کابا .. مصور الحرب الأكثر انسانية
صور نادرة لمصورين نادرين
في حرب القرم عام 1848 دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال .
ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ، ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند ، عام 83 والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد ونظرا لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي . تاريخ التصوير ، رأينا ترجمته من الألمانية خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينيه فابيان وهانس کریستیان آدم ويقع في 340 صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بالأسود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳
المصور روبرت کابا ( Robert Capa ) عاش الحرب كحكاية نادرة , وذكرياته عنها يمكن قراءتها وكأنها سيناريو لقصة حب من هوليوود .. صوره الأولى عن الحرب فقد أخذها في المطار الحربي البريطاني . شلفستون ، وهذا المطار يمكن اعتباره احد الترسانات ، الضخمة والمجهزة بالكثير من الأسلحة والجنود التابعين للحلفاء ، يوجد فيه ما يقارب الخمسين طائرة جاهزة للإقلاع ، حيث الوحل يصل إلى ما تحت الركبة بقليل بين - باراكات ، الجنود وحيث الطيارين وأطقمتهم ينتظرون منذ أسابيع الاشارة للإقلاع أخيراً .
كابا صور الجنود الذين يكتبون آخر رسالة إلى ذويهم ويشربون البيرة الساخنة ، وفي آب عام ١٩٤٣ توقف كابا مع مائة وخمسين مندوباً صحافياً في مدينة الجزائر وكان في المدينة فندقان كبيران هما الـ « سانت جورج ، حيث أقام فيه الجنرال ایزنهاور رئاسة اركـانـه ، وفندق - اليتـي المخصص للدبلوماسيين الذين يمرون بالجزائر ، وللسيدات من الطبقة الراقية ... الصحافيـون بلمح البصر أقاموا في « اليتي وناموا في الممرات وعلى الشرفات وشربوا النبيذ الجزائري .. وكان غزو إيطاليا على قاب قوسين أو أدنى من الحصول ، ولكن كابا لم ير هناك حظه الذي كان يجلس في تواليت ، الرجال !! ويقول كابا هناك التقيت بزميل في حالة صحية سيئة للغاية من جراء إصابته بإسهال ، شديد ، لدرجة لم يعد والحالة هذه ، في استطاعتـه مغادرة المكان ... ولقد قص علي بانه درب لعدة أشهر على القفز مع
القوات المظلية الأولى التي ستهبط في إيطاليا .
اصبح مريضاً لدرجة حملت رؤ سائه على إعادته في الشهر الأخير ، وهذه كانت فرصتي ، وبعد أيام قلائل كان كابا يقف وسط الـ . نیماند سلاند ( Niemands Land ) في الصحراء التونسية حيث كانت مئات من طائرات النقل التابعة للسلاح الجـوي جائمة بانتظار الأمر للطيران .. روبرت كابا المجري الذي رأى النور لأول مرة في وطنه ويقطن في الوطن الذي اخـتـاره - فرنسا - ، ذهب إلى الجنرال ريدغواي General ( Ridgway قائد الفرقة الجوية ٨٢ وقدم نفسه . فقال له الجنرال طالما أنك على استعداد للقفز لأخذ الصور ، فالأمر عندي سيان سواء كنت مجريا او صينيا او اي شيء آخر
- هل قفزت مرة بالمظلة ؟ اجابه : . كلا يا سيدي . قال الجنرال : . حسنا . هذا ليس بعـادي ولكن يمكنني ان افعل ؟
وهكذا أتى كابا الى سيليسيا إلا أنه في نهاية المطاف لم يقفز وشاهد سيسيليا فقط من الجو واخذ صورة لأول اميركي قفز بالمظلة فوق إيطاليا ومن ثم عاد إلى القيروان .
وقبل الغزو . وضع كابا مع خمسمائة وثمانية وخمسين مصوراً ضمن معسكر يقع في جنوب شرقي بريطانيا في نوع من الكرنتينا ، أي في عزلة إلزامية .
ووراء الأسلاك الشائكة والحراسة المشددة جهز المصورون من أجل اللحظة الحاسمة ، وزود كل واحد منهم بقناع واقي من الغاز ، جاكيتة ، عوم وحزام لا ينفذ منه الماء ليضع فيه ماله وكان عليه أن يبدل دولاراتـه وجـنبـهـاتـه الاسترلينية مقابل « فرنك غزوه مطبوع بصورة خاصة . وكل شيء كان مدوناً في كتيب يحتوي على الكثير من المعلومات المفيدة ومنها كيف يمكن معـاملـة الفرنسيات !!
