كمال كليجدار أوغلو.. مرشح المعارضة الساعي للخروج من جلباب أردوغان
زعيم المعارضة التركية الطامح لقيادة البلاد.
الأربعاء 2023/03/08
مهمة صعبة
إسطنبول - اتفق تحالف المعارضة التركية أخيرا على ترشيح كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، لخوض انتخابات 14 مايو المقبل التي يُنظر إليها على أنها ربما تكون الأكثر أهمية في تاريخ تركيا الحديث، وينجح فيها مرشحهم في الإطاحة برجب طيب أردوغان.
ويعتقد زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو أن الوقت حان للخروج من جلباب أردوغان المتواري خلفه طوال مسيرته المهنية، وذلك بعد تعرضه لهزائم انتخابية متكررة واستخفاف من الرجل الذي يهيمن على السياسة التركية منذ عقدين من الزمن.
وربما تعززت فرصه من خلال اتفاق في اللحظة الأخيرة لإعادة توحيد صفوف تكتل المعارضة بعد اختلافها الجمعة بشأن اختياره مرشحا لها.
ويستمد كليجدار أوغلو دعما أيضا من انتصار المعارضة في 2019 حين ألحق حزب الشعب الجمهوري الهزيمة بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه أردوغان في إسطنبول ومدن كبيرة أخرى في الانتخابات المحلية، وذلك بفضل دعم أحزاب المعارضة الأخرى.
وتقلص دعم أردوغان بفعل أزمة تكاليف المعيشة مع تصاعد التضخم والاضطرابات الاقتصادية على مدى سنوات، فيما يمنح ذلك كليجدار أوغلو ميزة إضافية.
منتقدو كليجدار أوغلو يقولون إنه يفتقر إلى رؤية واضحة أو مقنعة لما سيكون عليه عصر ما بعد أردوغان
ويقود كمال كليجدار أوغلو (74 عاما)، حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا، الحزب العلماني المنتمي إلى يسار الوسط منذ 2010. وفشل الحزب تحت قيادته في تقليص الفجوة بينه وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان في الانتخابات البرلمانية.
لكنه قاد أيضا التحالف مع الحزب الصالح، وهو حزب قومي وسطي، مما ساعدهما على الفوز في الانتخابات البلدية في إسطنبول وأنقرة سنة 2019. وقاما بتوسيع ما يسمى بتحالف الأمة في 2022 وعملا معا لطرح مرشح رئاسي مشترك. ورغم بعض المعارضة من الجمهور، وخاصة من مؤيدي الحزب الصالح، قدم كليجدار أوغلو نفسه مرشحا رئاسيا بعد موافقته على ترشح رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة لمنصب نائبي الرئيس.
وقال كليجدار أوغلو أمام بضعة آلاف من مؤيديه وهم يهتفون خارج مقر حزب السعادة، أحد الأحزاب الستة في كتلة المعارضة، “سنحكم تركيا بالمشاورات والتوافق”.
ويقول منتقدو كليجدار أوغلو إنه يفتقر إلى قدرة أردوغان على حشد الجماهير وإلى رؤية واضحة أو مقنعة لما سيكون عليه عصر ما بعد أردوغان.
وقال جونول تول، رئيس برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن “أنصاره يؤكدون سمعته كبيروقراطي يتمتع بالأخلاقيات الواجب توافرها في من يخوض غمار الشأن العام”.
منافسة محتدمة
دون دعم من حزب الشعوب الديمقراطي يُستبعد أن يفوز تحالف الأمة المعارض في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى أو يحقق أغلبية في البرلمان
تشير استطلاعات الرأي إلى أن التنافس سيكون محتدما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي ستحدد ليس فقط من يقود تركيا وإنما كيف تُحكم وإلى أين يتجه اقتصادها وما هو الدور الذي قد تلعبه لتخفيف الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
ومع ذلك، يتساءل كثيرون عما إذا كان الموظف الحكومي السابق الجاد والمشاكس في بعض الأحيان قادرا على هزْم أردوغان، الزعيم الأطول خدمة في البلاد، والذي ساعدته شخصيته المؤثرة وحضوره الطاغي في الحملات الانتخابية على تحقيق أكثر من اثني عشر نصرا انتخابيا على مدى عقدين من الزمن.
يأتي ترشيح كليجدار أوغلو بعد شهر من وقوع زلزالين ضخمين دمرا جنوب شرق تركيا وأطلقا العنان لموجة من الانتقادات التي طالت الحكومة بسبب سوء التعامل مع الكوارث وضعف معايير البناء على مدى سنوات.
وأشارت استطلاعات الرأي الأولية منذ الزلزالين إلى أن أردوغان قادر على الاحتفاظ بشعبيته إلى حد بعيد على الرغم من الكارثة. لكن محللين يقولون إن ظهور معارضة موحدة، حتى بعد التأخير الحاصل في اختيار مرشحها، قد يمثل تحديا أكبر للرجل القوي.
مدخل إلى السياسة
كليجدار أوغلو يستمد دعما أيضا من انتصار المعارضة في 2019
تسببت سياسات أردوغان الاقتصادية غير التقليدية، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة في وقت تجاوز فيه التضخم 85 في المئة العام الماضي، في إرهاق الأسر وأثارت سلسلة من الانهيارات في العملة منذ 2018.
وتمثل هذه الصعوبات ثغرة تاريخية لينفذ منها كليجدار أوغلو، الاقتصادي السابق، ويقضي على عهد أردوغان الذي بدأ مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة لأول مرة عام 2002.
وفي تلك الانتخابات دخل كليجدار أوغلو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك والذي وجد صعوبة في تجاوز قاعدته الشعبية العلمانية واستقطاب الأتراك المحافظين.
وتحدث مرشّح المعارضة في السنوات القليلة الماضية عن الرغبة في مداواة الجراح القديمة مع المسلمين المحافظين والأكراد، بما في ذلك مجموعات في ديار بكر التقى بها وأقر بأن حزب الشعب الجمهوري أثار استياءهم في الماضي.
لكن كليجدار أوغلو يجد صعوبة في الاحتفاظ بهذه القوة الدافعة. وأظهرت استطلاعات رأي في الآونة الأخيرة أن شعبية أردوغان ارتفعت منذ الصيف الماضي بفضل إجراءات من بينها زيادة الحد الأدنى للأجور.
وقال الباحث نزيه أونور كورو “في أعقاب الزلزال تبنى كليجدار أوغلو خطابا هجوميا ساعده على تعزيز قاعدته لكنه لم يبلغ به حد كسب ود الناخبين المترددين”.
وأضاف “في أوقات الأزمات يتطلع ناخبو الوسط واليمين، الذين يشكلون أكثر من 60 في المئة من الناخبين، إلى رسائل موحدِة من الساسة. ولم يفعل كليجدار أوغلو ذلك”.
وأردف “عموما هذا لن يساعد المعارضة”.
"غاندي كمال"
كليجدار أوغلو تبنى خطابا هجوميا ساعده على تعزيز قاعدته الشعبية
قبل دخول عالم السياسة عمل كليجدار أوغلو في وزارة المالية ثم ترأس مؤسسة التأمين الاجتماعي التركية على مدى أغلب التسعينات. وكثيرا ما انتقص أردوغان، في خطاباته، من أدائه في هذا الدور.
ولد في مقاطعة تونجلي الشرقية، وهو ابن موظف حكومي وينتمي إلى الطائفة العلوية التي تشكل 15 إلى 20 في المئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وتتبنى الطائفة نهجا قائما على المزيج من المعتقدات الشيعية والصوفية والمحلية في منطقة الأناضول.
اعترف كليجدار أوغلو بأنه علوي لكنه يتجنب الحديث عن هذه المسألة علنا. وتضع معتقدات هذه الطائفة أتباعها في خلاف مع الأغلبية السنية في تركيا.
أطلق عليه الإعلام التركي لقب “غاندي كمال” بسبب تشابه عابر في المظهر مع الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي، وقد استحوذ على مخيلة الجمهور في عام 2017 عندما أطلق “مسيرة من أجل العدالة” لمسافة 450 كيلومترا من أنقرة إلى إسطنبول بسبب اعتقال نائب برلماني من حزب الشعب الجمهوري.
شكل كليجدار أوغلو تحالفا بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح وحزب السعادة في الانتخابات العامة سنة 2018، مما مهد الطريق لنجاحات في الانتخابات المحلية في العام التالي.
وفي أول ضربة قوية لأردوغان كزعيم لحزب العدالة والتنمية، فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى بفضل دعم الناخبين من حزب كبير مؤيد للأكراد.
وقال إمري بيكر، مدير إدارة أوروبا في مجموعة أوراسيا، إن كليجدار أوغلو قد يواجه صعوبة في تكرار فوز 2019، إذ تلوح الهزائم الانتخابية السابقة لحزب الشعب الجمهوري في الأفق. وأضاف “أردوغان سيظهر كليجدار أوغلو في مظهر الخاسر”.
معارضة شرسة
زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو يعتقد أن الوقت حان للخروج من جلباب أردوغان المتواري خلفه طوال مسيرته المهنية
لم يكن كمال كليجدار أوغلو المنافس الوحيد لأردوغان، فقد ظهرت الكثير من الشخصيات التركية كمنافس محتمل للرئيس التركي، وأيضا لكليجدار أوغلو نفسه، رغم أن بعضهم اختار التوافق معه والاصطفاف ضمن معارضة واسعة أكثر قوة في مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي مقدمة اللاعبين الرئيسيين في المعارضة التركية تبرز وزيرة الداخلية السابقة ميرال أكشينار (66 عاما) التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية منافسة محتملة لأردوغان. وشكلت في 2017 الحزب الصالح القومي المعتدل، الذي دخل في تحالف مع حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 2018 ولديه 36 نائبا في البرلمان المؤلف من 600 مقعد. ولاقت أكشينار قبولا لدى الناخبين اليمينيين والقوميين الذين خاب أمل بعضهم في حزب الحركة القومية بسبب تحالفه مع حزب العدالة والتنمية.
وبعد معارضتها ترشيح كليجدار أوغلو في البداية، عادت إلى تحالف المعارضة بعد أن تمكن الأخير من إقناعها بأن رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة سيشغلان منصب نائب الرئيس إذا فازت المعارضة في الانتخابات الرئاسية.
وبرز رجل الأعمال السابق أكرم إمام أوغلو (52 عاما) وعضو حزب الشعب الجمهوري كمنافس أيضا وخاصة بعد أن هزم في مارس 2019 مرشح حزب العدالة والتنمية في انتخابات بلدية إسطنبول. وتعززت مكانته كلاعب رئيسي جديد في السياسة التركية بعد أن ألغت السلطات تلك الانتخابات، وفاز في جولة الإعادة بشكل أكثر إقناعا مما وجه ضربة لأردوغان الذي يهيمن على السياسة التركية.
سياسات أردوغان الاقتصادية غير التقليدية تسببت في إرهاق الأسر وأثارت سلسلة من الانهيارات في العملة منذ 2018
وبدعم من تحالف معارض، نجح إمام أوغلو في جذب المزيد من الناخبين المحافظين خارج القواعد الشعبية العلمانية لحزب الشعب الجمهوري. واشتبك مع أردوغان في بعض الأحيان بشأن قضايا مثل التعامل مع جائحة كورونا وخطط لشق قناة تمر عبر غرب إسطنبول.
وكان منصور يافاش (67 عاما)، رئيس بلدية أنقرة، منافسا محتملا في الانتخابات، وبرز منذ أن هزم مرشح حزب الشعب الجمهوري المدعوم من تحالف معارض منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية في انتخابات بلدية إسطنبول في مارس 2019.
وبرز أيضا اسم صلاح الدين ديمرطاش (49 عاما)، الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، كشخصية سياسية رئيسية في السياسة التركية على الرغم من وجوده في السجن منذ 2016.
وفي الشهر الماضي دعا ديمرطاش علنا كليجدار أوغلو إلى قيادة المعارضة في تركيا قبل الانتخابات. وكان حزب الشعوب الديمقراطي أشار في السابق إلى أنه قد يطرح مرشحا منه للانتخابات.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه دون دعم من حزب الشعوب الديمقراطي يُستبعد أن يفوز تحالف الأمة المعارض في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى أو يحقق أغلبية في البرلمان.
ويظهر أيضا علي باباجان (55 عاما)، وهو زعيم حزب الديمقراطية والتقدم والنائب السابق لرئيس الوزراء والحليف المقرب السابق لأردوغان، الذي استقال من حزب العدالة والتنمية في 2019 بسبب خلافات حول توجهه. وشكل حزب الديمقراطية والتقدم ودعا إلى إصلاحات لتعزيز سيادة القانون والديمقراطية.
ويبرز أحمد داوود أغلو (64 عاما) زعيم حزب المستقبل كأحد اللاعبين الرئيسيين في المعارضة التركية، وقد شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق، ثم استقال من حزب العدالة والتنمية في 2019 وأنشأ حزب المستقبل.