وردي (عمر مظفر)
Ibn al-Wardi (Umar ibn Muzaffar-) - Ibn al-Wardi (Omar ibn Mouzaffar-)
ابن الوردي (عمر بن مظفر ـ)
(689 ـ 749هـ/1290 ـ 1348م)
زين الدين أبو حفص عمر بن مظفر ابن عمر بن أبي الفوارس البكري المعري الفقيه المؤرخ النحوي الأديب، يعود بنسبه إلى الخليفة الراشدي الأول أبي بكر الصديق.
ولد بمعرة النعمان المشهورة بانتساب أبي العلاء المعري إليها، ونشأ فيها فأخذ العلم عن شيوخها، ثم انتقل إلى حلب وجلس في حلقات علمائها، وتردد في طلب العلم إلى حماة ودمشق والقاهرة حتى برع في الفقه والنحو والأدب، وشارك في علوم كثيرة، فقصده طلبة العلم من حواضر البلاد العربية كلها.
اشتغل ابن الوردي في القضاء والتدريس، فناب في الحكم بحلب، وولي قضاء بلدان كثيرة من أعمالها وأعمال حماة ثم قصد دمشق، فتقلب في وظائفها حتى ولي قضاءها. وبعد أن أتعبه القضاء أعرض عنه، وبنى مدرسة في معرة النعمان، وتفرغ للتدريس والإفادة والتصنيف إلى أن توفي بحلب بوباء الطاعون.
عُرف ابن الوردي بورعه وتقاه ودماثته وسمو خلقه وإبائه، لم يتذلل لدنيا يصيبها، وقدر نفسه حق قدرها، فنأى بها عما يشينها، وأدرك أنه أوتي شرف النسب وفضل العلم، فلم يتبع الطرق الملتوية للوصول إلى المكانة التي يستحقها، وآلمه ألا يصل إليها، وظل الإحساس بالغبن يرافقه، فانقلب إلى واعظ ناصح، ينشر الحكم والنصائح في أدبه، ويدعو إلى إصلاح مجتمعه وتخليصه من المفاسد، وانصرف عن متاع الدنيا إلى العلم والأدب.
كان ابن الوردي أديباً كبيراً في عصره، له شعر غزير ونثر كثير، اختار من شعره ونثره ما رضي عنه وأسقط معظمه، وأوضح في خطبة ديوانه أنه لم يبق من شعره إلا النصف ومن نثره إلا الثلث.
لا يختلف شعره عن شعر أهل عصره في المضمون والأسلوب، ففيه الموضوعات التقليدية المعروفة في الشعر العربي، والموضوعات الدينية والاجتماعية والذاتية، وفيه فنون النظم المنتشرة في عصره كالموشحات والدوبيت وبعض فنون النظم الملحونة التي اقترب بها من الفصحى، وحاول مجاراة القدماء في أسلوبه، ونافس معاصريه على صنعتهم البديعية الثقيلة، وأدى بعض شعره بأسلوب ذاتي لا ينظر إلى القديم ولا يتقصد الصنعة.
وشارك ابن الوردي في فنون النثر المختلفة، فكتب النثر الديواني والإجازات والتقاريظ والرسائل التأليفية والذاتية والخطب والمقامات. وكان أسلوبه متقارباً فيها، يحرص على البناء المحكم للنص، ويثقله بالصنعة البديعية والإشارات الثقافية، ويوفر له الإيقاع بتوازن العبارات وتسجيعها.
وكان استخدامه للأدب نفعياً وليس جمالياً، وانصرف اهتمامه فيه إلى أثر المضمون أكثر من أثر الأسلوب، فقد اختار لأفكاره ومواقفه الشكل الأدبي لتكون أكثر انتشاراً وتأثيراً.
ترك ابن الوردي مصنفات كثيرة في الفقه والنحو والتاريخ والأدب، أشهرها «البهجة الوردية في الفقه الشافعي» و«تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة» حلّ فيه ألفية ابن مالك في النحو نثراً، و«التحفة في اختصار الملحة» اختصر فيه منظومة ملحة الإعراب في النحو للحريري، و«تتمة المختصر في أخبار البشر» ذيل به المختصر في التاريخ لأبي الفداء، وديوان شعره الذي حوى معظم ما بقي من شعره ونثره.
من نثره الدال على أسلوبه فيه، قوله في رسالة «النبا عن الوبا» التي وصف فيها وباء الطاعون الذي قضى فيه:
«الله لي عدة عن كل شدة، حسبي الله وحده، ﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلّم، ونجِّنا بجاهه من طعنات الطاعون وسلّم. طاعون روّع وأمات، وابتدأ خبره من الظلمات، يا له من زائر، من خمس عشرة سنة دائر، ما صِينَ عنه الصين، ولا منع منه حصين حصين، سلّ هندياً في الهند، واستند على السند… ثم قهر خلقاً بالقاهرة، وتنبهت عينه لمصر ﴿فإذا هم بالساهرة﴾، ثم غزا غزة، وهزّ عسقلان هزّة، ثم طوى المراحل ونزل بالساحل، فصار صيدا وبغت ببيروت كيدا، ثم سدد الرشق إلى دمشق، فتربع وتميد وفتك كل يوم بألف وأزيد، فأقل الكثرة، وقتل خلقاً ببثرة…».
ومن شعره قوله في لاميته المشهورة التي قصرها على الوعظ والنصيحة:
اعتزل ذكر الأغاني والغزلْ
وقُل الفصل وجانبْ مَن هزلْ
ودع الذكرى لأيام الصبا
فلأيام الصبا نجم أفل
واهجر الخمرة إن كنت فتى
كيف يسعى في جنون من عقل
واتق الله فتقوى الله ما
جاورت قلب امرئ إلا وصل
اطلب العلم ولا تكسل فمـا
أبعد الخير على أهـل الكسـل
لا تقل: أصلي وفصلي أبدا
إنما أصل الفتى ما قد حصل
محمود سالم محمد
Ibn al-Wardi (Umar ibn Muzaffar-) - Ibn al-Wardi (Omar ibn Mouzaffar-)
ابن الوردي (عمر بن مظفر ـ)
(689 ـ 749هـ/1290 ـ 1348م)
زين الدين أبو حفص عمر بن مظفر ابن عمر بن أبي الفوارس البكري المعري الفقيه المؤرخ النحوي الأديب، يعود بنسبه إلى الخليفة الراشدي الأول أبي بكر الصديق.
ولد بمعرة النعمان المشهورة بانتساب أبي العلاء المعري إليها، ونشأ فيها فأخذ العلم عن شيوخها، ثم انتقل إلى حلب وجلس في حلقات علمائها، وتردد في طلب العلم إلى حماة ودمشق والقاهرة حتى برع في الفقه والنحو والأدب، وشارك في علوم كثيرة، فقصده طلبة العلم من حواضر البلاد العربية كلها.
اشتغل ابن الوردي في القضاء والتدريس، فناب في الحكم بحلب، وولي قضاء بلدان كثيرة من أعمالها وأعمال حماة ثم قصد دمشق، فتقلب في وظائفها حتى ولي قضاءها. وبعد أن أتعبه القضاء أعرض عنه، وبنى مدرسة في معرة النعمان، وتفرغ للتدريس والإفادة والتصنيف إلى أن توفي بحلب بوباء الطاعون.
عُرف ابن الوردي بورعه وتقاه ودماثته وسمو خلقه وإبائه، لم يتذلل لدنيا يصيبها، وقدر نفسه حق قدرها، فنأى بها عما يشينها، وأدرك أنه أوتي شرف النسب وفضل العلم، فلم يتبع الطرق الملتوية للوصول إلى المكانة التي يستحقها، وآلمه ألا يصل إليها، وظل الإحساس بالغبن يرافقه، فانقلب إلى واعظ ناصح، ينشر الحكم والنصائح في أدبه، ويدعو إلى إصلاح مجتمعه وتخليصه من المفاسد، وانصرف عن متاع الدنيا إلى العلم والأدب.
كان ابن الوردي أديباً كبيراً في عصره، له شعر غزير ونثر كثير، اختار من شعره ونثره ما رضي عنه وأسقط معظمه، وأوضح في خطبة ديوانه أنه لم يبق من شعره إلا النصف ومن نثره إلا الثلث.
لا يختلف شعره عن شعر أهل عصره في المضمون والأسلوب، ففيه الموضوعات التقليدية المعروفة في الشعر العربي، والموضوعات الدينية والاجتماعية والذاتية، وفيه فنون النظم المنتشرة في عصره كالموشحات والدوبيت وبعض فنون النظم الملحونة التي اقترب بها من الفصحى، وحاول مجاراة القدماء في أسلوبه، ونافس معاصريه على صنعتهم البديعية الثقيلة، وأدى بعض شعره بأسلوب ذاتي لا ينظر إلى القديم ولا يتقصد الصنعة.
وشارك ابن الوردي في فنون النثر المختلفة، فكتب النثر الديواني والإجازات والتقاريظ والرسائل التأليفية والذاتية والخطب والمقامات. وكان أسلوبه متقارباً فيها، يحرص على البناء المحكم للنص، ويثقله بالصنعة البديعية والإشارات الثقافية، ويوفر له الإيقاع بتوازن العبارات وتسجيعها.
وكان استخدامه للأدب نفعياً وليس جمالياً، وانصرف اهتمامه فيه إلى أثر المضمون أكثر من أثر الأسلوب، فقد اختار لأفكاره ومواقفه الشكل الأدبي لتكون أكثر انتشاراً وتأثيراً.
ترك ابن الوردي مصنفات كثيرة في الفقه والنحو والتاريخ والأدب، أشهرها «البهجة الوردية في الفقه الشافعي» و«تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة» حلّ فيه ألفية ابن مالك في النحو نثراً، و«التحفة في اختصار الملحة» اختصر فيه منظومة ملحة الإعراب في النحو للحريري، و«تتمة المختصر في أخبار البشر» ذيل به المختصر في التاريخ لأبي الفداء، وديوان شعره الذي حوى معظم ما بقي من شعره ونثره.
من نثره الدال على أسلوبه فيه، قوله في رسالة «النبا عن الوبا» التي وصف فيها وباء الطاعون الذي قضى فيه:
«الله لي عدة عن كل شدة، حسبي الله وحده، ﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلّم، ونجِّنا بجاهه من طعنات الطاعون وسلّم. طاعون روّع وأمات، وابتدأ خبره من الظلمات، يا له من زائر، من خمس عشرة سنة دائر، ما صِينَ عنه الصين، ولا منع منه حصين حصين، سلّ هندياً في الهند، واستند على السند… ثم قهر خلقاً بالقاهرة، وتنبهت عينه لمصر ﴿فإذا هم بالساهرة﴾، ثم غزا غزة، وهزّ عسقلان هزّة، ثم طوى المراحل ونزل بالساحل، فصار صيدا وبغت ببيروت كيدا، ثم سدد الرشق إلى دمشق، فتربع وتميد وفتك كل يوم بألف وأزيد، فأقل الكثرة، وقتل خلقاً ببثرة…».
ومن شعره قوله في لاميته المشهورة التي قصرها على الوعظ والنصيحة:
اعتزل ذكر الأغاني والغزلْ
وقُل الفصل وجانبْ مَن هزلْ
ودع الذكرى لأيام الصبا
فلأيام الصبا نجم أفل
واهجر الخمرة إن كنت فتى
كيف يسعى في جنون من عقل
واتق الله فتقوى الله ما
جاورت قلب امرئ إلا وصل
اطلب العلم ولا تكسل فمـا
أبعد الخير على أهـل الكسـل
لا تقل: أصلي وفصلي أبدا
إنما أصل الفتى ما قد حصل
محمود سالم محمد