علاج أدق لأنواع أكثر: موعد مع فهم السرطان
تحديد البروتينات التي ينبغي القضاء عليها لكل نوع من الأورام.
السبت 2023/02/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
التحدي الأبرز هو تحديد شكل السرطان على المستوى البيولوجي
أدى التقدّم المُحرز في الأبحاث المتعلقة بمرض السرطان إلى فهم المرض الذي يتسبّب في وفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً في مختلف أنحاء العالم بصورة أفضل، ما ساهم في ظهور علاجات تستهدف طفرات جينية محددة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومن ذلك أن التطور في التقنيات الجزيئية الذي سُجّل خلال السنوات الأخيرة أتاح تحديد البروتينات غير الطبيعية التي ينبغي القضاء عليها لكل نوع من الأورام بصورة أفضل.
باريس - أحرز علم الأورام تقدماً مذهلاً خلال السنوات الأخيرة مدفوعاً بعلاجات جديدة وفهم أفضل للمرض، فيما يبدو أنّ مجال البحث في مرض السرطان لا يزال واسعاً. والسرطان الناجم عن تحوّلات في الخلايا تجعلها غير طبيعية ثم تتكاثر بشكل مفرط هو مرض قديم جداً.
إلّا أنّ التقدّم المُحرز في الأبحاث جعل من الممكن فهم المرض الذي يتسبّب في وفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً في مختلف أنحاء العالم بصورة أفضل. وأصبح معروفاً أنّ العضو الواحد لا يُصاب فقط بنوع من السرطان، بل بأنواع عدة، وحتى النوع الواحد يمكن أن تتسبّب به أورام متعددة.
ويوضح مدير الأبحاث في مركز غوستاف روسي لمكافحة السرطان فابريس أندريه لوكالة فرانس برس أنّ "التطرق إلى سرطان القولون أو سرطان الثدي أصبح مسألة عادية جداً"، مشيراً إلى أنّ "التحدي بات اليوم في تحديد شكل السرطان على المستوى البيولوجي".
وعلى سبيل المثال، هناك ثلاثة أنواع رئيسية من سرطان الثدي لا تستجيب للعلاجات نفسها. ويشير أندريه إلى أنّ “التطور في التقنيات الجزيئية الذي سُجّل خلال السنوات الأخيرة أتاح تحديد البروتينات غير الطبيعية التي ينبغي القضاء عليها لكل نوع من الأورام، بصورة أفضل".
وأدّى تحسين فهم المرض إلى ظهور علاجات تستهدف طفرات جينية محددة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي الماضي كان العلاج الكيميائي هو الوحيد المُقترح للمريض. إلا أنّ هذا العلاج الذي يهدف إلى التخلص من الخلايا السرطانية بغض النظر عن موقعها في الجسم، قد يتسبب بآثار جانبية.
ويلفت مدير الأبحاث والابتكار في المعهد الوطني للسرطان (إنكا) البروفسور برونو كينيل إلى أنّ “العلاجات الموجّهة شكّلت تقدماً كبيراً لأنواع عدة من السرطانات بينها أنواع معيّنة من سرطان الدم".
وأثبت العلاج المناعي منذ نحو عشر سنوات أنّه يمثل التقدّم الأبرز في علاج الأورام. وعلى عكس العلاج الكيميائي الذي يستهدف الخلايا السرطانية، يقوم هذا النوع من العلاجات على استهداف الخلايا المناعية التي تحيط بتلك السرطانية من أجل تنشيطها. وعندما تُنشَّط تتولى تدمير الخلايا السرطانية.
ونال مُكتشفا العلاج جيمس أليسون من جامعة تكساس وتاساكو هونجو من جامعة كيوتو جائزة نوبل للطب عام 2018. وكان هذا الاكتشاف مهماً جداً لبعض أنواع السرطانات. فعلى سبيل المثال، كان معدّل نجاة المرضى المصابين بالورم الميلانيني النقيلي (أخطر أنواع سرطانات الجلد) منخفضاً جداً قبل عام 2010. وبفضل العلاج المناعي، ارتفع متوسط العمر المتوقع للمرضى بواقع عشر سنوات إضافية مقارنة ببضعة أشهر في السابق.
