُعرف اليوم، ابتداءً من قالب السوناتا العريق الذي تطورت فيه الحركة الأولى لتصبح حركة طويلة تتضمن لحناً رئيساً ولحناً ثانوياً، وانتهاءً بالرباعيات الوترية التي وزع فيها أدوار الآلات الأربعة بحيث لم يعد دور الآلات المرافقة للكمان الأولى دوراً ثانوياً، كذلك فعل بقالب السمفوني، فغيّر تاريخه وجعل منه قالباً أساسياً للتأليف وزاد من أجله عدد أفراد الفرقة الموسيقية، بعد أن كان في أعمال أساتذة مدرسة مانهايم (ستاميتس، كانابيش) مؤلفاً من ثلاث حركات أصبح مؤلفاً من أربع حركات، حركة سريعة في البداية، وحركة ثالثة هي حركة المنويت، وحل شيئاً فشيئاً في النصف الثاني من القرن الثامن عشر مكان الأعمال الغنائية والأوبرا الإيطالية ولاسيما في البلاد الناطقة بالألمانية، ومن المؤكد في النهاية أن عبقرية هايدن لم تكمن في قدرته على إبداع قوالب تأليف جديدة، وإنما في إكمال العمل الذي بدأه الأساتذة الذين سبقوه بدقة عرفت عنه طوال حياته، بحيث إن جميع القوالب التي اكتملت على يديه لم يتغير شكلها بعد نحو مئتي عام على وفاته.
أعماله:
ألّف هايدن للمسرح نحو 24 أوبرا لا تُقدم اليوم لافتقارها إلى عناصر الدراما.
الموسيقى:
- 104 سمفونية كتبها في الفترة بين عامي 1759- 1795، أهمها عدا ما تم ذكره:
الجنائزية رقم 44، الوداع رقم 45، الآلام رقم 49، ماريا تيريزا رقم 48، الصيد 73.
- السمفونيات الباريسية (82-87) واشتهر منها الدببة 82، الدجاجة 83، الملكة 85.
- أكسفورد 92.
- السمفونيات اللندنية (93-104) واشتهر منها العسكرية 100، الساعة 101، بضربة الطبل 103، اللندنية 104.
- كونشرتات للكمان والڤيولونسيل والباصون والفلوت والأوبوا والهارب.
ألّف هايدن في الفترة بين عامي 1755- 1803 (84) رباعية وترية، وقد اقتبس النشيد النمساوي وكذلك الألماني من لحن الرباعية الثالثة من العمل رقم 76 المعروفة بالقيصرية، وغيرت النمسا نشيدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في حين حافظت ألمانيا على نشيدها.
زيد الشريف
Haydn (Joseph-) - Haydn (Joseph-)
هايدن (جوزيف ـ)
(1732 ـ 1809)
تلقى هايدن في الكاتدرائية - مثله مثل بقية التلاميذ - دروساً عادية في العزف على الكمان والكلافير وبعض الآلات الموسيقية الأخرى، من دون أن يتلقى أي درس في فن التأليف، وزعم في سنوات متأخرة بأنه كان أستاذ نفسه، وأن كل ما تعلمه في مدرسة المرتلين في الكاتدرائية كان بمجهود شخصي.
غادر هايدن المدرسة عام 1748 بعد أن فقد صوته الجميل، واضطر إلى أن يقطن في سقيفة منزل أحد زملائه السابقين في فرقة المرتلين، حيث انكب على دراسة أعمال معاصريه ولاسيما مصنَّفات كارل فيليب إيمانويل باخ، فدرس سوناتاته للكلافسان وأعاد عزفها مئات المرات، وكتب بعد ذلك يقول: «جلست إلى الكلافسان ولم أتركه إلى أن أتقنت عزف جميع سوناتاته».
ألف هايدن عام 1752 أول أعماله الموسيقية «قداس من مقام فا، وأوبرا هزلية»، ولكن العملين كانا متواضعين، وكان بحاجة إلى تعميق معلوماته النظرية ولاسيما في مجالي الكونتربوان (الطباق) والهارموني (الانسجام)، فاقتنى كتاب فوكس Fux النظري الشهير «خطوة إلى بارناس» Gradus ad Parnassum، وساعده المؤلف الإيطالي ميتاستاسيو Metastasio ليعمل أستاذاً لماريا مارتينز ابنة أحد النبلاء الإسبان براتب جيد إضافة إلى غرفة للإقامة في قصر النبيل، والتقى هناك نيكولا بوربورا Nicola Porpora ت(1686-1766) وتلقى منه بعض النصائح، وبقي يعمل في خدمة ماريا مارتينز حتى عام 1758، ثم ذهب إلى بوهيميا ليعمل في لوكافيتسة Lukavice (على بعد 100 كم من براغ) قائداً لفرقة الكونت مورزين، وألَّف هناك أول أعماله الأوركسترالية بالأسلوب الباروكي المتأخر، ولمّا كان يطمح إلى تأليف أعمال بطابع جديد؛ فقد عمل على توسيع الفرقة الأوركسترالية الباروكية؛ فجعل الباص كونتينيو [ر. الآلات الموسيقية] من صميم الفرقة الموسيقية بدلاً من كونه مرافقاً للحن الرئيسي، وأُعجب الأمير أنطون إيسترهازي Anton Esterhazy - الذي كان له هو وعائلته فيما بعد دور كبير في حياته - بأفكاره الطليعية، وعندما أفلس الكونت مورزين ولم يعد باستطاعته دفع تكاليف الفرقة الموسيقية، وجد هايدن لنفسه عملاً لدى عائلة إيسترهازي.
