صادق الأحمر شيخ القبيلة في زمن الانحيازات الأيديولوجية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صادق الأحمر شيخ القبيلة في زمن الانحيازات الأيديولوجية

    صادق الأحمر شيخ القبيلة في زمن الانحيازات الأيديولوجية


    ورث عن والده تركة هائلة من التحالفات والتعقيدات الداخلية.
    الأحد 2023/01/15


    شيخ قبلي يعتمر عمامة الزعامة القبلية

    عدن - في منزل بحي الحصبة (شمال صنعاء) مزقته قذائف الصراعات السياسية التي شهدها اليمن خلال العقد الأخير، عاش الشيخ القبلي صادق الأحمر آخر سنواته عمره، قبل أن يغادر هذا المنزل ليقضي آخر أيام عمره لتلقي العلاج في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان حيث وافاه الأجل ليتم نقل جثمانه إلى صنعاء التي ووري فيها جسده الثرى بجوار والده في جنازة شعبية حاشدة.

    ولد الشيخ صادق الأحمر، وفقا للموقع الرسمي للعائلة، عام 1956 في قرية الخمري شمال غرب مدينة خمر بمحافظة عمران، وتلقى تعليمه الأولي في كتَّاب القرية، قبل أن ينتقل في العام 1965 مع أسرته إلى مدينة صنعاء، ليلتحق ببعض المدارس الحكومية لفترة وجيزة.

    سافر بعدها إلى مصر، حيث درس في مدينة طنطا بعض الفصول الابتدائية، غير أن مقامه لم يطل كثيرا في مصر على إثر الخلاف الذي نشب بين والده ومصر، ليعود قافلا إلى صنعاء مرة أخرى، فيما ظل يتردد مليا على القاهرة التي حصل منها على شهادة الثانوية العامة من مدرسة “الأورمان” الشهيرة.

    عرف عن صادق الأحمر الخلو من عقد الأيديولوجيا بالرغم من انتمائه لحزب الإصلاح، لكنْ وجد نفسه أمام سيل من التحولات ترافق مع رحيل والده واختلال العلاقة بين القبيلة والسلطة

    وقد تخللت مسيرة صادق الأحمر الدراسية فترات متقطعة من العمل السياسي ومزاولة الشؤون القبلية إلى جانب والده، وخصوصا في المحطات الأكثر توترا بين والده والرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي الذي سعى لتحجيم دور القبيلة في الشأن السياسي للدولة.

    أما أكبر مهمة حقيقية يتولاها صادق بتكليف من والده الشيخ عبدالله الأحمر فقد كانت مشاركته على رأس جموع من قبيلة حاشد في أحداث ما تعرف بالمناطق الوسطى في محافظة إب بين عامي 1981 و1982 والتي اندلعت بين مقاتلين مدعومين من النظام الاشتراكي في جنوب اليمن والسلطات الحاكمة في صنعاء التي تعزز فيها خلال تلك المرحلة التحالف الثلاثي بين النظام العسكري والقبلي ورجال الدين والذي ظل مستمرا لعقود بعد ذلك.

    ومن الزوايا الخفية في سيرة الشيخ الراحل صادق الأحمر التي لا تعرف على نطاق واسع، في ظل صورته النمطية الطاغية كشيخ قبلي يعتمر عمامة الزعامة القبلية، هي دراسته للطيران المدني لمدة أربع سنوات في الولايات المتحدة، قبل أن يعود مجددا إلى اليمن للانخراط بشكل واسع في العمل السياسي.

    فاز في انتخابات العام 1988 في مجلس الشورى اليمني، كما شارك في أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة اليمنية وفاز بعضوية مجلس النواب عام 1993 وأعيد انتخابه في العام 1997، غير أنه منع من الترشح في انتخابات العام 2003 بأمر من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح نتيجة قيامه بصفع أحد مسؤولي السلطة المحلية في محافظة عمران بسبب خلافات حول إدارة العملية الانتخابية، وعاد الرئيس علي عبدالله في العام 2005 لتعيينه عضوا في مجلس الشورى.
    مرحلة عصيبة



    الشيخ صادق الأحمر أيام التحالف مع علي عبدالله صالح ما قبل احتجاجات 2011


    رافق صادق والده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ قبيلة حاشد والذي كان ممثلا للقبيلة اليمنية ورمزا لها في كل مراحل الصراع والتوازنات السياسية التي تلت سقوط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري في شمال اليمن، غير أن شخصية الأحمر الوالد ظلت طاغية ومهيمنة، ولم تترك لأي من أبنائه فرصة للحضور السياسي والقبلي، حتى وفاة الشيخ الأحمر في ديسمبر من العام 2007 وانتقال قيادة قبيلة حاشد إلى ابنه الأكبر صادق الذي وجد نفسه أمام تركة كبيرة من العلاقات الداخلية والإقليمية المعقدة وبمحاذاة عشرة من الإخوة المتمردين والعصيين على التطويع، كما كان الأمر في حياة أبيهم.

    طغت كاريزما الشيخ عبدالله الأحمر َوخبرته التي امتدت لعقود حتى بعد وفاته، على شخصية خليفته الذي حاول كما يبدو تقمص شخصية والده والحفاظ على إرثه، لكنه لم يستطع ملء تلك المكانة التي جمعت بين تعقيدات القبيلة اليمنية كشيخ لأكثر قبائلها تأثيرا في الشمال ودهاليز السياسية التي جمع فيها والده بين قيادته لأكبر أحزاب المعارضة (حزب الإصلاح) والحفاظ في ذات الوقت على علاقة مشوبة بالحذر مع الرئيس السابق وحزبه الحاكم، إلى جانب العلاقات الإقليمية التي كان دور الشيخ عبدالله الأحمر فاعلا فيها.

    أكبر مهمة تولاها صادق الأحمر بتكليف من والده كانت مشاركته في أحداث المناطق الوسطى في محافظة إب بين عامي 1981 و1982

    على الصعيد الشخصي عرف عن الشيخ صادق الأحمر البساطة والتلقائية والخلو من عقد الأيديولوجيا على الرغم من انتمائه السياسي إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح. كما كانت من أبرز سماته العفوية والشجاعة، غير أنه على الصعيد العام وجد نفسه أمام سيل من التحولات والتحديات التي ترافقت مع رحيل والده واختلال العلاقة التقليدية بين القبيلة والسلطة وهي الأمور التي تفاقمت يوما بعد يوم وبلغت ذروتها في العام 2011 حين تعرضت قبيلة حاشد لحالة انقسام هائلة، مع توزع ولاءاتها بين الرئيس علي عبدالله وحزبه وبين فريق آخر قرر الانحياز للأيديولوجيا وأعلن انضمامه إلى الحراك المطالب برحيل النظام الذي قاده حزب الإصلاح.

    تصدّر خلال تلك المرحلة اسم الشيخ حميد الأحمر قائمة الصقور الذين تزعموا مطالب إسقاط النظام واستطاع في نهاية الأمر أن يدفع شقيقه الأكبر صادق لتبني نفس الموقف على مضض وهو التحول العنيف الذي قطع شعرة معاوية الأخيرة بين الرئيس علي عبدالله وبيت الأحمر وتسبب بما عرف لاحقا بأحداث حي الحصبة شمال صنعاء حيث بيت الشيخ الأحمر الذي تعرض لقصف مفاجئ في مايو 2011 بالتزامن مع وصول لجنة وساطة كانت تسعى لفك الاشتباك السياسي بين الرئيس علي عبدالله وبين آل الأحمر بقيادة صادق الذين انضموا إلى المطالبات برحيل النظام، في موقف يقول مراقبون يمنيون بأن الشيخ عبدالله الأحمر لو كان على قيد الحياة لما اتخذ مثل هذا الموقف وفضل التزام الصمت في أسوأ الأحوال، مذكرين بموقفه في انتخابات 2006 الرئاسية عندما أعلن دعمه لترشيح الرئيس علي عبدالله مخالفا موقف حزبه الإصلاح الذي كان يرأسه والذي تبنى حينها دعم مرشح المعارضة فيصل بن شملان.

    خرج صادق الأحمر في أول صورة بعد قصف منزل والده في الحصبة متوعدا بأنه سيخرج الرئيس علي عبدالله من اليمن حافي القدمين على حد تعبيره ورفض مغادرة المنزل الذي يمثل رمزية والده، وخاض هو وإخوته والمئات من أفراد قبيلته حرب شوارع في مواجهة قوات الأمن اليمني امتدت لأسابيع وتسببت في دمار هائل لحق بالمقرات الحكومية التي كانت تتركز في منطقة الحصبة.
    تداعيات غير متوقعة



    صادق الأحمر غادر خانة الحياد وإمساك العصا من المنتصف وتحول إلى مرجعية قبيلة وسياسية أسوة بوالده الذي كان يخوض حربا ناعمة مع الرؤساء اليمنيين


    غادر صادق الأحمر خانة الحياد وإمساك العصا من المنتصف والتحول إلى مرجعية قبيلة وسياسية أسوة بوالده الذي كان يخوض حربا ناعمة مع الرؤساء اليمنيين وكان يعود إلى مسقط رأسه في الخمري بمحافظة عمران عندما تسوء علاقته بالسلطات، حيث يلوذ بالصمت وينتظر التحولات التي تعود به إلى الواجهة على ظهر تحالف جديد يكون ممثلا فيه للقبيلة اليمنية وثقلها السياسي، غير أن ابنه صادق قرر أن يخوض الصراع مع سلطة الرئيس علي عبدالله في عقر دارها، متأثرا بأفكار شقيقه الأصغر حميد الأحمر المسكون بأيديولوجيا الإخوان وذهنية المقاومة والثورة والتي لا تخلو من أحقاد شخصية متراكمة ضد الرئيس علي عبدالله وأسرته في إطار الصراع على تقاسم السلطة والثروة.

    وفي سياق هذه المواجهة تحولت المواجهات السياسية إلى حرب مشتعلة في قلب العاصمة وانتهت بحادث جامع دار الرئاسة الذي أصيب فيه الرئيس علي عبدالله َوقتل عدد من المقربين منه وتوجهت أصابع الاتهام في هذه الحادثة لجماعة الإخوان وقيل إن آل الأحمر نقلوا النار التي اشتعت في منزل

    والدهم بالحصبة إلى عقر دار الرئيس علي عبدالله الذي تأثرت كل مواقفه السياسية بشكل عنيف وحاد نتيجة لهذه الحادثة التي قيل إنها مزقت روحه وجسده معا.
    أخطاء فادحة



    الشيخ عبدالله الأحمر، والد صادق الأحمر، علاقة مشوبة بالحذر مع علي عبدالله صالح


    في خضم هذه الفوضى العارمة وتفكك إرث التحالفات والعداوات بين القبيلة والسلطة في اليمن ارتكب الشيخ صادق الأحمر العديد من الأخطاء الإستراتيجية من بينها دفاعه عن الحوثيين في حوار على قناة الجزيرة، مؤكدا أن الرئيس علي عبدالله هو سبب حروب صعدة وأنه كان يسعى للفتنة بين القبائل والحوثيين، وهي المواقف التي تبين أنها لم تكن صائبة بعد أن اجتاح الحوثيون صنعاء في سبتمبر 2014 واقتحموا منزل الشيخ الأحمر وسعوا لإذلاله عبر فيديو يصور لحظة الاقتحام، وإخباره بأنه بات في حماية عبدالملك الحوثي.

    لم يكن هذا الحادث مفاجئا، فقد خاض آل الأحمر مطلع العام 2014 مواجهة عنيفة مع الحوثيين في مسقط رأسهم بقرية الخمري في عمران وهي المواجهات التي انتهت بتفجير منزل العائلة التاريخي، وبات من المؤكد أن الإذلال الذي تعرضت له العائلة في مسقط رأسها كان من تداعيات الصراع في 2011 وتشظي القبيلة، إضافة إلى الدور غير الخفي الذي لعبه الرئيس علي عبدالله بدافع الانتقام من خصومه آل الأحمر عبر التأليب عليهم وحث أنصاره من شيوخ قبيلة حاشد على عدم الاصطفاف مع آل الأحمر في مواجهتهم مع الحوثيين التي انتهت في فبراير 2014.

    ولم تقطع أحداث العام 2011 وتداعياتها نسيج العلاقات التقليدية بين آل الأحمر والرئيس علي عبدالله فقط، بل امتدت فوضى المواقف غير المحسوبة التي اجتاحت البلاد على العلاقات الإقليمية التي رسخها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر خلال عقود وخصوصا مع المملكة العربية السعودية، وهي العلاقة التي تعرضت لهزة عنيفة نتيجة التصريحات التي أطلقها حميد الأحمر في خضم النشوة الثورية التي قادها تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن والمنطقة والتي طالت شراراتها قيادات دول الجوار التي اتهمها حميد في إحدى تصريحاته النارية التي كان يطلقها بكثافة خلال ذلك العام بأنها تتآمر على ثورات الشعوب العربية من غرف الإنعاش!

    طغت كاريزما الشيخ عبدالله الأحمر َوخبرته التي امتدت لعقود حتى بعد وفاته، على شخصية خليفته الذي حاول كما يبدو تقمص شخصية والده والحفاظ على إرثه، لكنه لم يستطع ملء تلك المكانة

    وبعد انجلاء غبار المعركة السياسية والعسكرية المحدودة التي شهدتها صنعاء في العام 2011 تكشفت للشيخ صادق الأحمر فداحة الخسائر التي ألحقتها مواقف شقيقة حميد بعلاقات والدهم مع الرياض التي كانت تولي شيخ مشايخ حاشد رعاية خاصة.

    وفي أول زيارة خارجية إلى الرياض قام بها الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي الذي جاء للسلطة خلفا للرئيس علي عبدالله بموجب المبادرة الخليجية لحق صادق الأحمر بالرئيس عبدربه منصور إلى سلم الطائرة وطلب منه أن يلطف الأجواء مع السعودية وأن يذكر العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالعلاقة التي كانت تربط والده بالمملكة وهو الأمر الذي تم فعلا غير أن الأوان كان قد فات على إصلاح ما أفسدته تصريحات حميد الأحمر وانحيازاته الأيديولوجية، التي وضعت تركة والده السياسية التي ورثها شقيقه صادق على المحك.

    وتشظت مواقف قبيلة حاشد على صخرة الانقسام السياسي الذي شهده اليمن في تلك الفترة، ووصلت العلاقة بالسلطة ورئيسها علي عبدالله صالح إلى مرحلة تجاوزت كسر العظم، بينما تعرضت علاقات آل الأحمر خارج اليمن إلى هزة عنيفة لم تشهد لها مثيلا منذ عقود، حدث كل ذلك في وقت واحد،

    وبحالة من الفوضى التي لم يكن صادق الأحمر قادرا على مواجهتها، في ظل الضغوط والإرباك الذي تسببت به مواقف بعض أشقائه، بالرغم من محاولاته التماسك والتزامه بموقف هادئ ولكنه مبدئي في ذات الوقت ضد كل ما نتج من تداعيات أتت بالحوثيين إلى صنعاء.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    صالح البيضاني
    صحافي يمني
يعمل...
X