بوبليوس إيليوس هادريانوس Publius Aelius Hadrianus أحد أشهر الأباطرة الرومان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بوبليوس إيليوس هادريانوس Publius Aelius Hadrianus أحد أشهر الأباطرة الرومان

    هادريانوس

    Hadrian - Hadrien

    هادريانوس
    (76 ـ 138م)
    هو بوبليوس إيليوس هادريانوس Publius Aelius Hadrianus أحد أشهر الأباطرة الرومان وأكثرهم ثقافة واهتماماً بشؤون الامبراطورية التي عاشت في عهده أزهى عصورها.
    ولد في مستعمرة إيتاليكا Italica الإسبانية الواقعة بالقرب من مدينة قرطبة لأسرة سناتورية رومانية. بعد موت والده عام 85م صار يتيم الأبوين فتعهده بالرعاية قريبه الامبراطور اللاحق ترايانوس Trajanus ونشأ في روما ونهل من علومها وثقافتها. بدأ حياته العسكرية منذ عام 95م ضابطاً في الجيش الروماني وقائداً لإحدى الفرق العسكرية وشارك في الحروب الداكية تحت قيادة الامبراطور ترايانوس وتولى مناصب إدارية مختلفة أظهر فيها كفاءته ومقدرته.
    تزوج ابنة أخت ترايانوس المدعوة سابينا Sabina وكان يحظى بثقة الامبراطورة بلوتينا Plotina وتقديرها والتي دعمت وصوله إلى العرش.
    كان والياً على سورية عندما توفي الامبراطور ترايانوس عام 117م في كيليكيا وهو في طريقه إلى روما والذي أعلن تبنيه هادريانوس وهو على فراش الموت، وهكذا نودي به امبراطوراً في إنطاكية وصادق مجلس الشيوخ الروماني على هذا الاختيار.
    واجه في البداية مشكلة حروب ترايانوس في الشرق فقرر التخلي عن فتوحات سلفه ولم يحتفظ إلا بالولاية العربية وولاية داكيا (رومانيا حالياً)، في حين عادت المملكة الفرثية وأرمينيا إلى ملوكها الأصليين وعاد نهر الفرات ليشكل الحدود بين الامبراطوريتين الرومانية والفرثية. وقد أثار ذلك غضب قواد ترايانوس الكبار وبدؤوا بالتآمر عليه، فأمر بإعدام أربعة من زعمائهم وعلى رأسهم كورنيليوس بالما Cornelius Palma الذي احتل البتراء وقضى على مملكة الأنباط.
    عاد بعدها مسرعاً إلى روما وأقام موكب نصر كبير باسم الامبراطور ترايانوس وجدد الامتيازات الممنوحة لمجلس الشيوخ وأعلن إلغاء الديون المترتبة للدولة بقيمة 900 مليون سسترس، كما وزع كثيراً من الأعطيات على الناس والجنود وأقام احتفالات جماهيرية كبيرة لزيادة شعبيته. كما توسع أيضاً في برنامج الرعاية الاجتماعية المعروفة باسم أليمنتا Alimenta لمساعدة الأيتام والأطفال الفقراء. اهتم هادريانوس بالإدارة الامبراطورية فأنشأ مجلساً استشارياً للامبراطور وأحدث سلكاً وظيفياً جديداً للأمور المدنية والمالية، كما عمل على جعل القوانين أكثر موضوعية وعدالة وإنسانية، وتحسين وضع المرأة القانوني وتحديد حقوق الأسياد تجاه عبيدهم وفي عام 128م أمر بتدوين القوانين وأصدر القانون الدائم، وهكذا فقد سعى إلى تطبيق مبادئ الفلسفة الرواقية على صعيد الواقع العملي.
    اهتم هادريانوس بالجيش الروماني اهتماماً كبيراً، فزاد من صرامة نظمه وانضباطه، وقد وصلت وحداته إلى مستوى عالٍ من التدريب والجاهزية والمقدرة القتالية وصار الحرس الامبراطوري بمنزلة كلية للأركان تخرج القادة العسكريين، وأنشئت فرق خاصة من القوات المساعدة لشعوب الامبراطورية حسب أسلحتها التقليدية. وفي عهده جرى التحول إلى استراتيجية عسكرية دفاعية بإقامة التحصينات والأسوار والخطوط الدفاعية Lines في المناطق المهددة ومن أشهرها سور هادريانوس في بريطانيا الذي امتد مسافة بلغت نحو 130كم والذي يعد من أروع منجزات الهندسة الحربية في العصور القديمة.
    كان هادريانوس رجلاً لكل المواقف ذا طاقة عقلية وجسمية خارقة للعادة وتشوق شديد لمعرفة كل شيء عن العالم الذي يعيش فيه. كان يشارك الجندي العادي في تدريبه ويزاول التمارين العسكرية وتدريبات السير ويشهد المناورات العسكرية في أقاصي حدود الامبراطورية وقد تسلق جبل إتنا البركاني في صقلية وهو في سن الخمسين من عمره.
    كما اشتهر هذا الامبراطور برحلاته التي قادته إلى سائر أقاليم وبلدان الامبراطورية وامتدت سنوات طويلة بين الأعوام 120-130م زار فيها بريطانيا وإسبانيا وبلاد الغال وشمالي إفريقيا ومناطق الراين والدانوب وآسيا الصغرى وبلاد اليونان وسورية ومصر.
    وقد علق أحد المؤرخين القدماء على هذه الرحلات بقوله: «لم يقم أي امبراطور آخر بزيارة مثل هذه الأجزاء العديدة من الامبراطورية، كما فعل هادريانوس. وقد قدم العون لكل الناس بلا استثناء فمن أجل بعضهم مد أنابيب المياه وللآخرين أقام الموانئ ولآخرين شيد المباني العامة ومنحهم ممتلكات وامتيازات ومساعدات…».
    كانت رحلاته تهدف إلى الاطلاع على الأوضاع الإدارية وتفقد الجيوش الرومانية، وكذلك نشر العدالة بين الناس وزيادة الاطلاع والمعرفة.
    لقد كان عالمياً في تفكيره سعى في كل اجراءته إلى مراعاة مصالح الامبراطورية كلها مع اهتمام خاص بالشرق والحضارة الهيلينية والفلسفة الرواقية. ولذلك حظي بتكريم لا مثيل له خاصة بالشرق وعد إلهاً محسناً في بلاد اليونان التي أعاد بناء مراكزها الدينية الكبرى مثل دلفي وأولمبيا وأقام حياً جديداً في أثينا التي كرمته بمنصب الأرخون الأول فيها عام 111-112م.
    وقد زار سورية عدة مرات وأنعم على كثير من المدن والمعابد والأماكن المقدسة فيها بالامتيازات والعطايا. زار مدينة تدمر التي أعلنها مدينة حرة فاتخذت اسمه لقباً لها: بالميرا هادريانا Palmyra Hadriana، وفي عهده صدرت التعرفة الجمركية التدمرية الشهيرة. ثم توجه إلى مدينة دمشق التي منحها لقب ميتروبوليس Metropolis وانطلق إلى مدينة جرش ومنها إلى فلسطين حيث وضع حجر الأساس لمستعمرة ايليا كابيتوليا Aelia Capitolia في القدس/أورشليم. ثم زار غزة والبتراء وانطلق إلى مصر لتفقد آثارها العظيمة في رحلة نيلية فقد في أثنائها صديقه الحبيب أنتينوس Antinoos فأعلن الحزن في ربوع الامبراطورية وأسس مدينة رومانية في مصر حملت اسمه: أنطينوبوليس Antinoopolis.
    ساد السلام في عهده ولم يعكره إلا ثورة قام بها اليهود في فلسطين بقيادة باركوخبا Bar Kochba ت(132-135م)، وتم أخيراً قمعها بحضور هادريان الذي قاد الجيوش الرومانية وقُتِل عدد كبير من اليهود الذين مُنعوا بعدها من دخول مدينة القدس التي حملت اسم أيليا حتى الفتح العربي. وتحولت يودايا إلى ولاية رومانية باسم سوريا الفلسطينية Syria Palaestina.
    اشتهر هادريانوس بإقامة عدد كبير من الأبنية والصروح المعمارية التي خلدت اسمه في كل أنحاء الامبراطورية، ولكن أشهرها تلك التي شيدها في روما وعلى رأسها معبد البانثيون Pantheon أحد أجمل الأبنية وأكملها من العصور الكلاسيكية، كما أقام معبداً لروما وفينوس على تل البلاتين. أما قصره الذي أقامه في ضاحية تيبور (تيفولي حالياً) فكان مجمعاً ضخماً يضم القصور والمكتبات والحمامات والمسارح والنوادي ومضمار السباق وتمثيلاً لأجمل المناطق الطبيعية التي أحبها في أثناء جولاته ورحلاته في الامبراطورية، وقد زينها بأروع التماثيل والأعمال الفنية. كما شيد ضريحه المشهور على ضفة نهر التيبر والذي كان من الضخامة بحيث انه صار في العصور الوسطى حصناً عسكرياً لبابوات روما، ويعرف اليوم باسم حصن سانت أنجلو Sant Angelo.
    أمضى هادريانوس سنواته الأخيرة في روما، وعندما اشتد عليه المرض وقع اختياره على تيتوس أوريليوس أنطونينوس فتبناه وجعله ولياً لعهده، وفي تموز/يوليو عام 138م ودّع هادريانوس الحياة بعد آلام مبرحة ودفن في ضريحه وأله بعد موته.
    كان هادريانوس شخصية فريدة من نوعها إذ كان فيلسوفاً وخطيباً وشاعراً وأديباً ومهندساً معمارياً وكان أول من حمل لحية الفلاسفة بين الأباطرة الرومان. كان يملك شعوراً عميقاً وإحساساً بالواجب والمهام الملقاة على عاتقه وسعى إلى نشر العدالة والخير والسلام في الامبراطورية وترك ذكراه في كل مكان.
    محمد الزين
يعمل...
X