تاهرت
Tiaret / Tahert - Tahert
تاهرت
تاهرت أو تيهرت Tiaret، مدينة جزائرية تقع في شمالي الجزائر، وهي عاصمة ولاية تاهرت. تمثّل نهاية جبال الأوراس في منطقة أطلس التل، مناخها معتدل، وهي مركز زراعي مهم في المنطقة، تشتهر بزراعة الحبوب وتربية المواشي و الخيول العربية الأصيلة. وتاهرت اسم كان يطلق على مدينتين في المغرب الأوسط (الجزائر)، تاهرت القديمة، المدينة الرومانية التي يصفها ابن حوقل بأنها مدينة قديمة أزلية، وتعرف اليوم بتيارت بعمالة وهران، وتاهرت الحديثة (تاقدمت اليوم) التي بناها عبد الرحمن بن رستم، مؤسس الدولة الرستمية، وهي على بعد عشرة كيلومترات غرب تاهرت القديمة.
في سنة 144هـ التقى جيش عباسي بقيادة حاكم مصر العبَّاسي، محمد بن الأشعث، بأبي الخطاب إمام الخوارج الإباضية شرقي طرابلس، حيث سقط أبو الخطاب وآلاف من أتباعه قتلى، وحينما تقدَّم محمد بن الأشعث نحو القيروان، فرَّ عبد الرحمن بن رستم حاكم القيروان من قبل أبي الخطَّاب منها، وحلَّ بالمغرب الأوسط فنزل على قبيلة «لماية» لقديم حلف بينه وبينهم بجبل منيع، يسمى سوفجج، فاستقبله أهالي الجبل بما يليق به من الإكرام وشاع يومئذ ذكره، فوفدت عليه وجوه الإباضية من العلماء والأعيان، وأخذوا في تدبير أمرهم وتنظيم شؤونهم للرفع من شأن الخوارج بإنشاء دولة لهم، وبينما القوم يخوضون في ذلك، فاجأتهم جنود ابن الأشعث فأحاطت بالجبل، ثم ارتدوا عنه بأمر أميرهم، ويومئذ خرج ابن رستم في أصحابه يطلبون مكاناً منيعاً يتخذونه مركزاً لبث دعوتهم ونشر مبادئهم فكان اختياره لموقع تاهرت بعمالة وهران.
اختلف المؤرخون في تحديد سنة بناء تاهرت الحديثة، والمرجح أن بناءها كان سنة 148هـ/765م، وبيعة عبد الرحمن بن رستم إماماً سنة 160هـ. مهما يكن من أمر هذا الاختلاف فإن مدينة تاهرت لم تلبث أن صارت عامرة ومركزاً لدولة عرفت بالدولة الرستمية (160-296هـ/776-908م)، وكانت مقرَّاً لإمامة خارجية إباضية لقبائل صحراوية كانت مواطن تنقلها في أقاليم المغرب الشرقية بطرابلس ونفزاوة وبلاد الجريد جنوب المغرب الأدنى.
كان موقع تاهرت ملائماً لأوضاع هذه الدولة الناشئة التي كونتها عناصر بدوية تخشى مهاجمة أعدائها، فقد بنيت على المنحدرات الجنوبية للتل الجزائري، في السفح الجنوبي لجبل غزول (جزول) وعلى الطريق المؤدية إلى أسفل وادي شلف، مما يوفر لها مناعة طبيعية، وتتزود هذه المنطقة بالمياه لأنها غيضة وسط ثلاثة أنهار، ولذلك فإن أرض المنطقة لا تجدب من قحط وجفاف، ويؤكد ذلك اليعقوبي في قوله «لا يجدب زرع ذلك البلد قط، إلا أن يصيبه ريح وبرد»، وهو أمر ممكن الوقوع لأن المشهور أن الشمس نادرة الظهور بتاهرت، وأن المدينة كثيرة البرد والثلج والأمطار، مما جعل بعضهم يتندرون بأن شتاءها يبلغ ثلاثة عشر شهراً، من ناحية أخرى كانت تاهرت تقاطعاً لخطوط مواصلات من الجنوب إلى الشمال بطريق وادي شلف ومن الشرق إلى الغرب أو الجنوب الغربي خاصة، ويشير اليعقوبي إلى قصر الطريق بينها وبين سجلماسة بوابة تجارة الذهب عبر الصحراء، مما جعل المدينة سوقاً، وجعل أهلها يشاركون في التجارة، وكانت ثروة هذا الإقليم وتجارته النافقة سبباً في اجتذاب الناس إلى تاهرت من فارس، موطن أجداد بني رستم الذين ينحدرون من بهرام الفارسي، ومن عرب إفريقية، ومن جهات مختلفة من بلاد البربر، من قبائل نفوسة بطرابلس، ومن قبائل زناتة الرحّل في إفريقية (تونس) والمغرب الأوسط، وقد ترددت هذه القبائل كثيراً على أسواق هذا الإقليم وأثرت من تجارتها فيها. وقد وصف اليعقوبي الذي زار تاهَرت في عهد محمد بن أفلح (ت281هـ) بأنها جليلة القدر عظيمة الأمر، وأنه يتصل بمدينة تاهرت بلد عظيم ينسب إليها في طاعة محمد بن أفلح، وأن هناك حصناً على ساحل البحر الأعظم (البحر المتوسط) ترسو به مراكب، تاهرت يقال له مرسى فرَّوخ.