كان الأمير إيسترهازي معجباً بهايدن الشاب إلى أبعد الحدود، حتى إنه فضله بسرعة على جميع الموسيقيين المحنكين في قصره، ومنحه راتباً يفوق رواتبهم، ومنع في الوقت نفسه نسخ مؤلفاته وعدّها ملكه الخاص، وكان هايدن يؤلف أعماله من أجل الأمير فقط، فكتب سمفونياته الأولى، وكان الأمير يسمي السمفونيات وفق ما يحلو له، وهو الذي أطلق على سبيل المثال على السمفونيات السادسة والسابعة والثامنة أسماء: الصباح، الظهيرة، المساء، ولم يُلغَ الحظر على نسخ أعمال هايدن ونشرها إلا بعد وفاة الأمير وتولي شقيقه نيكولاس Nicholas مهامه في قصر إيسينستات Eisenstadt.
نشر هايدن المجلد الأول من أعماله الذي تضمن 30 سمفونية و18 رباعية وترية و18 ثلاثية وترية عام 1765، أي بعد خمس سنوات من الخدمة في قصر إيسينستات، ومعظم هذه الأعمال عدا المصنفات المبكرة تُظهر ابتعاده عن الأسلوب الباروكي القديم في التأليف واقترابه من العمل بالأسلوب الكلاسيكي الذي جاء به (الاعتماد على لحنين أساسيين آ و ب، والتخلي عن الباص كونتينيو، وتوسيع الفرقة الموسيقية، وتأسيس فرقة هايدن السمفونية عام 1766 من 22 عازفاً، والاعتماد على قالب السوناتا).
انتقل هايدن عام 1768 ليقطن في قصر إيسترهازا Eszterhaza الذي شيّده الأمير إيسترهازي المعجب بالثقافة الفرنسية على نموذج قصر ڤرساي، والذي كلف بناءه 11 مليون قطعة ذهبية، ولم ينس الأمير أن يخص هايدن والموسيقيين في قصره بشقق خاصة بهم، ولكن عمل هايدن أصبح هنا أصعب مما كان عليه في السابق، فالأمير المحب للفن والموسيقى كلفه مسؤوليات كثيرة، فكان عليه أن يؤلف السمفونيات ويكتب الأوبرات والقداسات ويقود الأوركسترا، ويؤلف لعازفي الكمان والڤيولونسيل الكونشرتات، وكان كل عام يؤلف من أربع إلى خمس سمفونيات، وبفضل عمله هذا تحول قالب السمفوني من قالب صغير من قوالب التأليف إلى قالب كبير وصل إلى ذروته على أيدي أساتذة مثل بتهوڤن[ر] وبرامز[ر] وشوستاكوفيتش[ر]، وقد ضاع عدد من أعماله في حريقين شبّا في القصر عامي 1776 و1779.
تجاوزت شهرة هايدن حدود النمسا، وأُطلق عليه اسم «بابا هايدن» Papa Haydn، وطلب منه المحفل الأولمبي الماسوني في باريس تأليف أعمال سمفونية له، فكتب ما بين عامي 1785-1786 السمفونيات الست المعروفة اليوم باسم السمفونيات الباريسية (من 82-87)، ولكنه تخلى نهائياً عن كتابة الأوبرات بعد أن استمع إلى أوبرا «دون جيوڤاني» لموتسارت، فقد أدرك أنه لم يكن بارعاً في الكتابة للمسرح، وأن عبقريته الحقيقية هي في الكتابة لموسيقى الآلات (موسيقى الحجرة والموسيقى السمفونية)، ففي هذا المجال ألف أعمالاً مهمة ولاسيما السمفونيات اللندنية (93-104)، وهي المصنفات التي ألفها في نهاية حياته بعد زيارتين قام بهما إلى بريطانيا (1791- 1792) و(1794- 1795) حيث استقبل في المرتين استقبالاً حافلاً، واستمع في كاتدرائية وستمنستر Westminster Abbey في لندن عام 1791 إلى أوراتوريو هَنْدل[ر] «المسيح» The Messiah الذي ترك في نفسه أثراً كبيراً، وفكر بتأليف أوراتوريو على طراز أوراتوريات هَنْدل التي أثَّرت في التاريخ الموسيقي البريطاني، وحمل معه من لندن نص أوراتوريو «الخلق» Die Schopfung (The Creation) الذي كان مخصصاً في الأصل لهَنْدل، وكان النص باللغة الإنكليزية، فأرسله للترجمة إلى الألمانية، ثم قام بتأليف أوراتوريو على كلماته، كان في الأصل معدّاً ليضارع أعمال هَنْدل في هذا المجال وليكون شكراً للعاصمة البريطانية التي استقبلته مرتين استقبالاً كبيراً، ولكن الأوراتوريو الذي قُدم في ڤيينا في نيسان/أبريل عام 1798 جاء بالأسلوب الكلاسيكي الحديث الذي لم يكن هَنْدل الباروكي يعرف عنه شيئاً، وبلغ عدد أعضاء الفرقة الموسيقية التي قادها هايدن بنفسه في قصر شفارتسنبرغ 180 عازفاً!، وكان بعمله هذا كأنه يبشر ببروكنر ومالر[ر]، واستقبل العمل استقبالاً كبيراً، مما اضطره إلى إعادة الحفل مرات عدة، أما في لندن فقد قُدم الأوراتوريو عام 1800، وفي العام نفسه دعته باريس إلى الاستماع إلى الأوراتوريو ولكنه رفض الدعوة؛ لأن فرنسا كانت في حرب مع ڤيينا ولندن.
كانت المدافع النابوليونية تقترب من أبواب العاصمة النمساوية لتقلق راحة العجوز هايدن عندما توفيت زوجته عام 1800 وهي في السبعين من عمرها، وكان هايدن قد تزوج ماريا آنا كيللر Maria Anna Keller ت(1729-1800) التي كانت تكبره بثلاث سنوات والتي لم يستطع أن يحبها أبداً لأسباب غير معروفة، بعد أن ارتبط بشقيقتها تيريز كيللر Therese Keller قبل ذلك بعلاقة حب قوية، وانكب بعد دفنها على تأليف أوراتوريو «الفصول» Die Jahreszeiten (The Seasons)، والتقى في ذلك الوقت الأدميرال نيلسون Admiral Nelson الذي جاء يزور ڤيينا هو و«الليدي» هاملتون، وطلب منه نلسون أن يهديه شيئاً، فأهداه هايدن قلمه!، فأخرج نلسون ساعته الذهبية التي كان يحملها يوم موقعة أبي قير وأهداه إياها، وأنعمت عليه المدن والعواصم والملوك بألقاب الشرف والهدايا، وكان يحتفظ بصندوق يضع فيه جميع الألقاب والهدايا والأوسمة التي حصل عليها في حياته، وقد احترق هذا الصندوق في نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، ومع ذلك لم تكن السنوات الأخيرة من حياته سعيدة، فقد عاش طويلاً بالنسبة إلى العصر الذي ولد فيه، وتوفي أصدقاؤه واحداً بعد الآخر، وأنهكه أوراتوريو «الفصول» وهو آخر عمل من أعماله العبقرية، وكتب يقول عنه عام 1805: «لم يجعلني أوراتوريو الفصول سعيداً، كان عليّ ألا أؤلفه، لقد أنهاني»، وكان يردد هذه العبارة دائماً متهماً أكبر أعماله بأنه سلبه قوته وصحته، والحقيقة أنه صرف جهداً كبيراً وهو في عمر متقدم ليؤلف عملاً معقداً كهذا العمل، ولم يكن يشعر بالسعادة إلا عندما كان يلتقي شقيقيه جوهان وميخائيل هايدن، ولكنهما توفيا الواحد بعد الآخر، وأثرت وفاتهما في نفسه كثيراً، فلم يعد يؤلف شيئاً ورفض بعد ذلك حتى الجلوس إلى البيانو، ولم يعد يغادر منزله في ڤيينا الذي كان قد اشتراه في وقت سابق، وعندما حاصرت القوات الفرنسية العاصمة النمساوية ودكَّت بمدافعها كل شيء، عانى صداعاً كبيراً، وأرسل نابوليون بعد احتلاله ڤيينا الحرس الامبراطوري لحراسة منزله، وأمر بألا يُزعج أبداً وأن يُقدم له كل ما يطلبه، ولكن هايدن عندما عرف باحتلال ڤيينا جلس إلى البيانو للمرة الأخيرة وبدأ بعزف النشيد الوطني النمساوي مراراً وتكراراً، وكان الحراس الفرنسيون الذين كانوا يقفون بباب منزله مضطرين إلى أن يستمعوا إلى نشيد النمسا يُعزف مراراً وتكراراً، إلى أن تمكن منه المرض والإرهاق في النهاية فسقط على الأرض، ثم رقد في فراشه وهو يردد: «كان عليّ ألا أؤلف الأوراتوريو»، ليتوفى صباح 31 أيار/ مايو.
في الخامس عشر من حزيران/يونيو وبعد ترتيبات استغرقت خمسة عشر يوماً بسبب الاحتلال دفن هايدن في مقبرة فيينا التي تُسمّى اليوم حديقة هايدن في احتفال حضره الحرس الامبراطوري الفرنسي وعُزف فيه قداس الموتى لموتسارت.
في عام 1820 نُقلت رفات هايدن من حديقة هايدن في ڤيينا إلى إيسينستات وذلك بناء على طلب الأمير إيسترهازي، ولكن جمجمة هايدن فُصِلت عن جسده لأن أحد أساتذة الجامعة ادعى بأن رؤوس العباقرة يجب أن تدرس، واحتفظت جمعية أصدقاء الموسيقى بجمجمة هايدن لأكثر من مئة وثلاثين عاماً، ورفضت إعادتها حتى عام 1954، عندما رضخت في النهاية لإصرار سليل عائلة إيسترهازي الدكتور بول إيسترهازي فسلمت الجمجمة له، ونُقلت رفات هايدن لتدفن مع الجمجمة في متحف Bergkirche الذي خصص لهذه الغاية.
حضر هايدن عام 1808 آخر حفل لأوراتوريو الفصول، وبعد نهاية العرض تقدم بتهوڤن من الموسيقي المريض وقبّل يديه على الرغم من أن هايدن رفض قبل سنوات تلقينه فن الكونتربوان، ومع ذلك فإن بتهوڤن عندما قبّل يديه كان يعرف لماذا يفعل ذلك؛ فهايدن هو الموسيقي الذي اكتملت أغلب قوالب التأليف الكلاسيكية على يديه، وأخذت الشكل الذي يُعرف اليوم، ابتداءً من قالب السوناتا العريق الذي تطورت فيه الحركة الأولى لتصبح حركة طويلة تتضمن لحناً رئيساً ولحناً ثانوياً، وانتهاءً بالرباعيات الوترية التي وزع فيها أدوار الآلات الأربعة بحيث لم يعد دور الآلات المرافقة للكمان الأولى دوراً ثانوياً، كذلك فعل بقالب السمفوني، فغيّر تاريخه وجعل منه قالباً أساسياً للتأليف وزاد من أجله عدد أفراد الفرقة الموسيقية، بعد أن كان في أعمال أساتذة مدرسة مانهايم (ستاميتس، كانابيش) مؤلفاً من ثلاث حركات أصبح مؤلفاً من أربع حركات، حركة سريعة في البداية، وحركة ثالثة هي حركة المنويت، وحل شيئاً فشيئاً في النصف الثاني من القرن الثامن عشر مكان الأعمال الغنائية والأوبرا الإيطالية ولاسيما في البلاد الناطقة بالألمانية، ومن المؤكد في النهاية أن عبقرية هايدن لم تكمن في قدرته على إبداع قوالب تأليف جديدة، وإنما في إكمال العمل الذي بدأه الأساتذة الذين سبقوه بدقة عرفت عنه طوال حياته، بحيث إن جميع القوالب التي اكتملت على يديه لم يتغير شكلها بعد نحو مئتي عام على وفاته.
أعماله:
ألّف هايدن للمسرح نحو 24 أوبرا لا تُقدم اليوم لافتقارها إلى عناصر الدراما.
الموسيقى:
- 104 سمفونية كتبها في الفترة بين عامي 1759- 1795، أهمها عدا ما تم ذكره:
الجنائزية رقم 44، الوداع رقم 45، الآلام رقم 49، ماريا تيريزا رقم 48، الصيد 73.
- السمفونيات الباريسية (82-87) واشتهر منها الدببة 82، الدجاجة 83، الملكة 85.
- أكسفورد 92.
- السمفونيات اللندنية (93-104) واشتهر منها العسكرية 100، الساعة 101، بضربة الطبل 103، اللندنية 104.
- كونشرتات للكمان والڤيولونسيل والباصون والفلوت والأوبوا والهارب.
ألّف هايدن في الفترة بين عامي 1755- 1803 (84) رباعية وترية، وقد اقتبس النشيد النمساوي وكذلك الألماني من لحن الرباعية الثالثة من العمل رقم 76 المعروفة بالقيصرية، وغيرت النمسا نشيدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في حين حافظت ألمانيا على نشيدها.
زيد الشريف