يولاند لبكي تعلمت الرسم لتروي حكايتها الشخصية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يولاند لبكي تعلمت الرسم لتروي حكايتها الشخصية

    يولاند لبكي تعلمت الرسم لتروي حكايتها الشخصية


    فنانة تشعر أحيانا أنها قريبة من سلفادور دالي وأحيانا أخرى قريبة من أندي وارهول ولكنها في الحالين لا تقلد سواها.
    الأحد 2023/03/05

    في رحاب خيال ذاكرتها

    يولاند لبكي ما تزال حية. خبر سعيد. الرسامة اللبنانية كانت نموذجا حيا لمَن تعلّم نفسها بنفسها وتتابع تحولات الفن الفكرية والتقنية بدأب وجهد ليكون فنها جزءا من تلك التحولات.

    من يرى أعمالها الفنية لا يمكنه أن يفكر في أنها ولدت في العقد الثالث من القرن العشرين. تلك أعمال تشي بالإقبال على الفن باعتباره مغامرة لاكتشاف مناطق شكلية مجهولة، سواء كانت تلك المغامرة تجري في الطبيعة أو تمتحن قدرة التجريد على اختراق مناطق لا تُرى بالعين المجردة ولكنها تُرى عن طريق تأثيرها.
    مأوى الجمال المطلق


    ◙ الفنانة تعيش بين بروكسل وبيروت ولم تعرض أعمالها عربيا إلا في معرض شامل أقامه معهد العالم العربي بباريس عام 1991

    حين تعلمت تقنية الطباعة من خلال الشاشة الحريرية ومن بعدها تقنية الفوتو شوب انتقلت إلى العالم الرقمي لتكون فنانة بصرية معاصرة.

    وهو ما لا يقوى على القيام به فنان اختبر موهبته في اكتشاف الجمال في رسم الطبيعة والحياة الصامتة والأشخاص.

    في كل مراحلها حرصت يولاند لبكي على أن تكون طليعية. فهي لا تعود إلى أصول الأسلوب السريالي أو التعبيري أو حتى التجريدي كما هي مكرسة في تاريخ الفن الذي درسته أكاديميا بل تسعى إلى تطوير ذلك الأسلوب بما يناسب عصرها.

    تشعر أحيانا أنها قريبة من سلفادور دالي وأحيانا أخرى تكون قريبة من أندي وارهول. ولكنها في الحالين لا تقلد سواها بل تكرس شخصيتها وتتسامى بخيالها لتضع بصمتها المميزة.

    ولأنها عاشت في مدن غربية عديدة، كانت بروكسل في مقدمتها دائما، فإنها تعلمت طريقة معاصرة في التفكير في الفن، ليست الغاية منها محاولة استرضاء المشاهد العابر وابتزاز عاطفته والقبول بإملاءاته. كان فنها يقع دائما في المكان الذي يحث ذلك المشاهد على تغيير عاداته البصرية.

    لم تكن يوما فنانة تقليدية. ولم تصبح كذلك بالرغم من مرور الزمن. فهي التي فتحت عينيها على تحولات الفن بدءا بالحداثة وانتهاء بما بعدها، ترى أن شرط الإعجاز الفني إنما يكمن في عدم التقيد بالزمن والمضي في اتجاه زمن يسميه البعض خلودا، غير أنه في حقيقته مأوى الجمال المطلق الذي لا تحده شروط واضحة. ذلك هو زمن الجمال الذي يخرج عن نطاق التصنيف الواقعي.



    يولاند لبكي رسامة صنعت مزاجها الفني من مزيج من الأساليب والمدارس الفنية الميتة والحية على حد السواء، غير أنها عرفت كيف تستعمل خيالها في استجلاب أسباب لسعادة محتملة من خلال الفن.
    الشغف بالرسم


    ولدت يولاند لبكي في صيدا، جنوب لبنان عام 1927. درست تاريخ الفن والأدب والفلسفة في جامعة السوربون بباريس. دفعها شغفها بالرسم إلى أن تتعلمه بنفسها ومن ثم تحت إشراف الرسام فلوران كروملينك في بلجيكا. أكملت لاحقًا دورة في مدرسة الفنون البصرية في نيويورك، حيث اكتشفت الشاشة الحريرية والفرص التي يوفرها برنامج Photoshop للفنانين.

    أقيم معرضها الشخصي الأول عام 1974 في قصر الفنون الجميلة في بروكسل. منذ ذلك الحين، أقامت يولاند لبكي معارض جماعية وشخصية في فرانكفورت وآخن ودوسلدورف وبيروت. كما أقيم معرض شخصي لأعمالها في المعهد الأوكراني بنيويورك عام 1989. بين حين وآخر تعرض قاعة ساتشي بلندن أعمالها المطبوعة للبيع.

    ليست يولاند لبكي معروفة في العالم العربي مثل إيفيت أشقر أو سلوى روضة شقير أو إيتيل عدنان وهن من جيلها.

    الرسامة التي تعيش بين بروكسل وبيروت لم تعرض أعمالها عربيا إلا في نطاق معرض شامل أقامه معهد العالم العربي بباريس عام 1991.

    في بداياتها كانت رسامة مناظر طبيعية بأسلوب انطباعي. ثم انتقلت بعد ذلك إلى الرسوم الشخصية وهي المرحلة التي انفتحت من خلالها على رسم المجموعات البشرية بطريقتها الخاصة التي تأثرت من خلالها برسوم النرويجي أدفارد مونخ وبالأخص لوحته “الصرخة”.

    في البعد النفسي لرسوم تلك المرحلة ثمة مسعى لتفسير علاقة الفرد بالمجتمع. في الوقت نفسه رسمت الفنانة مجاميع من البشر في حالة احتفال، في تحد واضح للزمن الذي يُلوح بالزوال. رسمت بشرا بعيون كبيرة رغبة منها في تكريس مبدأ تفرد العين بالتعبير عن مختلف حالات الشعور الداخلي. في تلك المرحلة جمعت بين شعور الإنسان بالوحدة وتقاسمه مع المجموعة شعورا عميقا بالتضامن والمشاركة.
    إنتاج الذاكرة بالخيال


    عام 2018 أقامت الفنانة لبكي معرضا لأعمالها في بيروت (قاعة عايدة شرفان) يمكن اعتباره خلاصة لطريقتها في التفكير في الفن ووظيفته على مستوى تنشيط الذاكرة، ومن جهة أخرى فإن الفنانة نجحت في ردم الهوة بين التقنيات الحديثة والمضامين التي تتخطى الزمن.

    حكاية ذلك المعرض تبدأ من لحظة اكتشاف الفنانة في أحد أركان علية منزلها صندوقًا من الشرائح التي تغير لونها بمرور الوقت: صامتة، تعرض فقط صورا غريبة لشواطئ غير مأهولة؛ صورا فارغة للأماكن والشخصيات.

    تعود الفنانة بالزمن إلى الوراء وتعيد رسم العناصر المختفية والوجوه الممحوّة في عالم افتراضي مصمم خصيصًا. يتم التعرف على الراقصين والموسيقيين والمسافرين في قاعات الاحتفالات ومحطات القطار والمطارات. تبرز الفساتين والأقنعة والحقائب الفخمة على خلفية تآكلت بصبر بسبب سنوات النسيان الطويلة.

    تنتج هذه الأعمال المصممة بدقة عن التعايش بين أدوات الماضي وتقنيات الحاضر.

    تذكرت الفنانة يومها أنها في خمسينات القرن الماضي قامت بجولة في الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر والتقطت العديد من الصور على طول الطريق لتتذكر رحلتها.

    فكرة المعرض تقوم على مبدأ مفاهيمي يلخصه السؤال “هل يمكن إعادة إنتاج الماضي عن طريق خيال الذاكرة؟” وهو ما يمكن تسميته بإنتاج الذاكرة عن طريق الفن.
    النحاتة الأخرى




    في الوقت الذي انغمست فيه الفنانة في اكتشاف مهارات الفنون المعاصرة حيث قامت بتنفيذ أعمال مركبة كانت لا تكف عن ممارسة النحت، الجداري منه بشكل خاص. بين التجريد المستلهم من شكل الوردة والعودة إلى الأشكال البدائية الأفريقية رعت لبكي تجربتها في النحت لتنفصل قليلا عن عالم الرسم.

    في النحت هي فنانة أخرى. فنانة تستهويها قوة التعبير في المنحوتات المصرية والمكسيكية القديمة. وهي في ذلك إنما تعمل متأثرة بأسلوب الروماني قسطنطين برانكوسي.

    “ألف ليلة للعيش، ليلة واحدة للحلم” هو عنوان معرضها الذي أقامته عام 2015 في بيروت. في ذلك المعرض اعتمدت لبكي تقنية التجهيز.

    قد يعتبر ذلك المعرض تمهيدا للمعرض الذي استطاعت من خلاله إعادة الحياة إلى الصور التي عثرت عليها في صندوقها القديم. وهي في كل الأحوال تمد يدها إلى صندوق خيالي تجتمع فيه الحكايات الشخصية التي هي أشبه بحكايات شهرزاد التي أكسبت ليالي العيش الألف، منها الليلة الأخيرة المختلفة عنها، طاقة الحلم، الأمر الذي يجعلني على يقين من أن المرأة قد عاشت حياتها كما لو أنها تحلم.


    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X