ومن لا يتقن اللغة كان عليه أن يحفظ على الغيب بضعة جمـل بالفرنسية مثل : « نهارك سعيد يا سيدي ، نحـن الاصـدقـاء الاميركيون ونهارك سعيد يا آنسة ، هل تودين القيام بنزهة معي ، ورغم ذلك كان كل شيء غاية الجدية .
وكتب كابا قبل الغزو بيـوم واحد يقول :
- اعرف بان المخبر الصحافي الحربي يحصل على مشروب أكثر وعلى فتيات أكثر وعلى مال وحريات أكثر من الجندي العـادي . وبإمكانه أن يختـار بنفسه مكان اللعبة الدموية في كل مرحلة من مراحـل الحـرب وبإمكانه أن يكون جباناً دون أن يصار إلى اعدامه من أجل ذلك الصحافي الحربي والمصور الحربي يمسكان حياتهما بين ايديهما وبإمكانهما ان يراهنا على هذا ذاك الجواد ، وبإمكانهما في آخر لحظة العدول عن الذهاب ساحة القتال . أنا مقامر . قررت الذهاب مع السرية ( E ) في الموجة الأولى !
وفي صباح السادس من حزيران عام ١٩٤٤ نزل روبرت كابا مع الجيوش الحليفة على ساحل النورماندي في غرب فرنسا وكتب يقول : لقد كان الطقس رديئاً من اجل أخذ صور جيدة.ولكن عبر الماء الداكن والسماء القاتمة كان الرجال الصغار القائمين يبدون فوتوجينيك ، للغاية أمام المخطط السريالي لجدران هتلر الأسمنتية . وفي مساء السادس من حزيران عام ١٩٤٤ اقامت الرقابة الطيارة اول معسكر صحافي للحلفـاء على الأرض الفرنسية ، في منزل ريقي غير بعيد عن الشاطيء .
ومن الرجال الذين نزلوا السفن وقاتلوا حتى شقوا طريقهم الى اليابسة لم يصل الكثير . الشاطيء . اخذ روبرت كابا مائة وثماني صور ولكن فقط ثمانية هذه الصور بقيت محفوظة إلى الآن وذلك بسبب معاون منفعل الغرفة المظلمة في مكاتب - لايف في لندن كان يتلعثم ومنظره قبيح للغاية ، وقد جفف الأفلام في حرارة عالية الأمر الذي تسبب في ذوبان الأفلام كما يذوب خيط الصوف على لهيب الشمعة ، والذي أصبح فيما بعد مصوراً حربيا . امضى عشر سنوات من عمره وقضى نحبه هناك كان اسمه : لاري بوروز Larry .
في باريس التقى روبرت كابا مع ارنست هيمننواي -Ernest Hem ) ing way . الكاتب الشهير الذي كان يسافر مع جيش كامل خاص به .. من سائقين وطباخين ياخذون معهم قنابل يدوية و براندي اكثر من فرقة كاملة واحتل فندق ريتز ( Ritz ) في باريس ، وفي هذه الأثناء تحول الجميع هناك Burrows .. هيمننغـواي ، صغـار حيـث اطلقوا اللحى الصغيرة على طريقة همينغواي . وبدأوا يتحدثون مثل هيمنغواي باستعمالهم جملا قصيرة .
كابا هو واحد من مصوري الحرب الأكثر انسانية في هذا القرن . لقد صور - بشراً ، ولم يصور آلات الحرب والدمار . وصوره كانت تظهر الاتصالات المباشرة : الجرحى الذين يسندون بعضهم بعضاً ، والممرضين البريطانيين الذين يضمدون جراح الجنود الألمان ، وفلاحين فرنسيين يقدمون للجنود زجاجات النبيذ في دباباتهم ، النساء مقصوصات الشعر لتعاونهن مع العدو كل صورة عنده كانت عبارة عن قصة صغيرة .
روبرت كابا هو مجري الأصل اسمه اندريه فريدمان André ) ( Friedman ، لجا عام 1933 إلى باريس هرباً من النازيين في المانيا . وبدل اسمه . وفي عام 1936 ذهب مع غردا تارو Gerda Taro ) ، إلى الحرب الأهلية الاسبانية . وغردا تارو المسماة بالراس الحمراء هي مصورة المائية لم تعش بعد الحرب ، حيث أن دبابة الموالين دهستها وهي عائدة من إحدى المعارك .
وكابا من أفضل مصوري الحرب ، حيث التقط صوراً حربية تعتبر الأكثر اسطورية والأكثـر انتشاراً في التاريخ . وقال جملة تعتبر من الجمل الماثورة في عالم التصوير الحربي « عندما تكون صورة غير جيدة فهذا يعني أنك لم . تكن قريباً من ساحة المعركة فهل كان هو يا ترى خلال الحرب الأهلية الاسبانية قريباً من ساحة القتال ؟ هذا الأمر لا يزال مثار جدال حتى اليوم . في آب عام
1936 كان كابا ـ وحسب الرواية المنشورة - موجوداً في خندق للجمهوريين في يوم من اخر ايام السنة ، والعشب الجاف على تلال الأندلس قد احرقته الشمس والـعـرق كان يبلل الثيـاب العسكرية ، وعندما بدأ الهجوم خفض كابا رأسه ، بينما الجنود الجمهوريون قفزوا من الخندق وركضوا وهم ينادون نحو موقع للـوطنيـين لتعش الجمهورية .. وبعد الهجوم الانتحاري انسحب من تبقى منهم على قيد الحياة ، ثم أعادوا الكرة من جديد بعد قليل بهجوم آخر .
وفي كل مرة كان نصف المقاتلين يقعون قتلى في ساحة الوغى . وفي آخر هجوم ، رفع روبرت کابا ذراعه بآلة التصوير ووضعها على حافة الخندق وصور دون أن يرى ما يصور لأن راسه كان مختفياً داخل الخندق - وارسل الفيلم غير المظهر - مع رسول خاص إلى باريس وبعد شهرين علم المصور
كابا بانه اصبح رجلا شهيراً .
وقد انتشرت صورة الموالي الاسباني الذي اصيب بطلقة قاتلة وسقط مضرجا بدمه في جبال الأندلس القاحلة إنهـا صـورة لموت شخص مجهول في ارض مجهولة لحرب من الحروب ، ويمكن ان تنطبق على اية منطقة وعلى أي حرب لذا انتشرت في كل العالم .
المخبر الصحافي الحربي و.د. غالاغر ( O.D.Gallagher ) صحيفة - ديلي اكسبرس ، Daily ( Express إدعى ان الصـورة مزورة لكنه لم يتمكن من إثبـات ادعـائـه بـالـبـرهـان وحسب روايته فإن هذه الصورة التقطت عام 1936 بالقرب مدينة سان سباستيان (San Sebastian)
وكان آنذاك غالا غهر وكابا يتقاسمان غرفة واحدة فندق صغير للصحـافيـين ويقضيان الوقت ويترقبان الأخبار من جبهة الحرب الأهلية وفي هذه الأثناء أجري استعراض حربي للصحافيين كما كتب غالاغهر واضاف : « جنود فرنكو البسوا زيا عسكريا وسلحوا وهكذا لعبوا لعبة الحرب وبواسطة قنابل دخـانية ، حصلوا على الأجواء المناسبة . كابا قص على فيما بعد أنه صور بعض مشاهد من قوات مهاجمة ، وبعد ذلك بقليل نشرت الصحف هذه الصور وأكدت انـهـا صـور لقتـال حقيقي .
واليوم ، لا يمكن البت فيما إذا كانت صورة ، موت جندي موالي ، هي الصورة اللقطة لموت تمثيلي او لموت حقيقي ؟
واصدقاء كابا لم يكن بوسعهم إطلاقاً توضيح هذا الأمر ، كابا ذاته لم يذكر ولا كلمة واحدة عن هذه الحـادثـة الصـورة السلبية ( نيجـاتيف ) مثل كل الصور السلبية الاسبانيـة لـ كابـا غير موجودة !
في بداية الأربعينات بدا العسكريون بالمثابرة في التفكير وكلما نظر إلى حـالـة الحـرب بالتفاؤل ، كلما تبين بوضوح الانتصار الاميركي ، وكلما كانت الحاجة ملحة للحصول على صور تدل على عظمة الولايات المتحدة وعلى الأخص سلاح البحرية الذي بعين سنوياً ثلاثة آلاف طيار جديد ، وجب عليه أن يظل بعد الحرب جذاباً .
البحرية نادت وهرع الكل إليها . ومن بين المتقدمين كان مصورو الأزيـاء المـوضـة والصحافيون ، وكتاب السيناريو والمخرجون السينمائيون ومنهم مخرج هوليوود جون فورد الذي قدم شخصياً مع طاقمه إلى واشنطن وعرض خدماته على البحرية .
وعندما جاء الكلام عن المصور ادوارد ستایشمن ( Edouard Steichen ) ، لم يكن العسكريون آنذاك يعرفون من هو ستایشن في الحقيقـة إدوارد هو أحد مؤسسي التصوير الفوتوغرافي في نيويورك .
ومصور الموضة المرغوب فيه أكثر من كل المصورين الذين عرفوا في زمانه . وهو أيضاً مدير لقسم التصوير في متحف الفن الحديث وكان من معتنقي مبدأ الكمالية . ولا يترك أي شيء للمصادفة ، كان يتفحص بصورة مستمرة اجهزة المصورين ويعمل على تجربة كل المواد الكيمائية قبل استعمالها . ولذلك فإن تظهير الأفلام في الجبهة غير وارد عنده على الإطلاق ، كان
يرسل الأفلام الى واشنطن .
والصور الفوتوغرافية المستخرجة كان ستايشن يراقبها ويتفحصها كما يتفحص الفنان الطبـاعـة الحجرية وقبل أن يعطي الصور للنشر كان يقوم باختبار الجودة عليها كل هذا وسط الحرب ، ومن كومة آلاف الصور المتشابهة كان يختار دائماً ست صور : إثنتان من فوق واثنتان من الوسط واثنتان من الأسفل تماماً ، ويعمل على مقارنتها وإذا ما وجد ستايشن فارقاً صغيراً عن الجـودة المطلوبة رمى بالكل في سلة المهملات !
وكان أيضاً من الباحثين عن الكمالية مارتي فورشی Marty ) ( Forscher الذي كان يصلح كاميرات واجهزة المصورين والذي كان يعرف ادق واصغر البراغي لكل نوع من الكاميرات التي تنزل إلى السوق وعندما بدأ عمله عند ستايشن جمع كل ما في السوق من كاميرات مختلفة ، ثم جلس في مكتبه واخذ يعمل تفكيكا آلات التصوير ، الواحدة تلو الأخرى ، والأجزاء الرنانة كان يضعها في علبة وبخلطها مع بعضها ، وفي النهاية يعود ليعمل على تركيبها من جديد . واثناء الحرب كان بإمكانه أن يفكك آلة لایکا Leica ) للتصوير دون التطلع إليها ثم يركبها من جديد !!
إن مصوري البلاط التابعين للبحرية كانوا يسافرون ويتنقلون تماماً مثل الجنرالات لقد كان بإمكانهم ان يفصحوا عن رغباتهم وسرعان ما يصار إلى تحقيقها بإمكانهم أن يحجزوا لهم مكانا على حاملة الطائرات وإذا ما ارادوا العودة بإمكانهم أن يعودوا متى شاؤوا . والاكثر حماساً وحركة من بين الطاقم كان المصور واين ميللر ( Wayne Miller ) ، الذي كان عام ١٩٤٤ يجوب ساحات القتال في الحرب العالمية الثانية وكان الأمر سباق على ربح جائزة الـ « غران بري ، وفي شباط قام باخذ صور من الجو لعمليات النزول إلى البر من قبل رجال البحرية على جزر انغبي ( Engebi ) في اذار كان يمخر عبـاب اليم على متن حـاملـة الطـائـرات سـاراتـوغـا ( Saratoga )
في المحيط الهندي ، وفي آب نزل مع القوات الاميركية في نيبال إلى البر ، وفي نهاية العام كان في جنوب المحيط الهادي على متن حاملة الطائرات تبكوندروغا ( Ticonderogn ) ،
وابحـر معها باتجاه مانيلا .
صور نادرة لمصورين نادرين
في حرب القرم عام 1848 دخلت الكاميرا الفوتوغرافية لأول مرة إلى ساحات القتال .
ومنذ ذلك التاريخ صارت جزء لا يتجزء من الحروب وهذا الكتاب يعود بنا إلى الصور الأولى ، ويتابع حتى صور حرب - الفوكلاند ، عام 83 والحرب اللبنانية التي لم تتوقف بعد ونظرا لأهمية هذا الموضوع بالنسبة لمتتبعي . تاريخ التصوير ، رأينا ترجمته من الألمانية خصوصا وأنه لم يترجم إلى أي لغة بعد ليكون بمتناول قرائنا بأسرع وقت ممكن .
الكتاب لرينيه فابيان وهانس کریستیان آدم ويقع في 340 صفحة من الحجم الكبير ويحتوي على صور لم يسبق نشرها قبل الآن لأسباب عديدة والصور جميعها بالأسود والأبيض بلا شك وهو مقسم إلى سبع فترات تاريخية تبدا بين عامي ١٨٤٨ و ۱۸۷۰ وتنتهي بين عامي ١٩٥٠ و ۱۹۸۳
المصور روبرت کابا ( Robert Capa ) عاش الحرب كحكاية نادرة , وذكرياته عنها يمكن قراءتها وكأنها سيناريو لقصة حب من هوليوود .. صوره الأولى عن الحرب فقد أخذها في المطار الحربي البريطاني . شلفستون ، وهذا المطار يمكن اعتباره احد الترسانات ، الضخمة والمجهزة بالكثير من الأسلحة والجنود التابعين للحلفاء ، يوجد فيه ما يقارب الخمسين طائرة جاهزة للإقلاع ، حيث الوحل يصل إلى ما تحت الركبة بقليل بين - باراكات ، الجنود وحيث الطيارين وأطقمتهم ينتظرون منذ أسابيع الاشارة للإقلاع أخيراً .
كابا صور الجنود الذين يكتبون آخر رسالة إلى ذويهم ويشربون البيرة الساخنة ، وفي آب عام ١٩٤٣ توقف كابا مع مائة وخمسين مندوباً صحافياً في مدينة الجزائر وكان في المدينة فندقان كبيران هما الـ « سانت جورج ، حيث أقام فيه الجنرال ایزنهاور رئاسة اركـانـه ، وفندق - اليتـي المخصص للدبلوماسيين الذين يمرون بالجزائر ، وللسيدات من الطبقة الراقية ... الصحافيـون بلمح البصر أقاموا في « اليتي وناموا في الممرات وعلى الشرفات وشربوا النبيذ الجزائري .. وكان غزو إيطاليا على قاب قوسين أو أدنى من الحصول ، ولكن كابا لم ير هناك حظه الذي كان يجلس في تواليت ، الرجال !! ويقول كابا هناك التقيت بزميل في حالة صحية سيئة للغاية من جراء إصابته بإسهال ، شديد ، لدرجة لم يعد والحالة هذه ، في استطاعتـه مغادرة المكان ... ولقد قص علي بانه درب لعدة أشهر على القفز مع
القوات المظلية الأولى التي ستهبط في إيطاليا .
اصبح مريضاً لدرجة حملت رؤ سائه على إعادته في الشهر الأخير ، وهذه كانت فرصتي ، وبعد أيام قلائل كان كابا يقف وسط الـ . نیماند سلاند ( Niemands Land ) في الصحراء التونسية حيث كانت مئات من طائرات النقل التابعة للسلاح الجـوي جائمة بانتظار الأمر للطيران .. روبرت كابا المجري الذي رأى النور لأول مرة في وطنه ويقطن في الوطن الذي اخـتـاره - فرنسا - ، ذهب إلى الجنرال ريدغواي General ( Ridgway قائد الفرقة الجوية ٨٢ وقدم نفسه . فقال له الجنرال طالما أنك على استعداد للقفز لأخذ الصور ، فالأمر عندي سيان سواء كنت مجريا او صينيا او اي شيء آخر
- هل قفزت مرة بالمظلة ؟ اجابه : . كلا يا سيدي . قال الجنرال : . حسنا . هذا ليس بعـادي ولكن يمكنني ان افعل ؟
وهكذا أتى كابا الى سيليسيا إلا أنه في نهاية المطاف لم يقفز وشاهد سيسيليا فقط من الجو واخذ صورة لأول اميركي قفز بالمظلة فوق إيطاليا ومن ثم عاد إلى القيروان .
وقبل الغزو . وضع كابا مع خمسمائة وثمانية وخمسين مصوراً ضمن معسكر يقع في جنوب شرقي بريطانيا في نوع من الكرنتينا ، أي في عزلة إلزامية .
ووراء الأسلاك الشائكة والحراسة المشددة جهز المصورون من أجل اللحظة الحاسمة ، وزود كل واحد منهم بقناع واقي من الغاز ، جاكيتة ، عوم وحزام لا ينفذ منه الماء ليضع فيه ماله وكان عليه أن يبدل دولاراتـه وجـنبـهـاتـه الاسترلينية مقابل « فرنك غزوه مطبوع بصورة خاصة . وكل شيء كان مدوناً في كتيب يحتوي على الكثير من المعلومات المفيدة ومنها كيف يمكن معـاملـة الفرنسيات !!
ومن لا يتقن اللغة كان عليه أن يحفظ على الغيب بضعة جمـل بالفرنسية مثل : « نهارك سعيد يا سيدي ، نحـن الاصـدقـاء الاميركيون ونهارك سعيد يا آنسة ، هل تودين القيام بنزهة معي ، ورغم ذلك كان كل شيء غاية الجدية .
وكتب كابا قبل الغزو بيـوم واحد يقول :
- اعرف بان المخبر الصحافي الحربي يحصل على مشروب أكثر وعلى فتيات أكثر وعلى مال وحريات أكثر من الجندي العـادي . وبإمكانه أن يختـار بنفسه مكان اللعبة الدموية في كل مرحلة من مراحـل الحـرب وبإمكانه أن يكون جباناً دون أن يصار إلى اعدامه من أجل ذلك الصحافي الحربي والمصور الحربي يمسكان حياتهما بين ايديهما وبإمكانهما ان يراهنا على هذا ذاك الجواد ، وبإمكانهما في آخر لحظة العدول عن الذهاب ساحة القتال . أنا مقامر . قررت الذهاب مع السرية ( E ) في الموجة الأولى !
وفي صباح السادس من حزيران عام ١٩٤٤ نزل روبرت كابا مع الجيوش الحليفة على ساحل النورماندي في غرب فرنسا وكتب يقول : لقد كان الطقس رديئاً من اجل أخذ صور جيدة.ولكن عبر الماء الداكن والسماء القاتمة كان الرجال الصغار القائمين يبدون فوتوجينيك ، للغاية أمام المخطط السريالي لجدران هتلر الأسمنتية . وفي مساء السادس من حزيران عام ١٩٤٤ اقامت الرقابة الطيارة اول معسكر صحافي للحلفـاء على الأرض الفرنسية ، في منزل ريقي غير بعيد عن الشاطيء .
ومن الرجال الذين نزلوا السفن وقاتلوا حتى شقوا طريقهم الى اليابسة لم يصل الكثير . الشاطيء . اخذ روبرت كابا مائة وثماني صور ولكن فقط ثمانية هذه الصور بقيت محفوظة إلى الآن وذلك بسبب معاون منفعل الغرفة المظلمة في مكاتب - لايف في لندن كان يتلعثم ومنظره قبيح للغاية ، وقد جفف الأفلام في حرارة عالية الأمر الذي تسبب في ذوبان الأفلام كما يذوب خيط الصوف على لهيب الشمعة ، والذي أصبح فيما بعد مصوراً حربيا . امضى عشر سنوات من عمره وقضى نحبه هناك كان اسمه : لاري بوروز Larry .
في باريس التقى روبرت كابا مع ارنست هيمننواي -Ernest Hem ) ing way . الكاتب الشهير الذي كان يسافر مع جيش كامل خاص به .. من سائقين وطباخين ياخذون معهم قنابل يدوية و براندي اكثر من فرقة كاملة واحتل فندق ريتز ( Ritz ) في باريس ، وفي هذه الأثناء تحول الجميع هناك Burrows .. هيمننغـواي ، صغـار حيـث اطلقوا اللحى الصغيرة على طريقة همينغواي . وبدأوا يتحدثون مثل هيمنغواي باستعمالهم جملا قصيرة .
كابا هو واحد من مصوري الحرب الأكثر انسانية في هذا القرن . لقد صور - بشراً ، ولم يصور آلات الحرب والدمار . وصوره كانت تظهر الاتصالات المباشرة : الجرحى الذين يسندون بعضهم بعضاً ، والممرضين البريطانيين الذين يضمدون جراح الجنود الألمان ، وفلاحين فرنسيين يقدمون للجنود زجاجات النبيذ في دباباتهم ، النساء مقصوصات الشعر لتعاونهن مع العدو كل صورة عنده كانت عبارة عن قصة صغيرة .
روبرت كابا هو مجري الأصل اسمه اندريه فريدمان André ) ( Friedman ، لجا عام 1933 إلى باريس هرباً من النازيين في المانيا . وبدل اسمه . وفي عام 1936 ذهب مع غردا تارو Gerda Taro ) ، إلى الحرب الأهلية الاسبانية . وغردا تارو المسماة بالراس الحمراء هي مصورة المائية لم تعش بعد الحرب ، حيث أن دبابة الموالين دهستها وهي عائدة من إحدى المعارك .
وكابا من أفضل مصوري الحرب ، حيث التقط صوراً حربية تعتبر الأكثر اسطورية والأكثـر انتشاراً في التاريخ . وقال جملة تعتبر من الجمل الماثورة في عالم التصوير الحربي « عندما تكون صورة غير جيدة فهذا يعني أنك لم . تكن قريباً من ساحة المعركة فهل كان هو يا ترى خلال الحرب الأهلية الاسبانية قريباً من ساحة القتال ؟ هذا الأمر لا يزال مثار جدال حتى اليوم . في آب عام
1936 كان كابا ـ وحسب الرواية المنشورة - موجوداً في خندق للجمهوريين في يوم من اخر ايام السنة ، والعشب الجاف على تلال الأندلس قد احرقته الشمس والـعـرق كان يبلل الثيـاب العسكرية ، وعندما بدأ الهجوم خفض كابا رأسه ، بينما الجنود الجمهوريون قفزوا من الخندق وركضوا وهم ينادون نحو موقع للـوطنيـين لتعش الجمهورية .. وبعد الهجوم الانتحاري انسحب من تبقى منهم على قيد الحياة ، ثم أعادوا الكرة من جديد بعد قليل بهجوم آخر .
وفي كل مرة كان نصف المقاتلين يقعون قتلى في ساحة الوغى . وفي آخر هجوم ، رفع روبرت کابا ذراعه بآلة التصوير ووضعها على حافة الخندق وصور دون أن يرى ما يصور لأن راسه كان مختفياً داخل الخندق - وارسل الفيلم غير المظهر - مع رسول خاص إلى باريس وبعد شهرين علم المصور
كابا بانه اصبح رجلا شهيراً .
وقد انتشرت صورة الموالي الاسباني الذي اصيب بطلقة قاتلة وسقط مضرجا بدمه في جبال الأندلس القاحلة إنهـا صـورة لموت شخص مجهول في ارض مجهولة لحرب من الحروب ، ويمكن ان تنطبق على اية منطقة وعلى أي حرب لذا انتشرت في كل العالم .
المخبر الصحافي الحربي و.د. غالاغر ( O.D.Gallagher ) صحيفة - ديلي اكسبرس ، Daily ( Express إدعى ان الصـورة مزورة لكنه لم يتمكن من إثبـات ادعـائـه بـالـبـرهـان وحسب روايته فإن هذه الصورة التقطت عام 1936 بالقرب مدينة سان سباستيان (San Sebastian)
وكان آنذاك غالا غهر وكابا يتقاسمان غرفة واحدة فندق صغير للصحـافيـين ويقضيان الوقت ويترقبان الأخبار من جبهة الحرب الأهلية وفي هذه الأثناء أجري استعراض حربي للصحافيين كما كتب غالاغهر واضاف : « جنود فرنكو البسوا زيا عسكريا وسلحوا وهكذا لعبوا لعبة الحرب وبواسطة قنابل دخـانية ، حصلوا على الأجواء المناسبة . كابا قص على فيما بعد أنه صور بعض مشاهد من قوات مهاجمة ، وبعد ذلك بقليل نشرت الصحف هذه الصور وأكدت انـهـا صـور لقتـال حقيقي .
واليوم ، لا يمكن البت فيما إذا كانت صورة ، موت جندي موالي ، هي الصورة اللقطة لموت تمثيلي او لموت حقيقي ؟
واصدقاء كابا لم يكن بوسعهم إطلاقاً توضيح هذا الأمر ، كابا ذاته لم يذكر ولا كلمة واحدة عن هذه الحـادثـة الصـورة السلبية ( نيجـاتيف ) مثل كل الصور السلبية الاسبانيـة لـ كابـا غير موجودة !
