ولايات متحده امريكيه (مسرح في)
United States of America - Etats-Unis d'Amérique
المسرح
على الرغم من التعددية الأثنية والثقافية واللغوية لسكان الولايات المتحدة الأمريكية على نحو لم يسبق له مثيل في العالم كله، فقد هيمنت اللغة الإنكليزية (الأمريكية) على مرافق الحياة كافة، ولاسيما على صعيد الفكر والأدب والإعلام والفنون، ومنها المسرح الذي اصطبغ في البدايات باللهجة الإنكليزية لكثرة الفرق الزائرة من إنكلترا من جهة، ولهجرة الممثلين الإنكليز إلى «العالم الجديد» من جهة أخرى؛ بحثاً عن آفاق جديدة. لكن المهاجرين الأوربيين تحديداً قابلوا هذه الفرق الزائرة بعداء طهراني puritan [ر. التطهرية] أعاق تأثيرها المأمول نحو نصف قرن. وفي عام 1763 أطلق الإخوة هلام Hallam على فرقتهم اسم «الفرقة الأمريكية» The American Company. واللافت في القرن التاسع عشر ـ على صعيد الحركة المسرحية الأمريكية ـ هو أنها قائمة على أسس عائلية في أجيال متعاقبة، مثل عائلة جيفرسون Jefferson وبوث Booth ودرو Drew وباريمور Barrymore وهمرسْتاين Hammerstein ووَلاك Wallack، إضافة إلى الممثل المأساوي إدوين فورِسْت E.Forrest ومديرة أعمال الممثلين لورا كين Laura Keene. وجرت محاولات للاقتداء بمثال المسرح الأدبي الأوربي، بادرت إليها الممثلة الإبسنية [ر. إبسن] د. فيسْك D.Fiske والممثلة هـ. موجِسْكا H.Modjeska، لكن أسلوب الاستثمار الرأسمالي في المسرح هو الذي هيمن، وقد برز في هذا الميدان كل من دالي Daly وفرومَن Frohman والنقابة المسرحية Theatrical Syndicate؛ وفي مطلع القرن العشرين سيطرت على الساحة المسرحية استثمارات عائلة شوبرت Shubert ومنتج الاستعراضات المسرحية زيغفِلد Ziegfeld. أما كتّاب القرن التاسع عشر فكانوا بيلاسكو Belasco وبوسيكو Boucicault وهونِكر Huneker وماك كي Mackaye وماثيوز Matthews. وفي منتصف القرن التاسع عشر ظهر على نهري مسيسيبي وأوهايو قوارب تقدم عروضاً متنوعة Showboats تمزج المسرح بالغناء والموسيقى وألعاب الخفة، كما ظهرت فرق «الكوميديين» البيض المُسْتَزْنجين Minstrel Show (الذين يطلون وجوههم كالزنوج، ويقلدون أساليبهم في الترفيه). أما النوع المسرحي الأمريكي الصرف ـ وهو «الميوزيكال» Musical ـ فقد نشأ في حي برودواي Broadway في مدينة نيويورك، وازدهر بصورة مدهشة معتمداً على مبدأ العروض المتتالية en-suite في برودواي، ثم على الجـولات الواسعة والمربحـة إلى كبريات المدن الأمريكية، وعلى مبدأ النجوم Star-System، في حيـن لم يكن المسرح الأدبي ـ بنظام العـروض المتبدلة في أثناء الموسم Repertoire System ـ سوى ظاهرة هامشية. وقد استند نجاح أسلوب برودواي إلى وجـود المنتـج ـ الممول المهتم بالربح شبه المؤكد، أو بالخسارة التي ستحسم من ضرائبه للدولة. وانطلاقاً من الحجم المالي الهائل لكل إنتاج وتجنباً لمخاطر الخسارة صار بإشراف «نقابة الممثلين» «اختبارات جودة أداء» Auditions لتوفير ممثلين عدة للدور الواحد في أيّ مكان عرض لهذا الإنتاج أو ذاك. وفي حال عدم رضا المنتج عن حوارات النص أو عن الإخراج سرعان ما يُجلب مؤلف أو مخرج آخر بصفة معالجٍ Playdoctor ليجري التعديلات المطلوبة نصاً وإخراجاً. ثم يُختبر العرض خارج نيويورك أو في عروض مغلقة مخصصة للممولين والمنتجين والنقاد المسرحيين. فإن لم ينل العرض إعجابهم، ولاسيما إعجاب نقاد نيويورك، ولاسيما ناقد صحيفة «نيويورك تايمز» New York Times؛ يُلغى العرض كلياً، وهو الحل الأنجع اقتصادياً.
لا يمكن فهم المسرح الأمريكي في القرن العشرين إلا أنه تناقض متناوب بين نظام برودواي ومحاولات اختراقه المتجددة أو إصلاحه بنظام المسرح الأدبي، مثل: محاولة «نقابة المسرحيين» Theatre Guild منذ عام 1919 التي تبنت أعمال الكاتب يوجين أونيل[ر] E.O’Neill الذي درس «الدراما» والإخراج على يدي جـورج بيرس بيكـر G.P.Baker في جامعـة هارڤرد، وقد تخـرج على يديه أيضاً كل من الكتّاب سيدني هـوارد Sidney Howard وفيليب باري Philip Barry وس. ن. بيرمَن S.N.Behrmann وجورج أبوت George Abbott. وفي جامعتي كولومبيا ويال Yale كان يُدرِّس الناقد والمنظِّر جون غاسنر John Gassner الذي خرَّج كلاً من تنيسي ويليامز[ر] T.Williams وآرثر ميللر[ر] A.Miller.
وثمة محاولات لتسييس المسرح قامت في أثناء الأزمة الاقتصادية عام 1929 وفي مرحلة الرئيس روزفلت[ر] منذ عام 1932، كان المبادورن إليها «اتحاد المسرح» Theatre Union و«جماعة المسرح» Group Theatre و«مشروع المسرح الفدرالي» Federal Theatre Project وهي تجمعات كتّاب ذوي ميول يسارية، مثل ألبرت مالتس A.Maltz وكليفورد أودِتس C.Odets وإلمر رايس E.Rice وبِن هِشت B.Hecht وليليان هِلْمَن L.Hellman وبول غرين P.Green وروبرت أُردري R.Ardery والممثل بول روبسون P.Robeson. وما يلفت النظر هو أن كبار المسرحيين الألمان المهاجرين بسبب النازية إلى الولايات المتحدة، مثل بريشت[ر] وراينهارت[ر] وإرڤين بيسكاتور E.Piscator لم يجدوا هناك فرص عمل. وفي الأربعينيات والخمسينيات في مسارح برودواي المتزايدة والمتنوعة كانت تُقدم أعمال شكسبير مثلاً بإخراجات جديدة، إضافة إلى نصوص مسرحية جديدة لكتّاب مثل وايلدر[ر] وويليامز وميلر بإخراج إيليا كازان[ر] E.Kazan وسينوغرافيا (تصميم فضاء المسرح ومناظر المشاهد) scenography جو ميلزينر Joe Mielziner، وفي الستينيات برز اسم الكاتب إدوارد أُلبي E.Albee بإخراج ألان شنايدر A.Schneider. في الآونة نفسها قدمت مسارح برودواي أعمالاً ملهاوية (كوميدية) حازت شهرة عالمية متفاوتة، لبول أوزبورن P.Osborn وجون باتريك J.Patrick ووليم غيبسون W.Gibson ووليم إنج W.Inge وغارسون كانين G.Kanin وجيروم كيلتي J.Kilty وريتشارد ناش R.Nash ونيل سايمون N.Simon وهرمَن ووك H.Wouk وغور ڤيدال G.Vidal، لمعت فيها أسماء ممثلين وممثلات برزوا لاحقاً في السينما أيضاً مثل كاثرين هيبورن K.Hepburn وجوزيه فيرر J.Ferrer وغيرهما، إضافة إلى مينغ تشو لي M.Choo Lee وأوليڤر سميث O.Smith في السينوغرافيا، وجولز فيشر J.Fisher في تصميم الإضاءة Lighting Design.
صدر عن تطورات مركز المسرح الأمريكي في حي برودواي في النصف الثاني من القرن العشرين حركتان مهمتان على الصعيد الفني والفكري والاقتصادي، وهما: خارج برودواي Off- Broadway، وخارج ـ خارج برودواي Off- Off- Broadway.
ـ خارج برودواي
بدأت هذه الحركة عقب الحرب العالمية الثانية مناهضة لنظام برودواي، وهي تشمل الهواة إلى جانب المحترفين المسيسين الرافضين لأساليب إنتاج برودواي والراغبين بمبدأ عمل المسرح الأدبي، ولاسيما الملتزم سياسياً منه. وصُنفت مسارح خارج برودواي ضرائبياً بحيث يكون عدد كراسي المسرح إما 299 وإما 199 وإما 99 كرسياً. وحسب هذا التصنيف أُبرمت عقود التشغيل مع النقابات. وينتمي إلى هذه الحركة مسرح «الحلقة في الساحة» Circle in the square الذي أسسه تيودور مَن Th. Mann عام 1951، وهو مسرح غير ربحي يعمل بمبدأ الاشتراكات السنوية، وينتج في كل موسم أربعة عروض، ويقوم بدعم الدراما الأمريكية الجديدة عن طريق أمسيات القراءة. وهناك «نادي مسرح مانهاتن» Manhattan Theatre Club الذي أسسته وأدارته لين ميدو Lynn Meadow منذ عام 1970 بالتعاون مع شخصيات نيويوركية، وهو يضم مسرحاً وصالة «ستوديو» ومنصة لعروض «الكباريه» السياسي. برنامجه متنوع يشمل كتّاب القرنين 19 و20 من أوربا وأمريكا. وهناك «مهرجان شكسبير في نيويورك» New York Shakespeare Festival الذي يقيم سنوياً في الهواء الطلق مهرجاناً مجانياً لبعض مسرحيات شكسبير، إضافة إلى كتّاب آخرين من أوربا وأمريكا في مبنى «المسرح العام» Public Theatre بمبدأ غير ربحي، بإدارة جوزيف بَپ Joseph Papp منذ عام 1954. ويعدّ «مركز لنكولن» Lincoln Center أحد تمظهرات حركة خارج برودواي، وهو مركز ثقافي يشتمل على «القاعة الفيلهارمونية» التي افتتحت عام 1962 وعلى قاعة «الأوبرا الميتروبوليتانية الجديدة» بـ 3800 كرسي التي افتتحت عام 1967، وعلى «مسرح الولاية» و«مسرح المدينة» و«باليه نيويورك» و«مسرح ڤيڤيان بومونت» الأدبي، إضافة إلى المكتبة والمتحف وصالة الفنون التشكيلية و«معهد جويلارد الموسيقي»، إضافة إلى مساحات واسعة تستخدم لعروض الهواء الطلق صيفاً. وهناك أيضاً «مركز مسرح تشِلْسي» Chelsea Theatre Center غير الربحي الذي أسسه روبرت كالفين R.Kalfin في عام 1965، وهو يتميز بإعادة اكتشاف مسرحيات مهمة من أعمال كتّاب أهملتهم المسارح المعاصرة أو لكتّاب مجهولين. على الرغم من عدم امتلاك المركز فرقة ثابتة؛ فقد تعاون طوال الوقت مع مخرجين وممثلين ومصممي سينوغرافيا وإضاءة من المشاهير. لكنه ذهب ضحية أزمة عام 1981 الاقتصادية. وآخر هذه التفرعات هو «مسرح المكان الأمريكي» American Place Theatre المخصص للدراما الأمريكية الجديدة، بإدارة وين هاندمَن Wynn Handman وبمبدأ غير ربحي منذ عام 1964، ومنذ عام 1978 أخذ بالتركيز عبر «مشروع النساء» The Women’s Project على دعم الكاتبات والمخرجات.
