ولاء
Allegiance - Allégeance
الولاء
الولاء allegiance في اللغة: تعني المحبة والصداقة، القرب والقرابة، النصرة والموالاة ضد المعاداة. وبالمدلول الاجتماعي والسياسي: تعني التحالف والنصرة.
فولاء الفرد لتجمع ما يتضمن معنى الانتماء إلى هذا التجمع، ويقتضي هذا الانتماء التزامات بين الفرد والتجمع. فإذا ما اتخذ هذا التجمع وضعية سياسية أو اجتماعية فإنه يفرض على الفرد واجبات محددة ويرتب له حقوقاً تجاهه. والولاء ينشئ رابطة بين الفرد والمجتمع سواء اتخذ شكل رابطة دم أم عرق أم نسب أم دين، أم شكلاً قانونياً بالمعنى الحديث للدولة والسلطة.
وتختلف طبيعة الولاء، وما ينشأ منه من علاقة أو رابطة باختلاف طبيعة التجمع البشري والأشكال الاجتماعية والسياسية التي يتخذها، والتطورات التي حدثت عبر التاريخ على البنى الاجتماعية والسياسية التي يتخذها، من الأسرة إلى العشيرة والقبيلة إلى القوميات والدول الوطنية.
ويجمع الفكر السياسي على أن المجتمع المنظم لا يستقيم من غير سلطة تحكمه وتوجه النشاط الفردي فيه، فتسيطر فكرة القانون الملزم وتجد فكرة المصلحة العامة فرصتها في أن تتحقق بعد أن يتم التصالح بين الغرائز الفردية والغرائز الاجتماعية في الإنسان.
ولقد أظهرت التطورات التاريخية للنظم السياسية أنه في كل مرة تضعف السلطة المركزية القائمة في مجتمع معين تنشأ مكانها سلطة جديدة. فحين بدأت السلطة المركزية للامبراطورية الرومانية تنهار (حيث لم يكن للفرد خيار في الولاء لها) نشأت سلطة نظام الإقطاع في أوربا العصور الوسطى على الفكرة المستندة إلى مصدر اتفاقي أو تعاقدي سمي (يمين الولاء)، وقد ظهرت فكرة عقد الولاء منذ أوائل القرن الحادي عشر بحيث شكلت أساساً دستورياً يرتبط فيه الحاكم والمحكوم على واجب خضوع الفرد من جانب والالتزام بتحقيق النظام والأمن وكفالة الحقوق من جانب آخر.
ولعل أهم خصائص نظام الإقطاع الذي كان من سمات العصور الوسطى انهيار السلطة المركزية وتفتتها بين أسياد الإقطاع فأصبح السيد الإقطاعي سيداً مطلقاً في إقطاعيته، وانقطعت صلة الفرد بالدولة، وباتت تبعيته وولاؤه للإقطاعية بوصفها وحدة اجتماعية وسياسية تقوم على أساس نوع من التعاقد يتمثل في يمين الولاء والخضوع بين الأمير والتابعين لـه, مما يولد رابطة شخصية والتزامات متبادلة هي الخضوع من التابع مقابل حماية أمنه وممتلكاته، فالاحترام والطاعة كانا عنصرين من عناصر ذلك الولاء الإقطاعي، ويمين الإخلاص سمة بين التابع وبين السيد الإقطاعي تلخص عهد الولاء الذي يجب على التابع أن يقسمه لسيده.
وفي القرن الرابع عشر أيد البرلمان الإنكليزي بطلان الولاء الذي يقدمه الملك للبابا لأن الملك يقسم اليمين للبرلمان وهذا يتناقض مع الولاء لبابا الكنيسة، في حين عدّ الفرنسيون والهولنديون أن ولاءهم للملكية لا يمس في شيء امبراطورية الله ذات السيادة.