في بداية الأربعينات بدا العسكريون بالمثابرة في التفكير وكلما نظر إلى حـالـة الحـرب بالتفاؤل ، كلما تبين بوضوح الانتصار الاميركي ، وكلما كانت الحاجة ملحة للحصول على صور تدل على عظمة الولايات المتحدة وعلى الأخص سلاح البحرية الذي بعين سنوياً ثلاثة آلاف طيار جديد ، وجب عليه أن يظل بعد الحرب جذاباً .
البحرية نادت وهرع الكل إليها . ومن بين المتقدمين كان مصورو الأزيـاء المـوضـة والصحافيون ، وكتاب السيناريو والمخرجون السينمائيون ومنهم مخرج هوليوود جون فورد الذي قدم شخصياً مع طاقمه إلى واشنطن وعرض خدماته على البحرية .
وعندما جاء الكلام عن المصور ادوارد ستایشمن ( Edouard Steichen ) ، لم يكن العسكريون آنذاك يعرفون من هو ستایشن في الحقيقـة إدوارد هو أحد مؤسسي التصوير الفوتوغرافي في نيويورك .
ومصور الموضة المرغوب فيه أكثر من كل المصورين الذين عرفوا في زمانه . وهو أيضاً مدير لقسم التصوير في متحف الفن الحديث وكان من معتنقي مبدأ الكمالية . ولا يترك أي شيء للمصادفة ، كان يتفحص بصورة مستمرة اجهزة المصورين ويعمل على تجربة كل المواد الكيمائية قبل استعمالها . ولذلك فإن تظهير الأفلام في الجبهة غير وارد عنده على الإطلاق ، كان
يرسل الأفلام الى واشنطن .
والصور الفوتوغرافية المستخرجة كان ستايشن يراقبها ويتفحصها كما يتفحص الفنان الطبـاعـة الحجرية وقبل أن يعطي الصور للنشر كان يقوم باختبار الجودة عليها كل هذا وسط الحرب ، ومن كومة آلاف الصور المتشابهة كان يختار دائماً ست صور : إثنتان من فوق واثنتان من الوسط واثنتان من الأسفل تماماً ، ويعمل على مقارنتها وإذا ما وجد ستايشن فارقاً صغيراً عن الجـودة المطلوبة رمى بالكل في سلة المهملات !
وكان أيضاً من الباحثين عن الكمالية مارتي فورشی Marty ) ( Forscher الذي كان يصلح كاميرات واجهزة المصورين والذي كان يعرف ادق واصغر البراغي لكل نوع من الكاميرات التي تنزل إلى السوق وعندما بدأ عمله عند ستايشن جمع كل ما في السوق من كاميرات مختلفة ، ثم جلس في مكتبه واخذ يعمل تفكيكا آلات التصوير ، الواحدة تلو الأخرى ، والأجزاء الرنانة كان يضعها في علبة وبخلطها مع بعضها ، وفي النهاية يعود ليعمل على تركيبها من جديد . واثناء الحرب كان بإمكانه أن يفكك آلة لایکا Leica ) للتصوير دون التطلع إليها ثم يركبها من جديد !!
إن مصوري البلاط التابعين للبحرية كانوا يسافرون ويتنقلون تماماً مثل الجنرالات لقد كان بإمكانهم ان يفصحوا عن رغباتهم وسرعان ما يصار إلى تحقيقها بإمكانهم أن يحجزوا لهم مكانا على حاملة الطائرات وإذا ما ارادوا العودة بإمكانهم أن يعودوا متى شاؤوا . والاكثر حماساً وحركة من بين الطاقم كان المصور واين ميللر ( Wayne Miller ) ، الذي كان عام ١٩٤٤ يجوب ساحات القتال في الحرب العالمية الثانية وكان الأمر سباق على ربح جائزة الـ « غران بري ، وفي شباط قام باخذ صور من الجو لعمليات النزول إلى البر من قبل رجال البحرية على جزر انغبي ( Engebi ) في اذار كان يمخر عبـاب اليم على متن حـاملـة الطـائـرات سـاراتـوغـا ( Saratoga )
في المحيط الهندي ، وفي آب نزل مع القوات الاميركية في نيبال إلى البر ، وفي نهاية العام كان في جنوب المحيط الهادي على متن حاملة الطائرات تبكوندروغا ( Ticonderogn ) ،
وابحـر معها باتجاه مانيلا .
تعليق