"الأرض معركة الفضائيين" سيناريو غير متماسك عن مستقبل الأرض
غزو الفضاء والرحلات المكوكية وصولا إلى الاشتباك مع الفضائيين كانت ولا تزال واحدة من الثيمات المفضلة في سينما الخيال العلمي.
جاؤوا بسلام
يصور أغلب المخرجين السينمائيين رجالَ الفضاء كغزاة مباغتين لكوكب الأرض، إلا أن المخرج أندرو جونز يقدمهم إلينا على أنهم ضيوف يحلون بيننا بين الحين والآخر فيساعدون البشر على إقامة الحضارات الكبرى والإتيان بما لم يأت به غيرهم، كتشييد الأهرامات المصرية التي بنيت وفق تكنولوجيا متطورة لم يفكّ الإنسان المعاصر شيفراتها بعد. ويتحول هؤلاء الضيوف إلى دلائل قاطعة على حروب وأحداث عالمية، حيث يسعون لتغيير المجتمعات.
الفضائيون وغزو الفضاء والرحلات المكوكية واكتشاف العوالم الأخرى من الكواكب والمجرات وصولا إلى الاشتباك مع الفضائيين وجها لوجه كانت ولا تزال واحدة من الثيمات المفضلة في سينما الخيال العلمي.
وقدمت لنا صفة الفضائيين وحدها العديد من الأفلام، ومنها مثلا “الفضائيون والمفترسون” (2007) و”فضائي – 3” (1992) و”قيامة الفضائيين” (1997) و”عهد الفضائيين” (2017) و”بروميثيوس” (2012) و”الفضائيون من جديد” (1986) وغيرها من الأفلام.
وفي فيلم “الأرض معركة الفضائيين” للمخرج -وهو نفسه كاتب السيناريو- أندرو جونز سوف نكون إزاء المغامرات الإشكالية المرتبطة بالفضائيين ولكن من زاوية أخرى ووجهة نظر ومعالجة سينمائية مختلفتين.
الحاصل هو أن الولايات المتحدة تتعرض -افتراضا- إلى استهداف من الفضائيين الذين يهبطون بمركبتهم في إحدى الولايات ودون أن يلحقوا ضررا بأي شيء سوى أنها زيارة روتينية من العالم الآخر.
☚ الفيلم أفرد مساحة زمنية للفضائيين ولحواراتهم واجتماعاتهم، وهي إشكالية تكرّس تلك الصورة النمطية التي رسخت عنهم
لكن الحكومة الأميركية سوف تعد ذلك انتهاكا وعدوانا ولهذا تسارع إلى إعلان الحرب على الفضائيين وتوجه إلى مركبتهم ضربة مميتة. وعلى الرغم من سعي الفضائيين لإنقاذ باقي زملائهم إلا أنهم يتعرضون لضربات قاتلة مما ينذر بإعلان حالة الحرب بين الطرفين.
واقعيا هنالك قوّتا صراع، وميزة هذا الفيلم أن أسلحة الولايات المتحدة ورموزها المألوفة عالميا تحت أسماء البنتاغون ووكالة “ناسا” والاستخبارات الأميركية تحضر بقوة وتتكرر مرارا وتظهر المؤتمرات والإيجازات الصحافية للبيت الأبيض والبنتاغون ورئيس الأركان وسوف تبرز في عموم الولايات المتحدة -كالعادة- مظاهرات ضد الحرب.
إن هذه الحرب المستقبلية هي نتاج واقع إشكالي يتم استعراضه في هذا الفيلم؛ فهذه الدولة المحاربة -الولايات المتحدة- جاهزة لحروبها المستقبلية حتى ولو كانت قوات لا تعلم مقدار تفوقها وقدراتها، ولهذا تتحول تلك المعركة إلى سجالات بين الطرفين.
وكما نسمع خلال حروب الولايات المتحدة بوجود خلاف بين البيت الأبيض والبنتاغون هنا سوف تتكرر هذه المتلازمة؛ فهنالك من يفضل الاستماع إلى الفضائيين والتفاوض معهم وخاصة أنهم يقولون إنهم لم يأتوا إلى الأرض غزاة بل جاءوا زوارا عاديين يتفقدون حياة البشر ودون إلحاق أذى بهم.
هذه الفكرة سوف تعززها قصة اختطاف أميركيين في ستينات القرن الماضي من نفس أولئك الذين يقيمون في مجرة اسمها زيباز نيتكولي حيث تتردد العبارة التالية “الإجابات عن الحياة والموت، توجد هناك في الأماكن العالية”.
القادمون الغرباء من الأعالي هم السرّ المحيّر، لكن المخرج -وسط إمكانات إنتاجية من الواضح أنها محدودة- لم يكن ليمضي الوقت الفيلمي في المعارك وعمليات القصف، ولهذا سوف يأخذنا في كل مرّة إلى مدخل جديد للموضوع الذي هو بصدد مقاربته ألا وهو غزو الفضائيين، فهو يتحدث عن أن الفضائيين يزورون الأرض منذ آلاف السنين وهم الذين من المحتمل أنهم ساعدوا الفراعنة في بناء الأهرامات وذلك لكونها تكنولوجيا متطورة للغاية.
كما أنهم على تواصل مع السكان الأوائل للولايات المتحدة قبل مجيء البيض من بريطانيا وإيرلندا تحديدا لإنشاء تلك البلاد التي يزداد فيها الفقير فقرا والثري ثراء.
☚ الخوض في قصة الفضائيين وغزو الأرض تطلّب بالأساس قدرات إنتاجية كبيرة افتقدها الفيلم، ليؤدي ذلك إلى معالجة سينمائية مبعثرة
هذه الطبقية والاستغلال المادي والغنى الفاحش للشركات يمر عليها الفيلم كما يمر على حروب واشنطن السابقة التي تركت جراحات غائرة في الضمير الأميركي وأبرزها حرب فيتنام التي يستعرض منها الفيلم لقطات كارثية.
من هنا وجدنا أن الولايات المتحدة الغازية والمحاربة هي أرض معرضة للغزو وأن هؤلاء الفضائيين لن يتوقفوا قط عن المضي في حملتهم قبل أن يصلوا إلى أهدافهم كاملة في إعادة صياغة حياة المجتمع الأميركي ما دام قد اختار قرار المواجهة، وأية مواجهة كارثية تنتهي بفقاعة المشروم الذرية التي تذكرك على الفور بفقاعة المشروم المشابهة للقنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناكازاكي.
ويكرس الفيلم مساحة زمنية من السرد الفيلمي للفضائيين أنفسهم ولحواراتهم واجتماعاتهم، وهي مقاربة أخرى وإشكالية تكرس تلك الصورة النمطية التي ترسخت عنهم وهم برؤوسهم الضخمة وعيونهم التي تحتل أكبر مساحة من الرأس وأفواههم الصغيرة وصوتهم الأجش الذي هو صوت بشري بلكنة أميركية مع تحوير وتعديل صوتي للإيحاء بأن هذا هو صوت الفضائيين لمن يريد أن يتعرف عليهم. ثم يضيف إلى ذلك أن أولئك الفضائيين الغرباء يتميزون بأطوال متنوعة ففيهم الضخم مفتول العضلات وفيهم ما دون ذلك وصولا إلى الصغار.
بالطبع يحاول المخرج جاهدا كسر الجمود الذي وصل إليه في ثنايا السرد الفيلمي المبعثر من خلال لم شتات القصة وذلك بإدخال المقابلات المصورة بين فتية صغار يفترض أنهم علماء من “ناسا” ومن البنتاغون، وهو ما لا يتناسب مع صغر سنهم ولربما لجأ المخرج إليهم اقتصادا في الميزانية، وفي وسط القيامة القائمة والحرب المستعرة سيعلم ذلك المسؤول الصغير في السن أن امرأته حامل ويقع الحوار بينهما وبين أم ذلك المسؤول لمعرفة رد فعلها عندما تصبح جدّة لأول مرة.
وبصفة عامة تطلب الخوض في قصة الفضائيين وغزو الأرض بالأساس قدرات إنتاجية كبيرة افتقر إليها الفيلم، ليؤدي ذلك إلى معالجة سينمائية مبعثرة.
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
غزو الفضاء والرحلات المكوكية وصولا إلى الاشتباك مع الفضائيين كانت ولا تزال واحدة من الثيمات المفضلة في سينما الخيال العلمي.
جاؤوا بسلام
يصور أغلب المخرجين السينمائيين رجالَ الفضاء كغزاة مباغتين لكوكب الأرض، إلا أن المخرج أندرو جونز يقدمهم إلينا على أنهم ضيوف يحلون بيننا بين الحين والآخر فيساعدون البشر على إقامة الحضارات الكبرى والإتيان بما لم يأت به غيرهم، كتشييد الأهرامات المصرية التي بنيت وفق تكنولوجيا متطورة لم يفكّ الإنسان المعاصر شيفراتها بعد. ويتحول هؤلاء الضيوف إلى دلائل قاطعة على حروب وأحداث عالمية، حيث يسعون لتغيير المجتمعات.
الفضائيون وغزو الفضاء والرحلات المكوكية واكتشاف العوالم الأخرى من الكواكب والمجرات وصولا إلى الاشتباك مع الفضائيين وجها لوجه كانت ولا تزال واحدة من الثيمات المفضلة في سينما الخيال العلمي.
وقدمت لنا صفة الفضائيين وحدها العديد من الأفلام، ومنها مثلا “الفضائيون والمفترسون” (2007) و”فضائي – 3” (1992) و”قيامة الفضائيين” (1997) و”عهد الفضائيين” (2017) و”بروميثيوس” (2012) و”الفضائيون من جديد” (1986) وغيرها من الأفلام.
وفي فيلم “الأرض معركة الفضائيين” للمخرج -وهو نفسه كاتب السيناريو- أندرو جونز سوف نكون إزاء المغامرات الإشكالية المرتبطة بالفضائيين ولكن من زاوية أخرى ووجهة نظر ومعالجة سينمائية مختلفتين.
الحاصل هو أن الولايات المتحدة تتعرض -افتراضا- إلى استهداف من الفضائيين الذين يهبطون بمركبتهم في إحدى الولايات ودون أن يلحقوا ضررا بأي شيء سوى أنها زيارة روتينية من العالم الآخر.
☚ الفيلم أفرد مساحة زمنية للفضائيين ولحواراتهم واجتماعاتهم، وهي إشكالية تكرّس تلك الصورة النمطية التي رسخت عنهم
لكن الحكومة الأميركية سوف تعد ذلك انتهاكا وعدوانا ولهذا تسارع إلى إعلان الحرب على الفضائيين وتوجه إلى مركبتهم ضربة مميتة. وعلى الرغم من سعي الفضائيين لإنقاذ باقي زملائهم إلا أنهم يتعرضون لضربات قاتلة مما ينذر بإعلان حالة الحرب بين الطرفين.
واقعيا هنالك قوّتا صراع، وميزة هذا الفيلم أن أسلحة الولايات المتحدة ورموزها المألوفة عالميا تحت أسماء البنتاغون ووكالة “ناسا” والاستخبارات الأميركية تحضر بقوة وتتكرر مرارا وتظهر المؤتمرات والإيجازات الصحافية للبيت الأبيض والبنتاغون ورئيس الأركان وسوف تبرز في عموم الولايات المتحدة -كالعادة- مظاهرات ضد الحرب.
إن هذه الحرب المستقبلية هي نتاج واقع إشكالي يتم استعراضه في هذا الفيلم؛ فهذه الدولة المحاربة -الولايات المتحدة- جاهزة لحروبها المستقبلية حتى ولو كانت قوات لا تعلم مقدار تفوقها وقدراتها، ولهذا تتحول تلك المعركة إلى سجالات بين الطرفين.
وكما نسمع خلال حروب الولايات المتحدة بوجود خلاف بين البيت الأبيض والبنتاغون هنا سوف تتكرر هذه المتلازمة؛ فهنالك من يفضل الاستماع إلى الفضائيين والتفاوض معهم وخاصة أنهم يقولون إنهم لم يأتوا إلى الأرض غزاة بل جاءوا زوارا عاديين يتفقدون حياة البشر ودون إلحاق أذى بهم.
هذه الفكرة سوف تعززها قصة اختطاف أميركيين في ستينات القرن الماضي من نفس أولئك الذين يقيمون في مجرة اسمها زيباز نيتكولي حيث تتردد العبارة التالية “الإجابات عن الحياة والموت، توجد هناك في الأماكن العالية”.
القادمون الغرباء من الأعالي هم السرّ المحيّر، لكن المخرج -وسط إمكانات إنتاجية من الواضح أنها محدودة- لم يكن ليمضي الوقت الفيلمي في المعارك وعمليات القصف، ولهذا سوف يأخذنا في كل مرّة إلى مدخل جديد للموضوع الذي هو بصدد مقاربته ألا وهو غزو الفضائيين، فهو يتحدث عن أن الفضائيين يزورون الأرض منذ آلاف السنين وهم الذين من المحتمل أنهم ساعدوا الفراعنة في بناء الأهرامات وذلك لكونها تكنولوجيا متطورة للغاية.
كما أنهم على تواصل مع السكان الأوائل للولايات المتحدة قبل مجيء البيض من بريطانيا وإيرلندا تحديدا لإنشاء تلك البلاد التي يزداد فيها الفقير فقرا والثري ثراء.
☚ الخوض في قصة الفضائيين وغزو الأرض تطلّب بالأساس قدرات إنتاجية كبيرة افتقدها الفيلم، ليؤدي ذلك إلى معالجة سينمائية مبعثرة
هذه الطبقية والاستغلال المادي والغنى الفاحش للشركات يمر عليها الفيلم كما يمر على حروب واشنطن السابقة التي تركت جراحات غائرة في الضمير الأميركي وأبرزها حرب فيتنام التي يستعرض منها الفيلم لقطات كارثية.
من هنا وجدنا أن الولايات المتحدة الغازية والمحاربة هي أرض معرضة للغزو وأن هؤلاء الفضائيين لن يتوقفوا قط عن المضي في حملتهم قبل أن يصلوا إلى أهدافهم كاملة في إعادة صياغة حياة المجتمع الأميركي ما دام قد اختار قرار المواجهة، وأية مواجهة كارثية تنتهي بفقاعة المشروم الذرية التي تذكرك على الفور بفقاعة المشروم المشابهة للقنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناكازاكي.
ويكرس الفيلم مساحة زمنية من السرد الفيلمي للفضائيين أنفسهم ولحواراتهم واجتماعاتهم، وهي مقاربة أخرى وإشكالية تكرس تلك الصورة النمطية التي ترسخت عنهم وهم برؤوسهم الضخمة وعيونهم التي تحتل أكبر مساحة من الرأس وأفواههم الصغيرة وصوتهم الأجش الذي هو صوت بشري بلكنة أميركية مع تحوير وتعديل صوتي للإيحاء بأن هذا هو صوت الفضائيين لمن يريد أن يتعرف عليهم. ثم يضيف إلى ذلك أن أولئك الفضائيين الغرباء يتميزون بأطوال متنوعة ففيهم الضخم مفتول العضلات وفيهم ما دون ذلك وصولا إلى الصغار.
بالطبع يحاول المخرج جاهدا كسر الجمود الذي وصل إليه في ثنايا السرد الفيلمي المبعثر من خلال لم شتات القصة وذلك بإدخال المقابلات المصورة بين فتية صغار يفترض أنهم علماء من “ناسا” ومن البنتاغون، وهو ما لا يتناسب مع صغر سنهم ولربما لجأ المخرج إليهم اقتصادا في الميزانية، وفي وسط القيامة القائمة والحرب المستعرة سيعلم ذلك المسؤول الصغير في السن أن امرأته حامل ويقع الحوار بينهما وبين أم ذلك المسؤول لمعرفة رد فعلها عندما تصبح جدّة لأول مرة.
وبصفة عامة تطلب الخوض في قصة الفضائيين وغزو الأرض بالأساس قدرات إنتاجية كبيرة افتقر إليها الفيلم، ليؤدي ذلك إلى معالجة سينمائية مبعثرة.
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن