أحمد أبوزينة رسام تجريدي يهب الرسم حياة مجاورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحمد أبوزينة رسام تجريدي يهب الرسم حياة مجاورة

    أحمد أبوزينة رسام تجريدي يهب الرسم حياة مجاورة


    التشكيلي أحمد أبوزينة يضع تجربته الفنية في سياق تاريخي يستند على الحذف ومن ثم الإضافة. الهدم الذي يتبعه البناء.
    الأحد 2023/02/12
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    من العمارة إلى الرسم

    ليس بالموضوع وحده يحيا الرسم. كان الرسم في مكان آخر مثل الحياة تماما حسب تعبير ميلان كونديرا. ليس الموضوع سوى ذريعة، عكاز لا يمشي.
    الخط واللون والمساحة


    ما يفعله أحمد أبوزينة يدخل في إطار البحث عن الرسم في مكان آخر غير الموضوعات التي كان يعرف أنها لا تهب الرسوم قيمة من أي نوع. أبوزينة هو رسام عناصر، الخط واللون والمساحة. فإذا ما كان الآخرون يخفون الخط لكي لا يُرى كونه غير موجود في الواقع أو في الطبيعة، فإن أبوزينة يتعمد إظهاره ويلتقط خفة جمالياته وسحره. ما يُرى منها مباشرة وما يمكن أن تتخيله العين حين تنام.

    وليست علاقته باللون أقل يقظة. فقد لا يقال عن الفنان إنه ملون ذلك لأنه لا يلون أشياء أو مرئيات بل يضع أصباغه بمزاج تغلب عليه عذوبة سؤال يتعلق بالعلاقة بالرسم، أو بشكل أكثر تحديدا بطريقة التفكير في الفن.

    ولأن أبوزينة رسام إنشاءات فقد تجلت براعته في اختراع علاقات مدهشة بين المساحات. وهنا يحضر الدرس المعماري الذي قضى الفنان أكثر من أربعين سنة وهو يلاحق تجلياته من خلال صنعته مهندس ديكور أو ما يُسمى أكاديميا التصميم الداخلي.



    لا يرى أبوزينة أن هناك ما يفصل بين فني الرسم والتصميم، بالرغم من أن أعماله تمتلك من الحيوية الداخلية المتدفقة ما لا يمكن للتصميم أن يستوعب تحولاتها أو يستجيب لها.

    لا يتدخل المصمم في ما يفعله الرسام إلا باعتباره مراقبا مهذبا. ومن الطبيعي أن ينظر المصمم بحذر إلى انزلاقات الرسم في مناخ يغلب عليه الطابع الجمالي التلقائي والعفوي وبالأخص حين يلجأ الرسام إلى الكلاج (لصق قصاصات ورقية أو أجزاء من صحيفة). تلك فكرة تخرج بالصورة من منطقة النظر المباشر إلى منطقة التخيل، هناك حيث تنتحل الصورة صفات الفكرة. يصبح ما يُرى مجرد واجهة لعالم الأفكار.

    يعود الفنان من خلال استعمال قصاصات الصحف إلى اختراع تكعيبي يبني من خلاله هيئة الأشكال التي يهدمها من خلال الرسم. سيكون على الفنان أن يتخطى الإشارات المباشرة التي تنطوي عليها الكتابة من خلال العبث البصري بمحتوياتها ليؤكد أن هدفه ينحصر في الإشارة إلى الزمن.
    حدث جمالي مستقل


    ولد أبوزينة في صفد بفلسطين عام 1944 وانتقل مع عائلته صغيرا إلى سوريا التي اكتسب جنسيتها ودرس العمارة فرع التصميم الداخلي في جامعة دمشق التي تخرج منها عام 1969.

    عمل في الدوحة بقطر أكثر من ثلاثين سنة في مجال اختصاصه “التصميم الداخلي” وأقام تسعة معارض شخصية.

    ما هو متوقع في حالة أبوزينة أن يقع الرسام في مصيدة المعمار ويقوم بخدمته. ذلك ما جرى عبر العصور. غير أن الفنان قلب المعادلة في مرحلة من حياته ليكون الرسام مستقلا ومتحررا من القوانين التي يفرضها مصمم الديكور. ففي معظم رسومه وهي تجريدية لا تظهر نزعة التزيين. يمكنه أن يقول “الرسم لا يملأ فراغا. هو في حد ذاته حدث جمالي مستقل”.

    بعد ثلاثين سنة من العمل اليومي في مجال التصميم الداخلي وجد أبوزينة في الرسم حريته التي تمزج بين نزعة متأصلة في أعماق روحه إلى الاستقلال ومزاج تجريدي معاصر دفع به إلى التجريب الذي سار به بين إلهامات المواد والتقنية والأشكال، فصار يتبع خطوطه بروح شاعر وينغمس في ألوانه كما لو أنه يعيد اكتشافها متحررة من ماضيها.

    أضفى أبوزينة على المحترف الفني السوري طابع ارتجال لم يعرفه من قبل. وهو في ذلك إنما يضع تجربته الفنية في سياق تاريخي يستند أصلا على الحذف ومن ثم الإضافة. الهدم الذي يتبعه البناء.
    سنهب الطبيعة أوجاعنا




    بالرغم من أن الفنان لا يرسم مشاهد مستعارة من الخارج فهو لا يرسم ما يراه، غير أن الكثير من النتائج التي توصل إليها في رسومه يمكن تأويلها واقعيا. ليكن الوهم بديلا عن الحقيقة. وهو نوع من الخداع البصري. غير أن ما يقتنع المتلقي أنه قد رآه قد يشكل نوعا من الحقيقة. حقيقة أن الرسم المتحرر من الطبيعة يمكنه أن يخلق طبيعة مجاورة.

    ما نراه في رسوم أبوزينة لا يعيدنا إلى الواقع غير أنه يعيننا على رؤية واقع بديل. هو واقع أكثر جمالا من ذلك الواقع الذي نعيش بين ثناياه. أليس الرسم في مختلف درجاته نوعا من الوهم؟ يعود أبوزينة إلى مفهوم الجمال المتشنج الذي يُقلق ويُربك وينسف ويحطم الصورة، غير أنه في النتيجة يمنحنا إطلالة على إنسانية الانفعال البشري بكل تجلياته.

    “سنهب الطبيعة أوجاعنا” يمكن للرسام أن يقول تعليقا على تجربة العيش في بلد أخذت منه الحرب الكثير من صفات الألم الطبيعي لتهبه وحشية ألم قطيعي. لذلك فإن تحدي الطبيعة الذي صار عادة حداثوية لا بد أن يتم تكريسها، لكن من خلال تجارب يغلب عليها الطابع المختبري. سيكون من الصائب أن أصف أبوزينة بالفنان المختبري.

    من النظرة الأولى إلى رسومه تبدو الجرأة واضحة. ذلك رسام لم يقف عند حدود تعاليم المعبد خائفا كما لو أنه جاء من خارجه. لذلك فإن رسومه لا يمكن إعادتها إلى أصل فني سوري. وهنا علينا أن نفكر في حداثة لا تزال تفتح أبوابها للقادمين الجدد.
    الرسم حياة مجاورة


    يرسم أبوزينة بمتعة هائلة. ذلك ما يكتشفه المتلقي وهو ينظر بمتعة إلى رسوم الفنان. متعة هي أشبه بالعدوى. سيُقال “يا لسعادتك” ربما لا يشعر الرسام بالسعادة وهو يتأمل رسومه. غير أن المؤكد أنه عاش تلك السعادة حين كان يرسم. حكاية يمكن أن يستعيدها الرسم مع كل لوحة يرسمها. “هل عاش هناك فعلا؟” ولكن أين يقع ذلك الهناك الذي تخيل الرسام أنه عاش فيه بحيث صار في الـ”هنا” كما لو أنه كائن أسطوري سعيد.

    لن يبحث الرسام عن أسباب وجوده في واقع لا يرسمه. في المقابل فإن أعماله ستجد لها مكانا في الواقع كونها تمثل صورة مضادة. سنخرج معا إلى الفكرة التي تؤسس لعالم يضم الجميع، شعاره “نحن نحب الرسم”. أبوزينة يحب الرسم، لا لأنه يرسم بحكم العادة بل لأنه وجد في الرسم الحرية التي كان يبحث عنها.

    كان الجمال الذي عاشه عبر سنين حياته وهو يصمم الديكورات الداخلية مقيدا بأغراض نفعية، أما في الرسم فإنه وجد المجال الحيوي الذي تنطلق فيه روحه من غير قيود. الرسم حياة مجاورة.











    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X