هوسرل (ادموند)
Husserl (Edmund-) - Husserl (Edmund-)
هوسرل (إدموند ـ)
(1859 ـ 1938)
هوسرل Edmund Husserl فيلسوف مثالي ألماني، ولد في مدينة بروسنتز Prossnitz في مورافيا لأبوين يهوديين، وتُوفِّي في فرايبورغ Freiburg. درس الرياضيات في ڤيينا، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1883، ثم تحول إلى الفلسفة بتأثير فرانتس برنتانو Franz Brentano، ووجد أن الفلسفة لا تقوم إلا في علم مثالي كالرياضيات. عُيِّن أستاذاً للفلسفة بجامعة غوتينغن Göttingen ثم بجامعة فرايبورغ (الألمانيتين). وهب حياته لتأسيس صرح علم فلسفي جديد أسماه علم الظواهر[ر] phenomenology يهدف إلى توخي الدقة والصدق بوصف الظواهر وترتيبها في إحكام، ثم شرح المعاني الإنسانية في العلوم، وأنجز ذلك بوساطة فكرة القصدية[ر] كما بدت عند برنتانو دون أن يتبنى موقفه في بناء الفلسفة على أساس علم النفس. ترك هوسرل مؤلفات؛ أولها «فلسفة علم الحساب» Philosophy of Arithmetic ت(1891) و«بحوث منطقية» Logical Investigations (في مجلدين عامي1900-1901) و«أفكار: مقدمة عامة لفلسفة ظاهرية خالصة» Ideas: General Introduction to Pure phenomenology و«تأملات ديكارتية» Descartesian Meditations ت(1931).
تقسم حياته الفكرية إلى مرحلتين: تأثر في المرحلة الأولى بالاتجاه النفساني في الفلسفة، والذي كان ينظر إلى مضامين المعرفة وحقائق الواقع على أنها مجرد تمثلات ذاتية لا وجود لها إلا بعدِّها ظواهر «سيكولوجية»، ففي كتابه «فلسفة علم الحساب» ناقش الأعداد الحسابية وما إذا كانت مجرد نتاج لعمليات الربط «السيكولوجي» أم انعكاس لحقيقة موضوعية ما، ورجح الاحتمال «السيكولوجي»، فحاول أن يفسر مفهوم العدد بتحليل فعل العدّ أو نشاط، ولكنه عدل عنه في المرحلة الثانية من تطوره الفكري، ففي كتاب «البحوث المنطقية» ذهب إلى أن العلاقات المنطقية لا تخضع بحال من الأحوال للتأثيرات السيكولوجية، وليست موضوعاً لأي اتفاق أو مواصفة كما يقول أصحاب المنطق الوصفي مثلاً، ولا تنتمي من جهة ثانية إلى عالم الأشياء، بل هي علاقات من نوع خاص تتبع عالماً خاصاً هو عالم «الماهيات» المعقولة المستقل عن العقل الفردي وعن كل العقول، وهذه الماهيات أو الحقائق الثابتة هي ما تجعل الأفراد يتفقون حولها، فيصدرون أحكامهم التي تصلح لكل زمان ومكان (مثلاً 2+2=4)، وهذا يكسبها موضوعية لم تكن لها في الاتجاهات النفسانية، فهي ليست من صنع الشعور أو إملائه، بل يتجه إليها أو يقصدها، وكان هذا فاتحة نظريته في «المعنى القصدي» الذي طبقها هوسرل ليس فقط في ميدان الأحكام المنطقية، بل في ميدان الإدراك والعواطف والانفعالات والقيم، وكانت أساساً لفلسفته الظاهراتية Phenomenalism.
يرى هوسرل في الفلسفة «منهجاً جديداً للبحث عن الحقيقة»، فيضع مبدأين رئيسين؛ الأول: هو التحرر من كل رأي سابق أو حكم مالم يكن مبرهناً برهاناً ضرورياً أو مستمداً بالبداهة، وهي حالة تشبه الشك الديكارتي مع فارق جوهري أن هوسرل لا يعتمد الشك الكلي، ويصطنع منهج التوقف عن الحكم أو وضع بعض عناصر الموضوع بين قوسين «_» واستبعادها من التأمل، والانصراف بالوعي إلى الماهية الخالصة؛ لذلك فهو يضع بين قوسين «العالم الطبيعي بأسره»، فيعلّق الحكم على الأشياء لتأمل خصائصها الجوهرية كما هي معطاة للشعور ملتزماً الوصف الصادق الذي يتيح للعقل تناول الموضوعات أو الأشياء دون وساطة، والمبدأ الثاني: النظر إلى الأشياء والوقائع بذاتها كما هي حاضرة في الشعور، وذلك في إطار عملية تسمى الرد reduction إلى الذات، فيحدث بالرجوع إلى الوعي حدس ظواهر العالم وماهياته، فيبدو العالم ظاهرة مباشرة للشعور الخالص يواجه فيها الشعور الموضوعات والحقائق الخارجية والباطنية، ويلتقيها كما هي ماثلة في حقل الشعور، وهذه حقيقة فكرة قصدية الشعور عند هوسرل، فالشعور قائم على فكرة الاتجاه أو القصد، بمعنى أن لكل فعل من أفعال الشعور أو الوعي موضوعاً خاصاً يتجه نحوه، أي طابع قصدي، فهو دائماً «شعور بـ»، فالشعور لا يخلق موضوعه بل يجده ماثلاً أمامه على نحو ما، ووجود الموضوع أمام الشعور هو الذي يضمن عدم تقوقع الشعور على ذاته وتوجهه دائماً إلى موضوع يغايره، وعليه فالمعرفة بحسب هوسرل هي دراسة الموضوعات كما تبدو ظاهرة في الشعور، وهذه الموضوعات الماثلة في الوجدان أو الشعور هي «ماهيات» (ظواهر) معينة مدركة مباشرة كاللون والطعم والرائحة ونحوها، وتكون علاقة الفكر بموضوعاته علاقة تضايف، ومعرفة تلك الموضوعات هي فعل نفسي يقصد دائماً موضوعه، لأنه يتوجب على الموضوع المعروف أن يستمد من الواقع ويدرك بالحواس الظاهرة والباطنة، وتترك له خصائصه التي يكشف العقل عنها ويوضحها «معنى» أو موضوع أصيل لا يرد إلى عناصره وهنا تتعين مهمة «الفينومينولوجيا» كوصف بنية الشعور الخالص في علاقته بموضوعات العالم واستخلاص معنى الظواهر بإرجاعها إلى البنية المقابلة لها في الشعور الخالص، وبهذا فقط يمكن تحقيق نموذج العلم الأصلي عند هوسرل والذي مجاله الذات الخالصة أو «الترانسندنتالية» Transcendental (المتعالية)، وهي تلك التجربة الباطنة الحية للأنا بعلاقتها بمجموع العالم التي تجاوز أي تقابل بين الذات والموضوع، وباختصار: فإن الفلسفة بوصفها علماً دقيقاً هي ذلك العلم الكلي الذي يقف على المعرفة بالماهيات وخصائصها الثابتة.
سوسان إلياس
Husserl (Edmund-) - Husserl (Edmund-)
هوسرل (إدموند ـ)
(1859 ـ 1938)
تقسم حياته الفكرية إلى مرحلتين: تأثر في المرحلة الأولى بالاتجاه النفساني في الفلسفة، والذي كان ينظر إلى مضامين المعرفة وحقائق الواقع على أنها مجرد تمثلات ذاتية لا وجود لها إلا بعدِّها ظواهر «سيكولوجية»، ففي كتابه «فلسفة علم الحساب» ناقش الأعداد الحسابية وما إذا كانت مجرد نتاج لعمليات الربط «السيكولوجي» أم انعكاس لحقيقة موضوعية ما، ورجح الاحتمال «السيكولوجي»، فحاول أن يفسر مفهوم العدد بتحليل فعل العدّ أو نشاط، ولكنه عدل عنه في المرحلة الثانية من تطوره الفكري، ففي كتاب «البحوث المنطقية» ذهب إلى أن العلاقات المنطقية لا تخضع بحال من الأحوال للتأثيرات السيكولوجية، وليست موضوعاً لأي اتفاق أو مواصفة كما يقول أصحاب المنطق الوصفي مثلاً، ولا تنتمي من جهة ثانية إلى عالم الأشياء، بل هي علاقات من نوع خاص تتبع عالماً خاصاً هو عالم «الماهيات» المعقولة المستقل عن العقل الفردي وعن كل العقول، وهذه الماهيات أو الحقائق الثابتة هي ما تجعل الأفراد يتفقون حولها، فيصدرون أحكامهم التي تصلح لكل زمان ومكان (مثلاً 2+2=4)، وهذا يكسبها موضوعية لم تكن لها في الاتجاهات النفسانية، فهي ليست من صنع الشعور أو إملائه، بل يتجه إليها أو يقصدها، وكان هذا فاتحة نظريته في «المعنى القصدي» الذي طبقها هوسرل ليس فقط في ميدان الأحكام المنطقية، بل في ميدان الإدراك والعواطف والانفعالات والقيم، وكانت أساساً لفلسفته الظاهراتية Phenomenalism.