◙ تخويف من تساقط الشعر بسبب العلاج الكيمياوي نواجهه بالضحك وبباروكة
لكن لا تستجيب كل الأورام السرطانية للعلاج المناعي، وقد يتسبب استهداف بعضها بهذا النوع من العلاج في تسجيل آثار جانبية. ويقول كينيل "لا نزال في بداية العلاج المناعي”، فأشكال هذا العلاج متعددة أصلا وبينها تناول عقاقير الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، والعلاجات بالخلايا وتلك الجينية (مستقبلات المستضد الخيمرية).
ويقول الاختصاصي في علم الأورام لدى مركز ليون بيرار في ليون الفرنسية بيار سانتينيي "ينبغي التوصل إلى دمج العلاجات بأكثر طريقة ذكية ممكنة"، مضيفا "مع العلاج المناعي، تقدمنا خطوة في معالجة السرطان، لكن لا تزال هناك خطوات ينبغي إنجازها لجميع المرضى الذين لا يستفيدون من هذا العلاج". ويمكن للباحثين الاستناد إلى قدرة التقنيات الحيوية على تطوير عقاقير جديدة توفر معالجة أدق وتنطوي على آثار سلبية أقل.
ومن بين ما يُمكن الاستناد إليه أيضاً الذكاء الاصطناعي الذي يشهد تطوراً، ويتيح أصلاً تعريفاً أفضل لتشخيص السرطان. وبفضل هذه الثورة التكنولوجية “سيتمكن المتخصصون من تحديد أي مرضى يمكنهم الاستفادة من علاج قصير”، على ما يؤكد أندريه. أما النتائج الإيجابية لذلك، فتتمثل في تخفيف العلاجات للمرضى وخفض التكاليف عليهم.
على عكس العلاج الكيميائي الذي يستهدف الخلايا السرطانية تقوم العلاجات الموجّهة على استهداف الخلايا المناعية
وفيما استُخدم الذكاء الاصطناعي في معالجة سرطان الثدي، يُفترض أن تستفيد منه حالياً علاجات أنواع أخرى من السرطانات. ومن بين الجوانب التي يُؤمَل أن تتطوّر، القدرة على اكتشاف الورم السرطاني في وقت مبكر جداً. ويقول أندريه في هذا الصدد إنّ "الولايات المتحدة أحرزت تطوراً في هذا المجال من خلال فحص الحمض النووي استناداً إلى اختبار دم بسيط، لكن لا تزال تُسجّل نتائج غير دقيقة في هذا النوع من الفحوص".
وقبل نشر هذه التقنية، تبقى الوقاية حتى اليوم أفضل طريقة لتجنب أنواع كثيرة من السرطانات. وبقي تشخيص السرطان محدوداً طوال قرون لم تكن تتوافر خلالها أي علاجات له، لكنّ هذا المرض شهد ثورة علاجية في غضون بضعة عقود. إلا أن الابتكارات، رغم تكاثرها، لم تحل محل العلاجات التقليدية.
ويعود تشخيص السرطان إلى زمن مصر القديمة، قبل أن يسميه الطبيب اليوناني أبقراط “كاركينوس”، أي سرطان البحر باليونانية. وقامت العلاجات الأولى في نهاية القرن التاسع عشر على العمليات الجراحية الهادفة إلى إزالة الورم.
ولا تزال الجراحة "سلاحا علاجيا مهما" اليوم، على ما يلاحظ أخصائي أمراض الدم والأورام رئيس مجمع مستشفيات معهد كوري في باريس البروفسور ستيفن لوغوي الذي يشير إلى أن “الجراحين يعالجون الكثير من الأورام (…) ومنها سرطان الثدي، وسرطان القولون، والساركوما” الذي يصيب خلايا النسيج الضامّ. لكنّ الجراحة هي أيضاً “بوابة لعدد كبير من أنواع السرطان، إذ يتوافر بفضلها نسيج أورام يتيح التشخيص”، على ما يشرح.
أما العلاج الإشعاعي فقد نشأ بفضل التقدّم الذي حققه عالم الفيزياء الألماني فيلهلم رونتغن الذي اكتشف الأشعة السينية عام 1895. ولا يزال العلاج الإشعاعي يلعب إلى اليوم دوراً رئيسياً، إذ أن أكثر من 70 في المئة من علاجات السرطان تشمل جلسات علاج إشعاعي. ويقضي هذا العلاج باستخدام أشعة (إلكترونات وفوتونات وبروتونات) لتدمير الخلايا السرطانية. ويتمثل الجانب السلبي لهذا العلاج في أن الأشعة تؤدي إلى إتلاف كل الأنسجة التي تمر من خلالها.
◙ الابتكارات تهدف إلى توفير أكبر قدر من الدقة وإيصال أقوى جرعة ممكنة من الإشعاع إلى الورم
ويحاول عدد من الابتكارات معالجة هذا الأمر، ومنها الإشعاع عالي الدقة والجرعات القوية. وشرح ستيفن لوغوي أن هذه الابتكارات تهدف إلى توفير "أكبر قدر من الدقة وإيصال أقوى جرعة ممكنة من الإشعاع إلى الورم، ولكن مع تجنب إصابة الأنسجة السليمة".
ويقوم العلاج الكيميائي على أدوية سامة للخلايا تتألف من جزيئات عدة، تؤدي هي الأخرى إلى تدمير الخلايا السرطانية. وتوفّر هذه العلاجات فاعلية كبيرة في حالة اللوكيميا الحادة مثلاً، مع أن الجانب السلبي فيها هو أنّ آثاراً جانبية قوية تنجم غالباً عنها، ومنها تساقط الشعر.
◙ الباحثون يمكنهم الاستناد إلى قدرة التقنيات الحيوية على تطوير عقاقير جديدة توافر معالجة أدق وتنطوي على آثار سلبية أقل
كما ثمة لقاحان للوقاية من الإصابة بأنواع السرطان الناجمة عن فايروسات، أحدهما ضد فايروس الورم الحليمي البشري، والآخر ضد التهاب الكبد "ب" (المسبب لسرطان الكبد). وأجريت الكثير من الأبحاث خلال السنوات الأخيرة في شأن "لقاحات علاجية"، وهي تقوم على إنتاج مستضدات للأورام بواسطة الحمض النووي الريبي المرسال أو الفايروسات تتيح تنشيط جهاز المناعة من خلال توليد الاستجابة المناسبة لدى المرضى المصابين بالسرطان.
وقد ساهم العلاج الاستهدافي طوال السنوات العشرين الأخيرة في تغيير حياة عدد كبير من المرضى، وهو عبارة عن جزيئات مشتقة من الكيمياء، مصممة خصيصاً لمنع أو وقف عمل آلية جزيئية ضرورية لتطور الخلايا السرطانية أو تكاثرها أو بقائها على قيد الحياة.
كما يشكّل العلاج المناعي التطور الثوري الأهم في السنوات الأخيرة. وهو ينطوي على تقوية جهاز المناعة لدى المريض لمساعدته على تعقب الخلايا السرطانية والقضاء عليها. ويعتمد العلاج المناعي على الأجسام المضادة الاصطناعية التي يتم إنتاجها مخبرياً. وثمة طرق عدة ممكنة للعمل، ومنها مثلاً استهداف هذه الأجسام المضادة بروتيناً موجوداً على سطح الخلايا السرطانية، إذ من خلال التمركز على الخلية المستهدفة، يتسبب الجسم المضاد في إحداث تأثير مضاد للورم، إما بشكل مباشر أو عن طريق تحفيز جهاز المناعة.
ويُعَدَّ علاج المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية علاجا خلويا، ويقوم على تعليم جهاز المناعة التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها. وتؤخذ خلايا الجهاز المناعي للمريض (غالبا الخلايا اللمفاوية التائية) وتُعدّل وراثيا في المختبر ثم يعاد حقنها في جسم المريض فيصبح في إمكانها استهداف الخلايا السرطانية.
◙ العلماء يعدّلون خلايا ليس مصدرها المريض نفسه بل ناقل سليم وراثيا
وبدأت شركات للتقنيات الحيوية العمل أيضا على مستقبلات خيمرية للخلايا التائية تُسمى خيفية. وفي هذه الحالة، يعدّل العلماء خلايا ليس مصدرها المريض نفسه بل ناقل سليم وراثيا. وثبتت فاعلية المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية في معالجة سرطانات الدم كالأورام اللمفاوية وأنواع معينة من سرطان الدم الحاد والورم النخاعي المتعدد. لكنّ هذا العلاج مكلف جدا.
ويشدد البروفيسور لوغوي على أهمية "الجمع بين كل هذه الأساليب والعلاجات الجديدة للحصول على خطة شخصية للمريض"، معربا عن تفاؤله بالقول "لقد تجاوزنا عتبة مهمة في فهمنا للخلية السرطانية. صحيح أن معاناة المصابين بالسرطان لا تزال قوية، لكنّ تقدما كبيرا جدا تحقق".
◙ تحسين فهم المرض أدّى إلى ظهور علاجات تستهدف طفرات جينية محددة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين
وعبر التاريخ الطويل لمرض السرطان، والممتد لأكثر من 3500 عام، حاول البشر على الدوام إيجاد علاج فعال ونهائي يقضي على المرض ويمنع تكرار حدوثه مرة أخرى. ولكن كانت كفة البشرية ترجح تارة، وكفة السرطان ترجح مرات، ومع كل علاج فعال أتت الأعراض الجانبية القاسية، التي في بعض الأحيان كانت أسوأ من المرض نفسه.
ولكن حان الوقت لبعض أنواع السرطان أن تُهزم هزيمة كاملة، إذ يبدو أن البشرية قفزت قفزة مهمة للغاية في معركتها الطويلة للغاية ضد السرطان، باستخدام أسلوب علاجي جديد نسبيا وفعال إلى حدٍّ غير مسبوق، على الأقل حتى هذه اللحظة.
وقد أثارت الدراسة المنشورة يوم الخامس من يونيو في دورية "ذي نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن" صخبا في الوسط العلمي، بعد أن انتهت نتائج إحدى التجارب السريرية لعقار "دوستارليماب" على مرضى “سرطان المستقيم الغُدّي" إلى نسبة شفاء 100 في المئة لكل العينات الخاضعة للتجربة، في نتيجة غير مسبوقة ولم تحدث من قبل في تاريخ دراسات مرض السرطان.
وأجريت الدراسة على مجموعة صغيرة من مرضى سرطان المستقيم في المرحلة الثانية أو الثالثة، الذين يعانون نقصا في جين "إصلاح عدم التطابق المتسبب في حدوث الورم، على أن يتناولوا جرعة كل 3 أسابيع لمدة 6 أشهر، تُتبع بجرعات من العلاج الكيمياوي أو الإشعاعي أو الجراحي إذا دعت الحاجة".
وتُمثِّل حالات نقص جين "إصلاح عدم التطابق" بين 5 و10 في المئة من حالات سرطان المستقيم، وهذا النوع تحديدا لا يستجيب جيدا للعلاج الإشعاعي أو الكيمياوي، مما يضطر الكثير من المرضى للخضوع إلى الحل الجراحي، باستئصال الورم والأنسجة المحيطة به، وما يترتب على ذلك من فقدان التحكم في عملية الإخراج والإضرار بالأعصاب المارة في المنطقة.
العلاج الجيني: قبل 90 يوما وبعدها
انشرWhatsAppTwitterFacebook
تحديد البروتينات التي ينبغي القضاء عليها لكل نوع من الأورام.
السبت 2023/02/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
التحدي الأبرز هو تحديد شكل السرطان على المستوى البيولوجي
أدى التقدّم المُحرز في الأبحاث المتعلقة بمرض السرطان إلى فهم المرض الذي يتسبّب في وفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً في مختلف أنحاء العالم بصورة أفضل، ما ساهم في ظهور علاجات تستهدف طفرات جينية محددة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومن ذلك أن التطور في التقنيات الجزيئية الذي سُجّل خلال السنوات الأخيرة أتاح تحديد البروتينات غير الطبيعية التي ينبغي القضاء عليها لكل نوع من الأورام بصورة أفضل.
باريس - أحرز علم الأورام تقدماً مذهلاً خلال السنوات الأخيرة مدفوعاً بعلاجات جديدة وفهم أفضل للمرض، فيما يبدو أنّ مجال البحث في مرض السرطان لا يزال واسعاً. والسرطان الناجم عن تحوّلات في الخلايا تجعلها غير طبيعية ثم تتكاثر بشكل مفرط هو مرض قديم جداً.
إلّا أنّ التقدّم المُحرز في الأبحاث جعل من الممكن فهم المرض الذي يتسبّب في وفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً في مختلف أنحاء العالم بصورة أفضل. وأصبح معروفاً أنّ العضو الواحد لا يُصاب فقط بنوع من السرطان، بل بأنواع عدة، وحتى النوع الواحد يمكن أن تتسبّب به أورام متعددة.
ويوضح مدير الأبحاث في مركز غوستاف روسي لمكافحة السرطان فابريس أندريه لوكالة فرانس برس أنّ "التطرق إلى سرطان القولون أو سرطان الثدي أصبح مسألة عادية جداً"، مشيراً إلى أنّ "التحدي بات اليوم في تحديد شكل السرطان على المستوى البيولوجي".
وعلى سبيل المثال، هناك ثلاثة أنواع رئيسية من سرطان الثدي لا تستجيب للعلاجات نفسها. ويشير أندريه إلى أنّ “التطور في التقنيات الجزيئية الذي سُجّل خلال السنوات الأخيرة أتاح تحديد البروتينات غير الطبيعية التي ينبغي القضاء عليها لكل نوع من الأورام، بصورة أفضل".
وأدّى تحسين فهم المرض إلى ظهور علاجات تستهدف طفرات جينية محددة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي الماضي كان العلاج الكيميائي هو الوحيد المُقترح للمريض. إلا أنّ هذا العلاج الذي يهدف إلى التخلص من الخلايا السرطانية بغض النظر عن موقعها في الجسم، قد يتسبب بآثار جانبية.
ويلفت مدير الأبحاث والابتكار في المعهد الوطني للسرطان (إنكا) البروفسور برونو كينيل إلى أنّ “العلاجات الموجّهة شكّلت تقدماً كبيراً لأنواع عدة من السرطانات بينها أنواع معيّنة من سرطان الدم".
وأثبت العلاج المناعي منذ نحو عشر سنوات أنّه يمثل التقدّم الأبرز في علاج الأورام. وعلى عكس العلاج الكيميائي الذي يستهدف الخلايا السرطانية، يقوم هذا النوع من العلاجات على استهداف الخلايا المناعية التي تحيط بتلك السرطانية من أجل تنشيطها. وعندما تُنشَّط تتولى تدمير الخلايا السرطانية.
ونال مُكتشفا العلاج جيمس أليسون من جامعة تكساس وتاساكو هونجو من جامعة كيوتو جائزة نوبل للطب عام 2018. وكان هذا الاكتشاف مهماً جداً لبعض أنواع السرطانات. فعلى سبيل المثال، كان معدّل نجاة المرضى المصابين بالورم الميلانيني النقيلي (أخطر أنواع سرطانات الجلد) منخفضاً جداً قبل عام 2010. وبفضل العلاج المناعي، ارتفع متوسط العمر المتوقع للمرضى بواقع عشر سنوات إضافية مقارنة ببضعة أشهر في السابق.
◙ تخويف من تساقط الشعر بسبب العلاج الكيمياوي نواجهه بالضحك وبباروكة
لكن لا تستجيب كل الأورام السرطانية للعلاج المناعي، وقد يتسبب استهداف بعضها بهذا النوع من العلاج في تسجيل آثار جانبية. ويقول كينيل "لا نزال في بداية العلاج المناعي”، فأشكال هذا العلاج متعددة أصلا وبينها تناول عقاقير الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، والعلاجات بالخلايا وتلك الجينية (مستقبلات المستضد الخيمرية).
ويقول الاختصاصي في علم الأورام لدى مركز ليون بيرار في ليون الفرنسية بيار سانتينيي "ينبغي التوصل إلى دمج العلاجات بأكثر طريقة ذكية ممكنة"، مضيفا "مع العلاج المناعي، تقدمنا خطوة في معالجة السرطان، لكن لا تزال هناك خطوات ينبغي إنجازها لجميع المرضى الذين لا يستفيدون من هذا العلاج". ويمكن للباحثين الاستناد إلى قدرة التقنيات الحيوية على تطوير عقاقير جديدة توفر معالجة أدق وتنطوي على آثار سلبية أقل.
ومن بين ما يُمكن الاستناد إليه أيضاً الذكاء الاصطناعي الذي يشهد تطوراً، ويتيح أصلاً تعريفاً أفضل لتشخيص السرطان. وبفضل هذه الثورة التكنولوجية “سيتمكن المتخصصون من تحديد أي مرضى يمكنهم الاستفادة من علاج قصير”، على ما يؤكد أندريه. أما النتائج الإيجابية لذلك، فتتمثل في تخفيف العلاجات للمرضى وخفض التكاليف عليهم.
على عكس العلاج الكيميائي الذي يستهدف الخلايا السرطانية تقوم العلاجات الموجّهة على استهداف الخلايا المناعية
وفيما استُخدم الذكاء الاصطناعي في معالجة سرطان الثدي، يُفترض أن تستفيد منه حالياً علاجات أنواع أخرى من السرطانات. ومن بين الجوانب التي يُؤمَل أن تتطوّر، القدرة على اكتشاف الورم السرطاني في وقت مبكر جداً. ويقول أندريه في هذا الصدد إنّ "الولايات المتحدة أحرزت تطوراً في هذا المجال من خلال فحص الحمض النووي استناداً إلى اختبار دم بسيط، لكن لا تزال تُسجّل نتائج غير دقيقة في هذا النوع من الفحوص".
وقبل نشر هذه التقنية، تبقى الوقاية حتى اليوم أفضل طريقة لتجنب أنواع كثيرة من السرطانات. وبقي تشخيص السرطان محدوداً طوال قرون لم تكن تتوافر خلالها أي علاجات له، لكنّ هذا المرض شهد ثورة علاجية في غضون بضعة عقود. إلا أن الابتكارات، رغم تكاثرها، لم تحل محل العلاجات التقليدية.
ويعود تشخيص السرطان إلى زمن مصر القديمة، قبل أن يسميه الطبيب اليوناني أبقراط “كاركينوس”، أي سرطان البحر باليونانية. وقامت العلاجات الأولى في نهاية القرن التاسع عشر على العمليات الجراحية الهادفة إلى إزالة الورم.
ولا تزال الجراحة "سلاحا علاجيا مهما" اليوم، على ما يلاحظ أخصائي أمراض الدم والأورام رئيس مجمع مستشفيات معهد كوري في باريس البروفسور ستيفن لوغوي الذي يشير إلى أن “الجراحين يعالجون الكثير من الأورام (…) ومنها سرطان الثدي، وسرطان القولون، والساركوما” الذي يصيب خلايا النسيج الضامّ. لكنّ الجراحة هي أيضاً “بوابة لعدد كبير من أنواع السرطان، إذ يتوافر بفضلها نسيج أورام يتيح التشخيص”، على ما يشرح.
أما العلاج الإشعاعي فقد نشأ بفضل التقدّم الذي حققه عالم الفيزياء الألماني فيلهلم رونتغن الذي اكتشف الأشعة السينية عام 1895. ولا يزال العلاج الإشعاعي يلعب إلى اليوم دوراً رئيسياً، إذ أن أكثر من 70 في المئة من علاجات السرطان تشمل جلسات علاج إشعاعي. ويقضي هذا العلاج باستخدام أشعة (إلكترونات وفوتونات وبروتونات) لتدمير الخلايا السرطانية. ويتمثل الجانب السلبي لهذا العلاج في أن الأشعة تؤدي إلى إتلاف كل الأنسجة التي تمر من خلالها.
◙ الابتكارات تهدف إلى توفير أكبر قدر من الدقة وإيصال أقوى جرعة ممكنة من الإشعاع إلى الورم
ويحاول عدد من الابتكارات معالجة هذا الأمر، ومنها الإشعاع عالي الدقة والجرعات القوية. وشرح ستيفن لوغوي أن هذه الابتكارات تهدف إلى توفير "أكبر قدر من الدقة وإيصال أقوى جرعة ممكنة من الإشعاع إلى الورم، ولكن مع تجنب إصابة الأنسجة السليمة".
ويقوم العلاج الكيميائي على أدوية سامة للخلايا تتألف من جزيئات عدة، تؤدي هي الأخرى إلى تدمير الخلايا السرطانية. وتوفّر هذه العلاجات فاعلية كبيرة في حالة اللوكيميا الحادة مثلاً، مع أن الجانب السلبي فيها هو أنّ آثاراً جانبية قوية تنجم غالباً عنها، ومنها تساقط الشعر.
◙ الباحثون يمكنهم الاستناد إلى قدرة التقنيات الحيوية على تطوير عقاقير جديدة توافر معالجة أدق وتنطوي على آثار سلبية أقل
كما ثمة لقاحان للوقاية من الإصابة بأنواع السرطان الناجمة عن فايروسات، أحدهما ضد فايروس الورم الحليمي البشري، والآخر ضد التهاب الكبد "ب" (المسبب لسرطان الكبد). وأجريت الكثير من الأبحاث خلال السنوات الأخيرة في شأن "لقاحات علاجية"، وهي تقوم على إنتاج مستضدات للأورام بواسطة الحمض النووي الريبي المرسال أو الفايروسات تتيح تنشيط جهاز المناعة من خلال توليد الاستجابة المناسبة لدى المرضى المصابين بالسرطان.
وقد ساهم العلاج الاستهدافي طوال السنوات العشرين الأخيرة في تغيير حياة عدد كبير من المرضى، وهو عبارة عن جزيئات مشتقة من الكيمياء، مصممة خصيصاً لمنع أو وقف عمل آلية جزيئية ضرورية لتطور الخلايا السرطانية أو تكاثرها أو بقائها على قيد الحياة.
كما يشكّل العلاج المناعي التطور الثوري الأهم في السنوات الأخيرة. وهو ينطوي على تقوية جهاز المناعة لدى المريض لمساعدته على تعقب الخلايا السرطانية والقضاء عليها. ويعتمد العلاج المناعي على الأجسام المضادة الاصطناعية التي يتم إنتاجها مخبرياً. وثمة طرق عدة ممكنة للعمل، ومنها مثلاً استهداف هذه الأجسام المضادة بروتيناً موجوداً على سطح الخلايا السرطانية، إذ من خلال التمركز على الخلية المستهدفة، يتسبب الجسم المضاد في إحداث تأثير مضاد للورم، إما بشكل مباشر أو عن طريق تحفيز جهاز المناعة.
