هانزا
Hanse - Hanse
الهانزا
الهانزا Hanse تسمية ألمانية قديمة (تعني مجموعة/عصبة) أطلقت في البداية على مجموعات التجار الألمان في الخارج الذين نشأت فيما بينهم روابط (هانزات) للدفاع عن مصالحهم المشتركة في بلدان الاغتراب، ثم صارت تطلق على اتحاد ضم أهم المدن في شمالي ألمانيا وشواطئ بحر البلطيق والذي صار أكبر قوة اقتصادية وسياسية أيضاً في شمالي أوربا في العصور الوسطى.
منذ القرن الحادي عشر بدأت تلك الروابط أو الاتحادات النقابية بالظهور في المحطات التجارية الكبيرة مثل لندن وبروج Bruges الهولندية وتسعى إلى الحصول على امتيازات لدى الحكام الأجانب وضمان السلامة والأمان للتجارة البرية والبحرية.
بدأت انطلاقة الهانزا الحقيقية في القرن الثاني عشر مع تأسيس مدينة لوبك Lübeck في شمالي ألمانيا عام 1158م، ثم تلتها «رابطة تجار الامبراطورية الرومانية الزائرين غوتلاند» وسرعان ما استقرت جالية من أولئك التجار في مدينة فيسبي Wisby على جزيرة غوتلاند Gotland، التي سيطرت بعد وقت قصير على السوق الروسية الضخمة في نوفغورود NoVgorod، مما دعا أمير كييڤ Kiev إلى عقد معاهدة مع التجار الألمان تمنحهم كثيراً من الامتيازات.
ومن أجل ضمان الحماية لأولئك التجار سعت أيضاً مدنهم الأم إلى الاتحاد فيما بينها، وهكذا اتحدت مدينتا لوبك وهامبورغ Hamburg في عام 1241، وانضمت إليهما مدن أخرى في منطقة بحر البلطيق وبحر الشمال ومنها مدينة بروج، أشهر مدائن القسم الغربي في رابطة الهانزا. وفي عام 1281 تشكلت في لندن هانزا للتجار الألمان القادمين من كولونيا ووستفاليا.
تطور الاتحاد بانضمام مدن جديدة مثل بريمن Bremen ودانزيغ Danzig وبرلين Berlin وكولونيا Köln وستوكهولم Stockholm وبرغِن Bergen ولندن London، وقد بلغ أوج قوته في القرن الرابع عشر إذ أصبح يضم أكثر من سبعين مدينة، وصار يدعى منذ عام 1358 في أول وثيقة تاريخية تذكره بالاسم: «مدن الهانزا الألمانية». كانت لوبك زعيمة المدن وعاصمة الهانزا غير المعلنة، التي يأتي إليها كل سنة مندوبو المدن لعقد مؤتمرهم السنوي وبحث مصالحهم المشتركة. لم يكن يوجد دستور لهذا الاتحاد الهش، ولكن كانت هناك محاكم للفصل في المنازعات بين الدول الأعضاء، وكان أقوى أسلحتها مقاطعة بضائع أحد الموانئ أو البلدان، بناء على قرارات صادرة من مجلس الاتحاد.
وصلت الهانزا إلى أوج قوتها السياسية والعسكرية عندما شاركت في الحرب ضد ملك الدنمارك ڤالدمار الرابع Waldemar IV ت(1368-1370)، التي انتهت بانتصارها وتوقيع معاهدة ضمنت لها امتيازات مهمة. ومنذ ذلك الوقت صارت الهانزا سيدة بحر البلطيق وكل تجارة أوروبا الشمالية. كانت تشرف على مصاب جميع الأنهار الكبرى (الراين Rhein والإلْبِه Elbe وڤستولا Vistula) التي تنقل غلات أوربا الوسطى إلى بحري الشمال والبلطيق. كانت تمتلك أساطيل حربية، بالإضافة إلى أساطيلها التجارية، وبلغت درجة من القوة مكنتها من فرض شروطها وإجبار أحد ملوك الدانمارك على التخلي عن العرش، كما أجبرت السويديين والنروجيين على الاعتراف بهيمنتها ومنعتهم من ممارسة التجارة إلا عن طريقها. كما شنت حرباً على القراصنة (1389-1401) تكللت بهزيمتهم وإعدام قائدهم وتحرير البحار الشمالية من أخطارهم. واشتبكت مع الدنمارك في حرب أخرى (1420-1435) انتهت بمعاهدة سلام ضمنت لمدن الهانزا الإعفاء من الرسوم الجمركية.
