زلازلنا وزلازلهم
الفرق بيننا وبين اليابانيين أن الزلزال عندنا يستعين علينا بالفساد، وأنهم يستعينون على الزلازل بالقانون والصرامة في تطبيقه وبالحوكمة الرشيدة ويقظة الضمير.
الأحد 2023/02/19
انشرWhatsAppTwitterFacebook
البنايات الجديدة تستسلم لأول هزة أرضية
ما الذي يجعل بناية قديمة تصمد في وجه الزلزال المدمر رغم أن عمرها يتجاوز 100 عام، في حين استسلمت البنايات الجديدة لأول هزة أرضية وانهارت على رؤوس ساكنيها في ذلك المشهد المأساوي الذي شاهده العالم؟
هذا الموقف تكرر كثيرا ليفضح الواقع المزري في مجتمعاتنا المنهكة تماما بظواهر الفساد في مختلف تشكلاتها تحت غطاء سلطات عادة ما ترعى الفاسدين وتتقاسم معهم الغنائم إلى حين يقع الفأس في الرأس كما حصل قبل أيام في سوريا وتركيا.
في كثير من الدول، صمدت بنايات موروثة عن زمن الاستعمار الخارجي أمام الهزات الأرضية العنيفة، وسقطت بنايات الدولة الوطنية التي أشرف على تشييدها متعهد البناء الوطني الناشط في الحزب الحاكم والقريب من وزراء الأشغال العامة والتجهيز، وتم تعويضها ببناءات أخرى سرعان ما انهارت بسبب أول زلزال جديد.
نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي وجه أصابع الاتهام إلى 134 مقاولا في أنحاء البلاد في ما يتعلق ببناء مبان دمرها الزلزال الذي هزّ البلاد قبل أيام، وتم توقيف البعض منهم في المطارات أثناء محاولتهم الفرار من البلاد وبحوزتهم مبالغ نقدية كبيرة. فيما أرسلت وزارة العدل خطابا إلى النائب العام لإنشاء “مكاتب للتحقيق في جرائم الزلازل”.
في السابع عشر من أغسطس 1999 شهدت تركيا وقوع زلزال بلغت قوته 7.4 درجات وأسفر عن مقتل أكثر من 18 ألفا، وبعده بعامين جرى سن تشريع جديد بشأن عمليات التفتيش للمباني المقاومة للزلازل، ثم جرى تحديث الضوابط عام 2018 حتى تواكب أحدث المعايير التقنية والعلمية.
لكن المفاجأة أظهرت أن 51 في المئة من المباني التي تهدمت خلال زلزال فبراير الجاري تم إنشاؤها بعد العام 2001 بما يشير إلى أن الفساد ماض في سبيله نحو تحقيق أهدافه وهو لا يتراجع عنها طالما أنه يستند إلى سلطات تحتضنه أوقات الراحة ولا تفكر في مكافحته إلا عندما تجد نفسها في مواقف محرجة كلحظات انفضاح أمره واتضاح ملامحه أمام الشعب القريب والبعيد.
تعتبر اليابان من أكثر دول العالم عرضة للأنشطة الزلزالية إن لم تكن الأولى في هذا السياق، ولذلك اعتمدت قوانين صارمة لتشييد المباني، واستطاعت أن تصل إلى مرحلة التعايش مع الظاهرة والتكيف معها وكأنها حولت قسوة الطبيعة إلى حركات رياضية تمارسها الصفيحة الأرضية في ذلك الركن القصي من العالم.
لنأخذ مثالا على ذلك زلزال السادس عشر من مارس 2022 الذي ضرب فوكوشيما بقوة 7.3 درجات وخلّف أربعة قتلى وزلزال 20 مارس 2021 الذي لم يخلف أي ضحية رغم أن قوته بلغت 7 درجات.
