"إيدي" و"فينوم" يواصلان المرح ويفقدان التشويق
"فينوم 2".. التلبّس بالكائن الوحشي لا يضمن النجاح والإبهار في كل مرة.
ترويض الكائن الوحشي يفقده هيبته
تهتمّ شركات الإنتاج بإنجاز العديد من الأجزاء المكمّلة لأيّ فيلم تجد فيه بعضا من مواصفات النجاح في شباك التذاكر تاركة الفرصة للنهايات أن تتكامل من خلال جزء ثان أو ثالث، وهو ما ينطبق على فيلم “فينوم” الذي ظهر جزؤه الأول في العام 2018 للمخرج روبن فليتشر، ثم الجزء الثاني في هذا العام للمخرج إندي سركيس، فأيّ جديد قدّم؟
يواصل فيلم “فينوم” في جزئه الثاني الذي أخرجه هذا العام إندي سركيس (مواليد 1964) تكريسه للشخصيتين المحوريتين في هذه الدراما التي تندرج ضمن إطار سينما الخيال العلمي والفانتازيا، وهما شخصية الفينوم المصطنعة وشديدة القوة والوحشية في مقابل شخصية الصحافي إيدي بروك (الممثل توم هاردي)، حيث شخصية الفينوم تتلبّس إيدي وتتداخل معه فتقاسمه يومياته.
في موازاة ذلك استحدث الفيلم خطا دراميا موازيا من خلال إيجاد قوة مكافئة للفينوم من خلال شخصية القاتل المتسلسل كليتوس كاسادي أو كاماج، وهو الذي ينتظر الحكم النهائي عليه نظير الجرائم البشعة التي ارتكبها بحق العديد من الأشخاص، وتقابله في الزنزانة المقابلة صديقته شيريك (نوامي هاريس)، وحيث تكمن مهمة إيدي في انجاز مقابلة صحافية مع ذلك القاتل المتسلسل لتتكشّف القدرة الخارقة التي يستند إليها من خلال كائن الكارينج الذي يسيطر عليه.
ولا شك في كون هذا الفيلم امتدادا للجزء الأول، فإنه يرتكز في الواقع إلى سلسلة مشوقة من الأحداث الطويلة والمتشعبة التي افتقدنا أثرها في هذا الجزء، مكتفين بالفينوم الذي يتداخل بقوة مع الحياة اليومية لإيدي، وحتى لجهة علاقته العاطفية مع صديقته آني (الممثلة ميشيل ويليامز) حيث يشجّع الفينوم إيدي على العودة إليها، ولكن من دون جدوى.
والحاصل أننا سنتّجه مباشرة إلى المقارنة ما بين الجزأين لجهة الأحداث المتشعبة في الأول، والتي توقّع جمهور المشاهدين أن يتمّ نسج أحداث موازية لا تقل عنها أهمية في الجزء الثاني، لكن أسلوب الإخراج والقصة السينمائية كانا مختلفين عمّا كانا عليه في الجزء الأول، فضلا عن أن طبيعة شخصية الفينوم ذاتها وكيف نشأت وتطوّرت في الجزء الأول لم يطرح الجزء الثاني المزيد عنها.
☚ الجزء الثاني من الفيلم أطنب في سرد يوميات إيدي/الفينوم دون الدخول في صراعات موازية، والتي مثلت قوة العمل في جزئه الأول
بالطبع كان جمهور الفينوم يترقّب هذا الجزء الذي تزامن تأخير عرضه مع تطوّرات جائحة كورونا حتى وصل إلى صالات العرض السينمائي وليس إلى المنصات الرقمية، وذلك من أجل المزيد من فرص جني المكاسب المادية من شباك التذاكر، وهو ما تحقّق فعلا.
واقعيا إننا كنا نتعامل مع إيدي على أنه هو الفينوم الوحيد الذي يستقبل جسده الفايروس من دون رد فعل مضاد، ومن هذه النقطة كان قد بدأ الصراع ما بين إيدي الذي صار بلا قصد ولا نية منه إنسانا ذا قدرات خارقة، ويخوض صراعا طويلا ضد الدكتور ريوت وعصابته.
أما هنا، وفي هذا الجزء الذي يكمّل ما بدأناه مع تلك الشخصيات – أو هذا ما نفترضه في الفيلم – فإن مغامرة الفينوم لن تذهب بعيدا إلى تلك التشابكات السابقة بل إنها تعود بنا إلى الشخصية المزدوجة إيدي/الفينوم أكثر من أيّ شيء آخر.
وخلال مسار الأحداث تمّ بناء عدد من الخطوط السردية التي منحت أحداث الفيلم إقناعا ودافعا للتشويق، بل إن عنصري الطرافة والمفارقة، التي ميّزت إيدي الذي وجد نفسه في سلسلة من المآزق والمواقف الطريفة والمشوّقة، شكلا علامة فارقة خاصة في الجزء الأول من الفيلم، بينما لم يكن هناك الكثير منهما في الجزء الثاني.
الفينوم الكائن الوحشي الذي يفتك بخصومه بلا هوادة سوف يتحوّل إلى كائن أليف باقترانه مع إيدي، إنه يحاوره ويأمره ويتّفقان ويختلفان في سجالات متواصلة، وهو هنا وبدل أن يقتات على افتراس البشر صارت لدى إيدي القدرة على إقناعه بأن يأكل الدجاج والجبنة، وذلك في إطار عملية ترويض متواصلة للحدّ من وحشيته.
وفي موازاة ذلك، وكما أشرنا آنفا، تمّ الزجّ بشخصية شيريك التي هي الأخرى تنطوي على قدرات خارقة تكمل شخصية كاماج في تلك الدراما المتصاعدة، وهنا كان الهدف وهو صرف الأنظار ولو جزئيا عن الكثير من التفاصيل والأفعال المنتظرة والمرتبطة بالفينوم في مقابل التركيز على ما هو مستحدث في شخصية القاتل المتسلسل وصديقته، فيما هو يهمّ بالكشف عن أماكن دفن ضحاياه ومن ثمة، وبتلك القدرة الخارقة، يتمكّن من الإفلات والهروب من السجن.
هذا النوع من الأفلام بالطبع هو من ذلك الخزين المعتاد الذي لا يكاد ينفد من الكوكميكس في سلسلة مارفيل التي أخذت منها السينما الأميركية الكثير في إطار تقديم الشخصيات الخارقة التي تخوض صراعا ضد الأشرار في بيئات وأماكن وظروف مختلفة، وهذه هي المرة الثانية التي تدخل فيها الشركة العملاقة سوني في إنتاج هذا النوع من الأفلام بعد فيلم “الرجل العنكبوت”.
والفيلم عوّل عليه كثيرا كي يكون من الأفلام المهمة في هذا الموسم، بناءا على النجاح الذي حقّقه في جزئه الأول، وقد استطاع المخرج أن يمزج مزجا متقنا ما بين سيناريو الخيال العلمي والحركة والمغامرات والعنف محاولا اقتفاء أثر ما تم إنجازه في الجزء الأول، لكن ليس بنفس الأسلوب ولا بمستوى البناء الدرامي وتنوّع الخطوط السردية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
"فينوم 2".. التلبّس بالكائن الوحشي لا يضمن النجاح والإبهار في كل مرة.
ترويض الكائن الوحشي يفقده هيبته
تهتمّ شركات الإنتاج بإنجاز العديد من الأجزاء المكمّلة لأيّ فيلم تجد فيه بعضا من مواصفات النجاح في شباك التذاكر تاركة الفرصة للنهايات أن تتكامل من خلال جزء ثان أو ثالث، وهو ما ينطبق على فيلم “فينوم” الذي ظهر جزؤه الأول في العام 2018 للمخرج روبن فليتشر، ثم الجزء الثاني في هذا العام للمخرج إندي سركيس، فأيّ جديد قدّم؟
يواصل فيلم “فينوم” في جزئه الثاني الذي أخرجه هذا العام إندي سركيس (مواليد 1964) تكريسه للشخصيتين المحوريتين في هذه الدراما التي تندرج ضمن إطار سينما الخيال العلمي والفانتازيا، وهما شخصية الفينوم المصطنعة وشديدة القوة والوحشية في مقابل شخصية الصحافي إيدي بروك (الممثل توم هاردي)، حيث شخصية الفينوم تتلبّس إيدي وتتداخل معه فتقاسمه يومياته.
في موازاة ذلك استحدث الفيلم خطا دراميا موازيا من خلال إيجاد قوة مكافئة للفينوم من خلال شخصية القاتل المتسلسل كليتوس كاسادي أو كاماج، وهو الذي ينتظر الحكم النهائي عليه نظير الجرائم البشعة التي ارتكبها بحق العديد من الأشخاص، وتقابله في الزنزانة المقابلة صديقته شيريك (نوامي هاريس)، وحيث تكمن مهمة إيدي في انجاز مقابلة صحافية مع ذلك القاتل المتسلسل لتتكشّف القدرة الخارقة التي يستند إليها من خلال كائن الكارينج الذي يسيطر عليه.
ولا شك في كون هذا الفيلم امتدادا للجزء الأول، فإنه يرتكز في الواقع إلى سلسلة مشوقة من الأحداث الطويلة والمتشعبة التي افتقدنا أثرها في هذا الجزء، مكتفين بالفينوم الذي يتداخل بقوة مع الحياة اليومية لإيدي، وحتى لجهة علاقته العاطفية مع صديقته آني (الممثلة ميشيل ويليامز) حيث يشجّع الفينوم إيدي على العودة إليها، ولكن من دون جدوى.