على صعيد آخر اتخذ النظام الإسلامي في العصور الوسطى وجهة أخرى حين أقر البيعة نظاماً لا يستقيم أمر الخليفة ولا تنعقد له الإمارة إلا بها, والبيعة هنا تعني إعلان الولاء من الأفراد والقادة (أهل الحل والعقد) وما يمثلونه من تجمعات وتشكلات اجتماعية للخليفة مقابل التزام الخليفة تنفيذ حدود الله التي جاءت بها الشريعة، فالمسلمون في دار الإسلام[ر] يكونون جماعة دينية وسياسية في آن معاً، فلكونهم جماعة دينية تربطهم وحدة الدين والعقيدة، ولكونهم جماعة سياسية تضمهم مع غيرهم وحدة الولاء لدولة واحدة.
وفي وقت لاحق عدَّ ابن خلدون أن الولاء ينشئ رابطة العصبية التي تعد قوام السببية التاريخية لنهوض الحضارة عند اشتدادها في حين أن تراخيها يبشر بانحطاطها.
في العصور الحديثة اتخذ الولاء مفهوماً آخر ولاسيما حين بدأ مفهوم الأمة والقومية والوطنية يتبلور ويتخذ وضعاً محدداً في أوربا حيث تعززت نزعة القوميات والوطن العالمي تسويغاً للتوسع الامبراطوري والاستعماري، ثم تحددت معالم الدولة الحديثة في القانون الدولي وأصبحت أسس الدولة تتكون من شعب وإقليم وسيادة.
وفي هذا الإطار تحدد ولاء الفرد بين الأمة التي تعكس واقعاً اجتماعياً وسياسياً من خلال الرابطة القومية وبين الولاء للدولة التي تعكس واقعاً سياسياً اجتماعياً.
وبات هناك تمييز بين الأمة تعبيراً عن مجمل عوامل مشتركة بين شعب من الشعوب كاللغة والتاريخ أو الإرادة المشتركة…إلخ وبين الدولة بوصفها تعبيراً سياسياً وقانونياً عن استقلال شعب ما وسيادته في إطار إقليم محدد.
ولا يشترط القانون الدولي[ر] تطابق مفهوم الدولة مع مفهوم الأمة والقومية، ولذلك فإن ولاء الفرد للقومية قد يتطابق في حال قيام دولة قومية مع ولاء الفرد للدولة عند شمول الدولة للأمة كلها وقد لا يتطابق حين تتجاوز الدولة ذلك إما بانضمام قوميات أخرى إليها وإما باقتصارها كياناً سياسياً على جزء من الأمة.
فالولاء للدولة يخلق مفهوم المواطنة الذي يؤدي إلى نشوء رابطة بين الفرد والدولة هي رابطة الجنسية[ر] التي تعد معياراً للتمييز بين الوطني والأجنبي وترتب التزامات متبادلة بين الفرد والدولة بشكل حقوق وواجبات متبادلة.
والأصل أن تمنح الجنسية للفرد عند ميلاده وتختار الدول بين منح الجنسية على أساس حق الدم jussanguinis بصرف النظر عن مكان الولادة، أو منح المولودين على أرضها وهو ما يعرف بحق الإقليم jussoli. ولكل دولة حرية اختيار أحد هذين الأسلوبين أو الجمع بينهما. كما درجت العادة أنه يمكن منح الجنسية بالتجنس naturalization والزواج المختلط mixedmarriage أو التبعية…
غير أن معايير القانون الدولي التي تنظم ولاء الأفراد وجنسياتهم في دول العالم يشذ عنها الكيان الصهيوني في اعتماد معايير متفردة لمفهوم الولاء والتجنس، وهذا الشذوذ والتفرد يستند في الأساس إلى عقيدة الصهيونية العنصرية التي تنطلق من مفهوم اليهودي النقي، أو القومية اليهودية الخالصة التي قسمت العالم وفقها إلى يهود و«أغيار»، وهذا المفهوم ينطوي على ولاء مفترض من جانب اليهود حيثما كانوا للوطن «الموعود» فلسطين.
سامي هابيل
Allegiance - Allégeance
الولاء
الولاء allegiance في اللغة: تعني المحبة والصداقة، القرب والقرابة، النصرة والموالاة ضد المعاداة. وبالمدلول الاجتماعي والسياسي: تعني التحالف والنصرة.
فولاء الفرد لتجمع ما يتضمن معنى الانتماء إلى هذا التجمع، ويقتضي هذا الانتماء التزامات بين الفرد والتجمع. فإذا ما اتخذ هذا التجمع وضعية سياسية أو اجتماعية فإنه يفرض على الفرد واجبات محددة ويرتب له حقوقاً تجاهه. والولاء ينشئ رابطة بين الفرد والمجتمع سواء اتخذ شكل رابطة دم أم عرق أم نسب أم دين، أم شكلاً قانونياً بالمعنى الحديث للدولة والسلطة.
وتختلف طبيعة الولاء، وما ينشأ منه من علاقة أو رابطة باختلاف طبيعة التجمع البشري والأشكال الاجتماعية والسياسية التي يتخذها، والتطورات التي حدثت عبر التاريخ على البنى الاجتماعية والسياسية التي يتخذها، من الأسرة إلى العشيرة والقبيلة إلى القوميات والدول الوطنية.
ويجمع الفكر السياسي على أن المجتمع المنظم لا يستقيم من غير سلطة تحكمه وتوجه النشاط الفردي فيه، فتسيطر فكرة القانون الملزم وتجد فكرة المصلحة العامة فرصتها في أن تتحقق بعد أن يتم التصالح بين الغرائز الفردية والغرائز الاجتماعية في الإنسان.
ولقد أظهرت التطورات التاريخية للنظم السياسية أنه في كل مرة تضعف السلطة المركزية القائمة في مجتمع معين تنشأ مكانها سلطة جديدة. فحين بدأت السلطة المركزية للامبراطورية الرومانية تنهار (حيث لم يكن للفرد خيار في الولاء لها) نشأت سلطة نظام الإقطاع في أوربا العصور الوسطى على الفكرة المستندة إلى مصدر اتفاقي أو تعاقدي سمي (يمين الولاء)، وقد ظهرت فكرة عقد الولاء منذ أوائل القرن الحادي عشر بحيث شكلت أساساً دستورياً يرتبط فيه الحاكم والمحكوم على واجب خضوع الفرد من جانب والالتزام بتحقيق النظام والأمن وكفالة الحقوق من جانب آخر.
ولعل أهم خصائص نظام الإقطاع الذي كان من سمات العصور الوسطى انهيار السلطة المركزية وتفتتها بين أسياد الإقطاع فأصبح السيد الإقطاعي سيداً مطلقاً في إقطاعيته، وانقطعت صلة الفرد بالدولة، وباتت تبعيته وولاؤه للإقطاعية بوصفها وحدة اجتماعية وسياسية تقوم على أساس نوع من التعاقد يتمثل في يمين الولاء والخضوع بين الأمير والتابعين لـه, مما يولد رابطة شخصية والتزامات متبادلة هي الخضوع من التابع مقابل حماية أمنه وممتلكاته، فالاحترام والطاعة كانا عنصرين من عناصر ذلك الولاء الإقطاعي، ويمين الإخلاص سمة بين التابع وبين السيد الإقطاعي تلخص عهد الولاء الذي يجب على التابع أن يقسمه لسيده.
وفي القرن الرابع عشر أيد البرلمان الإنكليزي بطلان الولاء الذي يقدمه الملك للبابا لأن الملك يقسم اليمين للبرلمان وهذا يتناقض مع الولاء لبابا الكنيسة، في حين عدّ الفرنسيون والهولنديون أن ولاءهم للملكية لا يمس في شيء امبراطورية الله ذات السيادة.
على صعيد آخر اتخذ النظام الإسلامي في العصور الوسطى وجهة أخرى حين أقر البيعة نظاماً لا يستقيم أمر الخليفة ولا تنعقد له الإمارة إلا بها, والبيعة هنا تعني إعلان الولاء من الأفراد والقادة (أهل الحل والعقد) وما يمثلونه من تجمعات وتشكلات اجتماعية للخليفة مقابل التزام الخليفة تنفيذ حدود الله التي جاءت بها الشريعة، فالمسلمون في دار الإسلام[ر] يكونون جماعة دينية وسياسية في آن معاً، فلكونهم جماعة دينية تربطهم وحدة الدين والعقيدة، ولكونهم جماعة سياسية تضمهم مع غيرهم وحدة الولاء لدولة واحدة.
وفي وقت لاحق عدَّ ابن خلدون أن الولاء ينشئ رابطة العصبية التي تعد قوام السببية التاريخية لنهوض الحضارة عند اشتدادها في حين أن تراخيها يبشر بانحطاطها.
في العصور الحديثة اتخذ الولاء مفهوماً آخر ولاسيما حين بدأ مفهوم الأمة والقومية والوطنية يتبلور ويتخذ وضعاً محدداً في أوربا حيث تعززت نزعة القوميات والوطن العالمي تسويغاً للتوسع الامبراطوري والاستعماري، ثم تحددت معالم الدولة الحديثة في القانون الدولي وأصبحت أسس الدولة تتكون من شعب وإقليم وسيادة.
وفي هذا الإطار تحدد ولاء الفرد بين الأمة التي تعكس واقعاً اجتماعياً وسياسياً من خلال الرابطة القومية وبين الولاء للدولة التي تعكس واقعاً سياسياً اجتماعياً.
وبات هناك تمييز بين الأمة تعبيراً عن مجمل عوامل مشتركة بين شعب من الشعوب كاللغة والتاريخ أو الإرادة المشتركة…إلخ وبين الدولة بوصفها تعبيراً سياسياً وقانونياً عن استقلال شعب ما وسيادته في إطار إقليم محدد.
ولا يشترط القانون الدولي[ر] تطابق مفهوم الدولة مع مفهوم الأمة والقومية، ولذلك فإن ولاء الفرد للقومية قد يتطابق في حال قيام دولة قومية مع ولاء الفرد للدولة عند شمول الدولة للأمة كلها وقد لا يتطابق حين تتجاوز الدولة ذلك إما بانضمام قوميات أخرى إليها وإما باقتصارها كياناً سياسياً على جزء من الأمة.
فالولاء للدولة يخلق مفهوم المواطنة الذي يؤدي إلى نشوء رابطة بين الفرد والدولة هي رابطة الجنسية[ر] التي تعد معياراً للتمييز بين الوطني والأجنبي وترتب التزامات متبادلة بين الفرد والدولة بشكل حقوق وواجبات متبادلة.
والأصل أن تمنح الجنسية للفرد عند ميلاده وتختار الدول بين منح الجنسية على أساس حق الدم jussanguinis بصرف النظر عن مكان الولادة، أو منح المولودين على أرضها وهو ما يعرف بحق الإقليم jussoli. ولكل دولة حرية اختيار أحد هذين الأسلوبين أو الجمع بينهما. كما درجت العادة أنه يمكن منح الجنسية بالتجنس naturalization والزواج المختلط mixedmarriage أو التبعية…
غير أن معايير القانون الدولي التي تنظم ولاء الأفراد وجنسياتهم في دول العالم يشذ عنها الكيان الصهيوني في اعتماد معايير متفردة لمفهوم الولاء والتجنس، وهذا الشذوذ والتفرد يستند في الأساس إلى عقيدة الصهيونية العنصرية التي تنطلق من مفهوم اليهودي النقي، أو القومية اليهودية الخالصة التي قسمت العالم وفقها إلى يهود و«أغيار»، وهذا المفهوم ينطوي على ولاء مفترض من جانب اليهود حيثما كانوا للوطن «الموعود» فلسطين.
سامي هابيل