مسرحية «هملت» Hamlet أشهر مأساة لشكسبير وأطولها، وهي من روائع الأدب العالمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسرحية «هملت» Hamlet أشهر مأساة لشكسبير وأطولها، وهي من روائع الأدب العالمي

    هملت

    Hamlet - Hamlet

    هملت

    «هملت» Hamlet أشهر مأساة لشكسبير وأطولها، وهي من روائع الأدب العالمي، وأكثر النصوص المسرحية في العالم طباعةً وإخراجاً وتمثيلاً وإنتاجاً واقتباساً وترجمةً ودراسةً وتحليلاً. تُعد شخصية بطلها هملت أنموذجاً للمعاناة الإنسانية، وهي من أكثر الشخصيات في الأدب التي شغلت النقاد والفلاسفة وعلماء النفس. وقد ترجمت المسرحية إلى معظم لغات العالم، وظهرت في ترجمات عدة بالعربية من أقدمها ترجمة طانيوس أفندي عبده (1902)، وأهمها ترجمة الشاعر خليل مطران (1949) وجبرا إبراهيم جبرا (1960) ومحمد عناني (2005).
    يرجح أن شكسبير كتب «هملت» بين عامي 1600-1602؛ إذ إنها ذكرت أول مرة في سجل العروض المسرحية في لندن عام 1602. وقد ظهرت في ثلاث طبعات: الأولى في نص قصير غير مكتمل من قطع الربع الصغير quarto عام 1603 ويعرف بكوارتو 1، والثانية - وهي أطول بمرتين تقريباً من الأولى - بين عامي 1604-1605 وتعرف بكوارتو 2، وفي عام 1623 ظهرت طبعة تختلف عن الأخريين في مخطوطة من القطع الكبير folio، ولايزال الجدل قائماً حول أي الطبعات هي الأقرب إلى ما كتب شكسبير، ولكن يميل المحققون والمحررون اليوم إلى تحقيق طبعات تشتمل على دمج مدروس للطبعات الثلاث معاً.
    يتناول شكسبير في هملت موضوع الثأر والانتقام الذي كان سائداً في عصره بسبب تأثير المسرحي الروماني سينيكا[ر]، والذي تجلى في مسرحية توماس كيد[ر] - معاصر شكسبير - «المأساة الإسبانية» The Spanish Tragedy ت(1592) التي زخرت بطقوس القتل والدم وصارت مرجعية في موضوع الثأر. ويصور شكسبير موضوع الثأر من خلال قصة الأمير الدنماركي هملت الذي قرر الانتقام لأبيه المقتول؛ إذ قتله أخوه كلوديوس Claudius واغتصب العرش وتزوج غرترود Gertrude أم هملت. وتبدأ الحبكة بظهور طيف الأب الذي يبلغ هملت وأصدقاءه بضرورة الانتقام من العم من دون إيذاء الأم، ويقرر هملت التظاهر بالجنون ليوقع بعمه بعد مناجاته الشهيرة عن معضلة الموت والحياة «أكون أو لا أكون» «To be or not to be»، فيوبخ حبيبته أوفيليا Ophelia بقسوة في مشهد شهير يطلب فيه منها الالتحاق بدير للراهبات، ويقتل والدها بولونيوس Polonius مستشار الملك عن غير قصد وهو يتنصت عليهما من وراء ستارة، ظناً منه أنه عمه كلوديوس، فتصاب أوفيليا بالجنون فتنتحر غرقاً، فيقسم أخوها ليرتس Laertes على الانتقام لوالده وأخته مما يزيد الأمور تعقيداً، ويقع هملت في مواجهة مع ليرتس عند دفن أوفيليا في مشهد شهير في المقبرة يتنافس فيه الشابان حول مدى حبهما لها. ويدخل هملت مع عمه الذي يشك في تظاهره بالجنون في لعبة القط والفأر، فيحاول عمه التخلص منه عبر نفيه إلى إنكلترا في مؤامرة ليُقتل هناك. فيكتشف هملت ذلك وينصب هو الآخر كميناً لعمه من خلال مسرحية قصيرة تعيد تمثيل الجريمة أمام عمه مما يسبب ارتباك العم، فيتأكد هملت من تورطه في قتل أبيه. ولكن مع هذا يخفق هملت في الأخذ بالثأر بسبب تردده الذي منه تنبع مناجاة هملت لنفسه مراراً وتكراراً في المسرحية، مما يغني النص حول الضعف والحيرة التي تفتك بالإنسان عندما يميل إلى استخدام عقله في التفكير والتمحيص، بدل أن يميل إلى الاندفاع الغريزي الحاسم. وتنتهي المسرحية بتحقيق الهدف الذي يسعى هملت وراءه ولكن بعد سلسلة مأسوية من الأحداث تؤدي إلى تصفية العائلة برمتها، وموت هملت وصديقه ليرتس في مبارزة بسيف مسموم. ويصل فورتنبراس Fortinbras أمير النروج مع جيشه ليحتل الدنمارك بهدف الانتقام لوالده الذي قتل على يد والد هملت في نزاع عسكري سابق بين البلدين، ويتأثر عند سماع قصة الأمير هملت، فيطلب دفنه ومن قضى معه في جنازة مهيبة، مبشراً بقيادة حكيمة وإصلاح الوضع الفاسد في الدنمارك الذي طالما أرق الأمير هملت.