يرى هوسرل في الفلسفة «منهجاً جديداً للبحث عن الحقيقة»، فيضع مبدأين رئيسين؛ الأول: هو التحرر من كل رأي سابق أو حكم مالم يكن مبرهناً برهاناً ضرورياً أو مستمداً بالبداهة، وهي حالة تشبه الشك الديكارتي مع فارق جوهري أن هوسرل لا يعتمد الشك الكلي، ويصطنع منهج التوقف عن الحكم أو وضع بعض عناصر الموضوع بين قوسين «_» واستبعادها من التأمل، والانصراف بالوعي إلى الماهية الخالصة؛ لذلك فهو يضع بين قوسين «العالم الطبيعي بأسره»، فيعلّق الحكم على الأشياء لتأمل خصائصها الجوهرية كما هي معطاة للشعور ملتزماً الوصف الصادق الذي يتيح للعقل تناول الموضوعات أو الأشياء دون وساطة، والمبدأ الثاني: النظر إلى الأشياء والوقائع بذاتها كما هي حاضرة في الشعور، وذلك في إطار عملية تسمى الرد reduction إلى الذات، فيحدث بالرجوع إلى الوعي حدس ظواهر العالم وماهياته، فيبدو العالم ظاهرة مباشرة للشعور الخالص يواجه فيها الشعور الموضوعات والحقائق الخارجية والباطنية، ويلتقيها كما هي ماثلة في حقل الشعور، وهذه حقيقة فكرة قصدية الشعور عند هوسرل، فالشعور قائم على فكرة الاتجاه أو القصد، بمعنى أن لكل فعل من أفعال الشعور أو الوعي موضوعاً خاصاً يتجه نحوه، أي طابع قصدي، فهو دائماً «شعور بـ»، فالشعور لا يخلق موضوعه بل يجده ماثلاً أمامه على نحو ما، ووجود الموضوع أمام الشعور هو الذي يضمن عدم تقوقع الشعور على ذاته وتوجهه دائماً إلى موضوع يغايره، وعليه فالمعرفة بحسب هوسرل هي دراسة الموضوعات كما تبدو ظاهرة في الشعور، وهذه الموضوعات الماثلة في الوجدان أو الشعور هي «ماهيات» (ظواهر) معينة مدركة مباشرة كاللون والطعم والرائحة ونحوها، وتكون علاقة الفكر بموضوعاته علاقة تضايف، ومعرفة تلك الموضوعات هي فعل نفسي يقصد دائماً موضوعه، لأنه يتوجب على الموضوع المعروف أن يستمد من الواقع ويدرك بالحواس الظاهرة والباطنة، وتترك له خصائصه التي يكشف العقل عنها ويوضحها «معنى» أو موضوع أصيل لا يرد إلى عناصره وهنا تتعين مهمة «الفينومينولوجيا» كوصف بنية الشعور الخالص في علاقته بموضوعات العالم واستخلاص معنى الظواهر بإرجاعها إلى البنية المقابلة لها في الشعور الخالص، وبهذا فقط يمكن تحقيق نموذج العلم الأصلي عند هوسرل والذي مجاله الذات الخالصة أو «الترانسندنتالية» Transcendental (المتعالية)، وهي تلك التجربة الباطنة الحية للأنا بعلاقتها بمجموع العالم التي تجاوز أي تقابل بين الذات والموضوع، وباختصار: فإن الفلسفة بوصفها علماً دقيقاً هي ذلك العلم الكلي الذي يقف على المعرفة بالماهيات وخصائصها الثابتة.
سوسان إلياس