أنا حرة"، هو العنوان الذي اختاره الفنان المصري حلمي التوني لمعرضه الحالي المقام في غاليري بيكاسو للفنون في القاهرة حتى 20 الجاري. العنوان نفسه هو اسم لرواية شهيرة للأديب الراحل إحسان عبد القدوس. تحولت هذه الرواية عام 1959 إلى فيلم كتب له السيناريو نجيب محفوظ وأخرجه صلاح أبو سيف. معرض التوني ليس له علاقة بالرواية أو الفيلم كما يقول، غير أنهما يلتقيان في المعنى الذي يشير إليه عنوان المعرض الذي يحتفي بالحضور الأنثوي. إن تناول التوني للمرأة كمحور رئيس في لوحاته، هو أمر ليس بجديد، فمن يتابعون تجربته يدركون مدى ما تتمتع به المرأة من حضور لافت في معظم معارضه التي قدمها خلال مسيرته الفنية.
المرأة ذات الجناحين (خدمة المعرض(
يشير الفنان إلى المكانة التي كانت تتمتع بها المرأة عبر العصور كملهمة لخيال البشرية، فأول تمثال عُثر عليه في أحد الكهوف كما يقول، كان يمثل امرأة. يرى التوني أن المرأة ما تزال إلى اليوم مصدر إلهام بصري للفنانين. لا شك في أن الحضور الأنثوي في لوحات حلمي التوني له بعد جمالي، غير أن الأمر هنا لا يقتصر على الجمال وحده، كما يقول الفنان، فهو يحاول في كل مرة أن يثير قضية ما أو يتطرق إلى ظاهرة بعينها. في هذا المعرض يتعرض التوني لما هو أهم من الجمال من وجهة نظره، وهي الحرية، إذ يرى أن المرأة أكثر عرضة للقهر والكبت وسلب الحرية من الرجل، وهو جانب مهم لا بد من الحديث عنه وإبرازه، خاصة في مواجهة هذه الأصوات والأفكار الرجعية التي تحط من قدر المرأة ومكانتها في محيطنا.
في هذا المعرض يستمر التوني في موقفه الداعم للمرأة، مستلهماً تشكيلاته البصرية من جماليات الحضور الأنثوي بكل تفاصيله. يشير الفنان إلى فكرة الحرية هنا بالأجنحة وهي فكرة مُباشرة ومناسبة للمعنى الذي يقصده. يقدم التوني في هذا المعرض ثلاثين لوحة مختلفة تبدو خلالها المرأة متزينة بجناحين. الجناحان هنا ليسا دليلاً على الرقة والعذوبة بقدر ما هما رمز لحريتها وسعيها للتحرر.
في سبيله للتعبير عن قضايا المرأة يلجأ التوني أحياناً إلى التاريخ، مستدعياً شخصيات أنثوية تاريخية وتراثية ملهمة. أما الجانب الأكثر لفتاً في معالجاته البصرية، فهو اهتمامه اللافت بالموروث الشعبي المصري. دائماً ما تتضمن أعمال التوني العديد من الإشارات والرموز والعلامات الدالة والمستلهمة من هذا الموروث، وهي علامات وإشارات ذات دلالة تراثية، كطائر الهدهد والكف والعين والطيور والأسماك وغيرها من الرموز المستلهمة من الموروث الشعبي. أما طريقته اللونية في معالجة هذه الموضوعات، فهي أميل إلى الدرجات الزاهية والصريحة. في تكويناته التصويرية يستخدم التوني الخط كوسيلة لتحديد العناصر في لوحاته، فالخط هنا عنصر رئيس في تشكيل اللوحات، وهو خط كثيف وواضح يؤطر المساحات اللونية ويكسبها حضوراً.
تخرج الفنان حلمي التوني في كلية الفنون الجميلة عام 1958 وعمل في دار الهلال المصرية لسنوات فور تخرجه، إلى أن تركها مرغماً مع عدد من كتابها عام 1973 ليسافر إلى لبنان ويقيم هناك لأكثر من 12 عاماً متواصلة. عاد التوني إلى القاهرة مرة أخرى في منتصف الثمانينيات وأقام لأعماله العديد من المعارض الفردية في معظم الدول العربية، كما شارك أيضاً في الكثير من المعارض الجماعية المصرية والدولية، وعمل لفترة في مجال الإخراج الصحافي. وهو يعد من أبرز الفنانين في مجال تصميم الكتاب في العالم العربي.