تاميم
Nationalization - Nationalisation
التأميم
التأميم nationlization هو عملية تحويل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادلة في المجتمع إلى ملكية جماعية، بهدف تحقيق المصلحة العامة.
ويستهدف التأميم مالاً معيناً أو نشاطاً محدداً، ليصبح مشروعاً مملوكاً للمجموعة، التي يمكن أن تمثلها الدولة، أو البلدية، أو الهيئة التعاونية، وذلك بقصد استعمالها الحالي أو المستقبلي لتحقيق مصلحة المجتمع كله. ويعود التأميم في جذوره إلى مبدأين:
ـ الأول اقتصادي، ويقضي بضرورة تملك المجتمع للثروات الوطنية المهمة، ومنها وسائل الإنتاج والمبادلة.
ـ الثاني اجتماعي، ويقضي بضرورة استخدام هذه الثروات، لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
ويعد التأميم وسيلة مهمة لتحقيق غايات عدة، تختلف من بلد إلى آخر باختلاف الفلسفة السياسية والاقتصادية السائدة، وتتأرجح هذه الغاية بين الرغبة في سيطرة الدولة على توجيه النشاط الاقتصادي، وخاصة بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في بداية القرن العشرين، والمتمثلة بظهور، الأزمات الدورية، وارتفاع معدلات البطالة، وسوء توزيع الدخل، وتدمير البنى الاقتصادية نتيجة الحروب، وانخفاض الكفاية الإنتاجية، والركود الاقتصادي.
وقد جاء التأميم نتيجة تطور فكري واجتماعي وسياسي، توافق مع الرغبة في مواجهة هذه الأوضاع من جهة، ومع ظهور النزعات والأفكار الاشتراكية، التي تنادي بالتأميم وسيلة لتحقيق عدالة اجتماعية أكبر، من جهة ثانية، ومع تبلور الأفكار الاشتراكية ونجاح ثورة أكتوبر 1917، وقيام أول نظام اقتصادي اشتراكي عالمي، وعُد التأميم شرطاً أساسياً للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية.
تختلف أشكال التأميم وطرق ممارسته من بلد إلى آخر باختلاف الأوضاع السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية القائمة، ومدى قوة البورجوازيين ومعارضتهم لهذه التحولات الجديدة.
المنظور التاريخي
لم تكن فكرة التأميم وليدة الأحداث السياسية والاقتصادية في القرن العشرين، وإنما هي فكرة قديمة، فقد ظهرت في كتابات الفلاسفة القدماء، مثل أفلاطون، أفكار عدة حول العلاقة بين الفرد والمجتمع والملكية، ويُذكر أيضاً أن أفلاطون قد انتقد حق الملكية الفردية المطلقة في أثينة.
وتضمنت كتابات الفلاسفة المحدثين، أمثال فيخته وهيغل، وجود علاقة تفاعل بين الملكية والمجتمع، وطالبوا بتحديد وظيفة الملكية وأثرها الاجتماعي، ثم جاءت أفكار الاقتصاديين الإصلاحيين أمثال سان سيمون في فرنسة وروبرت أوين في بريطانية في بداية القرن التاسع عشر، مطالبة بالقضاء على الظلم الاجتماعي، ووضع حدود للملكية الخاصة.
ومع ظهور الأفكار الاشتراكية في عدة أنحاء من العالم، واتخاذها صيغة علمية على يد ماركس وإنجلز، أرسيت قواعد جديدة لممارسة النشاط الاقتصادي، عن طريق دور الدولة الفعال في إرساء قواعد ممارسة حق الملكية، بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع.
ومع انتصار الثورة الاشتراكية في روسية 1917، صار بالإمكان تطبيق الأفكار والنظريات السياسية والاقتصادية الاشتراكية، التي ترى أن ملكية وسائل الإنتاج، والمبادلة، يجب أن تكون جماعية من أجل تسهيل تحقيق المصلحة الجماعية.
وكان التأميم وسيلة ضرورية لبناء النظام الاقتصادي الاشتراكي، ولم يقتصر على كونه إجراء اقتصادياً، فحسب وإنما ذو طبيعة سياسية واجتماعية وأخلاقية، فهو يساعد على إزالة الفروق بين الطبقات، بحيث يصبح جميع المواطنين طبقة واحدة، ينتفي فيها استغلال الإنسان للإنسان، وتتوزع فيها العوائد بشكل متناسب مع الحاجات، أو مع الجهود المبذولة، وباستمرار عملية التطور والنمو، يمكن بلوغ الهدف الأسمى للاشتراكية، وهو تحقيق الرفاه المادي والرخاء الثقافي للإنسان.
وقد حصل التأميم في معظم دول العالم المتقدمة منها والنامية، وجاء نتيجة تطور اقتصادي واجتماعي وسياسي طويل، وكان دائماً نابعاً ومتأثراً بالأوضاع السائدة، ولم يكن تجربة عالمية يمكن نقلها من بلد لآخر، ولذلك نرى عدة اختلافات في أساليب تطبيق التأميم ودرجته، وطرق معالجة الآثار الناجمة عنه، وبوجه عام كانت الاختلافات متباينة أكثر بين تجارب التأميم في الدول الاشتراكية، وتجارب التأميم في الدول الرأسمالية والنامية.
ومن أهم تجارب التأميم الدولية، تجربة التأميم في الاتحاد السوفييتي السابق، التي بدأت بعد ثورة أكتوبر 1917، وعمدت إلى نزع ملكية الصناعات الكبيرة في قطاعات عدة، وإلى تقليص الملكيات الزراعية الكبيرة، وإلى تحويل منتجي البضائع الصغار إلى جمعيات مشتركة، واتحادات تعاونية إنتاجية. وبذلك يكون للتأميم أثر مهم في بناء النظام الاقتصادي الاشتراكي، وتطويره وقد رأى لينين أيضاً أنه من أجل بناء الاشتراكية، لابد من تعزيز علاقات الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
وفي بريطانية بدأت عمليات التأميم في ظل حكومة العمال، بعد الحرب العالمية الثانية، وكان نتيجة تطور سياسي واقتصادي واجتماعي طويل الأجل، وكان الاعتقاد السائد في تلك المرحلة (1950-1954)، أنه لا يمكن معالجة ارتفاع معدلات البطالة، وإعادة بناء الوضع الاقتصادي المتردي وإصلاحه، وتلافي حالة الركود، إلا بالتأميم الذي عُد وسيلة ضرورية لمساعدة الدولة، ممثلة المجتمع والصالح العام في التحكم بالموارد الاقتصادية المتاحة، واختيار المجالات الأكثر أهمية لاستخدامها لمصلحة المجتمع كله. وتم في بريطانية تأميم صناعات الفحم وشركات الطيران والسكك الحديدية، ومحطات توليد الكهرباء والغاز، والحديد والصلب ومصرف إنكلترة، وتحويلها إلى مؤسسات عامة تعمل للصالح العام.
الجانب الحقوقي
أحدث التأميم تغييراً جوهرياً، في نظرية الملكية الفردية المطلقة الكلاسيكية، التي كانت تمثل علاقة بين طرفين: الأول يعني سيادة المالك المطلقة وسلطته في التصرف بالطرف الآخر، وهو الشيء محل الملكية، التي صارت تمثل علاقة بين ثلاثة أطراف هي: المجتمع والشيء محل الملكية والمالك.
وبذلك يكون التأميم ظاهرة جديدة ذات سمات خاصة ناجمة عن طبيعة الأحداث المتغيرة، استوجبت إجراء تعديلات مهمة في نظرية الملكية ودور المجتمع فيها. وتختلف النظرة إلى دور المجتمع في علاقة الملكية من بلد لآخر، باختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، ومع اختلاف هذه النظرة تختلف طرق ووسائل تطبيق التأميم ودرجة شموليته ومقدار التعويض المترتب على نزع الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية المجتمع، أو الدولة الممثلة للأمة أو المجتمع. والتأميم يكون نهائياً، فالأنظمة والقوانين التشريعية التي طبقت على التأميم في معظم دول العالم، لم تكن تسمح بإعادة النظر في التأميم أو الطعن فيه أو إعادة التقدير، لأن كل هذه التشريعات كانت تؤمن بأن المجتمع قد استرد بالتأميم، ما هو ملك له أصلاً. كما أن معظم التشريعات، قد فصلت بين المشروع المؤمم، واستمرار شخصيته المعنوية، وبذلك لا يمكن أن يعد المشروع المؤمم، امتداداً للشركة أو المشروع الخاص وذلك يعني إنقضاء الشخصية للمنشأة نهائياً بالتأميم، لأن طبيعة التأميم تفترض اكتساب الأمة للملكية عن طريق الاستيلاء بصورة أصلية (لا استخلافية) على أصول المشروعات الخاصة، التي يقدر المشرع، بماله من حق السيادة المطلقة، أنها لا يمكن أن تكون محلاً لملكية خاصة، وذلك تحقيقاً لأهداف اجتماعية عامة. وفي بعض الأحيان وفي بعض الدول تطلب إجراء التأميم تدرجاً زمنياً، حتى يلقى قبولاً اجتماعياً وإلا عد مصادرة أو نزعاً للملكية يقابل بمقاومة عنيفة من المتضررين. وقد وجد التأميم في القانون تسويغاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، لأن كل النظم والمجتمعات آمنت بضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، إذا ما تطلعت إلى بناء نظام اجتماعي اقتصادي أكثر عدالة يحقق تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
ولقد تأثرت نظرية الملكية بالتطورات الاجتماعية والسياسية، في نهاية القرن الثامن عشر، وبدأت نظرية الملكية كحق مطلق، تصادف قيوداً مستمرة، باسم المنفعة العامة أو الاجتماعية، وحتى الثورة الفرنسية التي استقت حق الملكية الفردية المطلق من النظام الإقطاعي، وأعلنت أن حق الملكية مقدس، لا يجوز الانتقاص منه، قد أخذت بالتدرج تنتقل بتفسير القانون من الخاص إلى العام، من أجل حماية بعض الصناعات أو التجار أو العمال.
وترافق ذلك مع تطور دور الدولة التوجيهي أو التدخلي في النشاط الاقتصادي، الذي أتاح لها سلطة الإشراف والإدارة وقيادة المجتمع، وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية، ومانتج عنها من بؤس وشقاء.
الجانب الاقتصادي
ظهر التأميم لتحقيق غايات مختلفة، ففي بعض البلدان، كان ضرورة لضمان الحد من سيطرة الاحتكارات الكبيرة، وضمان عدم استغلالها للشعب، ووسيلة لإعادة الإعمار بعد الحرب، أو محاولة لإحلال القيم السامية والدوافع الإنسانية النبيلة، محل المصالح الخاصة الأنانية، وعُد في بلاد أخرى وسيلة لتمكين المجتمع من الإشراف على القوى الاقتصادية، وإيجاد الوظائف للعاطلين. وبفضل التأميم كانت تتعلق آمال الملايين بمستقبل أفضل، عُد التأميم أيضاً وسيلة ضرورية لبناء النظام الاقتصادي الجديد (الاشتراكي).
وبوجه عام يمكن القول إن التأميم جاء نتيجة تضافر مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية ودينية، تدعو جميعها إلى تغليب المصالح الجماعية على المصلحة الفردية، ومثل هذا النظام لم يكن غريباً على الشريعة الإسلامية، إذ يقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: «الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ، والنار». ولذلك فإن الجوهر الاقتصادي للتأميم يقوم على مفهومين:
الأول يعني أن المجتمع يجب أن يمتلك الثروات المهمة والأساسية ومنها عناصر الإنتاج، والثاني يعني أن استخدام هذه الثروات ووسائل الإنتاج يجب أن يستهدف تحقيق المصلحة العامة للأمة أو المجتمع.
وبذلك يكون التأميم هو أساس نظرية الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. ومع تزايد تدخل الدولة عن طريق مؤسساتها القائمة على الملكية الجماعية، ظهرت ضرورات جديدة، قانونية واقتصادية، دفعت إلى ضرورة تطوير القوانين الاقتصادية والمبادئ الحقوقية النافذة، وخاصة قوانين الالتزام والعقود والحقوق والواجبات. وكل ذلك يعني تغييراً جوهرياً في البنية الاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحقيق العدالة الاشتراكية، التي أساسها نفي الاستغلال، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، تهدف أخيراً لرفع مستويات المعيشة للجماهير، مالكة وسائل الإنتاج، ويكون ذلك عن طريق التخطيط، الذي تضعه الدولة، والذي يمكنها من تخصيص الموارد المتاحة، لتحقيق الأهداف المرغوبة لخدمة المصلحة العامة. وقد أحدث التأميم تغييراً كبيراً في علاقات الإنتاج داخل المجتمع، لأنه لم يعد هناك تناقض في المصالح بين العامل والمالك والمجتمع، لأن المالك أصبح هو المجتمع، والمستهلك والعامل جزء من هذا المجتمع، وبينهما توجد روابط تكاملية وليست تنافرية. فبعد التأميم أخذت النقابات العمالية ترعى مصالح العمال، الذين ينتظرون من الصناعات المؤممة، معاملة أفضل، من تلك المعاملة، التي كانوا يلقونها في ظل المؤسسة الخاصة، وفي الوقت نفسه تطالب إدارة المؤسسة المؤممة موظفيها وعمالها بضرورة العمل بصورة أفضل، مما كانوا يعملون في ظل الأوضاع الرأسمالية أو الخاصة لأنهم أصبحوا يعملون لمصلحتهم ومصلحة المجتمع.
وقد أخذت معظم التشريعات البرلمانية تنص على ضرورة تحسين وضع العمال وحماية صحتهم وسلامتهم المهنية، وتحقيق أحوال أفضل لمعيشتهم باستمرار.
تعويضات التأميم
لم تكن هناك طريقة واحدة لتعويض المالكين السابقين، عن نشاطاتهم الاقتصادية التي تم تأميمها، ففي بعض البلدان (الاتحاد السوفييتي ودول أوربة الشرقية) لم يحصل المالكون القدامى على أي تعويض، وحصلوا في بلدان أخرى على تعويض، جزئي أو كامل (البلدان المتقدمة والنامية) وقد اتبعت على الأغلب الطرق التالية في حساب عملية التعويض، أو تقديرها:
1ـ تشكيل لجنة تصفية تقوم بحساب صافي الإيراد المتوقع للأصول الإنتاجية (طوال حياتها الإنتاجية) ويتم دفع القيمة بموجب سندات على الحكومة، مع تحديد سعر معتدل للفائدة على هذه السندات.
2ـ حسب أسعار البورصة الاسمية في اليوم السابق ليوم التأميم، وعلى اللجنة أن تراعي في تقديرها، لقيمة التعويض، أنها يجب ألا تقل عن القيمة، التي كان يمكن أن تباع بها، هذه الموجودات، فيما لو بيعت في السوق من بائع راغب في البيع إلى شار راغب في الشراء.
وقد رأى بعض الفقهاء ورجال القانون، أن دفع مقابل لقاء الملكية المؤممة ليس شرطاً لمشروعية التأميم، لأن التأميم يستند إلى حق السيادة المطلقة للدولة، وهي لا تلتزم إلا ما ترتضيه، وينطبق ذلك على رعايا الدولة والأجانب على السواء.
كما أثار موضوع تقويم الأصول، ومعالجة الديون المترتبة على المشروعات المؤممة، عدة قضايا قانونية وتم الإقرار بأن على الدولة، كمالك جديد، دفع الديون إذا كانت الأصول أكبر من الخصوم، أما إذا كانت الخصوم أكبر، فإن على الدولة أن تلتزم دفع مقابل الأصول التي آلت إليها فقط، لهؤلاء الدائنين طبقاً لقاعدة قسمة الغرماء.
تجربة التأميم في الجمهورية العربية السورية
بعد حصول سورية على استقلالها السياسي، كانت السلطة في سورية تمثل مصالح البرجوازية الكبيرة والمتوسطة، وكانت مرتبطة بشكل وثيق مع مصالح الملاكين الإقطاعيين، ورؤوس الأموال الأجنبية. ونتيجة تفاعل التناقضات الطبقية، وبروز القوى الوطنية التقدمية، ومطالبتها الدائمة بإجراء تحولات ديمقراطية في البلاد وبضرورة أن تمارس الدولة تأثيراً في النشاط الاقتصادي، الذي تعيقه الشركات والمؤسسات الأجنبية من جهة، والبرجوازية السورية من جهة ثانية. ومع وصول البرجوازية الوطنية إلى السلطة، واصطدامها بالمواقع الرأسمالية الأجنبية، وتصاعد دور القوى الوطنية، ومطالبتها بتحسين الأوضاع الاقتصادية، ظهرت ضرورة قيام قطاع حكومي، اعتمد أساساً على التأميم الذي كان جزئياً، واستهدف الممتلكات الأجنبية في كانون الثاني 1951، إذ تم تأميم شركات الحافلات الكهربائية والكهرباء في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور والقامشلي، والتزمت الحكومة دفع التعويضات للشركات الفرنسية المالكة السابقة.
ثم استمرت البرجوازية الوطنية في خطتها الرامية إلى إخضاع أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد لسلطتها، فقامت عام 1955 بتأميم الخطوط الحديدية، ومصرف (سورية ولبنان). وفي عام 1959 تحولت جميع المصارف إلى شركات مساهمة، وفرضت الحكومة دفع عائدات أكبر على مرور النفط في الأراضي السورية، وفي هذه المدة كان الصراع السياسي كبيراً في سورية، وظهرت قوى سياسية تؤمن بالأفكار الاشتراكية والقومية العربية، وطرحت شعارات أقرب إلى مصالح الجماهير الكادحة. وشكلت تحالفاً ديمقراطياً مضاداً للبرجوازية، وآمنت هذه القوى، بضرورة تطوير القطاع الحكومي على حساب رأس المال الخاص، واستطاعت هذه القوى أن تقود إلى إصدار المراسيم 117 و118 و119 لعام 1961 القاضية بتأميم جميع المصارف وشركات التأمين ونقل ملكيتها إلى الدولة بصورة كاملة، وتحولت أسهمها إلى سندات اسمية على الخزينة لمدة 15 عاماً بفائدة 4%، وعدت قيمة كل سند بحسب سعر السهم في سوق الأوراق المالية قبل يوم واحد من صدور المرسوم.
كما جرى تأميم 12 شركة سورية مساهمة تسهم الدولة بـ 50% من رأس مالها. ثم تأميم 77 شركة يزيد مجموع رؤوس أموالها على 170 مليون ليرة سورية بوجه جزئي وأهم الشركات المؤممة كانت في قطاع النسيج والصناعات الغذائية والمطاحن وصناعة البناء. لقد مست هذه المراسيم وهذه التأميمات مصالح البرجوازية السورية المستثمرة في الصناعة مباشرة، فردت البرجوازية المتضررة مدعومة من القوى الرجعية الحليفة والدوائر الاستعمارية بانقلاب سياسي أدى إلى انفصال سورية عن مصر في 28 أيلول 1961، وبعد الانفصال استطاعت البرجوازية السورية، العودة إلى السلطة، وحاولت إلغاء التأميم في ظروف سياسية ملتهبة لم تستقر إلا بعد انتصار ثورة الثامن من آذار وتسلم حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة، وهو الحزب الجماهيري الذي يؤمن بالاشتراكية طريقاً للتنمية، فسارع في عام 1965 لإصدار مراسيم تأميم كلية وجزئية شملت 179 مؤسسة يزيد رأس مالها على 300 مليون ليرة، وشملت مصانع للإسمنت والزجاج والكبريت والسكر والنسيج والمعلبات والسجاد والجلود والمحطات الكهربائية ومحالج القطن.
يعود السبب في التأميم الجزئي إلى رغبة السلطة في دفع البرجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى التعاون مع الدولة، لتستفيد من خبراتها الفنية والإدارية. وتحولت بموجب هذه المراسيم، أسهم جميع الشركات المؤممة إلى سندات على الدولة، تستوفى في مدى 15 عاماً بفائدة قدرها 3% سنوياً، وحدد سعر السهم على أساس قيمته الاسمية. كما صدر في 22 كانون الأول عام 1964 المرسوم رقم 133 القاضي بتأميم النفط والشركات العاملة في تصنيعه وتوزيعه (سوكوني فاكوم) و(شل) و(إسو). وفي عام 1965 تم تأميم الشركات العاملة بالتجارة الخارجية للمواد المهمة مثل الأدوية والسكر والشاي والبن وعددها (46) شركة، وأعطيت مهماتها لشركة الاستيراد والتصدير الحكومية (سيمكس). وتمت لاحقاً إعادة تنظيم الشركات المؤممة في مؤسسات واتحادات نوعية، فألغيت تسمياتها السابقة واستبدلت بها تسميات جديدة، لتنزع من أذهان الناس طبيعتها الخاصة وتؤكد تحولها إلى ملكية جماعية لعموم أفراد الشعب.
أكرم الحوراني
Nationalization - Nationalisation
التأميم
التأميم nationlization هو عملية تحويل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادلة في المجتمع إلى ملكية جماعية، بهدف تحقيق المصلحة العامة.
ويستهدف التأميم مالاً معيناً أو نشاطاً محدداً، ليصبح مشروعاً مملوكاً للمجموعة، التي يمكن أن تمثلها الدولة، أو البلدية، أو الهيئة التعاونية، وذلك بقصد استعمالها الحالي أو المستقبلي لتحقيق مصلحة المجتمع كله. ويعود التأميم في جذوره إلى مبدأين:
ـ الأول اقتصادي، ويقضي بضرورة تملك المجتمع للثروات الوطنية المهمة، ومنها وسائل الإنتاج والمبادلة.
ـ الثاني اجتماعي، ويقضي بضرورة استخدام هذه الثروات، لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
ويعد التأميم وسيلة مهمة لتحقيق غايات عدة، تختلف من بلد إلى آخر باختلاف الفلسفة السياسية والاقتصادية السائدة، وتتأرجح هذه الغاية بين الرغبة في سيطرة الدولة على توجيه النشاط الاقتصادي، وخاصة بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في بداية القرن العشرين، والمتمثلة بظهور، الأزمات الدورية، وارتفاع معدلات البطالة، وسوء توزيع الدخل، وتدمير البنى الاقتصادية نتيجة الحروب، وانخفاض الكفاية الإنتاجية، والركود الاقتصادي.
وقد جاء التأميم نتيجة تطور فكري واجتماعي وسياسي، توافق مع الرغبة في مواجهة هذه الأوضاع من جهة، ومع ظهور النزعات والأفكار الاشتراكية، التي تنادي بالتأميم وسيلة لتحقيق عدالة اجتماعية أكبر، من جهة ثانية، ومع تبلور الأفكار الاشتراكية ونجاح ثورة أكتوبر 1917، وقيام أول نظام اقتصادي اشتراكي عالمي، وعُد التأميم شرطاً أساسياً للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية.
تختلف أشكال التأميم وطرق ممارسته من بلد إلى آخر باختلاف الأوضاع السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية القائمة، ومدى قوة البورجوازيين ومعارضتهم لهذه التحولات الجديدة.
المنظور التاريخي
لم تكن فكرة التأميم وليدة الأحداث السياسية والاقتصادية في القرن العشرين، وإنما هي فكرة قديمة، فقد ظهرت في كتابات الفلاسفة القدماء، مثل أفلاطون، أفكار عدة حول العلاقة بين الفرد والمجتمع والملكية، ويُذكر أيضاً أن أفلاطون قد انتقد حق الملكية الفردية المطلقة في أثينة.
وتضمنت كتابات الفلاسفة المحدثين، أمثال فيخته وهيغل، وجود علاقة تفاعل بين الملكية والمجتمع، وطالبوا بتحديد وظيفة الملكية وأثرها الاجتماعي، ثم جاءت أفكار الاقتصاديين الإصلاحيين أمثال سان سيمون في فرنسة وروبرت أوين في بريطانية في بداية القرن التاسع عشر، مطالبة بالقضاء على الظلم الاجتماعي، ووضع حدود للملكية الخاصة.
ومع ظهور الأفكار الاشتراكية في عدة أنحاء من العالم، واتخاذها صيغة علمية على يد ماركس وإنجلز، أرسيت قواعد جديدة لممارسة النشاط الاقتصادي، عن طريق دور الدولة الفعال في إرساء قواعد ممارسة حق الملكية، بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع.
ومع انتصار الثورة الاشتراكية في روسية 1917، صار بالإمكان تطبيق الأفكار والنظريات السياسية والاقتصادية الاشتراكية، التي ترى أن ملكية وسائل الإنتاج، والمبادلة، يجب أن تكون جماعية من أجل تسهيل تحقيق المصلحة الجماعية.
وكان التأميم وسيلة ضرورية لبناء النظام الاقتصادي الاشتراكي، ولم يقتصر على كونه إجراء اقتصادياً، فحسب وإنما ذو طبيعة سياسية واجتماعية وأخلاقية، فهو يساعد على إزالة الفروق بين الطبقات، بحيث يصبح جميع المواطنين طبقة واحدة، ينتفي فيها استغلال الإنسان للإنسان، وتتوزع فيها العوائد بشكل متناسب مع الحاجات، أو مع الجهود المبذولة، وباستمرار عملية التطور والنمو، يمكن بلوغ الهدف الأسمى للاشتراكية، وهو تحقيق الرفاه المادي والرخاء الثقافي للإنسان.
وقد حصل التأميم في معظم دول العالم المتقدمة منها والنامية، وجاء نتيجة تطور اقتصادي واجتماعي وسياسي طويل، وكان دائماً نابعاً ومتأثراً بالأوضاع السائدة، ولم يكن تجربة عالمية يمكن نقلها من بلد لآخر، ولذلك نرى عدة اختلافات في أساليب تطبيق التأميم ودرجته، وطرق معالجة الآثار الناجمة عنه، وبوجه عام كانت الاختلافات متباينة أكثر بين تجارب التأميم في الدول الاشتراكية، وتجارب التأميم في الدول الرأسمالية والنامية.
ومن أهم تجارب التأميم الدولية، تجربة التأميم في الاتحاد السوفييتي السابق، التي بدأت بعد ثورة أكتوبر 1917، وعمدت إلى نزع ملكية الصناعات الكبيرة في قطاعات عدة، وإلى تقليص الملكيات الزراعية الكبيرة، وإلى تحويل منتجي البضائع الصغار إلى جمعيات مشتركة، واتحادات تعاونية إنتاجية. وبذلك يكون للتأميم أثر مهم في بناء النظام الاقتصادي الاشتراكي، وتطويره وقد رأى لينين أيضاً أنه من أجل بناء الاشتراكية، لابد من تعزيز علاقات الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
وفي بريطانية بدأت عمليات التأميم في ظل حكومة العمال، بعد الحرب العالمية الثانية، وكان نتيجة تطور سياسي واقتصادي واجتماعي طويل الأجل، وكان الاعتقاد السائد في تلك المرحلة (1950-1954)، أنه لا يمكن معالجة ارتفاع معدلات البطالة، وإعادة بناء الوضع الاقتصادي المتردي وإصلاحه، وتلافي حالة الركود، إلا بالتأميم الذي عُد وسيلة ضرورية لمساعدة الدولة، ممثلة المجتمع والصالح العام في التحكم بالموارد الاقتصادية المتاحة، واختيار المجالات الأكثر أهمية لاستخدامها لمصلحة المجتمع كله. وتم في بريطانية تأميم صناعات الفحم وشركات الطيران والسكك الحديدية، ومحطات توليد الكهرباء والغاز، والحديد والصلب ومصرف إنكلترة، وتحويلها إلى مؤسسات عامة تعمل للصالح العام.
الجانب الحقوقي
أحدث التأميم تغييراً جوهرياً، في نظرية الملكية الفردية المطلقة الكلاسيكية، التي كانت تمثل علاقة بين طرفين: الأول يعني سيادة المالك المطلقة وسلطته في التصرف بالطرف الآخر، وهو الشيء محل الملكية، التي صارت تمثل علاقة بين ثلاثة أطراف هي: المجتمع والشيء محل الملكية والمالك.
وبذلك يكون التأميم ظاهرة جديدة ذات سمات خاصة ناجمة عن طبيعة الأحداث المتغيرة، استوجبت إجراء تعديلات مهمة في نظرية الملكية ودور المجتمع فيها. وتختلف النظرة إلى دور المجتمع في علاقة الملكية من بلد لآخر، باختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، ومع اختلاف هذه النظرة تختلف طرق ووسائل تطبيق التأميم ودرجة شموليته ومقدار التعويض المترتب على نزع الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية المجتمع، أو الدولة الممثلة للأمة أو المجتمع. والتأميم يكون نهائياً، فالأنظمة والقوانين التشريعية التي طبقت على التأميم في معظم دول العالم، لم تكن تسمح بإعادة النظر في التأميم أو الطعن فيه أو إعادة التقدير، لأن كل هذه التشريعات كانت تؤمن بأن المجتمع قد استرد بالتأميم، ما هو ملك له أصلاً. كما أن معظم التشريعات، قد فصلت بين المشروع المؤمم، واستمرار شخصيته المعنوية، وبذلك لا يمكن أن يعد المشروع المؤمم، امتداداً للشركة أو المشروع الخاص وذلك يعني إنقضاء الشخصية للمنشأة نهائياً بالتأميم، لأن طبيعة التأميم تفترض اكتساب الأمة للملكية عن طريق الاستيلاء بصورة أصلية (لا استخلافية) على أصول المشروعات الخاصة، التي يقدر المشرع، بماله من حق السيادة المطلقة، أنها لا يمكن أن تكون محلاً لملكية خاصة، وذلك تحقيقاً لأهداف اجتماعية عامة. وفي بعض الأحيان وفي بعض الدول تطلب إجراء التأميم تدرجاً زمنياً، حتى يلقى قبولاً اجتماعياً وإلا عد مصادرة أو نزعاً للملكية يقابل بمقاومة عنيفة من المتضررين. وقد وجد التأميم في القانون تسويغاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، لأن كل النظم والمجتمعات آمنت بضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، إذا ما تطلعت إلى بناء نظام اجتماعي اقتصادي أكثر عدالة يحقق تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
ولقد تأثرت نظرية الملكية بالتطورات الاجتماعية والسياسية، في نهاية القرن الثامن عشر، وبدأت نظرية الملكية كحق مطلق، تصادف قيوداً مستمرة، باسم المنفعة العامة أو الاجتماعية، وحتى الثورة الفرنسية التي استقت حق الملكية الفردية المطلق من النظام الإقطاعي، وأعلنت أن حق الملكية مقدس، لا يجوز الانتقاص منه، قد أخذت بالتدرج تنتقل بتفسير القانون من الخاص إلى العام، من أجل حماية بعض الصناعات أو التجار أو العمال.
وترافق ذلك مع تطور دور الدولة التوجيهي أو التدخلي في النشاط الاقتصادي، الذي أتاح لها سلطة الإشراف والإدارة وقيادة المجتمع، وخاصة بعد الأزمة الاقتصادية، ومانتج عنها من بؤس وشقاء.
الجانب الاقتصادي
ظهر التأميم لتحقيق غايات مختلفة، ففي بعض البلدان، كان ضرورة لضمان الحد من سيطرة الاحتكارات الكبيرة، وضمان عدم استغلالها للشعب، ووسيلة لإعادة الإعمار بعد الحرب، أو محاولة لإحلال القيم السامية والدوافع الإنسانية النبيلة، محل المصالح الخاصة الأنانية، وعُد في بلاد أخرى وسيلة لتمكين المجتمع من الإشراف على القوى الاقتصادية، وإيجاد الوظائف للعاطلين. وبفضل التأميم كانت تتعلق آمال الملايين بمستقبل أفضل، عُد التأميم أيضاً وسيلة ضرورية لبناء النظام الاقتصادي الجديد (الاشتراكي).
وبوجه عام يمكن القول إن التأميم جاء نتيجة تضافر مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية ودينية، تدعو جميعها إلى تغليب المصالح الجماعية على المصلحة الفردية، ومثل هذا النظام لم يكن غريباً على الشريعة الإسلامية، إذ يقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: «الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ، والنار». ولذلك فإن الجوهر الاقتصادي للتأميم يقوم على مفهومين:
الأول يعني أن المجتمع يجب أن يمتلك الثروات المهمة والأساسية ومنها عناصر الإنتاج، والثاني يعني أن استخدام هذه الثروات ووسائل الإنتاج يجب أن يستهدف تحقيق المصلحة العامة للأمة أو المجتمع.
وبذلك يكون التأميم هو أساس نظرية الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. ومع تزايد تدخل الدولة عن طريق مؤسساتها القائمة على الملكية الجماعية، ظهرت ضرورات جديدة، قانونية واقتصادية، دفعت إلى ضرورة تطوير القوانين الاقتصادية والمبادئ الحقوقية النافذة، وخاصة قوانين الالتزام والعقود والحقوق والواجبات. وكل ذلك يعني تغييراً جوهرياً في البنية الاقتصادية والاجتماعية، من أجل تحقيق العدالة الاشتراكية، التي أساسها نفي الاستغلال، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، تهدف أخيراً لرفع مستويات المعيشة للجماهير، مالكة وسائل الإنتاج، ويكون ذلك عن طريق التخطيط، الذي تضعه الدولة، والذي يمكنها من تخصيص الموارد المتاحة، لتحقيق الأهداف المرغوبة لخدمة المصلحة العامة. وقد أحدث التأميم تغييراً كبيراً في علاقات الإنتاج داخل المجتمع، لأنه لم يعد هناك تناقض في المصالح بين العامل والمالك والمجتمع، لأن المالك أصبح هو المجتمع، والمستهلك والعامل جزء من هذا المجتمع، وبينهما توجد روابط تكاملية وليست تنافرية. فبعد التأميم أخذت النقابات العمالية ترعى مصالح العمال، الذين ينتظرون من الصناعات المؤممة، معاملة أفضل، من تلك المعاملة، التي كانوا يلقونها في ظل المؤسسة الخاصة، وفي الوقت نفسه تطالب إدارة المؤسسة المؤممة موظفيها وعمالها بضرورة العمل بصورة أفضل، مما كانوا يعملون في ظل الأوضاع الرأسمالية أو الخاصة لأنهم أصبحوا يعملون لمصلحتهم ومصلحة المجتمع.
وقد أخذت معظم التشريعات البرلمانية تنص على ضرورة تحسين وضع العمال وحماية صحتهم وسلامتهم المهنية، وتحقيق أحوال أفضل لمعيشتهم باستمرار.
تعويضات التأميم
لم تكن هناك طريقة واحدة لتعويض المالكين السابقين، عن نشاطاتهم الاقتصادية التي تم تأميمها، ففي بعض البلدان (الاتحاد السوفييتي ودول أوربة الشرقية) لم يحصل المالكون القدامى على أي تعويض، وحصلوا في بلدان أخرى على تعويض، جزئي أو كامل (البلدان المتقدمة والنامية) وقد اتبعت على الأغلب الطرق التالية في حساب عملية التعويض، أو تقديرها:
1ـ تشكيل لجنة تصفية تقوم بحساب صافي الإيراد المتوقع للأصول الإنتاجية (طوال حياتها الإنتاجية) ويتم دفع القيمة بموجب سندات على الحكومة، مع تحديد سعر معتدل للفائدة على هذه السندات.
2ـ حسب أسعار البورصة الاسمية في اليوم السابق ليوم التأميم، وعلى اللجنة أن تراعي في تقديرها، لقيمة التعويض، أنها يجب ألا تقل عن القيمة، التي كان يمكن أن تباع بها، هذه الموجودات، فيما لو بيعت في السوق من بائع راغب في البيع إلى شار راغب في الشراء.
وقد رأى بعض الفقهاء ورجال القانون، أن دفع مقابل لقاء الملكية المؤممة ليس شرطاً لمشروعية التأميم، لأن التأميم يستند إلى حق السيادة المطلقة للدولة، وهي لا تلتزم إلا ما ترتضيه، وينطبق ذلك على رعايا الدولة والأجانب على السواء.
كما أثار موضوع تقويم الأصول، ومعالجة الديون المترتبة على المشروعات المؤممة، عدة قضايا قانونية وتم الإقرار بأن على الدولة، كمالك جديد، دفع الديون إذا كانت الأصول أكبر من الخصوم، أما إذا كانت الخصوم أكبر، فإن على الدولة أن تلتزم دفع مقابل الأصول التي آلت إليها فقط، لهؤلاء الدائنين طبقاً لقاعدة قسمة الغرماء.
تجربة التأميم في الجمهورية العربية السورية
بعد حصول سورية على استقلالها السياسي، كانت السلطة في سورية تمثل مصالح البرجوازية الكبيرة والمتوسطة، وكانت مرتبطة بشكل وثيق مع مصالح الملاكين الإقطاعيين، ورؤوس الأموال الأجنبية. ونتيجة تفاعل التناقضات الطبقية، وبروز القوى الوطنية التقدمية، ومطالبتها الدائمة بإجراء تحولات ديمقراطية في البلاد وبضرورة أن تمارس الدولة تأثيراً في النشاط الاقتصادي، الذي تعيقه الشركات والمؤسسات الأجنبية من جهة، والبرجوازية السورية من جهة ثانية. ومع وصول البرجوازية الوطنية إلى السلطة، واصطدامها بالمواقع الرأسمالية الأجنبية، وتصاعد دور القوى الوطنية، ومطالبتها بتحسين الأوضاع الاقتصادية، ظهرت ضرورة قيام قطاع حكومي، اعتمد أساساً على التأميم الذي كان جزئياً، واستهدف الممتلكات الأجنبية في كانون الثاني 1951، إذ تم تأميم شركات الحافلات الكهربائية والكهرباء في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور والقامشلي، والتزمت الحكومة دفع التعويضات للشركات الفرنسية المالكة السابقة.
ثم استمرت البرجوازية الوطنية في خطتها الرامية إلى إخضاع أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد لسلطتها، فقامت عام 1955 بتأميم الخطوط الحديدية، ومصرف (سورية ولبنان). وفي عام 1959 تحولت جميع المصارف إلى شركات مساهمة، وفرضت الحكومة دفع عائدات أكبر على مرور النفط في الأراضي السورية، وفي هذه المدة كان الصراع السياسي كبيراً في سورية، وظهرت قوى سياسية تؤمن بالأفكار الاشتراكية والقومية العربية، وطرحت شعارات أقرب إلى مصالح الجماهير الكادحة. وشكلت تحالفاً ديمقراطياً مضاداً للبرجوازية، وآمنت هذه القوى، بضرورة تطوير القطاع الحكومي على حساب رأس المال الخاص، واستطاعت هذه القوى أن تقود إلى إصدار المراسيم 117 و118 و119 لعام 1961 القاضية بتأميم جميع المصارف وشركات التأمين ونقل ملكيتها إلى الدولة بصورة كاملة، وتحولت أسهمها إلى سندات اسمية على الخزينة لمدة 15 عاماً بفائدة 4%، وعدت قيمة كل سند بحسب سعر السهم في سوق الأوراق المالية قبل يوم واحد من صدور المرسوم.
كما جرى تأميم 12 شركة سورية مساهمة تسهم الدولة بـ 50% من رأس مالها. ثم تأميم 77 شركة يزيد مجموع رؤوس أموالها على 170 مليون ليرة سورية بوجه جزئي وأهم الشركات المؤممة كانت في قطاع النسيج والصناعات الغذائية والمطاحن وصناعة البناء. لقد مست هذه المراسيم وهذه التأميمات مصالح البرجوازية السورية المستثمرة في الصناعة مباشرة، فردت البرجوازية المتضررة مدعومة من القوى الرجعية الحليفة والدوائر الاستعمارية بانقلاب سياسي أدى إلى انفصال سورية عن مصر في 28 أيلول 1961، وبعد الانفصال استطاعت البرجوازية السورية، العودة إلى السلطة، وحاولت إلغاء التأميم في ظروف سياسية ملتهبة لم تستقر إلا بعد انتصار ثورة الثامن من آذار وتسلم حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة، وهو الحزب الجماهيري الذي يؤمن بالاشتراكية طريقاً للتنمية، فسارع في عام 1965 لإصدار مراسيم تأميم كلية وجزئية شملت 179 مؤسسة يزيد رأس مالها على 300 مليون ليرة، وشملت مصانع للإسمنت والزجاج والكبريت والسكر والنسيج والمعلبات والسجاد والجلود والمحطات الكهربائية ومحالج القطن.
يعود السبب في التأميم الجزئي إلى رغبة السلطة في دفع البرجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى التعاون مع الدولة، لتستفيد من خبراتها الفنية والإدارية. وتحولت بموجب هذه المراسيم، أسهم جميع الشركات المؤممة إلى سندات على الدولة، تستوفى في مدى 15 عاماً بفائدة قدرها 3% سنوياً، وحدد سعر السهم على أساس قيمته الاسمية. كما صدر في 22 كانون الأول عام 1964 المرسوم رقم 133 القاضي بتأميم النفط والشركات العاملة في تصنيعه وتوزيعه (سوكوني فاكوم) و(شل) و(إسو). وفي عام 1965 تم تأميم الشركات العاملة بالتجارة الخارجية للمواد المهمة مثل الأدوية والسكر والشاي والبن وعددها (46) شركة، وأعطيت مهماتها لشركة الاستيراد والتصدير الحكومية (سيمكس). وتمت لاحقاً إعادة تنظيم الشركات المؤممة في مؤسسات واتحادات نوعية، فألغيت تسمياتها السابقة واستبدلت بها تسميات جديدة، لتنزع من أذهان الناس طبيعتها الخاصة وتؤكد تحولها إلى ملكية جماعية لعموم أفراد الشعب.
أكرم الحوراني