فيلم "الطاقة المخملية".. حين تتحول الأعمال الفنية إلى أرواح قاتلة
ألوان ومنحوتات تحركها غريزة القتل لتبيد كل بشري من حولها.
نسخة من لعنة إكسورسيت بشكل ما
هل فكرت يوما أن الأشياء من حولك قد تصبح قاتلة؟ وربما تتحول الأعمال الفنية المنتشرة في المعارض إلى طاقة موت رهيبة تلاحق البشر في المساحة المخصصة للعرض؟ كل هذه الأفكار يصورها فيلم “الطاقة المخملية” الذي يقدم لنا نظرة سينمائية غير متوقعة على عالم الفن التشكيلي.
في الحس والإبداع الفني هنالك تكامل فريد ما بين العمل الفني في حد ذاته وبين من يتلقاه سواء أكان ناقدا فنيا جماليا متذوقا أو متلقيا عابرا. وفي كل الأحوال هنالك في العمل الإبداعي تلك الطاقة الكامنة المخبأة المختزنة.
هذه المقدمة تنطبق على فيلم “الطاقة المخملية” للمخرج دان غيلروي، فيلم مليء باللوحات والألوان وحشود من متذوقي فن الرسم والمروجين له والنقاد، فضلا عن التجار والسماسرة الذين يروجون للأعمال الفنية.
ذلك هو المدخل إلى المجتمع المخملي وأجواء الرسامين، وفيما يبرز في المقدمة الناقد الفني مورف (الممثل جاك غيلنهال) فيا لذلك العالم العجيب الذي يغدق فيه المبدع أقصى ما في مخيلته الإبداعية لتتحول رؤاه إلى ألوان وسطوح وخطوط وتكوينات، ثم لوحة جامدة على الجدار ثم تجارة لبيع تلك الألوان والخطوط.
إذا قال مورف، الناقد الفني اللامع، فصدقوه فهو قادر على رفع قيمة عمل فني ما والحط من آخر بجرة قلم، سوق الفن تتابع حركات قلمه وإشارات إصبعه وإلى من سوف يشير، وها هم ضحاياه يعبرون عن سخطهم منه وها هم من روج لهم يشكرونه.
يؤسس الفيلم بطريقة كلاسيكية مسرحية رصينة تقدم الشخصيات التي سوف تشكل هذه الدراما الغرائبية ما بين مورف والشبكة التي من حوله وفي مقدمتها السمسارة الكبيرة للأعمال الفنية روندورا (الممثلة ريني روسو) وهي التي تمتد أصابعها وشبكاتها للترويج لأهم عواصم العالم والحياة بالنسبة إليها مضاربة في الأعمال الفنية لا تكاد تنتهي.
وفي موازاتها هنالك من يكمل المشهد ومنهم جوزيفينا (الممثلة زاو اشتون) ومنافسو روندورا ومنهم غريتشن (الممثلة توني كوليت)، هذه الأركان الأربعة هي التي سوف تشكل الدراما وسوف تكون جوزيفينا هي المفتاح الذي سوف يصعد الدراما ويدفع باتجاه المزيد من الحبكات الثانوية.
في مشهد ضمن السياق الفيلمي تكتشف جوزيفينا خيانة زوجها لها، ويكون ذلك سببا للكشف عن العلاقات الخاصة التي تربط تلك الشبكة ببعضها البعض وخفاياها، ومن ذلك أن تلك السمسارة الخطيرة روندورا تدفع لصديق الناقد اللامع مورف مقابل أن تستدرجه ليزودها بمعلومات مسبقة حول الأعمال الفنية التي سوف يشيد بها في مقالاته لكي تدفع المشترين لاقتنائها.
على أن التحول الدرامي هو ذلك الذي تتكامل فيه صورة موت الفنان وبقاء أعماله، تشاهد جوزيفينا عكازا على الأرض وقد سقط من طابق علوي لتصعد وتشاهد كهلا وقد انهار ومات وسقط عكازه.
هذه الحادثة ستكون البداية التي سوف تقودها إلى مخبئه، عندما تكتشف إرثا هائلا من الأعمال الفنية المجهول صاحبها، والذي هو نفسه ذلك الكهل الذي يعيش وحيدا، إنه فيتريلديز الذي لن نعرف عنه إلا ذكراه وأعماله التي سوف تصدم ذلك الرباعي.
تضع جوزيفينا يدها على تلك الأعمال وتشاركها السمسارة روندورا، بينما سوف يشعر الناقد مورف بالصدمة والدهشة من جرأة تلك الأعمال وغرائبيتها.
يحط عالم “ديز” الإبداعي بكل الوجوه المتجهمة المأزومة والألوان الحارة والحركات والخطوط الحادة والطاقة المتدفقة من مكان ما في كل عمل، ويصبح هو العالم الذي يشغل المجموعة وسط المجتمع المخملي الذي يبدأ بالتهامس حول اقتناء تلك الأعمال المدهشة بالملايين من الدولارات، لكن روندورا لن تكتفي بتلك الثروة المكدسة من الأعمال غير المؤطرة، ولهذا تقرر شحنها في صناديق بعيدا إلى مكان آمن.
• ألوان قاتلة
لكن ما سر تلك الجذوة التي ما تلبث أن تتحول إلى نار تحرق السائق الذي حمل تلك الصناديق، في ليل غامض، فيتعرض للحروق وحيدا، وعندما يدخل إلى مكان يغير ملابسه ويداوي حروقه سيجد لوحة أخرى لنفس الفنان لثلاثة قردة تمتد أذرعها لخنقه.
من هنا سوف ندخل إلى تلك الفانطازيا المغرقة في الغرائبية حيث تختلط رغبات تلك الطبقة المخملية الأنانية مع رعب ما يلبث أن يندلع مع سقوط الضحية الثانية غريتشن، التي تتأمل وحيدة عملا مجسما بيع بالملايين هو عبارة عن ثقوب وفتحات في كرة معدنية مرآوية ضخمة، إذا مددت ذراعك عبر إحدى كواها سوف تشعر بطاقة ما تتسرب إلى سائر جسمك، لكن ما بعد اكتشاف أعمال ديز ليس كما قبلها.
نحن مع نسخة من لعنة إكسورسيت بشكل ما، فها هي غريتشن تجرب مد يدها لكنها لن تستطيع استرجاعها قط إذ تفرمها ماكنة مجهولة، وترميها صريعة دون ذراع، لكن لاحظ المفارقة أن زوار المعرض يدخلون في اليوم التالي فيجدون غريتشن مقطوعة الذراع وغارقة في بركة من الدم من حول ذلك العمل الفني، فيظنون أن ذلك جزء من العمل الفني ذاته وأن بقعة الدم ليست إلا صبغة حمراء مندلقة على الأرض.
هكذا يتأكد الناقد مورف أن هنالك قوة أو لعنة ما في أعمال الفنان ديز، لاسيما بعد اكتشاف وصيته بعدم بيع أو شراء أعماله بعد موته، ومن سيشتريها أو يبيعها سوف تحل عليه اللعنة، وأن أعماله يجب حرقها بعد موته، لكن تحذيرات مورف لن تجدي فيكون هو الضحية الثالثة.
بينما يمكن وصف موت جوزيفينا بالموت الملون المدهش، عندما تتسرب ألوان اللوحات إلى جسدها وتصبغه وتتعرض للاختناق والموت في نهاية مدهشة ولكنها مروعة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
ألوان ومنحوتات تحركها غريزة القتل لتبيد كل بشري من حولها.
نسخة من لعنة إكسورسيت بشكل ما
هل فكرت يوما أن الأشياء من حولك قد تصبح قاتلة؟ وربما تتحول الأعمال الفنية المنتشرة في المعارض إلى طاقة موت رهيبة تلاحق البشر في المساحة المخصصة للعرض؟ كل هذه الأفكار يصورها فيلم “الطاقة المخملية” الذي يقدم لنا نظرة سينمائية غير متوقعة على عالم الفن التشكيلي.
في الحس والإبداع الفني هنالك تكامل فريد ما بين العمل الفني في حد ذاته وبين من يتلقاه سواء أكان ناقدا فنيا جماليا متذوقا أو متلقيا عابرا. وفي كل الأحوال هنالك في العمل الإبداعي تلك الطاقة الكامنة المخبأة المختزنة.
هذه المقدمة تنطبق على فيلم “الطاقة المخملية” للمخرج دان غيلروي، فيلم مليء باللوحات والألوان وحشود من متذوقي فن الرسم والمروجين له والنقاد، فضلا عن التجار والسماسرة الذين يروجون للأعمال الفنية.
ذلك هو المدخل إلى المجتمع المخملي وأجواء الرسامين، وفيما يبرز في المقدمة الناقد الفني مورف (الممثل جاك غيلنهال) فيا لذلك العالم العجيب الذي يغدق فيه المبدع أقصى ما في مخيلته الإبداعية لتتحول رؤاه إلى ألوان وسطوح وخطوط وتكوينات، ثم لوحة جامدة على الجدار ثم تجارة لبيع تلك الألوان والخطوط.
إذا قال مورف، الناقد الفني اللامع، فصدقوه فهو قادر على رفع قيمة عمل فني ما والحط من آخر بجرة قلم، سوق الفن تتابع حركات قلمه وإشارات إصبعه وإلى من سوف يشير، وها هم ضحاياه يعبرون عن سخطهم منه وها هم من روج لهم يشكرونه.
يؤسس الفيلم بطريقة كلاسيكية مسرحية رصينة تقدم الشخصيات التي سوف تشكل هذه الدراما الغرائبية ما بين مورف والشبكة التي من حوله وفي مقدمتها السمسارة الكبيرة للأعمال الفنية روندورا (الممثلة ريني روسو) وهي التي تمتد أصابعها وشبكاتها للترويج لأهم عواصم العالم والحياة بالنسبة إليها مضاربة في الأعمال الفنية لا تكاد تنتهي.
وفي موازاتها هنالك من يكمل المشهد ومنهم جوزيفينا (الممثلة زاو اشتون) ومنافسو روندورا ومنهم غريتشن (الممثلة توني كوليت)، هذه الأركان الأربعة هي التي سوف تشكل الدراما وسوف تكون جوزيفينا هي المفتاح الذي سوف يصعد الدراما ويدفع باتجاه المزيد من الحبكات الثانوية.
في مشهد ضمن السياق الفيلمي تكتشف جوزيفينا خيانة زوجها لها، ويكون ذلك سببا للكشف عن العلاقات الخاصة التي تربط تلك الشبكة ببعضها البعض وخفاياها، ومن ذلك أن تلك السمسارة الخطيرة روندورا تدفع لصديق الناقد اللامع مورف مقابل أن تستدرجه ليزودها بمعلومات مسبقة حول الأعمال الفنية التي سوف يشيد بها في مقالاته لكي تدفع المشترين لاقتنائها.
على أن التحول الدرامي هو ذلك الذي تتكامل فيه صورة موت الفنان وبقاء أعماله، تشاهد جوزيفينا عكازا على الأرض وقد سقط من طابق علوي لتصعد وتشاهد كهلا وقد انهار ومات وسقط عكازه.
هذه الحادثة ستكون البداية التي سوف تقودها إلى مخبئه، عندما تكتشف إرثا هائلا من الأعمال الفنية المجهول صاحبها، والذي هو نفسه ذلك الكهل الذي يعيش وحيدا، إنه فيتريلديز الذي لن نعرف عنه إلا ذكراه وأعماله التي سوف تصدم ذلك الرباعي.
تضع جوزيفينا يدها على تلك الأعمال وتشاركها السمسارة روندورا، بينما سوف يشعر الناقد مورف بالصدمة والدهشة من جرأة تلك الأعمال وغرائبيتها.
يحط عالم “ديز” الإبداعي بكل الوجوه المتجهمة المأزومة والألوان الحارة والحركات والخطوط الحادة والطاقة المتدفقة من مكان ما في كل عمل، ويصبح هو العالم الذي يشغل المجموعة وسط المجتمع المخملي الذي يبدأ بالتهامس حول اقتناء تلك الأعمال المدهشة بالملايين من الدولارات، لكن روندورا لن تكتفي بتلك الثروة المكدسة من الأعمال غير المؤطرة، ولهذا تقرر شحنها في صناديق بعيدا إلى مكان آمن.
• ألوان قاتلة
لكن ما سر تلك الجذوة التي ما تلبث أن تتحول إلى نار تحرق السائق الذي حمل تلك الصناديق، في ليل غامض، فيتعرض للحروق وحيدا، وعندما يدخل إلى مكان يغير ملابسه ويداوي حروقه سيجد لوحة أخرى لنفس الفنان لثلاثة قردة تمتد أذرعها لخنقه.
من هنا سوف ندخل إلى تلك الفانطازيا المغرقة في الغرائبية حيث تختلط رغبات تلك الطبقة المخملية الأنانية مع رعب ما يلبث أن يندلع مع سقوط الضحية الثانية غريتشن، التي تتأمل وحيدة عملا مجسما بيع بالملايين هو عبارة عن ثقوب وفتحات في كرة معدنية مرآوية ضخمة، إذا مددت ذراعك عبر إحدى كواها سوف تشعر بطاقة ما تتسرب إلى سائر جسمك، لكن ما بعد اكتشاف أعمال ديز ليس كما قبلها.
نحن مع نسخة من لعنة إكسورسيت بشكل ما، فها هي غريتشن تجرب مد يدها لكنها لن تستطيع استرجاعها قط إذ تفرمها ماكنة مجهولة، وترميها صريعة دون ذراع، لكن لاحظ المفارقة أن زوار المعرض يدخلون في اليوم التالي فيجدون غريتشن مقطوعة الذراع وغارقة في بركة من الدم من حول ذلك العمل الفني، فيظنون أن ذلك جزء من العمل الفني ذاته وأن بقعة الدم ليست إلا صبغة حمراء مندلقة على الأرض.
هكذا يتأكد الناقد مورف أن هنالك قوة أو لعنة ما في أعمال الفنان ديز، لاسيما بعد اكتشاف وصيته بعدم بيع أو شراء أعماله بعد موته، ومن سيشتريها أو يبيعها سوف تحل عليه اللعنة، وأن أعماله يجب حرقها بعد موته، لكن تحذيرات مورف لن تجدي فيكون هو الضحية الثالثة.
بينما يمكن وصف موت جوزيفينا بالموت الملون المدهش، عندما تتسرب ألوان اللوحات إلى جسدها وتصبغه وتتعرض للاختناق والموت في نهاية مدهشة ولكنها مروعة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن