افلام اوكسفورد العملية مزيج من الواقع والخيال
أفلام أوكسفورد العلمية ( Oxford Scientific Films ) .. مركز صغير جدا من مراكز التصوير المنتشرة في العالم لكنه مركز ضخم بل من أضخم المراكز نسبة لما يقدمه في مجال التاريخ الطبيعي المصور فوتوغرافيا وسينمائياً ، هذا عدا عن نشاطاته في إطار أفلام الخيال العلمي ، التي يعتبر رائداً في مجالها رغم عدم رغبته في الخوض بعيداً عن الواقع ، لولا حاجته المادية لهذا المرفق التجاري .
هل يمكن أن تكون عاصمة السينما في العالم . هوليوود ، قاصرة عن انجاز ما تستطيعـه مؤسسة صغيرة من طابق واحد يقع على أرض شجرية هادئة في انجلترا على بعد قليل من أوكسفورد .. هذا ما حصل ويحصل بالفعل بالنسبة المركز ، افلام اوكسفورد العلمية ، وقد تمت الاستعانة به في إفتتاحية الفيلم العالمي الضخم سوبرمان حيث تم تصوير كبسولة صغيرة تحمل البطل من کوکب - كريبتون ، إثر تدميره وتدفع به في القضاءة متجاوزة الأعداد الهائلة من الكواكب
وصولا إلى الأرض .
في هذه القاعدة الثانية عملت - افلام اوکسفورد العلمية ، على إبتداع مجموعة كاملة من التأثيرات الخاصة والمذهلة لأفلام المعلوماتية * يمكن اعتمادها مجالات مختلفة فـاستعمال الادوات البصرية التي عملوا على تطويرها بصورة خـاصـة يستطيعون تقليد مشهد لسفينة فضائية تدور بسرعة حول سطح كوكب آخر كما يمكنهم تصوير رجل مصغر وعنكبوت عملاق يخوضان معركة حامية الوطيس علماً ان الرجل سيكون رجلا حقيقيا ـ ربما هو يطل الفيلم الذي يتم تصويره - وكذلك يكون العنكبوت حقيقيا بلاستيكيا أو ما شابه .
ورغم هذه الامكانيات فان أفلام اكسفورد العلمية ، لا تضع جهدها في مجال افلام المغامرات العلمية بصورة واضحة ، بل نتجه أكثر إلى أفلام التاريخ الطبيعي الذي قامت شهرة المركز على أساسه . وإذا كانت مرحلتي الخمسينات والستينات من هذا القرن قد تركزت على تصوير أفلام الحياة البرية للحيوانات الكبيرة والمثيرة كالاسود والدبية فان افلام اكسفورد العلمية - ركزت ولا تزال على اللقطات الجميلة للمخلوقات الدقيقة من الحشرات والـرحـافـات الصغيرة شده المخلوقات التي نادرا ما يلاحظها الانسان أو يستطيع رؤيتها خصوصاً حين تقوم بممارسة حياتها اليومية ، كالنمل أثناء تشيد بيوتهم والبرقات خـلال تکامل نموها ، أو غير ذلك من صراع هذه الحشرات لأجـل البقاء .
وهناك تفاصيل صغيرة تكاد العين المجردة لا تتمكن من مشاهدتها ، كالشعيرات على ظهر عنكبوت او حساسات الكائنات البحرية الدقيقة هذه التفاصيل يتم إظهارها بوضوح مذهل ومعها حركات أكثر سرعة أو أبطا من أن نشاهدها بوضوح ، ورغم ذلك يتم التقاطها بوضوح تام .
المستغرب هنا ، ان الخبراء في مجال التصوير كانوا على يقين من إستحالة إنجاز ما انجزه وينجزه هذا المركز ، ولكن خيرة - أفلام اوكسفورد العلمية في المجال البيولوجي . وجهلهم في البداية بـاصـول التصوير جعلهم يحققون ما حققوه بما يشبه الأعجوبة فكيف تم ذلك :
- البداية كانت في أواخر الخمسينات حين كان جيرالد تومبسون ، المحاضر في علم الحشرات بجامعة أوكسفورد مشرف بحث متناول نوعا من أنواع الدبابير وخلال عرض السلايدات لبحثه في أحد المؤتمرات علق العالم الطبيعي بيتر سكوت قائلا إن الدبور قد يكون موضوعا جيدا لسلم ورغم عدم إدراك تومبسون للمصاعب التقنية التي ستواجهه فقد باشر بصنع الفيلم ، وكان يلجا الى حل كل مشكلة عند نشونها دون أن يفكر بإيقاف الفيلم مخافة المشاكل اللاحقة وبعد ما حل مشكلة الاهتزاز ، وحمـايـة مواضيعه من حرارة الأنوار وما شابه أنجز الفيلم وحـاز تومبسون على الجائزة الأولى المسابقة اجرتها وكالة ( BBC ) مع القنصلية البريطانية ، حول الطبيعة وهدا ما شجعه على متابعة طريقة في مجال افلام الطبيعة بمساعدة زملائه في دائرة علم الأحياء باكسفورد . وكانت هذه الأفلام في البداية تستعمل كوسائل إيضاح تقنية للتلاميذ جامعة أوكسفورد أو غيرها من الجامعات البريطانية ولكن سرعان ما قرر تومبسون ومعه من زملائه التخلي عن الحياة الأكاديمية والتركيز على صناعة الأفلام . وقد نجحوا بسرعة تكوين مؤسستهم على مقربة من قصر بلينـهـایـم ، مسقط رأس وينستون تشرشل .
وتاسست أفلام أوكسفورد العلمية من ثمانية مدراء جميعهم من السيولوجيين أصحاب الخبرة ، وهذا من أهم عوامل نجاح مركزهم فهم يدركون تماماً طبيعة ما يريدون تصويره ومثال ذلك معرفتهم المسبقة سان ديور التينيد ، يخلط بين نبتة السحلية ذات المدقة ، وبين انشاه فيعمد أحيانا إلى معاشرة الستة ، وما يحصل هنا ان راسه يمثليء باللقاح الناضح الذي يأخذه إلى سحلبية أخرى فيلقحها بنفس هذه المادة ، وعلى الرغم من هذه المعاشرة الخداعة تتم بسرعة لكن فريق العمل البيولوجي يعلم تماما انها عملية ضرورية جدا لتلقيح النباتات المذكورة والمنتشرة في غربي أوستراليا وصحيح أن عملية كهذه قد تستغرق منهم مراقبة متواصلة طيلة إثني عشرة ساعة على مدى ستة أسابيع ، لكن المهم انهم يحصلون على الفيلم المطلوب . فهذا النوع من المعرفة التفصيليـة لـعـادات وطبـاع مواضيعهم هو أحد العوامل الـرئيسيـة لنجـاح افلام اوكسفورد العلمية .
ونؤكد هنا ثانية ان ايا من مدراء ، أوكسفورد ، لا يمتلك خلفية معقولة بالعمل السينمائي أو حتى في مجال التصوير الفوتوغرافي ، وهم لا يخجلون من ذلك ، بل يشعرون أنها إحـدى إيجابياتهم . ويقول أحدهم : . لو كنا على علم مسبق باي من المصاعب التقنية التي سنواجهها صناعة أفلامنا ، ربما لم نبدا بها مطلقاً ، لقد اكتشفنا لاحقاً أن ما نجحنا في تحقيقه كان مستحيلا برأي الخبراء ، !
ورغم هذا القول ، بد من التقنية . وذلك بسبب المشاكل التأكيد أنهم في هذا المركز طوروا العديد من الاجهزة المعقدة كما انتجوا عدداً مهماً من الابداعات التي واجهتهم . ومنهـا حـين فوجئوا ، لدى محاولتهم تكبير بعض الحشرات الصغيرة جداً بتكبيرات مبالغ بها . ان اقل اهتزاز لهذه الحشرات سيؤدي إلى تكبير هذا الاهتزاز مما يجعل التصوير الناعم مستحيلا .. من هنا استطاعوا انجاز المقعـد البصري ( * ) . وهو إنجاز رائع يعتمد على مبدأ بسيط يقول « إذا وضع كل من الموضوع والكاميرا على هيكلية صلبة جداً ، فسوف يكون كل اهتزاز طاريء مشتركاً بين الاثنين ، مما يحول دون ظهوره على الفيلم مطلقاً . وهكذا تم تجاوز مشكلة الاهتزاز بشكل تام بحيث يمكن اعتماد هذا المقعد مختبر نقال . و في مركب يسير ضمن بحر هائج .
مشكلة اخرى واجهتهم مع الانارة التي طالما استهلكت مقداراً كبيراً من الجهود فحين تكون الانارة مباشرة من الأمام فان الكائنات الشفافة كبراغيث الماء . ستصبح غير ظاهرة ولحل هذه المشكلة عاد المدراء في - افلام اوكسفورد العلمية ، إلى نظام من انظمة العصر الفيكتوري كان معروفاً من قبل ، المجهريين ، أو إختصاصي المايكروسكوب وهو ما عرف بانارة الحقل المظلم ( * ) حيث يقع مصدر الضوء وراء الموضوع ، مع وجود مكثف بينهما ، يؤدي إلى تركيز النور على الموضوع لتامين إضاءة خلفية مشرقة تظهر التفاصيل كلها ويتم تعتيم وسط المكلف في مجـال مشاهدة الكاميرا ، بحيث يشع الموضوع برافاً مقابل خلفية مظلمة تماما .
ً ولكن مسؤولية مواجهة معضلات المقاييس التي أسهمت بانتقـال افلام - اوكسفورد العلمية ، إلى تصوير التأثيرات الخاصة تعود إلى تقدمين رئيسيين طرءا على الأسلوب ، الأول هو تحسين المقعد البصري ليعطي عمق مجـال استثنائي ، يسمح لمسطحين او ثلاثة مسطحات بؤرية بالاندماج في لقطة واحدة للكاميرا ، بحيث يمكن استقطاب مقیاس قریب وكامل إلى جانب شخص يقف على بعد عشر باردات في لقطة واحدة مع الاحتفاظ بالاثنين ضمن التركيز وقد عرفت هذه الوسيلة بمقعد الصورة الهوائيـة ( * ) وتعتمد على وضع هدف المقدمة الأصغر في مسطح الصورة كعدسة في الخلف ، يتم تركيز هذه العدسة على هدف آخر بحيث يظهر ضمن التركيز خلف الهدف الأول .
ونذكر هنا أن الكثير من مشاهد سولتزمان حول الرواد دقيقي فیلم ( The Micronauts ) لهاري الحجم تم التقاطها بالاسلوب المذكور ، كذلك مشهد الرجل المصغر والعنكبوت العملاق الذي أشرنا إليه .
بالنسبة للتقدم الثاني فكان حسين أراد العاملون في افلام اوكسفوره العلمية ، تتبع خنفساء من خلال نباتات تغطي ارض الغابة مع الاحتفاظ بزاوية كاميرا منخفضة تتطلع إلى الأعلى نحو الخنفساء ومتابعة هذه الحشرة على سطحية ناعمة هو أمر صعب بحد ذاته ، فكيف بملاحقتها وهي مغطاة تحت ورق الشجر أو خلال برك صغيرة من مخلفات ماء المطر او بين صخور متلاصقة لا تبعد الواحدة عن الأخرى ملليمتراً واحداً .
وقد بدا الحل لهذه المعضلة بواسطة التطوير المـادي ه بـالأستروبـروب .
( * ) وتابعيـه المتـزايـدي التعقيد والمقدرات - الباتفايندر ( * ) أو الباحث عن . الكـوزمـوسـكـوب . ( * ) الممر .
فمع الاستروبروب كان الحل التمهيدي .
وقد عمل بنجاح كبير ضمن حدود معينة ، فبنقل الصور إلى جسم الكاميرا من خلال سلسلة معقدة من العدسات ، يمكن للناظر أن يتتبع الخنفساء من خلال فتحات وشقوق لا تتجاوز الملليمتر الواحد مع الاحتفاظ بمنظر ذي اتساع معقول للزاوية .
اما مع الكوزموسكوب أو الغالاكتوسكوب ، فقد تمكن المركز من السير شوطأ أبعد وقد أمكن استقصاء المواضيع على ارتفاع لا يتجاوز خمسة ملليمترات عن سطح الأرض ، وقد تم ذلك تبعاً لتدابير ، بيريسكوبية ، أو تبعاً لأسلوب منظار العواصات بينما تـعمـل المشتات الغيروسكوبية ، للتغلب على معضلة الاهتزازات . والمثير هذه الاجهزة يتمثل بامكانية تغيير زاوية الكاميرا بسرعة وسهولة اي اتجاه وبصورة يمكن الايحاء بان المشهد مأخوذ بطائرة تتحرك فوق السطحية المعنية ، إذا كانت الحشرة تدور أو تنقض أو تنطلق من مستوى طيرانها العادي بهذا النوع من التسهيلات ، أصبحت افلام اكسفورد العلمية ، قادرة على انتاج العديد من التأثيرات له الخاصة إلى جانب عملها في مجال افلام التاريخ الطبيعي ومن هنا تزايدت مساهمات هذه المركز افلام الخيال العلمي ، في حين ظلت حياة الأدغال هي التوجه الحقيقي له .
وأفلام التاريخ الطبيعي تتطلب الكثير من الوقت إلى جانب الميزانية المالية طبعاً ، ونذكر هنا أن فيلم الحياة الجنسية للنباتات . وهو الفيلم الذي يعالج مسألة التلقيح عند النبات قد استغرق العمل به سبع سنوات ، قبل أن ينجز نهائيا عام 1981 . وفي عام 1980 وحده فقط ، أرسل المركز مجموعة فرق عمل إلى كل من غرينلاند وكيب تاون وسردينيا وكوستاريكا و اوتاوه واوستراليا وغيرها .
وعلى الصعيد المالي يكفي أن نشير إلى مشهد تلقیح نبتة السحلبية ذات المدقة في أوستراليا الغربية هذا المشهد الذي لا يزيد عن ثلاث دقائق .. وصلت تكاليفه إلى عشرين الف دولار .
ومن المعلوم أن صناعة الاجهزة المذكورة هي ذات تكاليف عالية جدا وعلى هذا الأساس لا بد الادغال المجال المحبوب للعمل للمركز من توجيه بعض الجهد إلى المؤثرات الخاصة لافلام الخيال العلمي ، والتي تؤمن له أرباحاً مادية مقبولة لتوظيفها في أفلام التاريخ الطبيعي او افلام حياة بالنسبة للمدراء البيولوجيين .
ولئلا يظن الكثيرون أن التصوير يتم دائما وسط الادغال وبمتابعة الحيوانات أو الحشرات مواقعها الطبيعية نشير هنا إلى معظم الاعمـال تتم داخـل الاستديو الخاص . بـافـلام اوكسفورد العلمية ، في المبنى المشار إليه .
ولكن ضمن اجواء في منتهى الطبيـعيـة حتى أنـه بالمستطاع تقديم مشهد لسيل ماء جبلي عنيف - بواسطة ضخ المياه بحجم يصل إلى الفي غالون في الدقيقة - أو لنهر هاديء أو بركة ماء راكدة .
وقاعدة أوكسفورد هذه فيها الكثير من الحشرات والحيوانات علما أن قلة منها تبقى في المركز لمدة طويلة اخيرا نذكر أن الميزة الجوهرية في ، أفلام أوكسفورد العلمية ، هي الاسهام الشخصي لكل هيئة العاملين والمدراء في الحياة العملية ، بعيداً عن المرابطة وراء مكاتبهم ويمكن القول أن هذا الأمر ضروري جدا لنجـاح المؤسسة التي لا تزال رغم شهرتها العالمية ، تقتصر على ٢٤ عضواً فقط ، إنهم يقاومون فكرة التوسع لثلا يتحول مركزهم الى شركة بيروقراطية تعج بالموظفين والمدراء غير المنتجين -
أفلام أوكسفورد العلمية ( Oxford Scientific Films ) .. مركز صغير جدا من مراكز التصوير المنتشرة في العالم لكنه مركز ضخم بل من أضخم المراكز نسبة لما يقدمه في مجال التاريخ الطبيعي المصور فوتوغرافيا وسينمائياً ، هذا عدا عن نشاطاته في إطار أفلام الخيال العلمي ، التي يعتبر رائداً في مجالها رغم عدم رغبته في الخوض بعيداً عن الواقع ، لولا حاجته المادية لهذا المرفق التجاري .