ـ خارج ـ خارج برودواي
انطلقت هذه الحركة في أواخر الخمسينيات في مواجهة كل ما هو تجاري على صعيد العمل المسرحي، مقتدية بنموذج «المسرح الحي» The Living Theatre الذي أثار مشروعه ضجة كبيرة محلياً وعالمياً، ولاسيما على صعيد المواجهة مع السلطة. ويعدّ مشروع إلّن ستيوارت Ellen Stewart من رواد هذه الحركة في «الكراج» الذي أسمته «لا ماما» La Mama والذي جُهز لتقديم العروض المسرحية والأفلام السينمائية في جو مقهى فرنسي مفتوح على مختلف الاحتمالات. وتبع ذلك «المسرح المفتوح» Open Theatre بإدارة المخرج جوزيف تشايكِن Joseph Chaikin و«مسرح الخبز والدمى» Bread and Puppet Theatre و«مسرح مناجم مابو» Mabou Mines Theatre و«مشروع مانهاتن لأندريه غريغوري» Andre Gregory’s Manhattan Project. والجديد اللافت في مسارح هذه الحركة هو أنها لا تدفع أجوراً للعاملين في مشروعاتها، وإنما نفقات فقط. وهي تولي اهتمامها الرئيسي للمسرحيات الجديدة أو المكتشفة حديثاً من برنامج العروض الكلاسيكي. ويُذكر من كتّاب هذه الحركة إريك بنتلي E.Bentley وآيرين ماريا فورنِس I.M.Fornes وآرثر كوبيت A.Kopit وموراي شيزغال M.Schisgal وسام شِبارد S.Shepard وميغان تيري M.Terry وغيرهم. وفي إطار مسارح خارج ـ خارج برودواي يعمل أيضاً منذ السبعينيات كبار التجريبيين في المسرح الأمريكي مثل ريتشارد شِشْنر R.Schechner وجورج فورمَن G.Foreman وروبرت ويلسون R.Wilson ومريديث مونك M.Monk ولوري أندرسن L.Anderson وشيخ المجربين جون كيج J.Cage. وتقوم الجوائز السنوية بدور اقتصادي وتشجيعي مؤثر في تنشيط الحركة المسرحية بجميع مقوماتها.
أما «مسرح الأقاليم» Regional Theatre ـ بعيداً عن مركز برودواي ـ فيعتمد بصورة رئيسية على المسرح الجامعي (قسم الدراما في جامعة يال مثلاً)، ويعدّ مصدراً مهماً للطاقات المسرحية المستقبلية. وهناك أيضاً ما يسمى «مسرح الجاليات» Community Theatre الذي يعتمد على الهواة. وكلاهما غير ربحي، ويتلقى دعماً مالياً من «الدعم القومي للفنون» National Endowment for the Arts أو من مجلس الولاية أو المدينة، وأحياناً من جهات تمويلية خاصة.
نبيل الحفار
United States of America - Etats-Unis d'Amérique
المسرح
على الرغم من التعددية الأثنية والثقافية واللغوية لسكان الولايات المتحدة الأمريكية على نحو لم يسبق له مثيل في العالم كله، فقد هيمنت اللغة الإنكليزية (الأمريكية) على مرافق الحياة كافة، ولاسيما على صعيد الفكر والأدب والإعلام والفنون، ومنها المسرح الذي اصطبغ في البدايات باللهجة الإنكليزية لكثرة الفرق الزائرة من إنكلترا من جهة، ولهجرة الممثلين الإنكليز إلى «العالم الجديد» من جهة أخرى؛ بحثاً عن آفاق جديدة. لكن المهاجرين الأوربيين تحديداً قابلوا هذه الفرق الزائرة بعداء طهراني puritan [ر. التطهرية] أعاق تأثيرها المأمول نحو نصف قرن. وفي عام 1763 أطلق الإخوة هلام Hallam على فرقتهم اسم «الفرقة الأمريكية» The American Company. واللافت في القرن التاسع عشر ـ على صعيد الحركة المسرحية الأمريكية ـ هو أنها قائمة على أسس عائلية في أجيال متعاقبة، مثل عائلة جيفرسون Jefferson وبوث Booth ودرو Drew وباريمور