ويُعَدَّ علاج المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية علاجا خلويا، ويقوم على تعليم جهاز المناعة التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها. وتؤخذ خلايا الجهاز المناعي للمريض (غالبا الخلايا اللمفاوية التائية) وتُعدّل وراثيا في المختبر ثم يعاد حقنها في جسم المريض فيصبح في إمكانها استهداف الخلايا السرطانية.
◙ العلماء يعدّلون خلايا ليس مصدرها المريض نفسه بل ناقل سليم وراثيا
وبدأت شركات للتقنيات الحيوية العمل أيضا على مستقبلات خيمرية للخلايا التائية تُسمى خيفية. وفي هذه الحالة، يعدّل العلماء خلايا ليس مصدرها المريض نفسه بل ناقل سليم وراثيا. وثبتت فاعلية المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية في معالجة سرطانات الدم كالأورام اللمفاوية وأنواع معينة من سرطان الدم الحاد والورم النخاعي المتعدد. لكنّ هذا العلاج مكلف جدا.
ويشدد البروفيسور لوغوي على أهمية "الجمع بين كل هذه الأساليب والعلاجات الجديدة للحصول على خطة شخصية للمريض"، معربا عن تفاؤله بالقول "لقد تجاوزنا عتبة مهمة في فهمنا للخلية السرطانية. صحيح أن معاناة المصابين بالسرطان لا تزال قوية، لكنّ تقدما كبيرا جدا تحقق".
◙ تحسين فهم المرض أدّى إلى ظهور علاجات تستهدف طفرات جينية محددة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين
وعبر التاريخ الطويل لمرض السرطان، والممتد لأكثر من 3500 عام، حاول البشر على الدوام إيجاد علاج فعال ونهائي يقضي على المرض ويمنع تكرار حدوثه مرة أخرى. ولكن كانت كفة البشرية ترجح تارة، وكفة السرطان ترجح مرات، ومع كل علاج فعال أتت الأعراض الجانبية القاسية، التي في بعض الأحيان كانت أسوأ من المرض نفسه.
ولكن حان الوقت لبعض أنواع السرطان أن تُهزم هزيمة كاملة، إذ يبدو أن البشرية قفزت قفزة مهمة للغاية في معركتها الطويلة للغاية ضد السرطان، باستخدام أسلوب علاجي جديد نسبيا وفعال إلى حدٍّ غير مسبوق، على الأقل حتى هذه اللحظة.
وقد أثارت الدراسة المنشورة يوم الخامس من يونيو في دورية "ذي نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن" صخبا في الوسط العلمي، بعد أن انتهت نتائج إحدى التجارب السريرية لعقار "دوستارليماب" على مرضى “سرطان المستقيم الغُدّي" إلى نسبة شفاء 100 في المئة لكل العينات الخاضعة للتجربة، في نتيجة غير مسبوقة ولم تحدث من قبل في تاريخ دراسات مرض السرطان.
وأجريت الدراسة على مجموعة صغيرة من مرضى سرطان المستقيم في المرحلة الثانية أو الثالثة، الذين يعانون نقصا في جين "إصلاح عدم التطابق المتسبب في حدوث الورم، على أن يتناولوا جرعة كل 3 أسابيع لمدة 6 أشهر، تُتبع بجرعات من العلاج الكيمياوي أو الإشعاعي أو الجراحي إذا دعت الحاجة".
وتُمثِّل حالات نقص جين "إصلاح عدم التطابق" بين 5 و10 في المئة من حالات سرطان المستقيم، وهذا النوع تحديدا لا يستجيب جيدا للعلاج الإشعاعي أو الكيمياوي، مما يضطر الكثير من المرضى للخضوع إلى الحل الجراحي، باستئصال الورم والأنسجة المحيطة به، وما يترتب على ذلك من فقدان التحكم في عملية الإخراج والإضرار بالأعصاب المارة في المنطقة.
العلاج الجيني: قبل 90 يوما وبعدها
انشرWhatsAppTwitterFacebook