الوطن العربي Arab World يقع عند ملتقى قارات العالم القديم الثلاث أوربا وآسيا وإفريقيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوطن العربي Arab World يقع عند ملتقى قارات العالم القديم الثلاث أوربا وآسيا وإفريقيا

    وطن عربي

    Arab World - Monde arabe

    الوطن العربي

    يقع الوطن العربي عند ملتقى قارات العالم القديم الثلاث، أوربا في الشمال وآسيا في الشرق وإفريقيا في الجنوب. ويمتد على 70 درجة طول من 10 ْ غرب غرينتش إلى 60 ْ في شرقه، و34 درجة عرض من 4 ْ ـ 38 ْ شمال خط الاستواء، واصلاً بين المناطق الاستوائية والمدارية في الجنوب وبين المناطق المعتدلة والباردة في الشمال، كما أنه يمتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى بحر العرب في المحيط الهندي شرقاً، أي بطول 7500كم تقريباً من جبال زغروس حتى المحيط الأطلسي، وعرض يراوح بين 3000كم بين عدن وإسكندورن و1000كم في شمال غربي إفريقيا.
    تقدر مساحة الوطن العربي بنحو 14 مليون كم2 تقريباً، وهي مساحة تزيد على مساحة قارة أوربا. ويبلغ عدد سكانه 300 مليون نسمة تقريباً.
    فالموقع يمثل قلب العالم القديم؛ لأنه حجر الزاوية أو العقدة القارية الضخمة التي تلحم فصوصه الكبرى الثلاثة: آسيا وإفريقيا وأوربا. وهو كذلك يمثل «عنق الزجاجة» منه حيث يدق اليابس أكثر ما يدق، ويتقارب الماء أكثر ما يتقارب، فيصبح بذلك الجسر الأرضي أو القاري الأكبر داخل العالم القديم، فليس الوطن العربي إقليم اتصال بين البر والبر فحسب، ولكن بين البر والبحر أيضاً، فهناك ثلاثة مسطحات مائية كبرى تتخلل الوطن العربي الكبير أو تحدده، وتندفع كلها كأصابع الطبيعة تشير إليه بؤرة مركزية طبيعية للعالم القديم: البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، ولا يبعد البحران الأسود وقزوين كثيراً، بحيث أصبح الوطن العربي بحق إقليم «البحار الخمسة» كما سمّاه ماكيندر Mackinder.
    والوطن العربي هو مجمع الماء ومفرق اليابس، ويبدو كالعقدة اليابسة التي تربط بين فصوص العالم القديم بشبه جزيرة من اليابس داخل اليابس تتوسط الجزيرة العالمية، أي العالم القديم، كما سماه ماكيندر. ويمكن أن تُسمي هذه الجزيرة الاعتبارية بحق بالجزيرة القارية Continental Island، كما سماها جمال حمدان.
    ويلاحظ أن امتداد الوطن العربي امتداد متصل، لا تقطعه فواصل مانعة تعوق الاتصال بين أجزائه، إذ يمكن الاتصال بسهولة من إفريقيا إلى آسيا عبر شبه جزيرة سيناء لولا وجود الكيان الصهيوني الذي زُرع في هذه المنطقة بالذات، لقطع الاتصال بين الجناح الإفريقي والجناح الآسيوي.
    وإذا كانت الهضاب الداخلية والصحارى في الوطن العربي ترجع إلى الزمن القديم؛ فإن الإطار الجبلي حديث العهد، تشكّل في الزمن الثالث الطبقي، وانتظمت سواحله، وأخذت شكلها الحالي في الزمن الرابع.
    القاعدة التي يرتكز عليها الوطن العربي هي الأراضي الغرانيتية القديمة التي يتشكل منها الجزء الأكبر من قارة إفريقيا والجزيرة العربية، ثم غطيت بطبقات رسوبية من بحار الزمنين الثاني والثالث خاصة. وقد أدت الحركات الأرضية في أواسط الزمن الثالث إلى تشكّل جبال طوروس وزغروس في الزاوية الشمالية الشرقية للوطن العربي، وبلاد الأطلس في بلاد المغرب جزءاً من الالتواء الألبي الهيملائي، وتشكّل البحر المتوسط الحالي، واتصلت حوضته الشرقية بحوضته الغربية، كما اتصل بالمحيط الأطلسي، وفي الوقت نفسه تكون الانهدام السوري الإفريقي في الأجزاء الغربية من آسيا العربية. وتَشكَّل البحر الأحمر فاصلاً آسيا عن إفريقيا، ورافق ذلك بعض الثورات البركانية.
    ومن الملاحظ أن الوطن العربي يغلب عليه الشكل الهضبي القليل الارتفاع، وتحيط به الجبال الحديثة التي تمتد من الحدود السورية التركية إلى خليج العقبة، مسايرة المنطقة الساحلية للبحر المتوسط، ثم تمتد من خليج العقبة إلى عدن محاذية سواحل البحر الأحمر، كما تنعطف إلى شرقي عدن في حضرموت على المحيط الهندي.
    وتمتد الجبال على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر في مصر والسودان، ثم تظهر في الجبل الأخضر في ليبيا، وتغيب ثانية لتظهر في سلاسل المغرب الممتدة من تونس إلى أقصى المملكة المغربية.
    وكثيراً ما تنقسم هذه السلاسل إلى قسمين: منها جبال ساحلية تطل على البحر وأخرى داخلية تطل على الهضاب أو الصحارى. وهذه الجبال قلَّ أن ترتفع إلى 2000 متر، وهناك مرتفعات تزيد على 3000 متر في اليمن وعلى 4000 متر في المملكة المغربية، وهي أعلى جبال في الوطن العربي. ويلاحظ أننا لا ننتقل فجأة من الصحاري إلى الجبال، فهناك مساحات كبيرة انتقالية تسمى الهضاب الداخلية التي يغلب عليها طابع التموج.
    لا تشمل السهول مساحات واسعة بالنسبة لاتساع الوطن العربي، غير أنها تتصف بخصبها وتركيزها على السواحل مجاورة للسلاسل الجبلية في البحر المتوسط وفي أحواض الأنهار.
    أما السهول الساحلية فتمتد شريطاً متصلاً على طول ساحل سورية مثلاً وسواحل بنغازي وبلاد المغرب، وهي تضيق آونة وتنفرج أخرى ولاسيما بين الثغرات التي تفصل بين الجبال على امتداد السلاسل، كما هي الحال في مرج ابن عامر في فلسطين وممر تازة في المغرب.
    تتمثل أغنى الأراضي بالسهول الدلتاوية التي تعدّ من أغنى الأراضي الزراعية في العالم وأكثرها سكاناً، ولا تشغل دلتا النيل إلا مساحة ضيقة عند مصب هذا النهر، وتتسع الأراضي في سواد العراق من جنوب بغداد حتى الخليج العربي. وتجدر الإشارة أخيراً إلى السهول التي تحويها بطون الأودية الجبلية والتي ترويها المياه المتدفقة من هذه المرتفعات المحيطة بها.
    وتمتد الصحارى من الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، لا يقطعها إلا البحر الأحمر، وتمتد من المناطق المدارية في الجنوب، كما هي الحال في السودان، وقد تلامس البحر المتوسط في الشمال، كما هي الحال في مصر وليبيا، وتزيد مساحتها على ثلاثة أرباع مساحة الوطن العربي، ويحتوي هذا الإطار الصحراوي على مفاوز تغطيها الرمال وأخرى حجرية، وتحيط بها أجزاء شبه صحراوية، يمكن تسميتها بالبوادي، كما هي الحال في بادية الشام.
    وتتألف الصحارى من أراضٍ قديمة تقل فيها المرتفعات الجبلية وتندر الأمطار، وقد يجتاز المسافر مئات الكيلومترات دون أن يشاهد فيها الينابيع أو آثار الحياة. وعلى الأطراف تكثر البوادي التي تغطيها التربة الكلسية وبعض النباتات التي تمثل مواقع للبدو، كما تكثر فيها الواحات المتوزعة في المنخفضات، ولذلك نقل العرب الإبل من آسيا إلى إفريقيا، وربطوا بين أجزاء تلك الفيافي الواسعة وبين واحاتها.
    تظهر سواحل الوطن العربي قليلة التعاريج بصورة عامة شبيهة بسواحل القارة الإفريقية، وعلى الرغم من وقوع جزء مهم منها في آسيا؛ فهي قليلة الرؤوس والخلجان، كما تقل الجزر بقربها، ويتحقق ذلك لدينا بالمقارنة بينها وبين سواحل تركيا وشبه جزيرة البلقان، ولذلك كانت سواحل الوطن العربي لا تصلح كثيراً لنشوء موانئ طبيعية. ويبلغ طول هذه السواحل أكثر من 14 ألف كم، وتقسم إلى الأقسام الآتية:
    ـ سواحل البحر المتوسط: هي أطول السواحل وأهمها، تمتد من خليج الإسكندرونة إلى مضيق جبل طارق، وتنتشر على هذه السواحل السهول اللحقية الخصبة، كما هي الحال في دلتا النيل وبمحاذاة الجبال الساحلية، كما في سورية والمغرب، أو تحاذيها الأراضي الرملية، كما في مصر وليبيا، وكثيراً ما تقطع الجبال والسهول الساحلية وتصل إلى البحر، فتبدو السواحل صخرية بارزة، في حين تظهر في المناطق المجاورة لها خلجاناً صغيرة.
    ـ سواحل البحر الأحمر: تظهر هذه السواحل مرتفعة، وتعلوها الأراضي المنبسطة الضيقة المسماة «تهامة»، وهي على العموم سواحل صخرية مرجانية، تكثر في الجزء الجنوبي منها الجزر عند مضيق باب المندب، أو تكون سواحل رملية شديدة الحرارة صيفاً.
    ـ سواحل المحيط الهندي: تمتد من مضيق باب المندب حتى رأس مسندم في عُمان ومضيق هرمز في الخليج العربي، وتكثر تعاريج هذه السواحل في جنوبي الجزيرة العربية أكثر منها على البحر الأحمر، وتظهر فيها الرؤوس والخلجان. وقد قام عليها كثير من الموانئ الشهيرة مثل عدن ومسقط.
    إضافة إلى ما سبق، فإن سواحل المحيط الأطلسي تمتد من مضيق جبل طارق إلى مصب نهر السنغال على الساحل الموريتاني. وكذلك تمتد سواحل الخليج العربي من خليج البصرة إلى مضيق هرمز أو رأس مسندم، وفيها تكثر الخلجان والجزر، ولذلك اشتهر سكان هذه المنطقة بصيد اللؤلؤ والأسماك.
    ولاشك في أن أبرز ملمح في تاريخ الوطن العربي هو الدور التجاري الممتاز الذي قام به، فإن موقعه الطبيعي عقدةً قارية وموقعه النسبي كالحلقة الوسطى بين قطبي المعمور: المعتدلات والموسميات بإنتاجهما الاقتصادي المتنافر وضرورة التبادل بينهما مما كان لابد أن يجعل منه الممر الطبيعي والوسيط التجاري أو الرئيسي في العالم القديم.
    فالموقع على أقصر المسافات بين آسيا الموسمية وإفريقيا المدارية وأوربا المعتدلة، بين الحرير والبهار، والريش والنضار (هو الأمثل وأجود الخشب للآنية)، والصوف والكتان، وهذا يعني أن الطبيعة عيّنت الوطن العربي في وظيفة الوساطة التجارية العالمية، أو ما يعرف بتجارة المرور (الترانزيت)، فالشرق الأوسط اسم على مسمى، فهو أوسط موضعاً وموقعاً: الشرق الأوسط هو الشرق الوسيط.
    ولكن هناك إلى جانب الموقع الخارجي صفات داخلية في الوطن العربي تؤكد امتيازه في الوساطة، تتلخص في نمط العمران ونمط التضاريس العبورية. أما نمط العمران، فإن تركيبه من حلقة سعيدة وصفحة رملية قد أعطى الوسطين اللازمين لعملية النقل البرمائي، فسيادة الرعي في القطاع الصحراوي من الإقليم أمدّ المنطقة بالإنسان المتنقل بطبعه والحيوان الناقل بتلاؤمه، فالراعي الرّحل بطبعه يجد من مصلحته أن يقوم بالوساطة التجارية كاستغلال أفضل لهجرته الدائمة التي لابد منها على أي حال جزءاً من حياته اليومية، كما أن البدوي الصحراوي يملك وسيلة المواصلات الوحيدة في الصحراء وهي الجمل، أما وجود بيئات بحرية ساحلية متناظرة على القطاعات الملائمة من الحلقة السعيدة فقد كان ضرورياً لإتمام عملية النقل العبوري، فكان الفينيقيون في الجبهة الشمالية الغربية، والحضارمة والعمانيون في الجبهة الجنوبية الشرقية.

    هذا عن نمط العمران، أما عن نمط التضاريس، فقد كانت قطاعات معيّنة من الوطن العربي بمنزلة خطوط المقاومة الدنيا، ومن ثم المحاور الرئيسة التي «تقنّلت» فيها الحركة العبورية، فكان هناك طريقان بين ساحل بلاد الشام ورأس الخليج العربي: واحد يحف بالهامش الجنوبي الصحراوي له. ثم إلى الجنوب كان طريق «خاصرة» الجزيرة العربية في خط عرض تهامة الحجاز (مكة ـ المدينة) ـ الحسا، حيث تصل الجزيرة إلى أضيق عرض لها. وأخيراً طريق ساحل الجزيرة العربية الجنوبي عن طريق مضيق باب المندب.
    أما الصحارى فهي تحتل الـرقعة الكُبرى في الوطـن العربي، وهي التي تُضفي عليه الطابع المشترك الرئيسي، ولموقعها داخل الحلقة السعيدة ـ ولو كقلب ميت ـ فإن الصحراء العربية أدت دوراً أهم من الصحراء الكبرى بكثير، فكانت جسراً للتجارة الآسيوية الأغنى، في حين حملت الصحراء الكبرى التجارة الأقل أهمية مع إفريقيا المدارية.
    كذلك أدت الصحراء العربية دوراً تاريخياً هائلاً ثقافياً ودينياً وسياسياً، فهي القطاع الوحيد في الوطن العربي الذي صبغ الوطن العربي كله أول مرة بصيغته المشتركة التي ظلت حتى اليوم. وعلى الرغم من فقره السكاني فإنه كان بمنزلة ضد إعصار بشري محلي تخرج منه الموجات البشرية في حركة كالدوّامة: ترفع الكثافة في الأطراف؛ أي في الحلقة السعيدة، وتفرغها من القلب.
    أما عن الصحراء الكبرى فلم يكن دورها موجباً بقدر ما كان سلبياً: كغلاف واقٍ للبيئات الأغنى المجاورة في مصر والمغرب. ولاشك أن المتشابهتين الصحراويتين أدتا دوراً مزدوجاً، فكانتا أحياناً عامل وصل بين الكتل البشرية الكبرى، وكانتا أحياناً عامل فصل بينها إلى حد ما، ولكن الصحراء العربية كانت أدنى غالباً إلى عامل الوصل. وعموماً تشترك المتشابهتان بأنهما صحراوان قاريتان صعبتان ظلتا أطول مدة ممكنة تتميزان بالاستقلال السياسي، ولم تخضعا لقوى أجنبية إلا قليلاً أو متأخراً، كما أنهما تعدّان معاقل النقاوة والتجانس العرقي واللغوي والديني في الوطن العربي.
    كل الخصائص والعناصر التي تجعل الوطن العربي إقليم اتصال هي عناصر ضعف شديد له إذا لم يكن هناك اتحاد كامل بين أقطاره، وهي في الوقت نفسه عناصر قوة هائلة إذا تحقق هذا الاتحاد الكامل.
    إن الفروق الحيوية في السكان تجعل التوزيع على شكل بضع نوى متباعدة بعضها عن بعض. وتتحدد إمكانيات حل أي مشكلة سكانية لأيّ وحدة منها في حلقة مفرغة هي حدود إطارها الضيق، مثل مصر والعراق، ويصبح هذا مصدراً للضعف البشري العام، والقليل من الفروق الدينية والعرقية الموجودة قد يصبح جزراً منعزلة.
    والواقع أنه في معادلة «المساومة» بين عوامل الفصل والوصل لجأ الاستعمار في حالة الوطن العربي إلى تضخيم عوامل الفصل طبيعية أو بشرية، وغذَّاها إلى أقصى الحدود، ولجأ إلى عوامل الوصل، فكبتها وقبرها إلى أبعد الحدود.
    إن الثورة الهائلة في وسائل المواصلات والنقل زادت كثيراً من مدى حركة الإنسان، وألغت المسافات، واختزلت عنصر المكان، فقيمة كثير من العوامل الجغرافية كعوامل فصل قد تضاءلت مع المواصلات الحديثة، وتحولت إلى عوامل وصل. إن الوطن العربي يمتد سبعة آلاف كيلو متر من الخليج إلى المحيط، أي لا يفوقه في هذا الامتداد سوى روسيا الاتحادية، ولكن نقطة الضعف الخطيرة هذه في تكوين الدولة العربية قد تلاشت في ظل الحركة الميكانيكية الحديثة، ومع وسائل الاتصال اللامكانية - كالإذاعة والقنوات الفضائية… إلخ - ينقرض التعصب، ويتلاشى كثير من المفارقات المحلية.
    أما عن حجم القوة البشرية في الدولة الموحدة فإنه إذا كان قد عاق استمرار الاتحاد في الماضي؛ فمع الاقتصاديات الحديثة والثروة الطارئة البترولية قد اتسعت الطاقة الحيوية للمنطقة إلى درجة لا تقارن بالماضي، وأصبح حجم السكان اليوم أضخم منه بكثير في الماضي، فلئن كانت قيمة الموقع قد اهتزت نوعاً، فإن قيمة الموضع وثروته مضمونة سياسياً أكثر من ثروة الموقع، هذه القيمة تتمثل في قيمة البترول: الطفرة الفريدة في تاريخ هذه المنطقة.
    وفي صدد الاتحاد العربي تبرز مدرستان مختلفتان: فللمدرسة التطورية أو التدريجية التي ترى من الأفضل والأيسر أن يبدأ الاتحاد العربي بكوكبات من الاتحادات الإقليمية الصغرى، تتألف في الواقع من الاتحادات الجغرافية التي تمتاز بدرجة أخص من الوشائج: الارتباط والاتصال الأرضي والتكامل الاقتصادي والتاريخي والحضاري، ومثال ذلك الهلال الخصيب بجناحيه، وذلك على أساس أن العراق وبلاد الشام هما بدرجة ما كمصر والسودان، يربطهما الفرات ولو جزئياً كما يربط النيل الأخيرتين رباطاً تاماً. أو كل جناح على حدة، العراق والكويت من ناحية، وسورية الطبيعية من ناحية أخرى. ثم الجزيرة العربية وحدها اتحاد. ومصر والسودان كوكبة النيل، وقد يضم إليها بعضهم ليبيا، وأخيراً إقليم المغرب اتحاد آخر، ورواد هذه المدرسة السياسية لا يعدّون هذه الاتحادات في النهاية اتحادات كاملة في ذاتها ونهائية أو «قوميات مستقلة»، فهي اتحادات «مرحلة»؛ واتحادات مؤقتة انتقالية بالضرورة، تمهيداً لتوحيدها كلها مع بعضها بعضاً في الإطار العربي الموحّد، على أساس أن هذا التوحيد على درجتين أدعى إلى التحصين ضد الرجّات السياسية والاقتصادية.
    أما المدرسة الأخرى فإنها ترى أن اتحاد كل كوكبة من هذه الكوكبات غاية ونهاية في ذاتها وقوالب جامدة، وأن كلاً منها يمثل «قومية تامة»، فهذا الاتجاه تمزيقي في صورة توحيدي، ظاهره الاتحاد، وباطنه الانفصال، وأمثلتها فكرة «القومية البربرية» التي دستها فرنسا تمزيقاً للعرب، والحركة الانفصالية في جنوبي السودان أولاً ثم في غربيه (في دارفور) حالياً.
    صفوح خير

يعمل...
X