تعريف الواقعية في الأدب Realism in literature ..إعادة إنتاج الواقع فنياً.حسان عباس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعريف الواقعية في الأدب Realism in literature ..إعادة إنتاج الواقع فنياً.حسان عباس

    واقعيه في ادب

    Realism in literature - Réalisme dans la littérature

    الواقعية في الأدب

    تتفق نظريات علم الجمال المختلفة على تعريف الواقعية Realism بإعادة إنتاج الواقع فنياً بأقصى ما يمكن من أمانة. لكن هذا التعريف يحمل في ذاته قدراً كبيراً من عدم الدقة لاختلاف مفهوم الواقع بين ثقافة وأخرى وبين زمن وآخر، وأيضاً لشروط الإنتاج الفني الخاصة بكل فن من الفنون وبكل جنس من الأجناس داخل الفن الواحد.
    بدأ التنظير للواقعية في الأدب في القرن التاسع عشر، وتناول الرواية موضوعاً أساسياً له. وقد حددت الكتابات النظرية تلك عدداً من المعايير للأدب الواقعي، من أهمها: تعريف الشخصيات الروائية بهويتها الواضحة وبالخصائص الزمانية والمكانية التي تحدد حياتها، تعليل الأفعال التي تقوم بها الشخصيات، احترام مبدأ السببية في الوقائع والأحداث، فلا يجوز وقوع أحداث مستقلة عن أحداث أخرى تسبقها أو تنتج عنها.
    ضمّت الـواقعية بمعناها الـواسع مبدأ الإبداع لأهم النتاجات الأدبية العالمية، من أعمال تولستوي [ر] وغوركي [ر] ودستويفسكي [ر] وتشيخوف [ر] في روسيا إلى أعمال بلزاك [ر] وزولا [ر] وموباسان [ر] وفلوبير [ر] في فرنسا، ومن أعمال ياسوناري كاواباتا [ر] ويوكيو ميشيما [ر] في اليابان إلى أعمال نجيب محفوظ [ر] وعبد الرحمن منيف [ر] وإلياس الخوري في العالم العربي، ومن أعمال هرمان هسه [ر] وتوماس مَن[ر: مَن (آل ـ)] في ألمانيا إلى أعمال إرنِست همنغواي [ر] وجون ستاينبك [ر] في أمريكا، كلها تدخل ضمن الحقل العام والواسع لتيار الواقعية في الأدب. بيد أن عدداً من التيارات المحددة قد برزت ضمن الواقعية في تاريخ الأدب العالمي، ومن أهمها:
    الواقعية البرجوازية
    يشير هذا المصطلح إلى التيار الواقعي في الأدب الألماني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتتجلى الواقعية لدى أعلام هذا التيار على صعيد التنظير (يوليان شميدت Julian Schmidt وغوستاڤ فرايتاغ [ر] Gustav Freytag) بالدعوة إلى التخلي عن الشاعرية المفرطة والعودة إلى الخصائص الجمالية الصارمة للأدب الكلاسيكي التي ترى العمل الفني قادراً على إظهار العالم بكليته. وقد حدد الناقد فريدريش شبيلهاغن Friedrich Spielhagen قواعد هذه الواقعية، إذ رأى أن على الكاتب أن يكون موضوعياً إلى أقصى الدرجات وأن يكتشف القوانين الجوهرية للواقع، فينقلها في كتابته من دون أدنى تدخل من ذاتيته. ويعدّ أصحاب هذا التيار الواقع الألماني الذي كتبوا عنه واقعاً جميلاً ومبنياً بعقلانية كاملة، ويبرز هذا التيار الفني حال البرجـوازية الألمانية بعيد إخفاق ثـورة عام 1848؛ إذ رضيت بالوضع القائم، واكتفت بجمع الثروات التي سمحت بها قوانين الحـرية الاقتصادية. وتعدّ روايتا «بين الواجب والملكية» Soll und Haben ت(1855) و«الأسلاف» Die Ahnen ت(1872ـ1880) لغوستاڤ فرايتاغ أفضل مثال لأدب هذا التيار من الواقعية.
    الواقعية النقدية
    صاغ هذا المصطلح الناقد الهنغاري غيورغي لوكاتش [ر] في دراساته عن الأدب الواقعي الفرنسي في القرن التاسع عشر (روايات بلزاك وزولا تحديداً) وعن الأدب الروسي بعد انتصار الثورة البلشفية. وهو يشير إلى الكتابة الواقعية التي تقدم تمثيلاً للواقع بتحليل المجتمع تحليلاً عميقاً يبرز تناقضاته، ويبين احتمالات تطوره. يصير الأديب حسب هذا التصور عضواً فاعلاً في عملية التطور الاجتماعي لأنه يبشر بمآلات التطور الإيجابي حتى إن لم يتبنَّها صراحة (كان بلزاك ملكياً يمينياً في انتمائه، لكنه تقدمي يساري في أدبه).
    الواقعية السحرية
    يشير هذا المصطلح إلى تيارين مختلفين في الأدب الواقعي: الأول أمريكي لاتيني يتميز بطرحه المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها بلدان القارة الأمريكية الجنوبية (عنف الديكتاتوريات، اندثار الثقافات القديمة، هيمنة الأمريكيين الشماليين…)، وذلك بلغة سحرية تحاكي لغة أساطير الحضارات البائدة. ومن أشهر أدباء هذا التيار الغواتيمالي ميغيل أنخيل أستورياس [ر] والكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز والبرازيلي جورجي أمادو [ر] والكوبي أليخو كاربنتيير [ر]. وقد أدت ترجمة الأدب الأمريكي اللاتيني إلى اللغات الأجنبية إلى تأثر كثير من الأدباء في العالم بتيار الواقعية السحرية، ومن أمثلة ذلك الروائي السوري سليم بركات والروائي الليبي إبراهيم الكوني. أما التيار الثاني فقد ظهر في ألمانيا بعيد الحرب العالمية الثانية، وتميز برسم واقع الحياة اليومية وبتحليل نفساني عميق للشخصيات الروائية. ومن أهم روائيي هذا التيار الألمانيان هِرْمَن كاساك H.Kasack وإليزابيت لانغِسَّر E.Langgässer.
    الواقعية الاشتراكية
    ظهر المصطلح أول مرة عام 1932 في الاتحاد السوڤييتي، وفي عام 1934 اعتمدت الواقعية الاشتراكية منهجاً أساسياً للأدب السوڤييتي، وامتد تأثيرها عالمياً بالتوازي مع انتشار الأفكار الماركسية ـ اللينينية. ارتبطت هذه الواقعية في بدايتها بخصائص الكتابة كما كان يمارسها الأدباء الروس الكبار أمثال بوشكين [ر] وتولستوي وغوركي، ولكن في واقع جديد هو واقع بناء الاشتراكية؛ أي إن على الأدب أن يظهر التحول الاجتماعي الذي كانت الدولة السوڤييتية تعمل على إنجازه والمتمثل بإزالة الفوارق بين الطبقات وبناء المجتمع الاشتراكي. لم يقم منظّرو الواقعية الاشتراكية بتأطيرها ضمن شكل أو أسلوب أو جنس أدبي وحيد، بل نادوا بتعدد الأشكال واختلافها، وقالوا: إنها منهج للإبداع يربط بين المنتج الفني بخصوصيته ونظرة الكاتب إلى العالم المندرجة في سياق النظرة السوڤييتية. ومثلما وجد منظّرو الاشتراكية في تاريخ الصراع الطبقي لكل بلد إرهاصات لطور التحول نحو الاشتراكية؛ وجد منظّرو الواقعية الاشتراكية في الأعمال الأدبية التي ولدت في لحظات الصراع الطبقي الحاد، وعبّرت عن نضال العمال إرهاصات للواقعية الاشتراكية (حتى لو كانت غريبة إيديولوجياً عنها). ومع لوكاتش عدّت أعمال أدباء تيار الواقعية النقدية الفرنسية في القرن التاسع عشر التعبير الجنيني عن هذه الواقعية، ثم توسع طيف الأدب المنضوي تحت رايتها مع كتابات برتولد بريشت[ر] الذي رأى في تيارات الأدب الحداثي والفولكلوري والواقعي السحري أشكالاً خاصة من أشكال الواقعية الاشتراكية. وأدى التوسع في مفهوم الواقعية الاشتراكية إلى إدراج أعمال الكتّاب الذين وصفوا بالتقدميين فيها، مثل كتابات حنا مينة وسعيد حورانية في سورية ويوسف إدريس في مصر والطاهر وطار في الجزائر وغيرهم.
    واكب مصير الواقعية الاشتراكية مصير الأفكار الاشتراكية ذاتها وبدأت ملامح انحسارها في الستينيات من القرن الماضي بعد المجد الكبير الذي حققته حتى منتصف القرن. ويعدّ كتاب الفرنسي روجيه غارودي Roger Garaudy «واقعية بلا ضفاف» Réalisme sans rivages أول دعوة ـ من داخل الاشتراكية ـ للتخلي عن الواقعية الاشتراكية واستبدال واقعية ذات أبعاد إنسانية بها. وبعد سقوط المنظومة الاشتراكية في بداية التسعينيات غابت هذه الواقعية كلياً عن خريطة الإبداع الفني في العالم.
    بيد أن الواقعية لم تفقد مكانتها في الأدب، وإنما وجهت استثماراتها نحو عوالم جديدة (ميكروـ تاريخية) كالمغامرات الفردية والذاتية، أو نحو المادة الأولى في الكتابة الأدبية: اللغة. لقد ألغت الحداثة [ر] وما بعد الحداثة المواجهة بين الكاتب الفرد والعالم. ولم تعد الواقعية تتجلى في الكتابة عن الواقع المستقل عن الفرد فحسب، بل يمكن أن تكون في الكتابة عن أي شيء مهما بدا غريباً عن الأدب، وباتت في صلب الكتابة ذاتها، وليس في ما تحيل إليه الكتابة فحسب.
    حسان عباس
يعمل...
X