"زاوية صعبة".. فيلم يسلط الضوء على عمالة الأطفال في سورية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "زاوية صعبة".. فيلم يسلط الضوء على عمالة الأطفال في سورية

    "زاوية صعبة".. فيلم يسلط الضوء على عمالة الأطفال في سوريا


    أيهم عرسان لـ"العرب": لا بد من سينما تشبهنا وتتكلم عن قضايا مجتمعاتنا.
    السبت 2023/02/25


    فيلم ينقل قصصا واقعية

    كثيرا ما تواجه الحياة الناس بقسوة مفاجئة وتتركهم في مهب تغيرات اجتماعية وإنسانية كبرى. منها تلك التي تجبر الأطفال على العمل وتحمل مسؤولية رعاية أسرهم. ويأتي فيلم “زاوية صعبة” للمخرج السينمائي السوري أيهم عرسان ليتناول هذه التجربة من منظور سينمائي يسلط الضوء على خطورة المسألة.

    دمشق - زاوية صعبة هو مصطلح كروي شائع، كان رمزا لفيلم روائي قصير، هو أول إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في سوريا للعام الحالي، وقدمت فيه ظاهرة اجتماعية آنية تتعلق بعمالة الأطفال ومخاطرها على حياة الأطفال والأسر في المجتمع السوري.

    بطل الفيلم، صار رجلا ومسؤولا عن أسرة، بعد وفاة والده، وقبل أن يكبر فيزيولوجيا صار معنيا بالتزامات حياتية ثقيلة ومرهقة، أجبرته على ترك رفاقه الذين كان الأمهر بينهم في لعبة كرة القدم، لكن ظروف الحياة أجبرته على الذهاب إلى سوق العمل لإعالة أسرته.

    بنى مخرج الفيلم ومؤلفه أيهم عرسان مضمون حكاية الفيلم على منهجية محددة تكونت لديه من خلال سبر أغوار المجتمع، ومن ثم التقاط مجموعة أفكار صاغها في نسيج روائي وصل به إلى منجز سينمائي متكامل.
    قضايا المرأة



    الأم تعالج ما يفسده المجتمع


    يبين عرسان في تصريح لـ”العرب” عن تناوله موضوعات سينمائية خاصة تتعلق بعالمي الطفل والمرأة فيقول “هذا الخيار كان رهانا بالنسبة إليّ، لدينا في المجتمع السوري قضايا عديدة ومتنوعة، وهو مجتمع غني بالتفاصيل التي يمكن أن تقدم بطروحات فنية كثيرة. هذه المواضيع التي تخص الطفل والمرأة حُكي عنها بطريقة غير مكتملة أو وجهة نظر ضيّقة ومحدودة، لذلك أحببت أن أتحدث عنها بطريقتي الخاصة”.

    ويوضح “أنجزت أفلاما سابقا عن المرأة وعن الأطفال ترجمة لتقديم رؤيتي في ضرورة الحديث عنهما بشكل جيد، والظاهر أن العاملين في الفن الروائي السوري لا يهتمون بصياغة عوالم الطفل والمرأة إلا من خلال السطح، فخطوطهم الدرامية ليست أساسية بل داعمة لغيرها فقط على حساب عمق شخصياتهم. وغالبا ما تكون عوالمهم أدوات لخدمة شخصيات أخرى، وهذا واحد من الأسباب التي جعلتني أتجه إلى المرأة والطفل في السينما التي أعمل عليها”.

    وعن رأيه في تناول السينما في سوريا لموضوعة المرأة يقول “النساء فئة صامتة في مجتمعنا نتيجة تقاليد راسخة وقوة العادات التي فرضت عليهن هذا السلوك، حتى صارت المرأة تميل للانكفاء ولا تقدم على البوح عن ذاتها. يهمني أن أتعرض للمرأة في تفكيرها والتعبير عن ذاتها، ضمن آلية ومنهجية محددة وفعالة تحقق إظهار ما تعانيه وتفكر فيه. مجتمعنا حيوي وفيه حالات اجتماعية كثيفة، والكاتب عليه أن يمعن النظر في الحالات المتكونة أمامه، ويجب أن يكون قادرا على سبر أغوار المجتمع لاستنباط كوامن الشخصيات”.

    ويشرح “أنا لست طفلا الآن، لكنني كنت طفلا ولديّ طفلة، وأعرف أطفالا وأهلهم في المجتمع القريب مني، ومن خلال كل ذلك، يمكن أن أعرف ماهية تجربة محددة تحيط بطفل ما، لأبدأ بعدها بدراستها والتعرف عليها بعمق، حتى يمكن أن أكتب عنها، مستندا إلى معرفتي بعالم الطفل وخبرتي الحياتية التي اكتسبتها في مسيرة الحياة، ومن ثم إخضاع كل تلك المسألة لمعيار التجربة والتفاعل مع عالم الأطفال بما لديه من عمق وخصوصية”.

    وعن تناول موضوعات متعلقة بالمرأة يتابع “بنفس هذه الآلية يمكن أن نقدم موضوعات عن المرأة التي هي الشريكة في الحياة كأمّ وحبيبة وزوجة وزميلة وأخت وغير ذلك. أشعر أن هذه الشخصيات التي أوجدها بعد المعاينة والتجربة تصبح ذات كيان خاص وتأخذ شكلا روحيا خاصا بها، وتمتلك وجودا ماديا واضحا. فبعد أن أحدد القالب الدرامي الذي أود الكتابة فيه ينشأ حوار بيني وبين تلك الشخصيات، بين منطقي ككاتب وبينها كشخصيات مستلقة، ومن هنا ينشأ الحوار. هذه الآلية التي يمكن أن نكتب بها عن المرأة والطفل يمكننا أن نكتب بها عن مواضيع الذكور ونستعرض معاناتهم وأمور حياتهم بشكل عميق وواف كما يمكن أن نعالج بها أيّ فكرة موازية”.
    عمل الأطفال والتنمر



    مسؤولية صعبة على طفل صغير


    تضمن الفيلم في بنيته الروائية قصة الطفل الذي فقد والده واستعرض في الخلفية قضية التنمر التي يعاني منها بعض الناس في المجتمع، وهي موضوع حساس اجتماعيا. عن أهمية تضمين هذه الجزئية في الفيلم يبيّن المخرج “موضوع عمالة الأطفال هام وخطير، وهو طاغ الآن في المجتمع السوري، بسبب ظروف الحرب والضغط المالي الذي يعاني منه الناس. الفكرة تقوم على أن طفلا تحول في لحظة مفاجئة إلى رجل ملتزم بإعالة أسرته، وهو لا يعيش طفولته بشكل سوي، فبدل أن يستمتع بطفولته وعوالمها، يدخل عالم الكبار قبل أن ينضج عقليا وجسديا. هذا الظرف كاد يقضي على طفولته لولا التماسك الأسري وحضور الأم كداعم لابنها وحامية له من التنمر”.

    ويضيف عرسان “قضية التنمر تؤدي إلى كسور حادة في نفسية الأطفال، وهو موضوع حاولت من خلال الفيلم إلقاء الضوء عليه مبينا الأثر الذي يتركه على الاثنين، القائم بالفعل والشخص الذي تعرّض له، والموضوع في حاجة إلى المزيد من العمل لكي يأخذ حقه في الظهور الفني الدرامي، لأنه يحدث بكثرة في مجتمعاتنا وعلينا مقاومته”.

    ويشدد المخرج على ضرورة الاهتمام بدراما العائلة والطفل قائلا “أرجو من القطاع العام في سوريا الاهتمام بالأفلام الموجهة للطفل والأسرة، وهو موضوع سيلاقي الاهتمام العربي، كما حصل سابقا في الدراما السورية التي نجحت عربيا لأنّ لها خصوصية تعنينا، لكنها قدمت للجمهور العربي ولاقت نجاحا كونها تشبه المجتمعات، لذلك يجب أن نلقي الضوء على مشاكل الأطفال في سوريا، خاصة في ظل العولمة وانتشار المنتج الغربي الذي جعلنا مستهلكين لأعمال سينمائية ودرامية لا تشبهنا”.

    ويقدم الفنان عاصم حواط، بعد فيلمين طويلين مع باسل الخطيب ودريد لحام وآخرين قصيرين، في هذا الفيلم شخصية الوالد الذي رحل مبكرا وترك ابنه اليافع في مواجهة مخاطر الحياة.

    عن هذا الدور وإسهامه عموما في فن السينما يقول لـ”العرب”، “كان هاما بالنسبة إليّ أنه فيلم يتحدث عن عالم الأطفال، البعض يرى أن العمل للطفل سهل لكنني أراه الأصعب، والحديث عن أمر صحي يصنع أجيالا مبنية على أسس متينة. شعرت بهذه المسؤولية عندما عملت في مسرح الطفل، رغم أنها كانت أعمالا قليلة وغير مدروسة بشكل صحيح. عندما عرفت أن الفيلم موجه للأطفال وافقت، وعندما قرأت النص عرفت أنه ينطلق في العمل بمسؤولية حقيقية”.


    يجب أن نلقي الضوء على مشاكل سوريا، خاصة في ظل انتشار المنتج الغربي الذي جعلنا مستهلكين لأعمال لا تشبهنا


    وأكمل “الفكرة المطروحة مهمة وجوهرية، ففي العالم الثالث، عمالة الأطفال منتشرة بكثرة، وهي موضوع يجب تسليط الضوء عليه. تكثيف الحالة في الفيلم جعلني أوافق على العمل فورا، إضافة إلى حبي الشديد للسينما. البطولة في الفيلم هي للأطفال وأنا ضيف شرف، فالبطل طفل صار رجلا في مرحلة مبكرة من عمره، وهو يحاول أن يجد مخرجا لحياته وأسرته من أزمة مفاجئة ستصاحبه كل عمره. وأرى أنه يجب على المؤسسات الأهلية والرسمية المساهمة في دعم أفراد العائلات الشبيهة في المجتمع، لأنهم يحتاجون إلى المساعدة ويجب أن نكون معهم”.

    وعن تجربته في عالم السينما عموما يقول حواط “لي تجارب عديدة في الفيلم القصير، فأنا من عشاق السينما، كثيرا ما أرى أن فيها تقصيرا في الحديث عن محيطها، ليست هنالك عناية بتنشيط دور العرض مثلا. واضح عناية البعض بإنجاز أفلام للمهرجانات، لذلك أشعر أن جماعة السينما متقوقعون على أنفسهم، يعملون دائما من خلال علاقات شبة محدودة تحيط بهم، والعمل الفني السينمائي يجب أن يكون منفتحا على الجميع وأن يساهم الجميع فيه كما في الدراما، أرحب بالعمل في السينما وخاصة مع المخرجين الشباب، وأنا متحمس لهذه المحاولات الجميلة، وأرى أنها ستكون ناجحة للسينما السورية في المرحلة القادمة”.

    ويتحدث بطل الفيلم، غدي العقباني، وهو طفل يافع في الصف الثامن يقدم أول تجربة سينمائية له بعد مشاركات في مسرح الطفل، عن تجربته “زاوية صعبة” لـ”العرب” فيقول “أحببت أن الطفل لم يتخلّ عن أهله عندما احتاجوا الدعم، فعندما مات والده ترك لعب الكرة مع أصدقائه وصار يعمل لكي يؤمّن للأسرة بعض الطعام والحاجات الضرورية، وهو بذلك قدم تضحية كبيرة، كونه تخلى عن دراسته وعرّض مستقبله للخطر. علم أن العالم من حوله تغير فكان مضطرا للتغير معه”.

    وعن صعوبات العمل السينمائي يقول ” كانت الأجواء جيدة، فريق التصوير يتعامل معنا بلطف، المخرج يقوم بشرح أفكاره لي بشكل مفصل وهادئ، ثم أقوم أنا بالعمل، هي تجربة أحببتها وأتمنى أن تكون ناجحة”.

    يذكر أن الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وهو من تأليف وإخراج أيهم عرسان، شارك في التمثيل الطفل غدي العقباني وعاصم حواط وياسمين جباوي.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    نضال قوشحة
    كاتب سوري
يعمل...
X