أم – أندرويد: ميليشيا روبوتية تتمرد للقضاء على البشر
الإنسان يصنع الآلة ويطوعها لإفناء بني جنسه.
رحلة هرب محفوفة بالمخاطر
تتسابق الدول والحكومات منذ عقود على الابتكارات التقنية وتصدر عالم الذكاء الاصطناعي، وتصنيع الروبوتات الذكية التي باتت قادرة على تعويض الإنسان في العديد من المجالات، لكن ماذا إن تمردت هذه الروبوتات يوما ما، وهو ما يتخوف منه الكثير من الخبراء، أو إن تمرّد مخترعوها؟ بالتأكيد سندخل في دوامة حرب مدمرة ينتصر فيها العقل الآلي على العقل البشري الذي صنعه.
في مجتمعات أكثر تطورا يسود فيها الذكاء الاصطناعي وتصل إلى درجة الاستخدام اليومي للروبوت – البشري سوف تواجه مرحلة يختصرها الخيال العلمي في سؤال خلاصته ماذا لو أن تلك الروبوتات التي تشبه البشر قد وصلت إلى مرحلة من التطور تجعلها قادرة على اتخاذ قرارات خطيرة ومنها الاتحاد ضد البشر والسعي لإبادتهم؟
هذا السؤال سبق وطرح بقوة من خلال سلسلة فيلم ماتريكس والذي سبق وأن كتبنا عنه بإسهاب في مقال سابق بصحيفة “العرب”، أما في هذا الفيلم للمخرج ماتسون توملين، وهو مخرج أميركي من أصول رومانية ومن مواليد 1990، فإن القصة سوف تتفاقم من منطلق مساحة اجتماعية محدودة للغاية.
☚ المخرج ماتسون توملين يركز على الشحن العاطفي والحسي فينجح في نقل أشد المشاعر إيلاما وما يهدد حياة المجموعة
ومن خلال شخصية الفتاة جورجيا (الممثلة كلوي مورتيز) التي توجه إليها دعوة لحضور حفل ليلي لتكتشف في تلك الليلة أنها حامل، وهو أمر لم تحسب له حسابا، فقد كانت على وشك الانفصال عن سام (الممثل الغي سميث)، تشعر بالغضب من نفسها لهذا الأمر فيما وجد سام نفسه أمام الأمر الواقع.
في موازاة ذلك وفي لحظة غير متوقعة خلال الحفل، يقع ما لم يكن في الحسبان، فتتمرد الروبوتات وتنجو البطلة وصديقها بأعجوبة من مجزرة ارتكبها الروبوتات الخدم الذين كانوا يخدمون الضيوف في الحفل، وهنا يبدأ الفرار العظيم إلى البرية وتصبح الغابات ملاذا للاختباء.
ينقلنا الفيلم ليس مكانيا فحسب بل حسيّا وعاطفيا مع مأساة ومعاناة جورجيا في وضعها الجديد الذي بدأت تتكيف معه فلا يكون هنالك من سبيل إلا الاحتماء بوحدة من وحدات الجيش يقيمون فيها، لكن العراك الذي يخوضه سام مع أحد الجنود سوف يؤدي إلى طردهما من القاعدة العسكرية.
يركز المخرج توملين على الشحن العاطفي والحسي فينجح في نقل أشد المشاعر إيلاما بالانقطاع عن العالم الخارجي وما يهدد حياة المجموعة، لاسيما وأن تلك الروبوتات المتوحشة صارت تمتلك قدرة على الاستبصار بعيونها الشبيهة بعيون الحيوانات المشعة في الظلام فضلا عن حساسيتها المفرطة للصوت وقدرتها الفائقة على السماع، فيحملنا المخرج مع هذه القدرات الخارقة نحو مشاهد مطاردات تحبس الأنفاس.
ولعلّ أحد أجمل المشاهد المصنوعة ببراعة ملفتة للنظر هو ذلك الذي تم تصويره في وسط طرق الغابة المتعرجة فيما جورجيا وسام استطاعا الحصول على دراجة نارية انطلقا بها هربا من الوحوش الآليين وهو ما يزيد من شراستهم. ووقع ذلك في سياق سردي كانت السمة الغالبة عليه هو مشاهد الحركة والمطاردات لاسيما مع معاناة جورجيا من كونها على وشك الوضع.
أما إذا انتقلنا إلى القسم الثاني من الفيلم فقد أفرده المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو لجورجيا وحدها وبذلك زاد من جرعة المعاناة والمخاطر التي تحف بها.
فبينما يخرج سام لتشتيت انتباه الآليين الذين حاصروهما تختبئ جورجيا تحت صخرة ويظل مصير صديقها سام مجهولا فلا نسمع في وسط الغابة سوى الصياح وإطلاق الرصاص.
روبوتات تتمرد على صانعها أم بإشرافه
ويشتغل المخرج بعناية على مشاهد الإحساس بالرعب والهلع الذي يتملك البشر بعد افتقادهم للقوة التي بإمكانها أن تنجيهم من دموية الآليين، فهم في هذا الفيلم صورة أخرى موازية لشخصيات الفامباير التي عهدناها في كثير من أفلام الخيال العلمي عندما تصاب الكائنات البشرية بسعار جرّاء تفشي وباء مجهول يحدث بالمصابين تغيرات جينية تحولهم إلى مصاصي دماء.
أما في هذه التراجيديا فإن إشكالية الاختلاط ما بين الآلي والبشري هي المسألة الإشكالية الصعبة، وهو ما سبق وشاهدناه في ماتريكس ما بين نيو ومجموعته من جهة والمخبر سميث وصورته البشرية – الآلية المتكررة أو المشابهة من جهة أخرى.
إشكالية الاختلاط ما بين الآلي والبشري هي المسألة الإشكالية الصعبة التي يعالجها فيلم أم – أندرويد
والحاصل أن جورجيا في عزلتها ومعاناتها سوف تفتح أفقا على احتمالات لا تنتهي لكن المخرج سوف يدخلنا في حبكة ثانوية أو فرعية من خلال إيجاد شخصية يفترض أنها من الناجين، وهو مهندس كمبيوتر يعيش في عزلة في وسط حاوية فولاذية اتخذها لنفسه ملاذا خفيا وهو الذي تمكن من تصنيع ستر معززة بخوارزميات تحول دون تشخيص الآليين لوجود البشر وبهذا سوف تتمكن جورجيا من الوصول إلى سام حيث تجده أسيرا للآليين المتمردين ويتعرّض إلى تعذيبهم المستمر له.
هذا التحول في الدراما الفيلمية واستمرار ذلك المهندس المزعوم برعاية جورجيا في التحكم في الروبوتات يقودنا إلى المزيد من مشاهد حبس الأنفاس وخاصة المواقف الصعبة التي تكون فيها جورجيا في مواجهة الآليين وهم يتجولون في داخل المبنى الذي يحتجزون فيه سام.
ثم تكتشف المفارقة أن ذلك المهندس المسالم لم يكن إلا زعيما للآليين وهو الذي يقوم ببرمجتهم فيحاول قتلها. وهنا سوف نتوقف عند هذا المسار المتنوع لأداء الشخصيات وهي تواجه قدرها في وسط كارثة جعلت المدن الأميركية محاصرة في أغلبها وبعضها سقطت تحت قبضة الآليين الذين يتحولون في هذا الفيلم إلى نوع من الميليشيا شديدة التوحش والمشحونة بنزعة للانتقام من البشر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
الإنسان يصنع الآلة ويطوعها لإفناء بني جنسه.
رحلة هرب محفوفة بالمخاطر
تتسابق الدول والحكومات منذ عقود على الابتكارات التقنية وتصدر عالم الذكاء الاصطناعي، وتصنيع الروبوتات الذكية التي باتت قادرة على تعويض الإنسان في العديد من المجالات، لكن ماذا إن تمردت هذه الروبوتات يوما ما، وهو ما يتخوف منه الكثير من الخبراء، أو إن تمرّد مخترعوها؟ بالتأكيد سندخل في دوامة حرب مدمرة ينتصر فيها العقل الآلي على العقل البشري الذي صنعه.
في مجتمعات أكثر تطورا يسود فيها الذكاء الاصطناعي وتصل إلى درجة الاستخدام اليومي للروبوت – البشري سوف تواجه مرحلة يختصرها الخيال العلمي في سؤال خلاصته ماذا لو أن تلك الروبوتات التي تشبه البشر قد وصلت إلى مرحلة من التطور تجعلها قادرة على اتخاذ قرارات خطيرة ومنها الاتحاد ضد البشر والسعي لإبادتهم؟
هذا السؤال سبق وطرح بقوة من خلال سلسلة فيلم ماتريكس والذي سبق وأن كتبنا عنه بإسهاب في مقال سابق بصحيفة “العرب”، أما في هذا الفيلم للمخرج ماتسون توملين، وهو مخرج أميركي من أصول رومانية ومن مواليد 1990، فإن القصة سوف تتفاقم من منطلق مساحة اجتماعية محدودة للغاية.
☚ المخرج ماتسون توملين يركز على الشحن العاطفي والحسي فينجح في نقل أشد المشاعر إيلاما وما يهدد حياة المجموعة
ومن خلال شخصية الفتاة جورجيا (الممثلة كلوي مورتيز) التي توجه إليها دعوة لحضور حفل ليلي لتكتشف في تلك الليلة أنها حامل، وهو أمر لم تحسب له حسابا، فقد كانت على وشك الانفصال عن سام (الممثل الغي سميث)، تشعر بالغضب من نفسها لهذا الأمر فيما وجد سام نفسه أمام الأمر الواقع.
في موازاة ذلك وفي لحظة غير متوقعة خلال الحفل، يقع ما لم يكن في الحسبان، فتتمرد الروبوتات وتنجو البطلة وصديقها بأعجوبة من مجزرة ارتكبها الروبوتات الخدم الذين كانوا يخدمون الضيوف في الحفل، وهنا يبدأ الفرار العظيم إلى البرية وتصبح الغابات ملاذا للاختباء.
ينقلنا الفيلم ليس مكانيا فحسب بل حسيّا وعاطفيا مع مأساة ومعاناة جورجيا في وضعها الجديد الذي بدأت تتكيف معه فلا يكون هنالك من سبيل إلا الاحتماء بوحدة من وحدات الجيش يقيمون فيها، لكن العراك الذي يخوضه سام مع أحد الجنود سوف يؤدي إلى طردهما من القاعدة العسكرية.
يركز المخرج توملين على الشحن العاطفي والحسي فينجح في نقل أشد المشاعر إيلاما بالانقطاع عن العالم الخارجي وما يهدد حياة المجموعة، لاسيما وأن تلك الروبوتات المتوحشة صارت تمتلك قدرة على الاستبصار بعيونها الشبيهة بعيون الحيوانات المشعة في الظلام فضلا عن حساسيتها المفرطة للصوت وقدرتها الفائقة على السماع، فيحملنا المخرج مع هذه القدرات الخارقة نحو مشاهد مطاردات تحبس الأنفاس.
ولعلّ أحد أجمل المشاهد المصنوعة ببراعة ملفتة للنظر هو ذلك الذي تم تصويره في وسط طرق الغابة المتعرجة فيما جورجيا وسام استطاعا الحصول على دراجة نارية انطلقا بها هربا من الوحوش الآليين وهو ما يزيد من شراستهم. ووقع ذلك في سياق سردي كانت السمة الغالبة عليه هو مشاهد الحركة والمطاردات لاسيما مع معاناة جورجيا من كونها على وشك الوضع.
أما إذا انتقلنا إلى القسم الثاني من الفيلم فقد أفرده المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو لجورجيا وحدها وبذلك زاد من جرعة المعاناة والمخاطر التي تحف بها.
فبينما يخرج سام لتشتيت انتباه الآليين الذين حاصروهما تختبئ جورجيا تحت صخرة ويظل مصير صديقها سام مجهولا فلا نسمع في وسط الغابة سوى الصياح وإطلاق الرصاص.
روبوتات تتمرد على صانعها أم بإشرافه
ويشتغل المخرج بعناية على مشاهد الإحساس بالرعب والهلع الذي يتملك البشر بعد افتقادهم للقوة التي بإمكانها أن تنجيهم من دموية الآليين، فهم في هذا الفيلم صورة أخرى موازية لشخصيات الفامباير التي عهدناها في كثير من أفلام الخيال العلمي عندما تصاب الكائنات البشرية بسعار جرّاء تفشي وباء مجهول يحدث بالمصابين تغيرات جينية تحولهم إلى مصاصي دماء.
أما في هذه التراجيديا فإن إشكالية الاختلاط ما بين الآلي والبشري هي المسألة الإشكالية الصعبة، وهو ما سبق وشاهدناه في ماتريكس ما بين نيو ومجموعته من جهة والمخبر سميث وصورته البشرية – الآلية المتكررة أو المشابهة من جهة أخرى.
إشكالية الاختلاط ما بين الآلي والبشري هي المسألة الإشكالية الصعبة التي يعالجها فيلم أم – أندرويد
والحاصل أن جورجيا في عزلتها ومعاناتها سوف تفتح أفقا على احتمالات لا تنتهي لكن المخرج سوف يدخلنا في حبكة ثانوية أو فرعية من خلال إيجاد شخصية يفترض أنها من الناجين، وهو مهندس كمبيوتر يعيش في عزلة في وسط حاوية فولاذية اتخذها لنفسه ملاذا خفيا وهو الذي تمكن من تصنيع ستر معززة بخوارزميات تحول دون تشخيص الآليين لوجود البشر وبهذا سوف تتمكن جورجيا من الوصول إلى سام حيث تجده أسيرا للآليين المتمردين ويتعرّض إلى تعذيبهم المستمر له.
هذا التحول في الدراما الفيلمية واستمرار ذلك المهندس المزعوم برعاية جورجيا في التحكم في الروبوتات يقودنا إلى المزيد من مشاهد حبس الأنفاس وخاصة المواقف الصعبة التي تكون فيها جورجيا في مواجهة الآليين وهم يتجولون في داخل المبنى الذي يحتجزون فيه سام.
ثم تكتشف المفارقة أن ذلك المهندس المسالم لم يكن إلا زعيما للآليين وهو الذي يقوم ببرمجتهم فيحاول قتلها. وهنا سوف نتوقف عند هذا المسار المتنوع لأداء الشخصيات وهي تواجه قدرها في وسط كارثة جعلت المدن الأميركية محاصرة في أغلبها وبعضها سقطت تحت قبضة الآليين الذين يتحولون في هذا الفيلم إلى نوع من الميليشيا شديدة التوحش والمشحونة بنزعة للانتقام من البشر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن