الوجودية existentialism تيار لا عقلاني في الفلسفة المعاصرة.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوجودية existentialism تيار لا عقلاني في الفلسفة المعاصرة.

    وجوديه

    Existentialism - Existentialisme

    الوجودية

    الوجودية existentialism تيار لا عقلاني في الفلسفة المعاصرة، يُجمع أصحابه على أسبقية الوجود على الماهية، وعلى أن هذا الوجود هو الواقع اليقيني الأول للفلسفة، وعلى أن الإنسان يوجد أولاً ثم تتحدد ماهيته باختياراته ومواقفه. فالوجودية فلسفة تنطلق من الذات التي تعي نفسها في نطاق وجودها الكامل بوصفها فاعلةً ومركزاً للشعور والوجدان، إنها فلسفة الإنسان في وجوده الذاتي والاجتماعي، فلسفة تتميز بميلها إلى الوجود، ولا تبالي بماهيات الأشياء وجواهرها، كما لا تبالي بما يسمى بالوجود الممكن، والصور الذهنية المجردة. إن غرضها الأساسي هو وحدة الوجود والموجود التي لا تنفصم عراها أبداً.
    ويعد كيركغارد[ر] Kierkegaard الأب الروحي للتيار الوجودي المعاصر، ويرى أن وجود الإنسان أسبق من كل المذاهب، على الرغم من أنها محاولات لفهم الإنسان. إلا أن الواقع الفردي والواقع العام يتجاوزان كل نسق فلسفي؛ فالوجودية فلسفة ضد مذهبية، إنها فلسفة مختلفٌ بشأنها حتى بين أتباعها، فعدد الفلسفات الوجودية يساوي عدد الفلاسفة الوجوديين، ومن الصعب عرض نموذج يشتمل على خصائص الوجوديات كلها، أو جعلها في نسق واحد، بيد أن هناك إجماعاً على أن الوجودية بأوجهها المتعددة قد ركزت على فهم فحوى الوجود الذي يحيط بكل موجود: العالم، الذات، الذات الأخرى، الله… من منطلق خاص هو فهم الوجود الوجودي، فوضعت الإنسان في صلب اهتماماتها، واقتربت منه من منطلق حريته ووعيه وبوصفه كائناً مهدداً.
    للوجودية جذور اجتماعية ـ تاريخية توضح بعض ملامح نشأتها وتطورها، إذ إن معاصرة الوجوديين لأحداث الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتبعات الحرب الباردة التي قسمت أوربا والعالم إلى شرق وغرب، والأزمة الاقتصادية العالمية في ثلاثينات القرن العشرين رسخت شعورهم بالقلق والخوف على الإنسان ومصيره، فتركت الأحداث السياسية والاجتماعية بصماتها على مسيرة كل مفكر وجودي، ووجدت لها أصداء في نتاجه الفكري، يعبر عنه بطابع مأسوي مهيمن، وزاد المأزق المعيش من طابع الفردية والالتزام في المؤلفات الفلسفية وفي التعبير عن التاريخ الفردي للمؤلفين، فتصدى الفكر الإنساني لحل أزمات هذه الحقبة، وقدمت الوجودية نفسها في إطار الدفاع عن الإنسان الفرد بغض النظر عن المفاهيم والمصطلحات المجردة عن الحق الاجتماعي، والحق التاريخي.
    يرجع بعض مؤرخي الفلسفة أصول الفكر الوجودي إلى سقراط [ر] Socrates والرواقيين[ر. الرواقية] وإلى أوغسطين[ر] Augustine والأكويني [ر] Aquinas وباسكال [ر]Pascal ومين دي بيران Maine de Biran وغيرهم. بيد أن الوجودية بحلّتها المعاصرة، وعلى اختلاف ممثليها كانت ثورة ضد المذاهب العقلية لعصر التنوير [ر] والفلسفة الألمانية [ر]، وكانت رداً عنيفاً على المنظومة الهيغلية خصوصاً، وانقلاباً على فلسفة الجوهر [ر] والركون إلى التحليل الميتافيزيقي المفسر للعالم والإنسان على نحو عقلاني شامل، وعلى الموضوعية المنطقية. باختصار كانت ثورة على كل تعميم وتجريد، وقد ورثت الكثير من موضوعاتها من المنظومات الفكرية والفلسفية التي سبقتها مباشرة، كفلسفة كيركغارد ونظرية «إرادة القوة» عند نيتشه[ر] Nietzsche ونزعة برغسون[ر] Bergson الحيوية ومفهوم الحدس، و«فينومينولوجيا» هوسرل[ر] Husserl، إضافة إلى تأثر بعض الفلاسفة الوجوديين أمثال سارتر بالكانتية المحدثة Neo-kantianism والماركسية[ر].
    تُصنف الوجودية ضمن تيارين متعارضين داخل جنس واحد: وجودية مؤمنة (دينية)، ووجودية ملحدة. ومحك الاختلاف هو موقف الفيلسوف الوجودي تجاه الله: الموقف الأول يضع الإنسان في علاقة مباشرة مع الله، ويمثل هذا الموقف كل من كيركغارد، وغبرييل مارسيل[ر] Marcel، وكارل يسبرز [ر]Jaspers، ونيكولاي برديائيف Nicolai Berdjaev ت(1874ـ1948)؛ والموقف الثاني يرى الإنسان وحده في عزلة تامة، ويمثل هذا الموقف كل من نيتشه، ومارتين هايدغر [ر] Heidegger، وجان بول سارتر [ر] Sartre، وألبير كامو[ر] Camus. وللدقة في التصنيف فإن الوجودية تنقسم انقساماً حاداً إلى الوجودية ما قبل هايدغر، والوجودية ما بعده، من منظور أن هايدغر هو المؤسس الحقيقي للوجودية بصورتها المتكاملة، فقد أخذ عن هوسرل منهجه الظاهراتي وطبقه في كتابه الشهير «الوجود والزمان» مؤسساً بذلك علم الوجود الإنساني الذي كان له تأثير كبير في الفلاسفة الوجوديين وخاصة سارتر. وعليه أدّت «الفينومينولوجيا» دوراً مهماً في الفكر الوجودي بوصفها روحاً محركة له، حتى سميت وجودية هايدغر وسارتر بالوجودية الفينومينولوجية. والحقيقة إن تيار الوجودية المؤمنة لم يبلغ من القوة والأهمية ما بلغه تيار الوجودية الملحدة، أولاً لأنه لم يجد قيادة فكرية نظرية كتلك التي وجدها تيار الوجودية الملحدة في فلاسفة كبار كسارتر وموريس ميرلوبونتي[ر] M.Merleau-Ponty؛ ولأنه ثانياً لم يحسن استغلال الهزة العنيفة التي أثارها انبعاث الحركة الوجودية بعد عهد التحرير في شخص زعيمها الملحد سارتر ولاسيما في كتابه الشهير «الوجود والعدم» ونزعته التشاؤمية.
    يتفق الفلاسفة الوجوديون في مبادئهم على أن الوجود يسبق الماهية، والوجود في المقام الأول هو الوجود الإنساني، وهذا الوجود متناهٍ لدخول الزمان في تركيبه. ويفهم من الوجود أنه فعل وعمل أنه انتقال من الممكن إلى الفعل، ويرافق هذا الانتقال حرية الاختيار، فالكائن الموجود الذي يختار مصيره طواعية هو الكائن الذي تتمثل فيه صفة الوجود الحقيقية. فالوجود عملية اختيار حر دائم لتحول فاعل دائم أيضاً. ووجود الإنسان الفرد يرتكز على مبدأ حريته في الاختيار والفعل، ومن هذا المنطلق يتحمل الإنسان مسؤولية وجوده، وهذا يؤدي به بالضرورة إلى السعي نحو تشكيل ماهيته، هذه الماهية الخاصة به وحده التي يبنيها باستمرار انطلاقاً من استكشاف إمكاناته الخاصة باختياره الحر للشخصية التي يؤديها بحرية تؤهله لاتخاذ قراراته، فيكون المسؤول الوحيد عن هذه القرارات وهذه الاختيارات. ففكرة أن الوجود يسبق الماهية لا تعني سوى أن الناس لا تحدهم طبيعتهم المسبقة عن ممارسة اختياراتهم، وأن اختياراتهم على العكس هي التي تحدد طبيعتهم.
    تولي الوجودية اهتماماً بالغاً بمسألة الحرية بوصفها جوهر الطبيعة البشرية،، وتعرّفها بأنها اختيار الفرد لممكن واحد من بين عدد لا نهائي من الممكنات. ويكمن مصدر النزعة الإرادية في تفسير الوجودية للحرية في الفصل بين الاختيار وظروفه، أي في عزل الفرد عن الضرورة الموضوعية أي عن القوانين، وعليه يحول الوجوديون مشكلة الحرية إلى مشكلة أخلاقية بحتة، ويعدون الحرية غاية قصوى بوصفها حرية الفرد في المجتمع.
    وترى الوجودية أن الإنسان لا يمكن فهمه إلا في المواقف التي يختارها لنفسه، وأن أسبابها ليست كلها خارجية ولكنها في مزاجه أو انفعالاته أو إرادته، وهو ما يعبر عنه الظاهراتيون بفكرة القصدية[ر] intentionality. فوجود الإنسان عند هايدغر هو انفعالاته بهذا العالم، والعالم عند سارتر مشتق من الوجود الذاتي للإنسان، وهو وجود لا يعتمد على القوانين الموضوعية ومفتاحه الإنسان بما يصنعه بنفسه. ويستخدم سارتر فكرة أن الوجود عبث لينكر مبدأ السبب الكافي، ويطلق هايدغر على هذه الظاهرة اسم السقوط، ويقول: «إن تجربة السقوط تثير فينا القلق والحيرة ولكنها ضمان للحرية».
    وتعدّ التجربة الإنسانية عند الوجوديين أساس التجربة الوجودية، لأن الوجود هو المنبع الأساسي لجميع الأبحاث والتأملات الوجودية، ولا يمكن إدراك الوجود إلا من حيث إنه وجود، بعدّ أن الإنسان ذات محضة، يصنع ذاته بمطلق حريته، فتكون الحرية جزءاً من ذاته الوجودية، التي لا تدرك إلا بالإرادة والعاطفة، ففي ذات الإنسان قوى تتعارض وتتضارب أحياناً لتؤلف الديالكتيك الذي تحدث عنه الوجوديون، فالعاطفة وحدة متوترة تحوي إمكانية التألم والحب والقلق ويقابلها السرور والكراهية والاطمئنان، والمعنى الوجودي للتألم مصدره الحد من تحقيق الممكنات، وهو شعور الذات الماهوية بأن ثمة مقاومة تعانيها من جراء صلتها بالعالم وبالآخرين، من حيث إنه ماهية ناقصة تسعى إلى استكمال نفسها عبر الانفتاح على الآخرين. أما الحب الوجودي فهو إفناء للآخرين في الذات، وبالمقابل فإن الكراهية شعور من الذات ضد إباء الآخرين الدخول في حوزتها.
    ومن عناصر العاطفة التي اهتم بدراستها كيركغارد وهايدغر وسائر الوجوديين هو القلق. ويعرفه كيركغارد في كتابه «فكرة القلق» أنه «نفور عاطف وعطف نافر»؛ ويقول هايدغر: «إن القلق يكشف عن العدم»، ولا يتم التقاء القلق بالطمأنينة إلا عند الشعور بالموت، والأصل في هذا القلق هو شعور الفرد في فعله الحر بالخطيئة الناجمة بالضرورة من الاختيار؛ لأن الاختيار نبذ للممكنات، والاختيار ينطوي على المخاطرة، والمخاطرة تستدعي القلق، وبهذا يتسلل العدم إلى الوجود؛ ومن هنا جاءت الصلة الوثيقة بين العدم والحرية والقلق. أما سارتر فلم تحتل تجربة القلق في فلسفته المكانة التي نالتها عند كيركغارد أو مارسيل، لاقتناعه أن الفرد باختياره مسؤول عن نفسه وعن العالم كله.
    ويرفض الوجوديون المعرفة العقلانية لأن العقل لا يوصل إلى الحقيقة، فالمعرفة لا تأتي إلا عن طريق ممارسة الواقع، ولا يمكن وضع الحقيقة الواقعية في تصورات دقيقة محكمة، أو حبسها ضمن مذهب مغلق، لأن الخبرة والمعرفة شذارت غير مكتملة، ولا يمكن لأي عقل أن يعرف العالم معرفة تامة، فلكل فيلسوف وجودي أسلوب خاص في التفلسف. والوسيلة الحقيقية للمعرفة أو التغلغل في عالم الوجود هي الحدس، بمعنى التجربة الوجودية عند مارسيل، والتفهم عند هايدغر، وتبين الوجود عند يسبرز، وهذا الحدس هو المنهج الظواهري عند هوسرل مع تفسيره تفسيراً لا عقلانياً.
    للوجودية تأثير كبير في كثير من العلوم المختلفة، كعلم النفس psychology، والطب النفسي psychiatry، وعلم التربية، والآداب، فقد اهتم الفلاسفة الوجوديون بعلم النفس، والطب النفسي، خاصة سارتر الذي تحدث عن علم النفس «الفينومينولوجي»، في كتاباته خاصة في كتاب «نظرية الانفعال» الذي قدم فيه دراسة عميقة في الانفعال «الفينومينولوجي»، كما قدم في كتابه «الوجود والعدم»، دراسة بعنوان «الخطوط العامة لتحليل نفسي وجودي». وبالمقابل استفاد الكثير من الأطباء والعلماء النفسيين من أفكار الوجودية، فانتقد ڤانغر L.B.Wanger مدرسة التحليل النفسي، وعدّ التقسيم الفرويدي للذات البشرية إلى الأنا، والأنا الأعلى، والهو تقسيماً خاطئاً ووهماً مطلقاً، لأن طاقة الإنسان وذاته ترتكز على اللحظة الراهنة من خلال الأنا التي تستطيع أن تفعل ما تريد، ولا يستطيع اللاشعور في التحليل النفسي أن يقضي على قدرة الإنسان على التحكم بذاته.
    كما قدمت الوجودية نموذجاً جديداً، ومصطلحات جديدة لتطوير نمط إنساني جديد في الفلسفة التربوية، فسعى داوين هوبنر Hubnr إلى تطوير المناهج التربوية من منظور التجاوز الزماني للذات. كما أدّت الوجودية دوراً حيوياً في الأدب، فعبرت عن نفسها في المسرحيات والروايات التي تناولت موضوعات تهم الوجود الإنساني ومعاناته مثل الحرية والقرار والمسؤولية والتباهي والاغتراب، الخطيئة والموت… وغيرها. فبرزت في هذا المجال مسرحيات سارتر «الذباب» و«الأبواب المقفلة» و«الفوضى والعبقرية» إضافة إلى أدبياته الشهيرة أيضاً «الجدار» و«الدوامة»، وكذلك روايات ألبير كامو «الغريب» و«الطاعون». وضمن هذه الدائرة لمع نجم فرانز كافكا F.Kafka، حيث رفعته رواياته إلى مصاف كبار الأدباء الوجوديين وأهمها «المحاكمة» و«القصر» و«المسخ». وامتد تأثير الوجودية إلى الفن التشكيلي أيضاً، فكان لها بصمة في الفن الحديث والمعاصر، إذ أسهمت في تطوير أشكال جدية من الفنون التشكيلية مثل التكعيبية Cubism، والسريالية Surréalism، التي تجلّت في أعمال الرسام الفرنسي سيزان P.Cézanne.
    ولم يفلت الفكر العربي من دائرة تأثير الوجودية، فقد طالت بعض الأدباء والمفكرين أمثال عبد الرحمن بدوي الذي أكد إنسانية الحضارة العربية ووجودها وهويتها، مقابل الحضارة الأوربية. ومع ذلك لم تهيمن الوجودية على الفكر العربي كما هي الحال في الفكر الغربي.
    عصام غصن عبود
يعمل...
X