كانت قوة الهانزا الاقتصادية تعتمد على احتكارها التجارة في بحري الشمال والبلطيق ومع روسيا والدول الاسكندنافية، وعلى امتيازاتها التجارية في الموانئ الإنكليزية والهولندية. أسست أربع وكالات كبرى في روسيا (نوفغورود) والنروج (برغِن) وهولندا (بروج) وإنكلترا (لندن)، وكانت هذه الوكالات قلاعاً حقيقية، شكّل الموظفون العاملون في مخازنها ومستودعاتها المحصنة فرقاً تتولى الدفاع عنها إذا لزم الأمر وكانوا يتعهدون بالخدمة عشر سنوات وعدم الزواج ويعيشون بصورة جماعية ويخضعون لنظام دقيق يشبه منظمات الفرسان الرهبان. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الفرسان التويتون كان لها دور كبير في امتداد نفوذ الهانزا نحو شرقي أوربا ليشمل حوض البلطيق بأكمله.
سعت مدن الهانزا ـ وخاصة لوبك ـ إلى إيجاد أسواق جديدة في الداخل فتوجهت نحو فرنكفورت، وفيما بعد نحو نورنبرغ. وكان تجارها ينتشرون في كل بلدان أوربا الغربية ويوزعون الحديد السويدي والأخشاب والأسماك النروجية والفراء الروسية وأسماك الرنة الدنماركية، كما كانوا يعيدون تصدير خمور بوردو الفرنسية ومنتجات بلدان البحر المتوسط، التي تأتيهم عن طريق البندقية وجنوا.
سنت الهانزا قوانين لتنظيم العمليات التجارية وأصول التعامل بين أعضائها سواء كانوا مدناً أم رجالاً، وكانت تحمي التجار المنضمين إليها من القوانين والضرائب والغرامات غير القانونية وتعاقب المماطلين في الدفع والمخلين بالأمانات ومن يشترون بضائع مسروقة.
خضع تجار الهانزا لقوانينها الألمانية أينما ذهبوا وحرم عليهم الزواج من أجنبيات، كما نشرت الهانزا قانوناً مفصلاً في القواعد والنظم البحرية ووجوب اتخاذ الاحتياطات لضمان سلامة الركاب والبضائع وحددت واجبات ربابنة السفن وملاحيها وأجورهم وقررت عقوبات صارمة على المخالفين.
بلغت الهانزا أوج قوتها وازدهارها من نهاية القرن الثالث عشر إلى نهاية القرن الخامس عشر. وعاشت مرحلة ازدهار ثانية في النصف الثاني من القرن السادس عشر، إلا أن نجمها بدأ بالأفول وتحدد مصيرها وبدأت تفقد امتيازاتها ومكانتها ومرتكزات وجودها.
وقد تضافرت مجموعة عوامل أدت إلى اضمحلالها وانهيارها تتمثل في:
- تنامي القوة البحرية لإنكلترا وهولندا والدنمارك.
- انسحاب المدن الهولندية من الاتحاد ومنافستها له في نهاية القرن الخامس عشر.
- ازدياد قوة أمراء الأقاليم الألمانية الذين أرغموا مدنهم على الانسحاب من الاتحاد.
- انهيار قوة فرسان التويتون والتوسع الروسي في حوض البلطيق الشرقي.
- انتقال مركز التجارة الأوربية من حوض البحر المتوسط وبحر البلطيق نتيجة الاكتشافات الجغرافية الكبرى.
وأخيراً جاءت حرب الثلاثين عاماً (1618- 1648) التي سببت معاناة كبيرة لكل المدن الألمانية وأوقفت تجارة بحر البلطيق؛ مما أدى إلى دمار الهانزا، التي عقدت آخر اجتماع لأعضائها في عام 1669.
وهكذا انتهى اتحاد الهانزا، الذي كان بلاشك أشهر اتحاد أسسته مدن أوربا التجارية الصاعدة وأكثرها ثباتاً واستمراراً، ولكنه ترك ذكراه الحية حتى اليوم، إذ لاتزال ثلاثة من أهم مدن ألمانيا التي تتمتع بالحكم الذاتي وهي هامبورغ وبريمن ولوبك تفخر بماضيها وتسمي نفسها مدن الهانزا.
