الوراثة والسلوك الإنساني Inheritance and behaviour.أولهم العالم السير فرنسيس غالتون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوراثة والسلوك الإنساني Inheritance and behaviour.أولهم العالم السير فرنسيس غالتون

    وراثه سلوك

    Inheritance and behaviour - Hérédité et le comportement

    الوراثة والسلوك

    كان العالم السير فرنسيس غالتون Francis Galtonت (1822ـ1911) أول من درس الوراثة والسلوك الإنساني على نحو منظم، مركزاً اهتمامه على الارتباطات الوراثية ضمن الأسر، واستخدم لذلك طرائق جديدة منها التوائم الصنوية identical twins لمحاولة التفريق بين آثار العوامل البيئية والوراثية، علماً أن كلمة «الوراثة» genetics لم تظهر إلا عام 1909، قبل سنتين من وفاته.
    يمتلك السلوك behavior تاريخياً صفة النشوء، ومثال ذلك استمرارية بعض المظاهر السلوكية في الأنواع المتقاربة. فالشمبانزي هو أقرب الأنواع الحيوانية إلى الإنسان، ولا يختلفان بعضهما عن بعض بأكثر من 2% من تتاليات الدنا. وهما يشتركان في سلوك مميِّز للرئيسيات primates الراقية، بما في ذلك حضانة الصغار والتعاون والإيثار وبعض تعبيرات الوجه. ويمكن إحداث تغييرات في الاستجابة السلوكية بإحداث تعديلات في التراكيب أو العمليات الحيوية. مثلاً: يمكن أن تسبب إصابة دماغية تحويل شخص وديع مسالم إلى شخص شرس عدواني، ويمكن تغيير المظاهر السلوكية في حالات الأمراض العقلية باستخدام عقاقير دوائية تغير من الكيمياء الدماغية. وقد تمكن بعض الباحثين مؤخراً من تكوين بعض المظاهر السلوكية أو إخفاءها في الفئران، تراوح بين رعاية المواليد إلى الدوران المستمر في نمط يدعى «الطواف»، بإدخال مورثات معينة أو تعطيلها.
    قد يتساءل الإنسان عن أسباب تفاوت الناس كثيراً من حيث قابليتهم للإصابة بمرض نفساني، أو قدرتهم على ركوب بعض المخاطر أو سلوكهم حين تعرضهم لامتحان جامعي، وغير ذلك من أمور تتطلب استجابات ما؟ ويمكن أن يكون أحد الأجوبة عن هذه الأسئلة آتياً من علم الوراثة السلوكية behavioral genetics الذي يشير إلى أن التباين في الصفات السلوكية يعود جزئياً إلى المورثات genes وجزئياً إلى البيئة environment، وإلى التآثر (التداخل، التفاعل) interaction بين المورثات والبيئة. وهو علم يدرس جميع أشكال الحياة، البسيط منها والمعقد، من الإنسان إلى ما دونه من حيوانات وحشرات ونباتات. والاهتمام الرئيس لهذا العلم منصب على معرفة أسباب اختلافات الأفراد بعضها عن بعض (وخاصة الإنسان). وليس هذا أمراً يسيراً لأسباب عديدة منها ما يأتي:
    ! إن من الصعب غالباً تعريف السلوك المراد دراسته، وصفة الذكاء intelligence هي مثال على ذلك. قد يتساءل الإنسان هل الذكاء هو القدرة على حل مشكلة ما حلاً جيداً في وقت معقول؟ أم هل هو القدرة على أن يشق الفرد طريقه في الحياة بنجاح؟ أم هل هو القدرة على اجتياز امتحان رياضيات متقدم؟ ولا تتوافر إجابات متفق عليها لهذه الأسئلة وأمثالها، ولا تعريف للذكاء متفق عليه عالمياً.
    ! إذا توفر تعريف متفق عليه لصفة سلوكية فإن من الضروري قياسها على نحو دقيق وموثوق، وهذا أمر غير متوفر حتى اليوم.
    ! تتعقد الأمور أكثر بمعرفة أن كثيراً من الصفات السلوكية يتحكم بها عدد من المورثات.
    ! إن طرائق دراسة الصفات السلوكية ليست سهلة، إذ تتضمن دراسات التوائم الصنوية identical twins والمتبنين adoptees لفصل التأثيرات الحيوية عن البيئية. وقد أضيفت إليها حديثاً دراسات تحاول ربط قطع من الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا) DNA مع مظاهر سلوكية معينة لتحديد مورثات مرتبطة بشذوذ عقلي معين مثل انفصام الشخصية schizophrenia، ولكن النتائج لم تكن ناجحة تماماً.
    يهتم علماء الوراثة السلوكية بتقصي أسباب التباين في السلوك بتأثير المورثات، وهم يدركـون أن المورثات لا تتحكم بذاتها في السلوك، بل هي تمكن الكائنات الحـية (إنسان، حيوان، نبات، بكتريا، وغيرها) من الاستجابة إلى ما يحيط بها من عوامل بيئية. وفي الوقت ذاته تؤثر العوامل البيئية في أفعال المورثات. إن كلاً من المورثات والبيئة ضروري لإظهار الاستجابة السلوكية، ومن دون البيئة لا يستمر الكائن حياً لأنه منها يحصل على عناصر حياته واستمراره كالماء والأكسجين والغذاء، ومن دون المورثات لن يستمر حياً لأنها العناصر الأساس لاستخلاص حاجاته من البيئة. وهذا التبادل المعقد من التأثيرات هو ما يعرف بالتآثر الوراثي - البيئي، وهو أمر بالغ التعقيد، فالنمط الوراثي genotype الواحد قد ينتج أنماطاً مظهرية متماثلة أو مختلفة، والبيئة الواحدة قد تُنتِج من نمط وراثي واحد أنماطاً متماثلة أو مختلفة. وإن كل ذلك يتوقف على التآثرات فيما بينها. مثال ذلك المورثة ALDH-2 التي يساعد البروتين الذي تنتجه على استقلاب الغول (الكحول) في الجسم، فإن بعض الأفراد يمتلك أليلاً allele من هذه المورثة يجعلها أقل كفاءة على هذا الاستقلاب؛ فتبقى مخلفات الغول في الجسم بدلاً من استقلابها على نحو صحيح، ومن ثم فإن الفرد الذي يمتلك هذا الأليل يكون أكثر قابلية للتورد والإصابة بالدوار والإقياء بتأثير الغول، وقد قٌدِّر أن نحو نصف الآسيويين يمتلكون هذا الأليل. وبصورة عامة فإن المهاجرين الآسيويين إلى الولايات المتحدة الأمريكية يشربون كميات من الغول أقل كثيراً من أولادهم الذين وُلدوا ونشؤوا فيها. وهذا الاختلاف يعود إلى سبب اجتماعي (بيئي) هو كون الجيل الجديد نشأ في ثقافة مختلفة تركز أكثر على شرب الغول.
    قد «يخلط» بعضهم بين مفهوم البيئة في العالم الفيزيائي الذي يحيط بالكائنات الحية وبين مفهومها في الوراثة السلوكية، فهي في المفهوم الثاني تعني جميع المؤثرات غير الوراثية، فالأسرة والأصدقاء والمنزل ومكان العمل والخبرات المكتسبة من الحياة اليومية جميعها مظاهر من العالم الخارجي الاجتماعي، في حين تنتمي عوامل بيئية أخرى إلى العالم الداخلي الحيوي (البيولوجي)، مثل العناصر الغذائية والهرمونات والفيروسات والبكتريا والذيفانات toxins والأمراض وغيرها من عوامل ومنتجات تؤثر في الجسم في أثناء كل من المراحل الجنينية والحياة بكاملها.
    أسامة عارف العوا
يعمل...
X