Barrymore وهمرسْتاين Hammerstein ووَلاك Wallack، إضافة إلى الممثل المأساوي إدوين فورِسْت E.Forrest ومديرة أعمال الممثلين لورا كين Laura Keene. وجرت محاولات للاقتداء بمثال المسرح الأدبي الأوربي، بادرت إليها الممثلة الإبسنية [ر. إبسن] د. فيسْك D.Fiske والممثلة هـ. موجِسْكا H.Modjeska، لكن أسلوب الاستثمار الرأسمالي في المسرح هو الذي هيمن، وقد برز في هذا الميدان كل من دالي Daly وفرومَن Frohman والنقابة المسرحية Theatrical Syndicate؛ وفي مطلع القرن العشرين سيطرت على الساحة المسرحية استثمارات عائلة شوبرت Shubert ومنتج الاستعراضات المسرحية زيغفِلد Ziegfeld. أما كتّاب القرن التاسع عشر فكانوا بيلاسكو Belasco وبوسيكو Boucicault وهونِكر Huneker وماك كي Mackaye وماثيوز Matthews. وفي منتصف القرن التاسع عشر ظهر على نهري مسيسيبي وأوهايو قوارب تقدم عروضاً متنوعة Showboats تمزج المسرح بالغناء والموسيقى وألعاب الخفة، كما ظهرت فرق «الكوميديين» البيض المُسْتَزْنجين Minstrel Show (الذين يطلون وجوههم كالزنوج، ويقلدون أساليبهم في الترفيه). أما النوع المسرحي الأمريكي الصرف ـ وهو «الميوزيكال» Musical ـ فقد نشأ في حي برودواي Broadway في مدينة نيويورك، وازدهر بصورة مدهشة معتمداً على مبدأ العروض المتتالية en-suite في برودواي، ثم على الجـولات الواسعة والمربحـة إلى كبريات المدن الأمريكية، وعلى مبدأ النجوم Star-System، في حيـن لم يكن المسرح الأدبي ـ بنظام العـروض المتبدلة في أثناء الموسم Repertoire System ـ سوى ظاهرة هامشية. وقد استند نجاح أسلوب برودواي إلى وجـود المنتـج ـ الممول المهتم بالربح شبه المؤكد، أو بالخسارة التي ستحسم من ضرائبه للدولة. وانطلاقاً من الحجم المالي الهائل لكل إنتاج وتجنباً لمخاطر الخسارة صار بإشراف «نقابة الممثلين» «اختبارات جودة أداء» Auditions لتوفير ممثلين عدة للدور الواحد في أيّ مكان عرض لهذا الإنتاج أو ذاك. وفي حال عدم رضا المنتج عن حوارات النص أو عن الإخراج سرعان ما يُجلب مؤلف أو مخرج آخر بصفة معالجٍ Playdoctor ليجري التعديلات المطلوبة نصاً وإخراجاً. ثم يُختبر العرض خارج نيويورك أو في عروض مغلقة مخصصة للممولين والمنتجين والنقاد المسرحيين. فإن لم ينل العرض إعجابهم، ولاسيما إعجاب نقاد نيويورك، ولاسيما ناقد صحيفة «نيويورك تايمز» New York Times؛ يُلغى العرض كلياً، وهو الحل الأنجع اقتصادياً.
لا يمكن فهم المسرح الأمريكي في القرن العشرين إلا أنه تناقض متناوب بين نظام برودواي ومحاولات اختراقه المتجددة أو إصلاحه بنظام المسرح الأدبي، مثل: محاولة «نقابة المسرحيين» Theatre Guild منذ عام 1919 التي تبنت أعمال الكاتب يوجين أونيل[ر] E.O’Neill الذي درس «الدراما» والإخراج على يدي جـورج بيرس بيكـر G.P.Baker في جامعـة هارڤرد، وقد تخـرج على يديه أيضاً كل من الكتّاب سيدني هـوارد Sidney Howard وفيليب باري Philip Barry وس. ن. بيرمَن S.N.Behrmann وجورج أبوت George Abbott. وفي جامعتي كولومبيا ويال Yale كان يُدرِّس الناقد والمنظِّر جون غاسنر John Gassner الذي خرَّج كلاً من تنيسي ويليامز[ر] T.Williams وآرثر ميللر[ر] A.Miller.
وثمة محاولات لتسييس المسرح قامت في أثناء الأزمة الاقتصادية عام 1929 وفي مرحلة الرئيس روزفلت[ر] منذ عام 1932، كان المبادورن إليها «اتحاد المسرح» Theatre Union و«جماعة المسرح» Group Theatre و«مشروع المسرح الفدرالي» Federal Theatre Project وهي تجمعات كتّاب ذوي ميول يسارية، مثل ألبرت مالتس A.Maltz وكليفورد أودِتس C.Odets وإلمر رايس E.Rice وبِن هِشت B.Hecht وليليان هِلْمَن L.Hellman وبول غرين P.Green وروبرت أُردري R.Ardery والممثل بول روبسون P.Robeson. وما يلفت النظر هو أن كبار المسرحيين الألمان المهاجرين بسبب النازية إلى الولايات المتحدة، مثل بريشت[ر] وراينهارت[ر] وإرڤين بيسكاتور E.Piscator لم يجدوا هناك فرص عمل. وفي الأربعينيات والخمسينيات في مسارح برودواي المتزايدة والمتنوعة كانت تُقدم أعمال شكسبير مثلاً بإخراجات جديدة، إضافة إلى نصوص مسرحية جديدة لكتّاب مثل وايلدر[ر] وويليامز وميلر بإخراج إيليا كازان[ر] E.Kazan وسينوغرافيا (تصميم فضاء المسرح ومناظر المشاهد) scenography جو ميلزينر Joe Mielziner، وفي الستينيات برز اسم الكاتب إدوارد أُلبي E.Albee بإخراج ألان شنايدر A.Schneider. في الآونة نفسها قدمت مسارح برودواي أعمالاً ملهاوية (كوميدية) حازت شهرة عالمية متفاوتة، لبول أوزبورن P.Osborn وجون باتريك J.Patrick ووليم غيبسون W.Gibson ووليم إنج W.Inge وغارسون كانين G.Kanin وجيروم كيلتي J.Kilty وريتشارد ناش R.Nash ونيل سايمون N.Simon وهرمَن ووك H.Wouk وغور ڤيدال G.Vidal، لمعت فيها أسماء ممثلين وممثلات برزوا لاحقاً في السينما أيضاً مثل كاثرين هيبورن K.Hepburn وجوزيه فيرر J.Ferrer وغيرهما، إضافة إلى مينغ تشو لي M.Choo Lee وأوليڤر سميث O.Smith في السينوغرافيا، وجولز فيشر J.Fisher في تصميم الإضاءة Lighting Design.
صدر عن تطورات مركز المسرح الأمريكي في حي برودواي في النصف الثاني من القرن العشرين حركتان مهمتان على الصعيد الفني والفكري والاقتصادي، وهما: خارج برودواي Off- Broadway، وخارج ـ خارج برودواي Off- Off- Broadway.
ـ خارج برودواي
بدأت هذه الحركة عقب الحرب العالمية الثانية مناهضة لنظام برودواي، وهي تشمل الهواة إلى جانب المحترفين المسيسين الرافضين لأساليب إنتاج برودواي والراغبين بمبدأ عمل المسرح الأدبي، ولاسيما الملتزم سياسياً منه. وصُنفت مسارح خارج برودواي ضرائبياً بحيث يكون عدد كراسي المسرح إما 299 وإما 199 وإما 99 كرسياً. وحسب هذا التصنيف أُبرمت عقود التشغيل مع النقابات. وينتمي إلى هذه الحركة مسرح «الحلقة في الساحة» Circle in the square الذي أسسه تيودور مَن Th. Mann عام 1951، وهو مسرح غير ربحي يعمل بمبدأ الاشتراكات السنوية، وينتج في كل موسم أربعة عروض، ويقوم بدعم الدراما الأمريكية الجديدة عن طريق أمسيات القراءة. وهناك «نادي مسرح مانهاتن» Manhattan Theatre Club الذي أسسته وأدارته لين ميدو Lynn Meadow منذ عام 1970 بالتعاون مع شخصيات نيويوركية، وهو يضم مسرحاً وصالة «ستوديو» ومنصة لعروض «الكباريه» السياسي. برنامجه متنوع يشمل كتّاب القرنين 19 و20 من أوربا وأمريكا. وهناك «مهرجان شكسبير في نيويورك» New York Shakespeare Festival الذي يقيم سنوياً في الهواء الطلق مهرجاناً مجانياً لبعض مسرحيات شكسبير، إضافة إلى كتّاب آخرين من أوربا وأمريكا في مبنى «المسرح العام» Public Theatre بمبدأ غير ربحي، بإدارة جوزيف بَپ Joseph Papp منذ عام 1954. ويعدّ «مركز لنكولن» Lincoln Center أحد تمظهرات حركة خارج برودواي، وهو مركز ثقافي يشتمل على «القاعة الفيلهارمونية» التي افتتحت عام 1962 وعلى قاعة «الأوبرا الميتروبوليتانية الجديدة» بـ 3800 كرسي التي افتتحت عام 1967، وعلى «مسرح الولاية» و«مسرح المدينة» و«باليه نيويورك» و«مسرح ڤيڤيان بومونت» الأدبي، إضافة إلى المكتبة والمتحف وصالة الفنون التشكيلية و«معهد جويلارد الموسيقي»، إضافة إلى مساحات واسعة تستخدم لعروض الهواء الطلق صيفاً. وهناك أيضاً «مركز مسرح تشِلْسي» Chelsea Theatre Center غير الربحي الذي أسسه روبرت كالفين R.Kalfin في عام 1965، وهو يتميز بإعادة اكتشاف مسرحيات مهمة من أعمال كتّاب أهملتهم المسارح المعاصرة أو لكتّاب مجهولين. على الرغم من عدم امتلاك المركز فرقة ثابتة؛ فقد تعاون طوال الوقت مع مخرجين وممثلين ومصممي سينوغرافيا وإضاءة من المشاهير. لكنه ذهب ضحية أزمة عام 1981 الاقتصادية. وآخر هذه التفرعات هو «مسرح المكان الأمريكي» American Place Theatre المخصص للدراما الأمريكية الجديدة، بإدارة وين هاندمَن Wynn Handman وبمبدأ غير ربحي منذ عام 1964، ومنذ عام 1978 أخذ بالتركيز عبر «مشروع النساء» The Women’s Project على دعم الكاتبات والمخرجات.
ـ خارج ـ خارج برودواي
انطلقت هذه الحركة في أواخر الخمسينيات في مواجهة كل ما هو تجاري على صعيد العمل المسرحي، مقتدية بنموذج «المسرح الحي» The Living Theatre الذي أثار مشروعه ضجة كبيرة محلياً وعالمياً، ولاسيما على صعيد المواجهة مع السلطة. ويعدّ مشروع إلّن ستيوارت Ellen Stewart من رواد هذه الحركة في «الكراج» الذي أسمته «لا ماما» La Mama والذي جُهز لتقديم العروض المسرحية والأفلام السينمائية في جو مقهى فرنسي مفتوح على مختلف الاحتمالات. وتبع ذلك «المسرح المفتوح» Open Theatre بإدارة المخرج جوزيف تشايكِن Joseph Chaikin و«مسرح الخبز والدمى» Bread and Puppet Theatre و«مسرح مناجم مابو» Mabou Mines Theatre و«مشروع مانهاتن لأندريه غريغوري» Andre Gregory’s Manhattan Project. والجديد اللافت في مسارح هذه الحركة هو أنها لا تدفع أجوراً للعاملين في مشروعاتها، وإنما نفقات فقط. وهي تولي اهتمامها الرئيسي للمسرحيات الجديدة أو المكتشفة حديثاً من برنامج العروض الكلاسيكي. ويُذكر من كتّاب هذه الحركة إريك بنتلي E.Bentley وآيرين ماريا فورنِس I.M.Fornes وآرثر كوبيت A.Kopit وموراي شيزغال M.Schisgal وسام شِبارد S.Shepard وميغان تيري M.Terry وغيرهم. وفي إطار مسارح خارج ـ خارج برودواي يعمل أيضاً منذ السبعينيات كبار التجريبيين في المسرح الأمريكي مثل ريتشارد شِشْنر R.Schechner وجورج فورمَن G.Foreman وروبرت ويلسون R.Wilson ومريديث مونك M.Monk ولوري أندرسن L.Anderson وشيخ المجربين جون كيج J.Cage. وتقوم الجوائز السنوية بدور اقتصادي وتشجيعي مؤثر في تنشيط الحركة المسرحية بجميع مقوماتها.
أما «مسرح الأقاليم» Regional Theatre ـ بعيداً عن مركز برودواي ـ فيعتمد بصورة رئيسية على المسرح الجامعي (قسم الدراما في جامعة يال مثلاً)، ويعدّ مصدراً مهماً للطاقات المسرحية المستقبلية. وهناك أيضاً ما يسمى «مسرح الجاليات» Community Theatre الذي يعتمد على الهواة. وكلاهما غير ربحي، ويتلقى دعماً مالياً من «الدعم القومي للفنون» National Endowment for the Arts أو من مجلس الولاية أو المدينة، وأحياناً من جهات تمويلية خاصة.
نبيل الحفار