مصطفى كامل مطرب وملحن وشاعر موهوب وإداري تطارده النرجسية
نقيب للموسيقيين المصريين أم نقيب للقيم والأخلاق.
من غير المتوقع أن يخرج من كنف الماضي بسهولة
تبدو علاقة الفنان مصطفى كامل، نقيب الموسيقيين في مصر، بمطربي أو مؤديّ الراب والمهرجانات عصيّة على الفهم، حيث يصر على إخضاعهم والسيطرة عليهم تحت مزاعم الحفاظ على الذوق العام، والابتعاد عن كل ما يحمل استخداما لكلمات تتعارض مع القيم والأخلاق من دون إدراك أن هذه الفئة نشأت ونشطت وانتشرت وتغلغلت في المجتمع مدفوعة بالتمرد على الوصاية.
وعكس استهداف النقابة لمؤدي الراب المصري الفنان “ويجز” بعد اختياره لإحياء حفل غنائي ضمن فعاليات نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر تمسك نقابة الموسيقيين ونقيبها كامل بصناعة مجد واه، وإقناع المجتمع بالسير في طريق الحفاظ على الذوق العام، حتى لو كان المستهدف يقيم حفلا خارج البلاد بعد نجاحات كبيرة حققها.
شروط صارمة
استهداف النقابة ومعها كامل لمؤدي الراب المصري الفنان "ويجز" بعد اختياره لإحياء حفل غنائي ضمن فعاليات نهائي المونديال في قطر يعكس تمسكهما بصناعة مجد واه
لم يتوقف الجدل في مصر مع تلميح نقابة الموسيقيين إلى إمكانية إحالة الشاب “ويجز” على التحقيق لأنه شارك في تقديم حفل خارج مصر دون الرجوع إليها أو الحصول على تصريح منها بدعوى أن النقيب فرض شروطا صارمة على مطربي الراب والمهرجانات ولا يحق لأحد منهم التمرد عليها أو عصيانها، لكن “ويجز” وآخرين رفضوا وصاية كامل وأعوانه ولم يقبلوا شروطا جديدة تكرسها.
ووضع كامل شروطا خاصة لمطربي النقابة المنتسبين والحاصلين على تصاريح من أجل الغناء، وهم مغنو المهرجانات والراب، بأن تخضع كلمات الأغنيات والمصنف الفني الذي يقدمونه لجهة الرقابة المتمثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، مع عدم خدش الحياء بإيحاءات أو عبارات أو إيماءات تتعارض مع القيم والعادات والأخلاق للحفاظ على الذوق العام المصري.
ويرى البعض من النقاد أن حملة النقابة في عهد كامل ضد كل مطرب يعمل خارج الإطار القانوني هي جزء من التحركات التي تقوم بها جهات رقابية حكومية للسيطرة على مجال الإنتاج الفني والغنائي، كما حدث في قطاع الصحافة والإعلام، على أمل أن يكون كل مطرب له شعبية وجمهور متمرد كمقدمي المهرجانات والرابرز تحت عينها وسلطتها وقبضة يديها، وهي التي تنتج لهم أو تراجع كلماتهم.
ولا يدرك مجلس نقابة الموسيقيين أن أي قرار بالمنع سيكون هو وعدمه سواء، لأن التفكير بطريقة فوقية في قطاع الطرب لن يجدي، فهناك صحف قد تُحجب وتُمنع من الوصول إلى السوق، لكن يجهل مصدرو القرار أنهم يعيشون في عصر السماوات المفتوحة، والممنوع مرغوب، وإذا مُنعت أغنية من أن تؤدى في مهرجان شعبي أو في ساحة فسوف تحصد أضعاف المشاهدات على الإنترنت.
وأزمة كامل منذ وصوله إلى كرسي نقيب الموسيقيين للمرة الثانية في حياته، وقد كان نقيبا في الدورة قبل الماضية، أنه يصر على تقديم نفسه للشارع على أنه حارس الذوق العام، أو نقيب القيم والأخلاق، بعدما أصدر سلسلة من القرارات التي حاول فيها الحفاظ على التراث المصري في الطرب دون إدراك لتطورات المجتمع وتغيرات الزمن، وأن الجيل الحالي لا يقبل أن يتدخل أحد في ما يجب أن يسمعه الناس وما يجب أن يتجنبوه.
أزمات فوق الأزمات
● كثيرون لا ينكرون أن كامل، كمطرب، يمتلك موهبة فنية وصوتاً مميزاً وألحاناً خاصة
يقول دائما عن نفسه، إنه حر في القرارات التي يتخذها طالما يراها صالحة وتتماشى مع خطط الحكومة لتكريس القيم، لكنه لا يقتنع بأن كل شخص حر في الأغنية التي يريد سماعها وحر في اختيار المطرب الذي يفضله والكلمات التي يراها متسقة مع اللون الغنائي الذي يريده.
ويسعى نقيب الموسيقيين، والذي جاء خلفا للمطرب هاني شاكر بعد استقالته بسبب أزمة أيضا مع مطربي المهرجانات، بشتى الطرق إلى فرض نوعية بعينها من المغنين وإقصاء آخرين بذريعة أنهم يغنون بطريقة فجة ويستخدمون كلمات تتعارض مع الرقي والقيم والأخلاق والتحضر، وتؤدي إلى إفساد الذوق العام.
الأزمة الأكبر أنه يقر ويعترف بأنه لا يفهم ماذا يعني فن الراب، ولا يفهم أغانيه أو كلماته، وفي نفس الوقت لا يترك لمقدمي هذا اللون الغنائي فرصة أن يستمروا في نجاحهم، طالما أن الناس يسمعونهم وأغنياتهم تحقق أرقاما قياسيا في معدلات الاستماع والمشاهدة على المنصات الإلكترونية، لكنه يصر على مطاردتهم داخل وخارج مصر بحجة إلزامهم بتعاليم نقابة الموسيقيين، رغم أنه كنقيب لا يستوعب لغتهم.
ومن بين قراراته العجيبة إيقاف جميع فناني الراب عن العمل إلى أن يزوروا نقابة الموسيقيين ويوقعوا بالموافقة على الشروط الجديدة التي وضعها كنقيب، ومن أبرزها اختيار الكلمات المناسبة الخالية من الإيحاءات غير اللائقة، وإحياء الحفلات بمرافقة فرقة مكونة على الأقل من 12 فردا، وعدم استخدام مصطلح المهرجانات واستبداله بالغناء الشعبي والأداء الصوتي، وهي قواعد رفضها كثيرون ولم يعيروها اهتماما.
ولم يجد أغلب المتابعين لتصرفات وقرارات كامل تفسيرا واضحا لاستهدافه بعض المطربين، حتى لو كانت هناك بعض الاعتراضات من الفئة المجتمعية المحافظة على أدائهم، وعجز كثيرون عن فهم أسباب منعهم من الغناء خارج البلاد دون إخطار النقابة مسبقا، كأنهم موضوعون على قوائم المنع من الخروج من مصر، أو أن هناك تحفظات أمنية على حفلاتهم.
ورغم أن أيّ نقيب يمثل فئة بعينها يفترض أن يكون وسطيا ومرنا ويؤمن بحرية الرأي والتعبير ويدافع عن مصالح الأعضاء والمنتسبين إلى النقابة، فإن كامل يُعادي هذه المعايير للمنتسبين إلى نقابة الموسيقيين التي توعدت في عهده بعض مغني الراب بالمحاسبة والعقاب لمجرد أنهم تحدثوا عن صدور قرارات من النقابة ضدهم، دون أن تدرس ظروف عملهم بشكل واضح متعمق، أو تتشاور معهم مسبقا.
ويرى كامل أن بعض الذين يعارضون قراراته إنما يعملون لمصالح خاصة، وكثيرا ما يتحدث عن أنه جاء إلى نقابة الموسيقيين لمحاربة الفساد والسرقات والرشاوى التي أدت إلى تدهور أوضاعها، ويسوّق لكونه يتعرض لانتقادات كثيرة من فاسدين، ولم يقتنع بعد بأن شريحة من جمهور أغاني المهرجانات والراب تنظر إلى قراراته بامتعاض دفعها إلى المطالبة بإقالته.
ولا ينكر كثيرون أن كامل، كمطرب، يمتلك موهبة فنية وصوتاً مميزاً وألحاناً خاصة، وعندما دخل عالم الكتابة والتأليف نجح في المهمة وتعاون مع مطربين كبار، مثل محمد فؤاد وإيهاب توفيق وعمرو ديب وحمادة هلال ومحمد محيي ومحمد منير، وكان في فترة التسعينات نجما، ولمع اسمه في أكثر من ألبوم غنائي، لكن مشكلته تكمن في افتقاره إلى الإدارة والحنكة والابتكار في حل المشكلات، ويبدو صداميا أحيانا.
مطرب القشطة
● أزمة كامل أنه يصر على تقديم نفسه للشارع على أنه حارس الذوق العام، أو نقيب القيم والأخلاق
عندما سخر منه الفنان صبري فواز بسبب استهدافه لمطربي المهرجانات بذريعة أن كلمات أغانيهم هابطة وبلا معنى، وذكّره بإحدى أغنياته القديمة “قشطة يابا” مطالبا خبراء الموسيقى بتفسير هذه الكلمة، سارع كامل إلى شن هجوم شرس ضد فواز، بحجة أنه يتدخل في ما لا يعنيه ولا يفهم في الطرب، ما عكس جزءا من شخصيته التي لا تقبل النقد، حيث يستهويه المدح والثناء عليه، ولا يريد أن يُظهر أحد سلبياته.
والمتابع لبعض تصريحات كامل يكتشف بسهولة أنه يعاني من النرجسية وحب الذات، فهو الذي دائما يصف نفسه بالمغني الأفضل الذي لا يستطيع أحد أن يجاري نجوميته، وفي إحدى المرات قال إنه يغني لأن صوته مميز وأفضل بكثير من الذين يعتبرون أنفسهم نجوما، ويتحدى أي موسيقي يقول إنه لا يمتلك موهبة الطرب.
وبلغت درجة تمجيد نفسه أنه يتحدث عن مطاردة المنتجين له بعروض مغرية لإنتاج ألبومات جديدة له، وهي نبرة لا يستهويها الجمهور ويتعامل معها بامتعاض وتذمر، لأنه يحب الفنان والمطرب المتواضع لا النرجسي والذي يترك الناس تحكم عليه وتضعه في المرتبة التي يستحقها دون أن يقدم نفسه للشارع على أنه يتربع على عرش المهنة ولا يوجد له منافسون.
ويعتقد بعض الرافضين لسياسته كنقيب للموسيقيين أن هجومه المتكرر على بعض المطربين نابع من الغيرة، وهي نفس التهمة التي كانت تطارد النقيب السابق هاني شاكر، بحكم أنهما ينتميان إلى الجيل السابق من المطربين الذي صار جمهوره محدودا، في حين يلتف الجمهور الآن حول مطربي الرابر، لأنهم ولدوا من رحم الواقع الاجتماعي.
بعض النقاد يرى أن حملة النقابة في عهد كامل ضد كل مطرب يعمل خارج الإطار القانوني هي جزء من تحركات جهات رقابية حكومية للسيطرة على مجال الإنتاج الفني
صحيح أن الكثير منهم أصواتهم ضعيفة، لكن كلماتهم تعبّر عن حال قطاعات عريضة من الجماهير الفقيرة بقصص عن غدر الزمن وهموم الحياة والحقوق المسلوبة، مع مداعبة للغرائز المكبوتة، أما الشريحة الرومانسية التي كانت تستمع إلى مصطفى كامل وجيله فصارت أقل مقارنة بجمهور الأغاني الشعبية والراب.
وأخفق كامل في فهم ذائقة الجمهور الجديدة، لذلك تشكلت ضده كتل من المعارضة، من المراهقين والشباب، فهو من الجيل التقليدي، وهم من جيل الهواتف المحمولة والمنصات الرقمية. جيل يميل إلى الإيقاع السريع ويسمع الأغنيات بطريقة المشاحنات في الأزقة الشعبية، ويميل إلى التخلص من وصاية السلطة وسماع ما يناقض واقعه.
ولم يُدرك نقيب الموسيقيين المصريين أن غضب الجمهور ضده نابع من كون الشريحة الكبيرة في المجتمع تبحث عمن يمثلها أو يشبهها في الغناء، يلبس ويتحدث ويفكر مثلها، وطالما أنه يعتبر هذه الفئة سبب انهيار الذوق العام فهو يسيء إلى جمهورها أيضا، ومن الطبيعي أن تكون النتيجة تمرد المغني وجمهوره على من يفرض الوصاية.
وعندما يبرر موقفه لا يكون مقنعا؛ تراه يتحدث عن أن بعض أعضاء النقابة ليس معهم جنيه يصرفونه على أبنائهم ولا يستطيعون مواكبة الحياة، لذلك لا بد من السعي للحصول على حق هؤلاء الأعضاء، ولا يجيب أو يفسر “من أين سيجلب موارد لهؤلاء”، ثم بعد أيام قليلة يوقع غرامة مالية ضخمة على أي مغني راب أو مهرجانات بذريعة أنه ليس ملتزما بالتعليمات.
وتسببت سياسته في إدارة النقابة خلال الأشهر الماضية في شعور البعض بأنه يحارب مطربي المهرجانات والراب لمحاولة فتح الباب أمام باقي أعضاء النقابة من الجيل القديم، فكيف لهؤلاء الشباب والمراهقين أن تتهافت عليهم الحفلات داخل مصر وخارجها ويأتي إليهم الجمهور بالعشرات من الآلاف، في حين يجلس مطربو جيل مصطفى كامل في منازلهم دون عمل، كأن مطربي اليوم هم من قطعوا أرزاق مطربي الأمس.
ومن غير المتوقع أن يخرج كامل من كنف الماضي بسهولة طالما يعتقد أن الأغنية الرومانسية هي الأساس، وما دون ذلك ابتذال وسطحية وفساد غنائي، وهي مشكلة الكثير من أبناء الأجيال الماضية التي لا تستطيع تجديد نفسها لمواكبة العصر الذي تعيشه، وعندما أراد كامل تغيير جلده وتقديم لون جديد اتجه إلى الأغنية الوطنية، مثل “تسلم الأيادي” التي أهداها إلى الجيش المصري.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد حافظ
كاتب مصري
نقيب للموسيقيين المصريين أم نقيب للقيم والأخلاق.
من غير المتوقع أن يخرج من كنف الماضي بسهولة
تبدو علاقة الفنان مصطفى كامل، نقيب الموسيقيين في مصر، بمطربي أو مؤديّ الراب والمهرجانات عصيّة على الفهم، حيث يصر على إخضاعهم والسيطرة عليهم تحت مزاعم الحفاظ على الذوق العام، والابتعاد عن كل ما يحمل استخداما لكلمات تتعارض مع القيم والأخلاق من دون إدراك أن هذه الفئة نشأت ونشطت وانتشرت وتغلغلت في المجتمع مدفوعة بالتمرد على الوصاية.
وعكس استهداف النقابة لمؤدي الراب المصري الفنان “ويجز” بعد اختياره لإحياء حفل غنائي ضمن فعاليات نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر تمسك نقابة الموسيقيين ونقيبها كامل بصناعة مجد واه، وإقناع المجتمع بالسير في طريق الحفاظ على الذوق العام، حتى لو كان المستهدف يقيم حفلا خارج البلاد بعد نجاحات كبيرة حققها.
شروط صارمة
استهداف النقابة ومعها كامل لمؤدي الراب المصري الفنان "ويجز" بعد اختياره لإحياء حفل غنائي ضمن فعاليات نهائي المونديال في قطر يعكس تمسكهما بصناعة مجد واه
لم يتوقف الجدل في مصر مع تلميح نقابة الموسيقيين إلى إمكانية إحالة الشاب “ويجز” على التحقيق لأنه شارك في تقديم حفل خارج مصر دون الرجوع إليها أو الحصول على تصريح منها بدعوى أن النقيب فرض شروطا صارمة على مطربي الراب والمهرجانات ولا يحق لأحد منهم التمرد عليها أو عصيانها، لكن “ويجز” وآخرين رفضوا وصاية كامل وأعوانه ولم يقبلوا شروطا جديدة تكرسها.
ووضع كامل شروطا خاصة لمطربي النقابة المنتسبين والحاصلين على تصاريح من أجل الغناء، وهم مغنو المهرجانات والراب، بأن تخضع كلمات الأغنيات والمصنف الفني الذي يقدمونه لجهة الرقابة المتمثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، مع عدم خدش الحياء بإيحاءات أو عبارات أو إيماءات تتعارض مع القيم والعادات والأخلاق للحفاظ على الذوق العام المصري.
ويرى البعض من النقاد أن حملة النقابة في عهد كامل ضد كل مطرب يعمل خارج الإطار القانوني هي جزء من التحركات التي تقوم بها جهات رقابية حكومية للسيطرة على مجال الإنتاج الفني والغنائي، كما حدث في قطاع الصحافة والإعلام، على أمل أن يكون كل مطرب له شعبية وجمهور متمرد كمقدمي المهرجانات والرابرز تحت عينها وسلطتها وقبضة يديها، وهي التي تنتج لهم أو تراجع كلماتهم.
ولا يدرك مجلس نقابة الموسيقيين أن أي قرار بالمنع سيكون هو وعدمه سواء، لأن التفكير بطريقة فوقية في قطاع الطرب لن يجدي، فهناك صحف قد تُحجب وتُمنع من الوصول إلى السوق، لكن يجهل مصدرو القرار أنهم يعيشون في عصر السماوات المفتوحة، والممنوع مرغوب، وإذا مُنعت أغنية من أن تؤدى في مهرجان شعبي أو في ساحة فسوف تحصد أضعاف المشاهدات على الإنترنت.
وأزمة كامل منذ وصوله إلى كرسي نقيب الموسيقيين للمرة الثانية في حياته، وقد كان نقيبا في الدورة قبل الماضية، أنه يصر على تقديم نفسه للشارع على أنه حارس الذوق العام، أو نقيب القيم والأخلاق، بعدما أصدر سلسلة من القرارات التي حاول فيها الحفاظ على التراث المصري في الطرب دون إدراك لتطورات المجتمع وتغيرات الزمن، وأن الجيل الحالي لا يقبل أن يتدخل أحد في ما يجب أن يسمعه الناس وما يجب أن يتجنبوه.
أزمات فوق الأزمات
● كثيرون لا ينكرون أن كامل، كمطرب، يمتلك موهبة فنية وصوتاً مميزاً وألحاناً خاصة
يقول دائما عن نفسه، إنه حر في القرارات التي يتخذها طالما يراها صالحة وتتماشى مع خطط الحكومة لتكريس القيم، لكنه لا يقتنع بأن كل شخص حر في الأغنية التي يريد سماعها وحر في اختيار المطرب الذي يفضله والكلمات التي يراها متسقة مع اللون الغنائي الذي يريده.
ويسعى نقيب الموسيقيين، والذي جاء خلفا للمطرب هاني شاكر بعد استقالته بسبب أزمة أيضا مع مطربي المهرجانات، بشتى الطرق إلى فرض نوعية بعينها من المغنين وإقصاء آخرين بذريعة أنهم يغنون بطريقة فجة ويستخدمون كلمات تتعارض مع الرقي والقيم والأخلاق والتحضر، وتؤدي إلى إفساد الذوق العام.
الأزمة الأكبر أنه يقر ويعترف بأنه لا يفهم ماذا يعني فن الراب، ولا يفهم أغانيه أو كلماته، وفي نفس الوقت لا يترك لمقدمي هذا اللون الغنائي فرصة أن يستمروا في نجاحهم، طالما أن الناس يسمعونهم وأغنياتهم تحقق أرقاما قياسيا في معدلات الاستماع والمشاهدة على المنصات الإلكترونية، لكنه يصر على مطاردتهم داخل وخارج مصر بحجة إلزامهم بتعاليم نقابة الموسيقيين، رغم أنه كنقيب لا يستوعب لغتهم.
ومن بين قراراته العجيبة إيقاف جميع فناني الراب عن العمل إلى أن يزوروا نقابة الموسيقيين ويوقعوا بالموافقة على الشروط الجديدة التي وضعها كنقيب، ومن أبرزها اختيار الكلمات المناسبة الخالية من الإيحاءات غير اللائقة، وإحياء الحفلات بمرافقة فرقة مكونة على الأقل من 12 فردا، وعدم استخدام مصطلح المهرجانات واستبداله بالغناء الشعبي والأداء الصوتي، وهي قواعد رفضها كثيرون ولم يعيروها اهتماما.
نقيب الموسيقيين الذي جاء خلفا للمطرب هاني شاكر بعد استقالته، يسعى بشتى الطرق إلى فرض نوعية بعينها من المغنين وإقصاء آخرين
ولم يجد أغلب المتابعين لتصرفات وقرارات كامل تفسيرا واضحا لاستهدافه بعض المطربين، حتى لو كانت هناك بعض الاعتراضات من الفئة المجتمعية المحافظة على أدائهم، وعجز كثيرون عن فهم أسباب منعهم من الغناء خارج البلاد دون إخطار النقابة مسبقا، كأنهم موضوعون على قوائم المنع من الخروج من مصر، أو أن هناك تحفظات أمنية على حفلاتهم.
ورغم أن أيّ نقيب يمثل فئة بعينها يفترض أن يكون وسطيا ومرنا ويؤمن بحرية الرأي والتعبير ويدافع عن مصالح الأعضاء والمنتسبين إلى النقابة، فإن كامل يُعادي هذه المعايير للمنتسبين إلى نقابة الموسيقيين التي توعدت في عهده بعض مغني الراب بالمحاسبة والعقاب لمجرد أنهم تحدثوا عن صدور قرارات من النقابة ضدهم، دون أن تدرس ظروف عملهم بشكل واضح متعمق، أو تتشاور معهم مسبقا.
ويرى كامل أن بعض الذين يعارضون قراراته إنما يعملون لمصالح خاصة، وكثيرا ما يتحدث عن أنه جاء إلى نقابة الموسيقيين لمحاربة الفساد والسرقات والرشاوى التي أدت إلى تدهور أوضاعها، ويسوّق لكونه يتعرض لانتقادات كثيرة من فاسدين، ولم يقتنع بعد بأن شريحة من جمهور أغاني المهرجانات والراب تنظر إلى قراراته بامتعاض دفعها إلى المطالبة بإقالته.
ولا ينكر كثيرون أن كامل، كمطرب، يمتلك موهبة فنية وصوتاً مميزاً وألحاناً خاصة، وعندما دخل عالم الكتابة والتأليف نجح في المهمة وتعاون مع مطربين كبار، مثل محمد فؤاد وإيهاب توفيق وعمرو ديب وحمادة هلال ومحمد محيي ومحمد منير، وكان في فترة التسعينات نجما، ولمع اسمه في أكثر من ألبوم غنائي، لكن مشكلته تكمن في افتقاره إلى الإدارة والحنكة والابتكار في حل المشكلات، ويبدو صداميا أحيانا.
مطرب القشطة
● أزمة كامل أنه يصر على تقديم نفسه للشارع على أنه حارس الذوق العام، أو نقيب القيم والأخلاق
عندما سخر منه الفنان صبري فواز بسبب استهدافه لمطربي المهرجانات بذريعة أن كلمات أغانيهم هابطة وبلا معنى، وذكّره بإحدى أغنياته القديمة “قشطة يابا” مطالبا خبراء الموسيقى بتفسير هذه الكلمة، سارع كامل إلى شن هجوم شرس ضد فواز، بحجة أنه يتدخل في ما لا يعنيه ولا يفهم في الطرب، ما عكس جزءا من شخصيته التي لا تقبل النقد، حيث يستهويه المدح والثناء عليه، ولا يريد أن يُظهر أحد سلبياته.
والمتابع لبعض تصريحات كامل يكتشف بسهولة أنه يعاني من النرجسية وحب الذات، فهو الذي دائما يصف نفسه بالمغني الأفضل الذي لا يستطيع أحد أن يجاري نجوميته، وفي إحدى المرات قال إنه يغني لأن صوته مميز وأفضل بكثير من الذين يعتبرون أنفسهم نجوما، ويتحدى أي موسيقي يقول إنه لا يمتلك موهبة الطرب.