محمد الزين
Hanse - Hanse
الهانزا
الهانزا Hanse تسمية ألمانية قديمة (تعني مجموعة/عصبة) أطلقت في البداية على مجموعات التجار الألمان في الخارج الذين نشأت فيما بينهم روابط (هانزات) للدفاع عن مصالحهم المشتركة في بلدان الاغتراب، ثم صارت تطلق على اتحاد ضم أهم المدن في شمالي ألمانيا وشواطئ بحر البلطيق والذي صار أكبر قوة اقتصادية وسياسية أيضاً في شمالي أوربا في العصور الوسطى.
منذ القرن الحادي عشر بدأت تلك الروابط أو الاتحادات النقابية بالظهور في المحطات التجارية الكبيرة مثل لندن وبروج Bruges الهولندية وتسعى إلى الحصول على امتيازات لدى الحكام الأجانب وضمان السلامة والأمان للتجارة البرية والبحرية.
بدأت انطلاقة الهانزا الحقيقية في القرن الثاني عشر مع تأسيس مدينة لوبك Lübeck في شمالي ألمانيا عام 1158م، ثم تلتها «رابطة تجار الامبراطورية الرومانية الزائرين غوتلاند» وسرعان ما استقرت جالية من أولئك التجار في مدينة فيسبي Wisby على جزيرة غوتلاند Gotland، التي سيطرت بعد وقت قصير على السوق الروسية الضخمة في نوفغورود NoVgorod، مما دعا أمير كييڤ Kiev إلى عقد معاهدة مع التجار الألمان تمنحهم كثيراً من الامتيازات.
ومن أجل ضمان الحماية لأولئك التجار سعت أيضاً مدنهم الأم إلى الاتحاد فيما بينها، وهكذا اتحدت مدينتا لوبك وهامبورغ Hamburg في عام 1241، وانضمت إليهما مدن أخرى في منطقة بحر البلطيق وبحر الشمال ومنها مدينة بروج، أشهر مدائن القسم الغربي في رابطة الهانزا. وفي عام 1281 تشكلت في لندن هانزا للتجار الألمان القادمين من كولونيا ووستفاليا.
تطور الاتحاد بانضمام مدن جديدة مثل بريمن Bremen ودانزيغ Danzig وبرلين Berlin وكولونيا Köln وستوكهولم Stockholm وبرغِن Bergen ولندن London، وقد بلغ أوج قوته في القرن الرابع عشر إذ أصبح يضم أكثر من سبعين مدينة، وصار يدعى منذ عام 1358 في أول وثيقة تاريخية تذكره بالاسم: «مدن الهانزا الألمانية». كانت لوبك زعيمة المدن وعاصمة الهانزا غير المعلنة، التي يأتي إليها كل سنة مندوبو المدن لعقد مؤتمرهم السنوي وبحث مصالحهم المشتركة. لم يكن يوجد دستور لهذا الاتحاد الهش، ولكن كانت هناك محاكم للفصل في المنازعات بين الدول الأعضاء، وكان أقوى أسلحتها مقاطعة بضائع أحد الموانئ أو البلدان، بناء على قرارات صادرة من مجلس الاتحاد.
وصلت الهانزا إلى أوج قوتها السياسية والعسكرية عندما شاركت في الحرب ضد ملك الدنمارك ڤالدمار الرابع Waldemar IV ت(1368-1370)، التي انتهت بانتصارها وتوقيع معاهدة ضمنت لها امتيازات مهمة. ومنذ ذلك الوقت صارت الهانزا سيدة بحر البلطيق وكل تجارة أوروبا الشمالية. كانت تشرف على مصاب جميع الأنهار الكبرى (الراين Rhein والإلْبِه Elbe وڤستولا Vistula) التي تنقل غلات أوربا الوسطى إلى بحري الشمال والبلطيق. كانت تمتلك أساطيل حربية، بالإضافة إلى أساطيلها التجارية، وبلغت درجة من القوة مكنتها من فرض شروطها وإجبار أحد ملوك الدانمارك على التخلي عن العرش، كما أجبرت السويديين والنروجيين على الاعتراف بهيمنتها ومنعتهم من ممارسة التجارة إلا عن طريقها. كما شنت حرباً على القراصنة (1389-1401) تكللت بهزيمتهم وإعدام قائدهم وتحرير البحار الشمالية من أخطارهم. واشتبكت مع الدنمارك في حرب أخرى (1420-1435) انتهت بمعاهدة سلام ضمنت لمدن الهانزا الإعفاء من الرسوم الجمركية.
كانت قوة الهانزا الاقتصادية تعتمد على احتكارها التجارة في بحري الشمال والبلطيق ومع روسيا والدول الاسكندنافية، وعلى امتيازاتها التجارية في الموانئ الإنكليزية والهولندية. أسست أربع وكالات كبرى في روسيا (نوفغورود) والنروج (برغِن) وهولندا (بروج) وإنكلترا (لندن)، وكانت هذه الوكالات قلاعاً حقيقية، شكّل الموظفون العاملون في مخازنها ومستودعاتها المحصنة فرقاً تتولى الدفاع عنها إذا لزم الأمر وكانوا يتعهدون بالخدمة عشر سنوات وعدم الزواج ويعيشون بصورة جماعية ويخضعون لنظام دقيق يشبه منظمات الفرسان الرهبان. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الفرسان التويتون كان لها دور كبير في امتداد نفوذ الهانزا نحو شرقي أوربا ليشمل حوض البلطيق بأكمله.
سعت مدن الهانزا ـ وخاصة لوبك ـ إلى إيجاد أسواق جديدة في الداخل فتوجهت نحو فرنكفورت، وفيما بعد نحو نورنبرغ. وكان تجارها ينتشرون في كل بلدان أوربا الغربية ويوزعون الحديد السويدي والأخشاب والأسماك النروجية والفراء الروسية وأسماك الرنة الدنماركية، كما كانوا يعيدون تصدير خمور بوردو الفرنسية ومنتجات بلدان البحر المتوسط، التي تأتيهم عن طريق البندقية وجنوا.
سنت الهانزا قوانين لتنظيم العمليات التجارية وأصول التعامل بين أعضائها سواء كانوا مدناً أم رجالاً، وكانت تحمي التجار المنضمين إليها من القوانين والضرائب والغرامات غير القانونية وتعاقب المماطلين في الدفع والمخلين بالأمانات ومن يشترون بضائع مسروقة.
خضع تجار الهانزا لقوانينها الألمانية أينما ذهبوا وحرم عليهم الزواج من أجنبيات، كما نشرت الهانزا قانوناً مفصلاً في القواعد والنظم البحرية ووجوب اتخاذ الاحتياطات لضمان سلامة الركاب والبضائع وحددت واجبات ربابنة السفن وملاحيها وأجورهم وقررت عقوبات صارمة على المخالفين.
بلغت الهانزا أوج قوتها وازدهارها من نهاية القرن الثالث عشر إلى نهاية القرن الخامس عشر. وعاشت مرحلة ازدهار ثانية في النصف الثاني من القرن السادس عشر، إلا أن نجمها بدأ بالأفول وتحدد مصيرها وبدأت تفقد امتيازاتها ومكانتها ومرتكزات وجودها.
وقد تضافرت مجموعة عوامل أدت إلى اضمحلالها وانهيارها تتمثل في:
- تنامي القوة البحرية لإنكلترا وهولندا والدنمارك.
- انسحاب المدن الهولندية من الاتحاد ومنافستها له في نهاية القرن الخامس عشر.
- ازدياد قوة أمراء الأقاليم الألمانية الذين أرغموا مدنهم على الانسحاب من الاتحاد.
- انهيار قوة فرسان التويتون والتوسع الروسي في حوض البلطيق الشرقي.
- انتقال مركز التجارة الأوربية من حوض البحر المتوسط وبحر البلطيق نتيجة الاكتشافات الجغرافية الكبرى.
وأخيراً جاءت حرب الثلاثين عاماً (1618- 1648) التي سببت معاناة كبيرة لكل المدن الألمانية وأوقفت تجارة بحر البلطيق؛ مما أدى إلى دمار الهانزا، التي عقدت آخر اجتماع لأعضائها في عام 1669.
وهكذا انتهى اتحاد الهانزا، الذي كان بلاشك أشهر اتحاد أسسته مدن أوربا التجارية الصاعدة وأكثرها ثباتاً واستمراراً، ولكنه ترك ذكراه الحية حتى اليوم، إذ لاتزال ثلاثة من أهم مدن ألمانيا التي تتمتع بالحكم الذاتي وهي هامبورغ وبريمن ولوبك تفخر بماضيها وتسمي نفسها مدن الهانزا.
محمد الزين