الفرق بيننا وبين اليابانيين أن الزلزال عندنا يستعين علينا بالفساد، وأنهم يستعينون على الزلازل بالقانون والصرامة في تطبيقه وبالحوكمة الرشيدة ويقظة الضمير
الفرق بيننا وبين اليابانيين أن الزلزال عندنا يستعين علينا بالفساد، وأنهم يستعينون على الزلازل بالقانون والصرامة في تطبيقه وبالحوكمة الرشيدة ويقظة الضمير.
الأحد 2023/02/19
انشرWhatsAppTwitterFacebook
البنايات الجديدة تستسلم لأول هزة أرضية
ما الذي يجعل بناية قديمة تصمد في وجه الزلزال المدمر رغم أن عمرها يتجاوز 100 عام، في حين استسلمت البنايات الجديدة لأول هزة أرضية وانهارت على رؤوس ساكنيها في ذلك المشهد المأساوي الذي شاهده العالم؟
هذا الموقف تكرر كثيرا ليفضح الواقع المزري في مجتمعاتنا المنهكة تماما بظواهر الفساد في مختلف تشكلاتها تحت غطاء سلطات عادة ما ترعى الفاسدين وتتقاسم معهم الغنائم إلى حين يقع الفأس في الرأس كما حصل قبل أيام في سوريا وتركيا.
في كثير من الدول، صمدت بنايات موروثة عن زمن الاستعمار الخارجي أمام الهزات الأرضية العنيفة، وسقطت بنايات الدولة الوطنية التي أشرف على تشييدها متعهد البناء الوطني الناشط في الحزب الحاكم والقريب من وزراء الأشغال العامة والتجهيز، وتم تعويضها ببناءات أخرى سرعان ما انهارت بسبب أول زلزال جديد.
نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي وجه أصابع الاتهام إلى 134 مقاولا في أنحاء البلاد في ما يتعلق ببناء مبان دمرها الزلزال الذي هزّ البلاد قبل أيام، وتم توقيف البعض منهم في المطارات أثناء محاولتهم الفرار من البلاد وبحوزتهم مبالغ نقدية كبيرة. فيما أرسلت وزارة العدل خطابا إلى النائب العام لإنشاء “مكاتب للتحقيق في جرائم الزلازل”.
في السابع عشر من أغسطس 1999 شهدت تركيا وقوع زلزال بلغت قوته 7.4 درجات وأسفر عن مقتل أكثر من 18 ألفا، وبعده بعامين جرى سن تشريع جديد بشأن عمليات التفتيش للمباني المقاومة للزلازل، ثم جرى تحديث الضوابط عام 2018 حتى تواكب أحدث المعايير التقنية والعلمية.
لكن المفاجأة أظهرت أن 51 في المئة من المباني التي تهدمت خلال زلزال فبراير الجاري تم إنشاؤها بعد العام 2001 بما يشير إلى أن الفساد ماض في سبيله نحو تحقيق أهدافه وهو لا يتراجع عنها طالما أنه يستند إلى سلطات تحتضنه أوقات الراحة ولا تفكر في مكافحته إلا عندما تجد نفسها في مواقف محرجة كلحظات انفضاح أمره واتضاح ملامحه أمام الشعب القريب والبعيد.
تعتبر اليابان من أكثر دول العالم عرضة للأنشطة الزلزالية إن لم تكن الأولى في هذا السياق، ولذلك اعتمدت قوانين صارمة لتشييد المباني، واستطاعت أن تصل إلى مرحلة التعايش مع الظاهرة والتكيف معها وكأنها حولت قسوة الطبيعة إلى حركات رياضية تمارسها الصفيحة الأرضية في ذلك الركن القصي من العالم.
لنأخذ مثالا على ذلك زلزال السادس عشر من مارس 2022 الذي ضرب فوكوشيما بقوة 7.3 درجات وخلّف أربعة قتلى وزلزال 20 مارس 2021 الذي لم يخلف أي ضحية رغم أن قوته بلغت 7 درجات.
الفرق بيننا وبين اليابانيين أن الزلزال عندنا يستعين علينا بالفساد، وأنهم يستعينون على الزلازل بالقانون والصرامة في تطبيقه وبالحوكمة الرشيدة ويقظة الضمير