مشروع الجوزاء يبحث عن كوكب بديل بعد فناء الأرض
الإنسان يدمر وطنه ليبحث عن وطن آخر.
مأساة من صنع أيدينا
بينما ينشغل العالم بالحروب والكوارث البيئية، ينشغل السينمائيون بالبحث في ما وراء هذه المشكلات، حيث يطرحون فرضيات فناء الأرض بفعل أبنائها الذين سيقودهم المستقبل نحو البحث عن وطن بديل يستطيعون العيش فيه بسلام، لكنه بحث مضن قد لا يكون متاحا وقد ينذر الإنسان بخطورة مستقبله إن لم يتجنّد لحمايته منذ الآن.
لا شك أن أفلام الديستوبيا وما يطرأ على الأرض من ظواهر ومتغيرات وصولا إلى الكوارث كانت من الثيمات الأساسية في سينما الخيال العلمي وبذلك رصدت الظواهر من زواياها المتعددة.
وخلال ذلك تنوعت الإشكاليات والتحديات التي تواجه الأرض من كوارث سواء منها الكوارث الطبيعية والأوبئة وصولا إلى الحروب والصراعات وفي كل الأحوال كان هنالك ضحايا وكان هنالك ناجون على الجانب الآخر وما بين ذلك كان المسعى الإنساني حاضرا لتدارك الكوارث والسيطرة عليها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ويأتي فيلم مشروع الجوزاء للمخرج الروسي سيريك بيسو ليندرج في هذه الفئة ولكن ميزته أنه يحاكي التجارب الأميركية في سينما الخيال العلمي بشكل خاص سواء على صعيد أداء الشخصيات أو الأجواء أو المعالجة الإخراجية.
وفي هذا الفيلم يضرب الكرة الأرضية فايروس خطير يتفشى بسرعة ويأتي على الأخضر واليابس بمعنى أنه يستهدف النبات والحيوان والإنسان بشكل أو بآخر ويبدأ أيضا بالتهام النظام البيئي مما دفع إلى بذل جهود علمية متواصلة إلا أنها أثبتت فشلها.
☚ الفيلم يحاكي التجارب الأميركية في سينما الخيال العلمي سواء على صعيد أداء الشخصيات أو المعالجة الإخراجية
كان هنالك اختفاء سريع للغابات وانخفاض لمستويات الأوكسجين وهذه المتغيرات شوهت الغلاف الجوي فزادت الكوارث الطبيعية حول العالم. والحاصل أننا أمام كوكبنا الجميل وهو منكوب.
كل ذلك يدفع فريق من العلماء الذين لا تظهر بشكل مباشر إلى أي جهة أو دولة يعملون للسعي الجاد لإيجاد كوكب آخر في الفضاء الخارجي يصلح للعيش وخلال ذلك يعثر العلماء على جسمين غريبين يعودان إلى آلاف السنين وهما يحملان قدرات رقمية وبأيديولوجيا متطورة يقومون بإخضاعها إلى سلسلة من التجارب ويفاجأون بسرعة استجابتها.
أما فريق العلماء الذين يشعرون باليأس من الأرض فإنهم يمضون في بحثهم عن الوطن البديل بعدما تيقنوا من وجود مكان صالح للعيش في إحدى المجرات التي ينطلقون إليها في رحلة البحث عن المجهول.
يجمع الفيلم خلال ذلك خائص وملامح كثيرة من تجارب سابقة لسينما الخيال العلمي، وخاصة بعد تقديم فريق العلماء والباحثين الشباب الذين يسعون لإخراج البشرية من محنتها والخروج من تلك الديستوبيا القاتمة ولهذا ليس مستغربا أن يتجه الفيلم إلى موضوع الكون البديل الذي صار لازمة في العديد من أفلام الخيال العلمي.
في المقابل يقود ستيف (الممثل ستيف كوريشكوف) الفريق الذي ما يلبث أن يخوض نوعا من المنافسة وخاصة بين ستيف وفرانك (الممثل نيكيتا ديوفبانوف) من منطلق ما سيتطور عنه البحث في الأجسام الغريبة التي تم العثور عليها وكذلك ما عرف بين الفريق بحصان طروادة وهو الكائن الهجيني الذي ما انفك يكبر وهو على متن المركبة الفضائية.
وبهذا تتخذ أحداث الفيلم مسارا آخر مختلفا تماما عما بدأناه من خلال بث حبكات فرعية أو ثانوية ومنها مثلا موضوع حصان طروادة ومن ثم انقطاع الاتصال مع المركبة الفضائية التي تبحر باحثة عن المكان البديل وصولا إلى العلاقة الإشكالية بين ستيف وزوجته آمي (الممثلة ليونا كونستانتينوفا) فما يجمع بينهما في مجال البحث العلمي هو الذي أسس تقاربهما معا لكن إصرار ستيف على المضي في أفكاره الطموحة حول المكان البديل للبشر يؤسس نوعا من التوتر في العلاقة وخصة أن آمي تسعى للوصول إلى لقاح ما يحد من قدرة الفايروسات التي ضربت الأرض وبالتالي عودة الحياة إلى طبيعتها.
الفيلم يتجه إلى موضوع الكون البديل الذي صار لازمة في العديد من أفلام الخيال العلمي
كل هذه المعطيات تشكل خلفية للأحداث لكن المخرج أراد أن نمضي إلى ما هو أبعد من خلال الخلاف بين القائمين بالرحلة الفضائية وهو حل ربما أراد منه كسر الرتابة والتكرر والأعمال الروتينية واليومية التي يقوم بها الفريق وهو على سطح المركبة الفضائية.
وبمعنى آخر أراد المخرج بين الحين والآخر إيجاد مواقف وحبكات فرعية فيها ما يجعل المشاهد متفاعلا مع ما يجري أمامه ومتوقعا المزيد من الصراعات، لاسيما وأن رحلة المجموعة يفترض أنها لا تتحمل الكثير من تلك الصراعات وخاصة بعد انقطاعهم على الأرض والتحدي المتمثل في حصان طروادة الذي صار كائنا فتاكا بالتدريج.
ووظف الفيلم إمكانات تقنية كما تميز بغزارة الصورة وتنوع المؤثرات الصوتية مما أضفى على كثير من الأحداث المزيد من التشويق والعناصر الجمالية على الرغم من النمطية والتكرار التي يمكن أن نشاهدها في أفلام أخرى كمثل البحث عن كوكب بديل أو كمثل النزاعات بين طواقم رواد الفضاء وهكذا.
وأما لجهة إضافة الفيلم جوانب مكملة جعلت منه وكأنه يحمل رسالة تتعلق بسكان الأرض عامة وليس فقط المجموعة المستهدفة وهذا التعميم الذي ابتدأ به الفيلم مع مشاهده الأولى فتح أفقا أوسع للأحداث والشخصيات فضلا عن كونه ظل يحاكي واقعا كثر الحديث عنه وخاصة مع تفشي الأوبئة كما في جائحة كورونا، ولهذا بدا ذلك الاستخدام لتلك الثيمة مقنعا وخاصة مع صبر الطاقم ومكابدتهم وسعيهم المستميت من أجل الخروج من المأزق الذي وقعوا فيه وتاليا إيجاد تلك الأرض الموعودة التي بقي الفيلم مؤجلا احتمالاتها أو تاركا تفاصيلها لخيال المشاهد.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
الإنسان يدمر وطنه ليبحث عن وطن آخر.
مأساة من صنع أيدينا
بينما ينشغل العالم بالحروب والكوارث البيئية، ينشغل السينمائيون بالبحث في ما وراء هذه المشكلات، حيث يطرحون فرضيات فناء الأرض بفعل أبنائها الذين سيقودهم المستقبل نحو البحث عن وطن بديل يستطيعون العيش فيه بسلام، لكنه بحث مضن قد لا يكون متاحا وقد ينذر الإنسان بخطورة مستقبله إن لم يتجنّد لحمايته منذ الآن.
لا شك أن أفلام الديستوبيا وما يطرأ على الأرض من ظواهر ومتغيرات وصولا إلى الكوارث كانت من الثيمات الأساسية في سينما الخيال العلمي وبذلك رصدت الظواهر من زواياها المتعددة.
وخلال ذلك تنوعت الإشكاليات والتحديات التي تواجه الأرض من كوارث سواء منها الكوارث الطبيعية والأوبئة وصولا إلى الحروب والصراعات وفي كل الأحوال كان هنالك ضحايا وكان هنالك ناجون على الجانب الآخر وما بين ذلك كان المسعى الإنساني حاضرا لتدارك الكوارث والسيطرة عليها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ويأتي فيلم مشروع الجوزاء للمخرج الروسي سيريك بيسو ليندرج في هذه الفئة ولكن ميزته أنه يحاكي التجارب الأميركية في سينما الخيال العلمي بشكل خاص سواء على صعيد أداء الشخصيات أو الأجواء أو المعالجة الإخراجية.
وفي هذا الفيلم يضرب الكرة الأرضية فايروس خطير يتفشى بسرعة ويأتي على الأخضر واليابس بمعنى أنه يستهدف النبات والحيوان والإنسان بشكل أو بآخر ويبدأ أيضا بالتهام النظام البيئي مما دفع إلى بذل جهود علمية متواصلة إلا أنها أثبتت فشلها.
☚ الفيلم يحاكي التجارب الأميركية في سينما الخيال العلمي سواء على صعيد أداء الشخصيات أو المعالجة الإخراجية
كان هنالك اختفاء سريع للغابات وانخفاض لمستويات الأوكسجين وهذه المتغيرات شوهت الغلاف الجوي فزادت الكوارث الطبيعية حول العالم. والحاصل أننا أمام كوكبنا الجميل وهو منكوب.
كل ذلك يدفع فريق من العلماء الذين لا تظهر بشكل مباشر إلى أي جهة أو دولة يعملون للسعي الجاد لإيجاد كوكب آخر في الفضاء الخارجي يصلح للعيش وخلال ذلك يعثر العلماء على جسمين غريبين يعودان إلى آلاف السنين وهما يحملان قدرات رقمية وبأيديولوجيا متطورة يقومون بإخضاعها إلى سلسلة من التجارب ويفاجأون بسرعة استجابتها.
أما فريق العلماء الذين يشعرون باليأس من الأرض فإنهم يمضون في بحثهم عن الوطن البديل بعدما تيقنوا من وجود مكان صالح للعيش في إحدى المجرات التي ينطلقون إليها في رحلة البحث عن المجهول.
يجمع الفيلم خلال ذلك خائص وملامح كثيرة من تجارب سابقة لسينما الخيال العلمي، وخاصة بعد تقديم فريق العلماء والباحثين الشباب الذين يسعون لإخراج البشرية من محنتها والخروج من تلك الديستوبيا القاتمة ولهذا ليس مستغربا أن يتجه الفيلم إلى موضوع الكون البديل الذي صار لازمة في العديد من أفلام الخيال العلمي.
في المقابل يقود ستيف (الممثل ستيف كوريشكوف) الفريق الذي ما يلبث أن يخوض نوعا من المنافسة وخاصة بين ستيف وفرانك (الممثل نيكيتا ديوفبانوف) من منطلق ما سيتطور عنه البحث في الأجسام الغريبة التي تم العثور عليها وكذلك ما عرف بين الفريق بحصان طروادة وهو الكائن الهجيني الذي ما انفك يكبر وهو على متن المركبة الفضائية.
وبهذا تتخذ أحداث الفيلم مسارا آخر مختلفا تماما عما بدأناه من خلال بث حبكات فرعية أو ثانوية ومنها مثلا موضوع حصان طروادة ومن ثم انقطاع الاتصال مع المركبة الفضائية التي تبحر باحثة عن المكان البديل وصولا إلى العلاقة الإشكالية بين ستيف وزوجته آمي (الممثلة ليونا كونستانتينوفا) فما يجمع بينهما في مجال البحث العلمي هو الذي أسس تقاربهما معا لكن إصرار ستيف على المضي في أفكاره الطموحة حول المكان البديل للبشر يؤسس نوعا من التوتر في العلاقة وخصة أن آمي تسعى للوصول إلى لقاح ما يحد من قدرة الفايروسات التي ضربت الأرض وبالتالي عودة الحياة إلى طبيعتها.
الفيلم يتجه إلى موضوع الكون البديل الذي صار لازمة في العديد من أفلام الخيال العلمي
كل هذه المعطيات تشكل خلفية للأحداث لكن المخرج أراد أن نمضي إلى ما هو أبعد من خلال الخلاف بين القائمين بالرحلة الفضائية وهو حل ربما أراد منه كسر الرتابة والتكرر والأعمال الروتينية واليومية التي يقوم بها الفريق وهو على سطح المركبة الفضائية.
وبمعنى آخر أراد المخرج بين الحين والآخر إيجاد مواقف وحبكات فرعية فيها ما يجعل المشاهد متفاعلا مع ما يجري أمامه ومتوقعا المزيد من الصراعات، لاسيما وأن رحلة المجموعة يفترض أنها لا تتحمل الكثير من تلك الصراعات وخاصة بعد انقطاعهم على الأرض والتحدي المتمثل في حصان طروادة الذي صار كائنا فتاكا بالتدريج.
ووظف الفيلم إمكانات تقنية كما تميز بغزارة الصورة وتنوع المؤثرات الصوتية مما أضفى على كثير من الأحداث المزيد من التشويق والعناصر الجمالية على الرغم من النمطية والتكرار التي يمكن أن نشاهدها في أفلام أخرى كمثل البحث عن كوكب بديل أو كمثل النزاعات بين طواقم رواد الفضاء وهكذا.
وأما لجهة إضافة الفيلم جوانب مكملة جعلت منه وكأنه يحمل رسالة تتعلق بسكان الأرض عامة وليس فقط المجموعة المستهدفة وهذا التعميم الذي ابتدأ به الفيلم مع مشاهده الأولى فتح أفقا أوسع للأحداث والشخصيات فضلا عن كونه ظل يحاكي واقعا كثر الحديث عنه وخاصة مع تفشي الأوبئة كما في جائحة كورونا، ولهذا بدا ذلك الاستخدام لتلك الثيمة مقنعا وخاصة مع صبر الطاقم ومكابدتهم وسعيهم المستميت من أجل الخروج من المأزق الذي وقعوا فيه وتاليا إيجاد تلك الأرض الموعودة التي بقي الفيلم مؤجلا احتمالاتها أو تاركا تفاصيلها لخيال المشاهد.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن