هجاء
Satire - Satire
الهجاء
الهجاء Satire (باللاتينية ساتورا Satura) في اللغات والثقافات كافة هو النوع الأدبي الموجه لتبيان مثالب شخص أو فئة أو عصر بأكمله، وفضحه والهزء منه، من وجهة نظر الكاتب، لشفاء غليل من إساءة أو لعداوة؛ أو بغرض النقد الاجتماعي الهادف إلى الإصلاح. وقد يأخذ الهجاء أشكالاً مختلفة: قصيدة قصيرة أو طويلة، أو كتابات نثرية، أو مزيج من الشعر والنثر، أو مسرح (ملهاة)، ويمكن عدّ الرسم والمقالة الساخرين في الصحافة أحد مظاهره. وقد تداول الإغريق هذا النوع من الكتابات في أدبهم، بيد أنه ازدهر وأرسيت قواعده على يد الكتاب اللاتينيين [ر. الرومان - الأدب]. أما في اللغة العربية فيأخذ الهجاء أهم مظاهره في التعبير الشعري قديمه وحديثه [ر. الأدب العربي].
يلاحظ فن الهجاء في الكتابات الإغريقية، وخاصة في الملهاة الأتيكية القديمة، وتحديداً في مسرح أكبر هجّائيها أريستوفانس [ر. أريستوفان] الذي أرسى قواعد النقد الساخر الذي شمل شتى مشارب الحياة في عصره؛ من سياسة في نقده استبداد الحاكم وسوء تدبيره، وحرب في «ليسيستراتِه» Lysistrata، وفلسفة وفلاسفة في نقده لسقراط[ر] في «السحب»، والأدب والأدباء في موازنته بين أسخيلوس[ر] وأوربيديس[ر] في «الضفادع». وقد أعطى أحد أعلام المدرسة الكلبية في الفلسفة Cynicism، وهو منيبوس[ر] السوري من غدارا اسمه للهجاء الذي يمزج الشعر بالنثر فصار يعرف بـ«المنبيّات» Menippeae. كذلك تعرض لقيانوس السميساطي[ر] - الذي سار على خطى مواطنه منيبوس وأريستوفانس - لحماقات الأوساط الأدبية والفلسفية والدينية في عصره في مؤلفه «قصة حقيقية» Verae historiae وهي محاكاة ساخرة في الخيال العلمي.
أوصل الكتاب اللاتينيون الهجاء إلى مرتبة جنس أدبي قائم بذاته متعدد الموضوعات والأشكال. فقد أدت بدايات هذا الهجاء إلى نشوء الملهاة اللاتينية على يد كل من بلاوتوس [ر. بلوتس] وتيرنتيوس[ر. تيرينس]. ويعود الفضل إلى إنيوس[ر] في استخدام الشعر في الهجاء الخالي من التهجم الشخصي. إلا أن العراب الفعلي لهذا الجنس الأدبي هو لوكيليوس[ر] الذي وقف نفسه له دون غيره من الأجناس، ومنحه شكله المعتمد على البيت ذي الوزن السداسي hexameter، وحذا حذَوه كل من تيرنتيوس وڤارو[ر] اللذين استلهما أيضاً هجائيات منيبوس، وكتبا بهدف الوعظ والإرشاد.
تشي «هجائيات» هوراسيوس[ر] - التي يمكن أن تعد في كتابات السيرة الذاتية - وپرسيوس Persius بتأثرهما بلوكيليوس. ومع هجائيات كل من مارتياليس ويوڤيناليس[ر] وصل الهجاء اللاتيني إلى ذروته. وقد تميزت «هجائيات» يوفيناليس بالإدانة القاطعة لعصره وشملت العديد من رجاله ونسائه كافة. أما مؤلف سينيكا[ر] «مسخ الإنسان إلى قرع» Apocolocyntosis فهدفه السخرية من محاولات إسباغ صفات الألوهية على الحاكم (كلاوديوس). كذلك كان كتاب «ساتيريكا» Sa’tyrica للكاتب بترونيوس آربِتر Petronius Arbiter، وخاصة فصل «وليمة تريمالخيو» Tri’malchio تعليقاً صارخاً على طباع عصره وعاداته وإدانة لحكم الطاغية نيرون[ر] الذي عانى الكاتب منه الأمرين. ومن المؤلفات الأخرى التي تركت أثراً في تطوير هذا الجنس الأدبي «الأخلاق» Ethika لبلوتارخُس[ر] المتأثر بمنيبوس، و«سلوان الفلسفة» De consolatione philosophiae لبويتيوس Boethiusت (480- 524م) وهو من الفلاسفة اللاتينيين المتأخرين.
مع عصور النهضة[ر] والتنوير[ر] والاتباعية الجديدة Neoclassicism ظهر كتَّاب أولوا جلّ اهتمامهم للهجاء والنقد الاجتماعي بهدف الإصلاح في كثير من الأحيان؛ فكان هناك في فرنسا شعراء البلياد[ر] أو الثريا، ودوبينييه D’Aubigné[ر. أوبينييه] في قصيدته الطويلة «المأساويات» Les Tragiques التي تجاوز عدد أبياتها تسعة آلاف بيت، و«هجائيات» رينييه M.Régnier وبوالو[ر]. وقد تجلت خصائص هذا الجنس أيضاً في كتابات رابليه[ر] وفي «طبائع» Caractères لابرويير[ر] و«كانديد« Candide لڤولتير[ر] وفي مؤلفات هوغو[ر] وفي مسرح كل من ماريڤو[ر] وموليير[ر]. كذلك كانت هناك كتابات بوكاتشو[ر] في إيطاليا، وثربانتس[ر] في إسبانيا، ثم دستويڤسكي[ر] وليڤ تولستوي[ر] وحديثاً زامياتين[ر] وزينوڤييڤ Zinoviev في روسيا.
يمتد التراث الهجائي في الأدب الإنكليزي من تشوسر[ر] و«حكايات كانتربري» The Canterbury Tales - ذات البنية المأخوذة عن بوكاتشو- حتى الوقت الراهن، مروراً بالأسماء الكبيرة مثل شكسبير[ر] في الملهاة، وبن جونسون[ر] في ملهاة الأمزجة Comedy of Humours ومارڤل[ر] وملتون[ر] في الهجاء السياسي، وصموئيل جونسون[ر] في «لندن» وفي «حماقة التمني البشري» The Vanity of Human Wishes مقلداً يوفيناليس، وسويفت[ر] في «اقتراح متواضع» A Modest Proposal، وشريدان[ر] وكونغريڤ[ر] وغولدسميث[ر] في ملهاة السلوك Comedy of Manners، وبرنز[ر] وبايرون[ر] وبوب[ر] ودرايدن[ر] في الشعر الإبداعي[ر. الإبداعية] والاتباعي الجديد[ر. الاتباعية] أو الكلاسيكي الجديد، وديكنز[ر] في «أوراق بيكويك» The Pickwick Papers، ووايلد[ر] وشو[ر] في مسرح الأفكار Theatre of Ideas، وأورويل[ر] وهكسلي[ر] في كتاباتهم اللاطوباوية، وأوزبورن[ر] وبيكيت[ر] في مسرح الغضب أو العبث، وأيضاً الأمريكيين آرثر كوستلر[ر] في «ظلام عند الظهيرة» Darkness at Noon وجوزيف هيلَّر J. Heller في «الشَّرك 22» Catch 22 وكُرت ڤونيغَت K.Vonnegut في «المسلخ رقم 5» Slaughterhouse-Five.
ومن أبرز الهجائين في اللغة الألمانية لسينغ[ر] وهاينه[ر] وغوته[ر] ونستروي[ر] وكراوس[ر] وبريشت[ر].
طارق علوش
Satire - Satire
الهجاء
الهجاء Satire (باللاتينية ساتورا Satura) في اللغات والثقافات كافة هو النوع الأدبي الموجه لتبيان مثالب شخص أو فئة أو عصر بأكمله، وفضحه والهزء منه، من وجهة نظر الكاتب، لشفاء غليل من إساءة أو لعداوة؛ أو بغرض النقد الاجتماعي الهادف إلى الإصلاح. وقد يأخذ الهجاء أشكالاً مختلفة: قصيدة قصيرة أو طويلة، أو كتابات نثرية، أو مزيج من الشعر والنثر، أو مسرح (ملهاة)، ويمكن عدّ الرسم والمقالة الساخرين في الصحافة أحد مظاهره. وقد تداول الإغريق هذا النوع من الكتابات في أدبهم، بيد أنه ازدهر وأرسيت قواعده على يد الكتاب اللاتينيين [ر. الرومان - الأدب]. أما في اللغة العربية فيأخذ الهجاء أهم مظاهره في التعبير الشعري قديمه وحديثه [ر. الأدب العربي].
يلاحظ فن الهجاء في الكتابات الإغريقية، وخاصة في الملهاة الأتيكية القديمة، وتحديداً في مسرح أكبر هجّائيها أريستوفانس [ر. أريستوفان] الذي أرسى قواعد النقد الساخر الذي شمل شتى مشارب الحياة في عصره؛ من سياسة في نقده استبداد الحاكم وسوء تدبيره، وحرب في «ليسيستراتِه» Lysistrata، وفلسفة وفلاسفة في نقده لسقراط[ر] في «السحب»، والأدب والأدباء في موازنته بين أسخيلوس[ر] وأوربيديس[ر] في «الضفادع». وقد أعطى أحد أعلام المدرسة الكلبية في الفلسفة Cynicism، وهو منيبوس[ر] السوري من غدارا اسمه للهجاء الذي يمزج الشعر بالنثر فصار يعرف بـ«المنبيّات» Menippeae. كذلك تعرض لقيانوس السميساطي[ر] - الذي سار على خطى مواطنه منيبوس وأريستوفانس - لحماقات الأوساط الأدبية والفلسفية والدينية في عصره في مؤلفه «قصة حقيقية» Verae historiae وهي محاكاة ساخرة في الخيال العلمي.
أوصل الكتاب اللاتينيون الهجاء إلى مرتبة جنس أدبي قائم بذاته متعدد الموضوعات والأشكال. فقد أدت بدايات هذا الهجاء إلى نشوء الملهاة اللاتينية على يد كل من بلاوتوس [ر. بلوتس] وتيرنتيوس[ر. تيرينس]. ويعود الفضل إلى إنيوس[ر] في استخدام الشعر في الهجاء الخالي من التهجم الشخصي. إلا أن العراب الفعلي لهذا الجنس الأدبي هو لوكيليوس[ر] الذي وقف نفسه له دون غيره من الأجناس، ومنحه شكله المعتمد على البيت ذي الوزن السداسي hexameter، وحذا حذَوه كل من تيرنتيوس وڤارو[ر] اللذين استلهما أيضاً هجائيات منيبوس، وكتبا بهدف الوعظ والإرشاد.
تشي «هجائيات» هوراسيوس[ر] - التي يمكن أن تعد في كتابات السيرة الذاتية - وپرسيوس Persius بتأثرهما بلوكيليوس. ومع هجائيات كل من مارتياليس ويوڤيناليس[ر] وصل الهجاء اللاتيني إلى ذروته. وقد تميزت «هجائيات» يوفيناليس بالإدانة القاطعة لعصره وشملت العديد من رجاله ونسائه كافة. أما مؤلف سينيكا[ر] «مسخ الإنسان إلى قرع» Apocolocyntosis فهدفه السخرية من محاولات إسباغ صفات الألوهية على الحاكم (كلاوديوس). كذلك كان كتاب «ساتيريكا» Sa’tyrica للكاتب بترونيوس آربِتر Petronius Arbiter، وخاصة فصل «وليمة تريمالخيو» Tri’malchio تعليقاً صارخاً على طباع عصره وعاداته وإدانة لحكم الطاغية نيرون[ر] الذي عانى الكاتب منه الأمرين. ومن المؤلفات الأخرى التي تركت أثراً في تطوير هذا الجنس الأدبي «الأخلاق» Ethika لبلوتارخُس[ر] المتأثر بمنيبوس، و«سلوان الفلسفة» De consolatione philosophiae لبويتيوس Boethiusت (480- 524م) وهو من الفلاسفة اللاتينيين المتأخرين.
مع عصور النهضة[ر] والتنوير[ر] والاتباعية الجديدة Neoclassicism ظهر كتَّاب أولوا جلّ اهتمامهم للهجاء والنقد الاجتماعي بهدف الإصلاح في كثير من الأحيان؛ فكان هناك في فرنسا شعراء البلياد[ر] أو الثريا، ودوبينييه D’Aubigné[ر. أوبينييه] في قصيدته الطويلة «المأساويات» Les Tragiques التي تجاوز عدد أبياتها تسعة آلاف بيت، و«هجائيات» رينييه M.Régnier وبوالو[ر]. وقد تجلت خصائص هذا الجنس أيضاً في كتابات رابليه[ر] وفي «طبائع» Caractères لابرويير[ر] و«كانديد« Candide لڤولتير[ر] وفي مؤلفات هوغو[ر] وفي مسرح كل من ماريڤو[ر] وموليير[ر]. كذلك كانت هناك كتابات بوكاتشو[ر] في إيطاليا، وثربانتس[ر] في إسبانيا، ثم دستويڤسكي[ر] وليڤ تولستوي[ر] وحديثاً زامياتين[ر] وزينوڤييڤ Zinoviev في روسيا.
يمتد التراث الهجائي في الأدب الإنكليزي من تشوسر[ر] و«حكايات كانتربري» The Canterbury Tales - ذات البنية المأخوذة عن بوكاتشو- حتى الوقت الراهن، مروراً بالأسماء الكبيرة مثل شكسبير[ر] في الملهاة، وبن جونسون[ر] في ملهاة الأمزجة Comedy of Humours ومارڤل[ر] وملتون[ر] في الهجاء السياسي، وصموئيل جونسون[ر] في «لندن» وفي «حماقة التمني البشري» The Vanity of Human Wishes مقلداً يوفيناليس، وسويفت[ر] في «اقتراح متواضع» A Modest Proposal، وشريدان[ر] وكونغريڤ[ر] وغولدسميث[ر] في ملهاة السلوك Comedy of Manners، وبرنز[ر] وبايرون[ر] وبوب[ر] ودرايدن[ر] في الشعر الإبداعي[ر. الإبداعية] والاتباعي الجديد[ر. الاتباعية] أو الكلاسيكي الجديد، وديكنز[ر] في «أوراق بيكويك» The Pickwick Papers، ووايلد[ر] وشو[ر] في مسرح الأفكار Theatre of Ideas، وأورويل[ر] وهكسلي[ر] في كتاباتهم اللاطوباوية، وأوزبورن[ر] وبيكيت[ر] في مسرح الغضب أو العبث، وأيضاً الأمريكيين آرثر كوستلر[ر] في «ظلام عند الظهيرة» Darkness at Noon وجوزيف هيلَّر J. Heller في «الشَّرك 22» Catch 22 وكُرت ڤونيغَت K.Vonnegut في «المسلخ رقم 5» Slaughterhouse-Five.
ومن أبرز الهجائين في اللغة الألمانية لسينغ[ر] وهاينه[ر] وغوته[ر] ونستروي[ر] وكراوس[ر] وبريشت[ر].
طارق علوش