    ليست القصة من إبداع شكسبير، فهي قديمة، وخاصة منها موتيڤات قتل ذوي القربى، واغتصاب العرش، وافتعال الجنون، وشخصيتي أوفيليا حبيبة هملت وصديقه هوريشيو Horatio، ومبارزة الدهاء بين هملت وعمه. كل هذه العناصر اقتبسها شكسبير من قصة كتبها قس دنماركي يدعى ساكسو غراماتيكوس Saxo Grammaticus باللغة اللاتينية نحو عام 1200 للميلاد، ونشرت في كتاب بعنوان «تاريخ الدنماركيين» Historiae Danicae، وأعيد نشرها بالفرنسية في «قصص تاريخية مأسوية» Histoires tragiques عام 1582 من قبل فرانسوا دي بيلفوريه François de Belleforest وعرضت على المسرح الإنكليزي عام 1589 في نص يعتقد أن توماس كيد أعدّه، وعرفت باسم «هملت الأصل» Ur-Hamlet. وتُعدّ القصة الأصلية بدائية جداً وتدور أحداثها في مجتمع وثني غير متحضر مقارنة بأسلوب شكسبير ومجتمع هملت المعاصر. ويكمن إبداع شكسبير في أنه أضاف إليها العمق التراجيدي والإنساني والبعد النفسي والفكر الفلسفي الوجودي التحليلي الذي تميزت به شخصية هملت في مناجاته مع نفسه، إضافة إلى الشعر الرفيع واللغة المفعمة بالإحساس والمعاني والجزالة والجرس الموسيقي.
    وقد أضاف شكسبير أيضاً خطوطاً مهمة للحبكة تزيد من تعقيد العلاقات بين الشخصيات فتدخل أعماق النفس البشرية لتصور الصراع بين الخير والشر والإقدام والتردد والحب والكراهية. ومن هذه الخطوط المهمة طبيعة الطيف الذي يظهر في هيئة الملك المغدور، هملت الأب الذي يظهر عدة مرات قبل أن يبلغ هملت رسالته، وكيف يتأرجح هملت بين الشك واليقين حول انتماء هذا الطيف إلى قوى الخير أم الشر، إضافة إلى الخطة التي يرسمها هملت للإيقاع بعمه بادعائه الجنون وتحضيره لكمين مسرحيته الصغيرة «المسرحية داخل المسرحية»، والمواجهة بين هملت وأمه غرترود، وحبيبته أوفيليا التي تذهب ضحية كل هذا، وموقف هملت المأزوم من المرأة سواء كانت الأم أم الحبيبة، والذي أنتج فيضاً هائلاً من التحليلات النفسية من منطلق نظرية عقدة أوديب التي أطلقها عالم النفس فرويد[ر]. وهناك أيضاً بعد إنساني واجتماعي مهم طوره شكسبير من خلال علاقة الشبان الثلاثة في المسرحية؛ هملت وليرتس وفورتنبراس الذين فقدوا آباءهم وعزموا على الانتقام كل بطريقته، وتضيف المقارنة بينهم كثيراً إلى المسرحية؛ إذ يُظهر شكسبير كيف أدى تردد هملت وانغماسه في تحليل الوضع من جهة واندفاع ليرتس وتهوره من جهة أخرى إلى دمار العائلتين، في حين ينجح فورتنبراس بحكمته وعزمه اللذين يخلوان من التردد والتهور في تحقيق سعيه الحثيث إلى الفوز بكل شيء.
    ولعل من أهم العناصر التي أثرت المسرحية وجعلتها من تراث الأدب العالمي وفي الوقت ذاته منهلاً للباحثين في علم النفس والتحليل النفسي هي حالة التأمل السوداوية التي يغرق هملت فيها والتي تتمثل بالغموض والهروب والتفكير بفرضيات الوجود واللاوجود، والكآبة والحوار الداخلي وطقوس الموت، والقلق الوجودي.
    حققت «هملت» أكبر سجل للعروض المسرحية منذ أن كتبها شكسبير حتى اليوم. ولاتزال تحتل المكانة الأولى من حيث الإنتاج المسرحي العالمي، والمسرحية الأكثر اقتباساً من حيث الحبكة والموتيـڤات، وما زالت شخصية هملت الطموح والتحدي لكل ممثل مسرحي. ففي سورية اقتبس ممدوح عدوان نص شكسبير بمنحى سياسي وعرضها المسرح القومي عام 1978، وفي عام 2007 مزجت الممثلة والمخرجة رغداء شعراني موضوع «هملت» مع موضوع «روميو وجولييت» في نص مبتكر لافت بعنوان «كلمات شكسبير». وأخرجت المسرحية للسينما مرات عديدة، فهناك على الأقل خمسة وستون فيلماً سينمائياً وتلفزيونياً للمسرحية منذ أيام السينما الصامتة في الولايات المتحدة وأوربا الغربية والشرقية.
    ريما الحكيم
يعمل...
X