هل يمكن أن تكون عاصمة السينما في العالم . هوليوود ، قاصرة عن انجاز ما تستطيعـه مؤسسة صغيرة من طابق واحد يقع على أرض شجرية هادئة في انجلترا على بعد قليل من أوكسفورد .. هذا ما حصل ويحصل بالفعل بالنسبة المركز ، افلام اوكسفورد العلمية ، وقد تمت الاستعانة به في إفتتاحية الفيلم العالمي الضخم سوبرمان حيث تم تصوير كبسولة صغيرة تحمل البطل من کوکب - كريبتون ، إثر تدميره وتدفع به في القضاءة متجاوزة الأعداد الهائلة من الكواكب
وصولا إلى الأرض .
في هذه القاعدة الثانية عملت - افلام اوکسفورد العلمية ، على إبتداع مجموعة كاملة من التأثيرات الخاصة والمذهلة لأفلام المعلوماتية * يمكن اعتمادها مجالات مختلفة فـاستعمال الادوات البصرية التي عملوا على تطويرها بصورة خـاصـة يستطيعون تقليد مشهد لسفينة فضائية تدور بسرعة حول سطح كوكب آخر كما يمكنهم تصوير رجل مصغر وعنكبوت عملاق يخوضان معركة حامية الوطيس علماً ان الرجل سيكون رجلا حقيقيا ـ ربما هو يطل الفيلم الذي يتم تصويره - وكذلك يكون العنكبوت حقيقيا بلاستيكيا أو ما شابه .
ورغم هذه الامكانيات فان أفلام اكسفورد العلمية ، لا تضع جهدها في مجال افلام المغامرات العلمية بصورة واضحة ، بل نتجه أكثر إلى أفلام التاريخ الطبيعي الذي قامت شهرة المركز على أساسه . وإذا كانت مرحلتي الخمسينات والستينات من هذا القرن قد تركزت على تصوير أفلام الحياة البرية للحيوانات الكبيرة والمثيرة كالاسود والدبية فان افلام اكسفورد العلمية - ركزت ولا تزال على اللقطات الجميلة للمخلوقات الدقيقة من الحشرات والـرحـافـات الصغيرة شده المخلوقات التي نادرا ما يلاحظها الانسان أو يستطيع رؤيتها خصوصاً حين تقوم بممارسة حياتها اليومية ، كالنمل أثناء تشيد بيوتهم والبرقات خـلال تکامل نموها ، أو غير ذلك من صراع هذه الحشرات لأجـل البقاء .
وهناك تفاصيل صغيرة تكاد العين المجردة لا تتمكن من مشاهدتها ، كالشعيرات على ظهر عنكبوت او حساسات الكائنات البحرية الدقيقة هذه التفاصيل يتم إظهارها بوضوح مذهل ومعها حركات أكثر سرعة أو أبطا من أن نشاهدها بوضوح ، ورغم ذلك يتم التقاطها بوضوح تام .
المستغرب هنا ، ان الخبراء في مجال التصوير كانوا على يقين من إستحالة إنجاز ما انجزه وينجزه هذا المركز ، ولكن خيرة - أفلام اوكسفورد العلمية في المجال البيولوجي . وجهلهم في البداية بـاصـول التصوير جعلهم يحققون ما حققوه بما يشبه الأعجوبة فكيف تم ذلك :
- البداية كانت في أواخر الخمسينات حين كان جيرالد تومبسون ، المحاضر في علم الحشرات بجامعة أوكسفورد مشرف بحث متناول نوعا من أنواع الدبابير وخلال عرض السلايدات لبحثه في أحد المؤتمرات علق العالم الطبيعي بيتر سكوت قائلا إن الدبور قد يكون موضوعا جيدا لسلم ورغم عدم إدراك تومبسون للمصاعب التقنية التي ستواجهه فقد باشر بصنع الفيلم ، وكان يلجا الى حل كل مشكلة عند نشونها دون أن يفكر بإيقاف الفيلم مخافة المشاكل اللاحقة وبعد ما حل مشكلة الاهتزاز ، وحمـايـة مواضيعه من حرارة الأنوار وما شابه أنجز الفيلم وحـاز تومبسون على الجائزة الأولى المسابقة اجرتها وكالة ( BBC ) مع القنصلية البريطانية ، حول الطبيعة وهدا ما شجعه على متابعة طريقة في مجال افلام الطبيعة بمساعدة زملائه في دائرة علم الأحياء باكسفورد . وكانت هذه الأفلام في البداية تستعمل كوسائل إيضاح تقنية للتلاميذ جامعة أوكسفورد أو غيرها من الجامعات البريطانية ولكن سرعان ما قرر تومبسون ومعه من زملائه التخلي عن الحياة الأكاديمية والتركيز على صناعة الأفلام . وقد نجحوا بسرعة تكوين مؤسستهم على مقربة من قصر بلينـهـایـم ، مسقط رأس وينستون تشرشل .
وتاسست أفلام أوكسفورد العلمية من ثمانية مدراء جميعهم من السيولوجيين أصحاب الخبرة ، وهذا من أهم عوامل نجاح مركزهم فهم يدركون تماماً طبيعة ما يريدون تصويره ومثال ذلك معرفتهم المسبقة سان ديور التينيد ، يخلط بين نبتة السحلية ذات المدقة ، وبين انشاه فيعمد أحيانا إلى معاشرة الستة ، وما يحصل هنا ان راسه يمثليء باللقاح الناضح الذي يأخذه إلى سحلبية أخرى فيلقحها بنفس هذه المادة ، وعلى الرغم من هذه المعاشرة الخداعة تتم بسرعة لكن فريق العمل البيولوجي يعلم تماما انها عملية ضرورية جدا لتلقيح النباتات المذكورة والمنتشرة في غربي أوستراليا وصحيح أن عملية كهذه قد تستغرق منهم مراقبة متواصلة طيلة إثني عشرة ساعة على مدى ستة أسابيع ، لكن المهم انهم يحصلون على الفيلم المطلوب . فهذا النوع من المعرفة التفصيليـة لـعـادات وطبـاع مواضيعهم هو أحد العوامل الـرئيسيـة لنجـاح افلام اوكسفورد العلمية .
ونؤكد هنا ثانية ان ايا من مدراء ، أوكسفورد ، لا يمتلك خلفية معقولة بالعمل السينمائي أو حتى في مجال التصوير الفوتوغرافي ، وهم لا يخجلون من ذلك ، بل يشعرون أنها إحـدى إيجابياتهم . ويقول أحدهم : . لو كنا على علم مسبق باي من المصاعب التقنية التي سنواجهها صناعة أفلامنا ، ربما لم نبدا بها مطلقاً ، لقد اكتشفنا لاحقاً أن ما نجحنا في تحقيقه كان مستحيلا برأي الخبراء ، !
ورغم هذا القول ، بد من التقنية . وذلك بسبب المشاكل التأكيد أنهم في هذا المركز طوروا العديد من الاجهزة المعقدة كما انتجوا عدداً مهماً من الابداعات التي واجهتهم . ومنهـا حـين فوجئوا ، لدى محاولتهم تكبير بعض الحشرات الصغيرة جداً بتكبيرات مبالغ بها . ان اقل اهتزاز لهذه الحشرات سيؤدي إلى تكبير هذا الاهتزاز مما يجعل التصوير الناعم مستحيلا .. من هنا استطاعوا انجاز المقعـد البصري ( * ) . وهو إنجاز رائع يعتمد على مبدأ بسيط يقول « إذا وضع كل من الموضوع والكاميرا على هيكلية صلبة جداً ، فسوف يكون كل اهتزاز طاريء مشتركاً بين الاثنين ، مما يحول دون ظهوره على الفيلم مطلقاً . وهكذا تم تجاوز مشكلة الاهتزاز بشكل تام بحيث يمكن اعتماد هذا المقعد مختبر نقال . و في مركب يسير ضمن بحر هائج .
مشكلة اخرى واجهتهم مع الانارة التي طالما استهلكت مقداراً كبيراً من الجهود فحين تكون الانارة مباشرة من الأمام فان الكائنات الشفافة كبراغيث الماء . ستصبح غير ظاهرة ولحل هذه المشكلة عاد المدراء في - افلام اوكسفورد العلمية ، إلى نظام من انظمة العصر الفيكتوري كان معروفاً من قبل ، المجهريين ، أو إختصاصي المايكروسكوب وهو ما عرف بانارة الحقل المظلم ( * ) حيث يقع مصدر الضوء وراء الموضوع ، مع وجود مكثف بينهما ، يؤدي إلى تركيز النور على الموضوع لتامين إضاءة خلفية مشرقة تظهر التفاصيل كلها ويتم تعتيم وسط المكلف في مجـال مشاهدة الكاميرا ، بحيث يشع الموضوع برافاً مقابل خلفية مظلمة تماما .
ً ولكن مسؤولية مواجهة معضلات المقاييس التي أسهمت بانتقـال افلام - اوكسفورد العلمية ، إلى تصوير التأثيرات الخاصة تعود إلى تقدمين رئيسيين طرءا على الأسلوب ، الأول هو تحسين المقعد البصري ليعطي عمق مجـال استثنائي ، يسمح لمسطحين او ثلاثة مسطحات بؤرية بالاندماج في لقطة واحدة للكاميرا ، بحيث يمكن استقطاب مقیاس قریب وكامل إلى جانب شخص يقف على بعد عشر باردات في لقطة واحدة مع الاحتفاظ بالاثنين ضمن التركيز وقد عرفت هذه الوسيلة بمقعد الصورة الهوائيـة ( * ) وتعتمد على وضع هدف المقدمة الأصغر في مسطح الصورة كعدسة في الخلف ، يتم تركيز هذه العدسة على هدف آخر بحيث يظهر ضمن التركيز خلف الهدف الأول .
ونذكر هنا أن الكثير من مشاهد سولتزمان حول الرواد دقيقي فیلم ( The Micronauts ) لهاري الحجم تم التقاطها بالاسلوب المذكور ، كذلك مشهد الرجل المصغر والعنكبوت العملاق الذي أشرنا إليه .
بالنسبة للتقدم الثاني فكان حسين أراد العاملون في افلام اوكسفوره العلمية ، تتبع خنفساء من خلال نباتات تغطي ارض الغابة مع الاحتفاظ بزاوية كاميرا منخفضة تتطلع إلى الأعلى نحو الخنفساء ومتابعة هذه الحشرة على سطحية ناعمة هو أمر صعب بحد ذاته ، فكيف بملاحقتها وهي مغطاة تحت ورق الشجر أو خلال برك صغيرة من مخلفات ماء المطر او بين صخور متلاصقة لا تبعد الواحدة عن الأخرى ملليمتراً واحداً .
وقد بدا الحل لهذه المعضلة بواسطة التطوير المـادي ه بـالأستروبـروب .
( * ) وتابعيـه المتـزايـدي التعقيد والمقدرات - الباتفايندر ( * ) أو الباحث عن . الكـوزمـوسـكـوب . ( * ) الممر .
فمع الاستروبروب كان الحل التمهيدي .
وقد عمل بنجاح كبير ضمن حدود معينة ، فبنقل الصور إلى جسم الكاميرا من خلال سلسلة معقدة من العدسات ، يمكن للناظر أن يتتبع الخنفساء من خلال فتحات وشقوق لا تتجاوز الملليمتر الواحد مع الاحتفاظ بمنظر ذي اتساع معقول للزاوية .
اما مع الكوزموسكوب أو الغالاكتوسكوب ، فقد تمكن المركز من السير شوطأ أبعد وقد أمكن استقصاء المواضيع على ارتفاع لا يتجاوز خمسة ملليمترات عن سطح الأرض ، وقد تم ذلك تبعاً لتدابير ، بيريسكوبية ، أو تبعاً لأسلوب منظار العواصات بينما تـعمـل المشتات الغيروسكوبية ، للتغلب على معضلة الاهتزازات . والمثير هذه الاجهزة يتمثل بامكانية تغيير زاوية الكاميرا بسرعة وسهولة اي اتجاه وبصورة يمكن الايحاء بان المشهد مأخوذ بطائرة تتحرك فوق السطحية المعنية ، إذا كانت الحشرة تدور أو تنقض أو تنطلق من مستوى طيرانها العادي بهذا النوع من التسهيلات ، أصبحت افلام اكسفورد العلمية ، قادرة على انتاج العديد من التأثيرات له الخاصة إلى جانب عملها في مجال افلام التاريخ الطبيعي ومن هنا تزايدت مساهمات هذه المركز افلام الخيال العلمي ، في حين ظلت حياة الأدغال هي التوجه الحقيقي له .
وأفلام التاريخ الطبيعي تتطلب الكثير من الوقت إلى جانب الميزانية المالية طبعاً ، ونذكر هنا أن فيلم الحياة الجنسية للنباتات . وهو الفيلم الذي يعالج مسألة التلقيح عند النبات قد استغرق العمل به سبع سنوات ، قبل أن ينجز نهائيا عام 1981 . وفي عام 1980 وحده فقط ، أرسل المركز مجموعة فرق عمل إلى كل من غرينلاند وكيب تاون وسردينيا وكوستاريكا و اوتاوه واوستراليا وغيرها .
وعلى الصعيد المالي يكفي أن نشير إلى مشهد تلقیح نبتة السحلبية ذات المدقة في أوستراليا الغربية هذا المشهد الذي لا يزيد عن ثلاث دقائق .. وصلت تكاليفه إلى عشرين الف دولار .
ومن المعلوم أن صناعة الاجهزة المذكورة هي ذات تكاليف عالية جدا وعلى هذا الأساس لا بد الادغال المجال المحبوب للعمل للمركز من توجيه بعض الجهد إلى المؤثرات الخاصة لافلام الخيال العلمي ، والتي تؤمن له أرباحاً مادية مقبولة لتوظيفها في أفلام التاريخ الطبيعي او افلام حياة بالنسبة للمدراء البيولوجيين .
ولئلا يظن الكثيرون أن التصوير يتم دائما وسط الادغال وبمتابعة الحيوانات أو الحشرات مواقعها الطبيعية نشير هنا إلى معظم الاعمـال تتم داخـل الاستديو الخاص . بـافـلام اوكسفورد العلمية ، في المبنى المشار إليه .
ولكن ضمن اجواء في منتهى الطبيـعيـة حتى أنـه بالمستطاع تقديم مشهد لسيل ماء جبلي عنيف - بواسطة ضخ المياه بحجم يصل إلى الفي غالون في الدقيقة - أو لنهر هاديء أو بركة ماء راكدة .
وقاعدة أوكسفورد هذه فيها الكثير من الحشرات والحيوانات علما أن قلة منها تبقى في المركز لمدة طويلة اخيرا نذكر أن الميزة الجوهرية في ، أفلام أوكسفورد العلمية ، هي الاسهام الشخصي لكل هيئة العاملين والمدراء في الحياة العملية ، بعيداً عن المرابطة وراء مكاتبهم ويمكن القول أن هذا الأمر ضروري جدا لنجـاح المؤسسة التي لا تزال رغم شهرتها العالمية ، تقتصر على ٢٤ عضواً فقط ، إنهم يقاومون فكرة التوسع لثلا يتحول مركزهم الى شركة بيروقراطية تعج بالموظفين والمدراء غير المنتجين -
تعليق