والحاصل أننا سنتّجه مباشرة إلى المقارنة ما بين الجزأين لجهة الأحداث المتشعبة في الأول، والتي توقّع جمهور المشاهدين أن يتمّ نسج أحداث موازية لا تقل عنها أهمية في الجزء الثاني، لكن أسلوب الإخراج والقصة السينمائية كانا مختلفين عمّا كانا عليه في الجزء الأول، فضلا عن أن طبيعة شخصية الفينوم ذاتها وكيف نشأت وتطوّرت في الجزء الأول لم يطرح الجزء الثاني المزيد عنها.
☚ الجزء الثاني من الفيلم أطنب في سرد يوميات إيدي/الفينوم دون الدخول في صراعات موازية، والتي مثلت قوة العمل في جزئه الأول
بالطبع كان جمهور الفينوم يترقّب هذا الجزء الذي تزامن تأخير عرضه مع تطوّرات جائحة كورونا حتى وصل إلى صالات العرض السينمائي وليس إلى المنصات الرقمية، وذلك من أجل المزيد من فرص جني المكاسب المادية من شباك التذاكر، وهو ما تحقّق فعلا.
واقعيا إننا كنا نتعامل مع إيدي على أنه هو الفينوم الوحيد الذي يستقبل جسده الفايروس من دون رد فعل مضاد، ومن هذه النقطة كان قد بدأ الصراع ما بين إيدي الذي صار بلا قصد ولا نية منه إنسانا ذا قدرات خارقة، ويخوض صراعا طويلا ضد الدكتور ريوت وعصابته.
أما هنا، وفي هذا الجزء الذي يكمّل ما بدأناه مع تلك الشخصيات – أو هذا ما نفترضه في الفيلم – فإن مغامرة الفينوم لن تذهب بعيدا إلى تلك التشابكات السابقة بل إنها تعود بنا إلى الشخصية المزدوجة إيدي/الفينوم أكثر من أيّ شيء آخر.
وخلال مسار الأحداث تمّ بناء عدد من الخطوط السردية التي منحت أحداث الفيلم إقناعا ودافعا للتشويق، بل إن عنصري الطرافة والمفارقة، التي ميّزت إيدي الذي وجد نفسه في سلسلة من المآزق والمواقف الطريفة والمشوّقة، شكلا علامة فارقة خاصة في الجزء الأول من الفيلم، بينما لم يكن هناك الكثير منهما في الجزء الثاني.
الفينوم الكائن الوحشي الذي يفتك بخصومه بلا هوادة سوف يتحوّل إلى كائن أليف باقترانه مع إيدي، إنه يحاوره ويأمره ويتّفقان ويختلفان في سجالات متواصلة، وهو هنا وبدل أن يقتات على افتراس البشر صارت لدى إيدي القدرة على إقناعه بأن يأكل الدجاج والجبنة، وذلك في إطار عملية ترويض متواصلة للحدّ من وحشيته.
وفي موازاة ذلك، وكما أشرنا آنفا، تمّ الزجّ بشخصية شيريك التي هي الأخرى تنطوي على قدرات خارقة تكمل شخصية كاماج في تلك الدراما المتصاعدة، وهنا كان الهدف وهو صرف الأنظار ولو جزئيا عن الكثير من التفاصيل والأفعال المنتظرة والمرتبطة بالفينوم في مقابل التركيز على ما هو مستحدث في شخصية القاتل المتسلسل وصديقته، فيما هو يهمّ بالكشف عن أماكن دفن ضحاياه ومن ثمة، وبتلك القدرة الخارقة، يتمكّن من الإفلات والهروب من السجن.
هذا النوع من الأفلام بالطبع هو من ذلك الخزين المعتاد الذي لا يكاد ينفد من الكوكميكس في سلسلة مارفيل التي أخذت منها السينما الأميركية الكثير في إطار تقديم الشخصيات الخارقة التي تخوض صراعا ضد الأشرار في بيئات وأماكن وظروف مختلفة، وهذه هي المرة الثانية التي تدخل فيها الشركة العملاقة سوني في إنتاج هذا النوع من الأفلام بعد فيلم “الرجل العنكبوت”.
والفيلم عوّل عليه كثيرا كي يكون من الأفلام المهمة في هذا الموسم، بناءا على النجاح الذي حقّقه في جزئه الأول، وقد استطاع المخرج أن يمزج مزجا متقنا ما بين سيناريو الخيال العلمي والحركة والمغامرات والعنف محاولا اقتفاء أثر ما تم إنجازه في الجزء الأول، لكن ليس بنفس الأسلوب ولا بمستوى البناء الدرامي وتنوّع الخطوط السردية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن