ليلى مريود تقاوم العنف باحثة عن خيال الجمال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليلى مريود تقاوم العنف باحثة عن خيال الجمال


    ليلى مريود تقاوم العنف باحثة عن خيال الجمال


    صانعة مزاج جمالي حيوي.


    فنانة تضع العاطفة في آخر اهتماماتها

    في عالم صرتُ أعرفه جيدا، هو عالم الفن التشكيلي في العالم العربي، صار من الصعب بالنسبة إليّ أن تكون هناك مفاجأة تدفع بي إلى الشعور بالأمل، وإن كنت أدرك أن هناك وقائع لم أطّلع عليها بسبب أن المرء لا يمكنه أن يعرف كل شيء.

    كنت أظن أن زمن المفاجآت قد انتهى إلى أن ظهرت ليلى مريود عن طريق الصدفة أمامي. إنها رسامة ونحاتة ومصورة وفنانة أداء جسدي ومصممة أزياء ومجوهرات تضع المفاجآت السارة تحت إبطيها.
    استعمال الحواس


    الأشياء تسيل تحت يدي الفنانة ولكن الوجوه هي أكثر المرئيات التي تحظى بولعها إذ لا تميل إلى فكرة القناع

    تمشي مريود على خشبة مسرح خيالي وهي تنظر إلى عالم هو مزيج من واقع نعيشه وواقع نتخيله. ما تفعله هو العبث بحرية وخفة بالحدود الرملية التي تفصل بين العالمين. فهي تصور نساء في عالمهن الخاص. لكن الصور التي تنتجها تكشف عن رؤية تقع بين ما تراه وما تتخيله. في ذلك ما يمكن للمرء أن يضع حواسه المباشرة على الرف. يحتاج المرء لكي يرى المشهد كاملا إلى معالجة الصور من خلال حدسه.

    في النحت تتصرف في سياق قوانين الفن المعاصر. فهي تجهّز وتركّب. تفكّر في المسافة بين جزء وآخر وتملؤها بالأسئلة. لا تترك فراغا إلا وتؤثثه.

    لن يكون النظر إلى منحوتاتها شيقا ومريحا بل هو فعل شاق. “لقد أجّلت عرض ذلك العمل لئلا أعذبك” تقول وهي تعرف أنها تستعرض عذابات الإنسان من خلال منحوتاتها التي يمكن اعتبارها نوعا من التركيب الذي يجهّز محتوياته من خلال تأمل لا تتخلله العاطفة.

    هذه فنانة تضع العاطفة في آخر اهتماماتها.

    تسيل الأشياء تحت يديها. ولكن الوجوه هي أكثر المرئيات التي تحظى بولعها. لا تميل إلى فكرة القناع بقدر ما تجد في الوجه تعبيرا عن علاقة سيكون المرء على انسجام مع نفسه من خلالها.

    ما الذي لا تعرفه عن العنف؟ العنف ليس فكرة تجريدية. لا توحي أعمال الفنانة بالعنف بل هي تضعه على الواجهة في إشارة إلى علاقة الفرد بذاته وبالعالم على حد سواء. العنف هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن التستر عليها ذلك لأنها تخترق كل العلاقات. علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المواطن بالسلطة وعلاقة الدول بالعالم. العنف هو الخيط الذي يربط متاهة بأخرى من متاهات الإنسان المعاصر. ليلى مريود تجوب تلك المتاهات وتُحضر منها الأشلاء والعظام والوجوه التي يمكن أن تستعملها في أجمل العروض وأكثرها إثارة.
    شظية جمال خفي


    منحوتات تستعرض عذابات الإنسان كأعمال يمكن اعتبارها نوعا من التركيب الذي يجهّز محتوياته عبر التأمل

    ولدت ليلى مريود في دمشق عام 1956. تخرجت في مدرسة الفنون الجميلة بدمشق والمدرسة الوطنية للفنون الزخرفية في باريس عام 1986، وعاشت وعملت في باريس منذ عام 1981. مصورة ورسامة ونحاتة.

    أقامت أول معرض شخصي لها في دمشق عام 1980. في عام 1987 أقامت أول معرض شخصي لها في باريس وقدمه الشاعر العربي الكبير أدونيس.

    صنعت مريود العديد من المجوهرات. مجموعات قدمت خلال العروض المختلفة (مؤسسة شومان ، متحف غاليرا ، معهد العالم العربي).

    يمكن العثور على أعمالها التصويرية في المجموعات العامة مثل المتحف البريطاني، ومتحف غاليرا، ومعهد العالم العربي بباريس، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وغاليري كلود ليمان، ووزارة الثقافة بدمشق، ومؤسسة المنصورية بالسعودية، ومؤسسة شومان، ومؤسسة الأتاسي، ومتحف Caudresien للدانتيل والتطريز… وفي عدة مجموعات خاصة في جميع أنحاء العالم.

    تلك سيرة عملية وليست فنية. خارجية وليست داخلية. فالفنانة التي وهبت مخيلتها لأنواع فنية امتزجت من خلالها عاطفتها الإنسانية بفكرتها عن العنف الخفي الذي سعت إلى كشفه من خلال منحوتاتها التي يغلب عليها طابع التركيب. ولكنها في الوقت نفسه كانت قد خصصت جزءا من وقتها لمفردات جمال مقنع. جمال ملقى به من الخارج ليخترق مثل شظية بشرة الجسد الإنساني ويفجر مكامن الجمال الداخلي.
    الحرية فعل اكتشاف



    اكتشاف قلب المادة


    ليلى مريود فنانة جسد بالدرجة الأساس. في الرسم والتصوير والنحت على حد سواء. ليس الجسد بالنسبة إليها موضوعا مرئيا من الخارج بل هو المادة التي تعالج من خلالها أفكارها عن الوجود الإنساني. أن يرتطم المرء بعلامات استفهام متلاحقة وهو ينظر إلى أعمالها النحتية فذلك أمر عادي متوقع.

    أن تسأل هو ما يُشعر مريود أن أعمالها قد حققت بعضا من أهدافها. صحيح أن هناك ما يُخيف. ذلك لأن السؤال نفسه يبدو ممزقا بسبب العنف. غير أن الصحيح أيضا أن الفنانة تشعر من خلال فزع المتلقي أنها نجت من تأثيرات الجانب التزييني الذي التهم جزءا من حياتها العملية. مَن يرى ليلى مريود في أعمال الأداء الجسدي سيقف عند حدود عالمها رسامة ومصورة فوتوغرافية من غير أن يتمكن من اختراقه.

    تعيش مريود في قلب المادة المستعملة وما تُلقيه على منحوتاتها من مواد إنما يحمل شيئا من روحها التي تسعى إلى أن تتجرد من كل شيء في الرسم والتصوير.

    بالنسبة إلى مريود ليس من شأن العمل الفني أن يكتمل ليحقق أثره. ما ترسمه وما تنحته وما تصوره هو الزمن الذي لا يمكن التحقق من نفاد حيويته إلا إذا سعى الفنان إلى التخلي عنها وهو ما لا تفعله الفنانة. لذلك فإن المرء يشعر حين النظر إلى أعمالها بأنها (الأعمال والفنانة على حد سواء) ما تزال تعيش في قلب الصدمة ولم تغادرها. تلك علاقة تفاعلية وليست تأملية. بمعنى أن كل شيء في عالمها لا يمكن تجريده من علاقات داخلية هي في طور التفاعل ولا تقف عند حدود الأثر العياني.

    تلك فنانة ترافق الإنسان في مختلف صور مصيره. تمشي بذائقتها الجمالية في مناطق خطرة، فيها من الفزع والخوف بقدر ما فيها من الموقف الإيجابي الصارم الذي لا ينطوي على مسلمات من نوع الانحياز النظري إلى المرأة على سبيل المثال. فعل الحرية بكل مخارجه المدهشة في مسراتها الثقيلة في عذاباتها هو ما يهمها وما يشعل فيها الرغبة في المعرفة.

    تكتشف مريود العالم من خلال تجربة اصطدام الإنسان بتداعيات حريته.
    جمال ثمين لذاته



    النظر إلى العمل الفني فعل شاق


    “لأعمال ليلى مريود مظهر متجانس تطرقه بوسائل تعبير متعددة الوجوه. فصورها وحليّها المنحوتة تستطلع الحدود بين الجمال والرغبة، وبين العنف ومقاومة العنف.. تلك الأعمال هل هي دروع؟ هل هي حليّ؟ إنها أشياء لمكافأة النظر في كل مرة يرنو إليها” ذلك ما كتبته الناقدة أريكا فاغنر في صحيفة التايمز البريطانية.

    أما ليلى فإنها تقول عن توزعها بين فنون، قد تبدو من الخارج متناقضة «قبل أي شيء أنا فنانة تشكيلية وحفارة، الطباعة على المعدن، حيث كان هذا تخصصي في كلية الفنون الجميلة بدمشق وفي باريس. توجهي لتصميم الحليّ كان نوعا من الرغبة في أن أعالج المواد بطريقة مختلفة، وأن أوجد طريقة لمشاهدة خاصة لما أراه، ولعلاقتي بالمادة والضوء وبالمرأة وجسدها”.

    وتضيف “لم يكن يهمني تصميم حلية مصنعة من مواد ثمينة لكي أوصلها إلى السوق لبيعها، فهذا لم يكن همي مطلقا، فالمهم بالنسبة إليّ، كان إيجاد حلية لها علاقة ببشرة المرأة وأن تكون امتدادا لجسدها، باستخدام مواد غير ثمينة وتحويلها إلى عمل فني. كان همّي أيضا أن أوجد عملا يمزج النحت والتصوير، ويكون بعيدا عن مفهوم الحلية التقليدية”.
يعمل...
X