وبلغت درجة تمجيد نفسه أنه يتحدث عن مطاردة المنتجين له بعروض مغرية لإنتاج ألبومات جديدة له، وهي نبرة لا يستهويها الجمهور ويتعامل معها بامتعاض وتذمر، لأنه يحب الفنان والمطرب المتواضع لا النرجسي والذي يترك الناس تحكم عليه وتضعه في المرتبة التي يستحقها دون أن يقدم نفسه للشارع على أنه يتربع على عرش المهنة ولا يوجد له منافسون.
ويعتقد بعض الرافضين لسياسته كنقيب للموسيقيين أن هجومه المتكرر على بعض المطربين نابع من الغيرة، وهي نفس التهمة التي كانت تطارد النقيب السابق هاني شاكر، بحكم أنهما ينتميان إلى الجيل السابق من المطربين الذي صار جمهوره محدودا، في حين يلتف الجمهور الآن حول مطربي الرابر، لأنهم ولدوا من رحم الواقع الاجتماعي.
بعض النقاد يرى أن حملة النقابة في عهد كامل ضد كل مطرب يعمل خارج الإطار القانوني هي جزء من تحركات جهات رقابية حكومية للسيطرة على مجال الإنتاج الفني
صحيح أن الكثير منهم أصواتهم ضعيفة، لكن كلماتهم تعبّر عن حال قطاعات عريضة من الجماهير الفقيرة بقصص عن غدر الزمن وهموم الحياة والحقوق المسلوبة، مع مداعبة للغرائز المكبوتة، أما الشريحة الرومانسية التي كانت تستمع إلى مصطفى كامل وجيله فصارت أقل مقارنة بجمهور الأغاني الشعبية والراب.
وأخفق كامل في فهم ذائقة الجمهور الجديدة، لذلك تشكلت ضده كتل من المعارضة، من المراهقين والشباب، فهو من الجيل التقليدي، وهم من جيل الهواتف المحمولة والمنصات الرقمية. جيل يميل إلى الإيقاع السريع ويسمع الأغنيات بطريقة المشاحنات في الأزقة الشعبية، ويميل إلى التخلص من وصاية السلطة وسماع ما يناقض واقعه.
ولم يُدرك نقيب الموسيقيين المصريين أن غضب الجمهور ضده نابع من كون الشريحة الكبيرة في المجتمع تبحث عمن يمثلها أو يشبهها في الغناء، يلبس ويتحدث ويفكر مثلها، وطالما أنه يعتبر هذه الفئة سبب انهيار الذوق العام فهو يسيء إلى جمهورها أيضا، ومن الطبيعي أن تكون النتيجة تمرد المغني وجمهوره على من يفرض الوصاية.
وعندما يبرر موقفه لا يكون مقنعا؛ تراه يتحدث عن أن بعض أعضاء النقابة ليس معهم جنيه يصرفونه على أبنائهم ولا يستطيعون مواكبة الحياة، لذلك لا بد من السعي للحصول على حق هؤلاء الأعضاء، ولا يجيب أو يفسر “من أين سيجلب موارد لهؤلاء”، ثم بعد أيام قليلة يوقع غرامة مالية ضخمة على أي مغني راب أو مهرجانات بذريعة أنه ليس ملتزما بالتعليمات.
وتسببت سياسته في إدارة النقابة خلال الأشهر الماضية في شعور البعض بأنه يحارب مطربي المهرجانات والراب لمحاولة فتح الباب أمام باقي أعضاء النقابة من الجيل القديم، فكيف لهؤلاء الشباب والمراهقين أن تتهافت عليهم الحفلات داخل مصر وخارجها ويأتي إليهم الجمهور بالعشرات من الآلاف، في حين يجلس مطربو جيل مصطفى كامل في منازلهم دون عمل، كأن مطربي اليوم هم من قطعوا أرزاق مطربي الأمس.
ومن غير المتوقع أن يخرج كامل من كنف الماضي بسهولة طالما يعتقد أن الأغنية الرومانسية هي الأساس، وما دون ذلك ابتذال وسطحية وفساد غنائي، وهي مشكلة الكثير من أبناء الأجيال الماضية التي لا تستطيع تجديد نفسها لمواكبة العصر الذي تعيشه، وعندما أراد كامل تغيير جلده وتقديم لون جديد اتجه إلى الأغنية الوطنية، مثل “تسلم الأيادي” التي أهداها إلى الجيش المصري.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أحمد حافظ
كاتب مصري