في سنة 296هـ/908م استولى الداعي الشيعي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد على تاهرت، وأنهى حكم الرستميين فيها، وصارت تاهرت تابعة للفاطميين ونوابهم من صنهاجة، بعد انتقال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر، وتعرَّضت المدينة لسيطرة قبيلة زنانة عليها مراراً، ثم صارت تابعة للموحدين.
ومن تتبع أخبار تاهَرت يُلاحظ أن اليعقوبي، وهو من جغرافيي القرن الثالث الهجري، لا يتحدث إلا عن تاهرت المحدثة، بينما يصف ابن حوقل، وهو من جغرافيي القرن الرابع الهجري، تاهرت القديمة والمحدثة معاً مما يدل على أن الحياة عادت ثانية إلى القديمة، فهو يذكر أن في القديمة كثيراً من الناس، وفيها جامع كما أن للمحدثة جامعاً، ولكل منهما إمام وخطيب إلا أن التجار والتجارة بالمحدثة أكثر، ويشير إلى أن لأهل المدينتين مياهاً كثيرة تدخل على أكثر دورهم، وأشجاراً وبساتين وحمامات وخانات وأن العسل والسمن وضروب الغلات كثيرة، وكذلك الماشية والغنم والبغال والحمير، أما الشريف الإدريسي، وهو من علماء القرن السادس، فإنه يذكر أن مدينة تاهرت كانت فيما سلف من الزمان مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة، ولكنه لا يصف إلاَّ تاهرت القديمة، فيذكر أنها ذات سور وعلى قِنَّة جبل قليل الارتفاع، وبها ناس وجماعات من البربر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة، وبأرضها مزارع وضياع جمة، مما يدل على أن المحدثة لم يعد لها شأن، وهذا ما يؤكده ابن خلدون الذي يذكر أن كثرة الغارات التي كانت تشن عليها في عهد الموحدين دفعت أهلها إلى هجرها «فخلا جوها وعفا رسمها» في سنة 620هـ/1223م، بينما نهضت تاهرت القديمة من بين الأطلال واستمر نهوضها إلى العصر الحديث.
نجدة خماش
Tiaret / Tahert - Tahert
تاهرت
تاهرت أو تيهرت Tiaret، مدينة جزائرية تقع في شمالي الجزائر، وهي عاصمة ولاية تاهرت. تمثّل نهاية جبال الأوراس في منطقة أطلس التل، مناخها معتدل، وهي مركز زراعي مهم في المنطقة، تشتهر بزراعة الحبوب وتربية المواشي و الخيول العربية الأصيلة. وتاهرت اسم كان يطلق على مدينتين في المغرب الأوسط (الجزائر)، تاهرت القديمة، المدينة الرومانية التي يصفها ابن حوقل بأنها مدينة قديمة أزلية، وتعرف اليوم بتيارت بعمالة وهران، وتاهرت الحديثة (تاقدمت اليوم) التي بناها عبد الرحمن بن رستم، مؤسس الدولة الرستمية، وهي على بعد عشرة كيلومترات غرب تاهرت القديمة.
اختلف المؤرخون في تحديد سنة بناء تاهرت الحديثة، والمرجح أن بناءها كان سنة 148هـ/765م، وبيعة عبد الرحمن بن رستم إماماً سنة 160هـ. مهما يكن من أمر هذا الاختلاف فإن مدينة تاهرت لم تلبث أن صارت عامرة ومركزاً لدولة عرفت بالدولة الرستمية (160-296هـ/776-908م)، وكانت مقرَّاً لإمامة خارجية إباضية لقبائل صحراوية كانت مواطن تنقلها في أقاليم المغرب الشرقية بطرابلس ونفزاوة وبلاد الجريد جنوب المغرب الأدنى.
كان موقع تاهرت ملائماً لأوضاع هذه الدولة الناشئة التي كونتها عناصر بدوية تخشى مهاجمة أعدائها، فقد بنيت على المنحدرات الجنوبية للتل الجزائري، في السفح الجنوبي لجبل غزول (جزول) وعلى الطريق المؤدية إلى أسفل وادي شلف، مما يوفر لها مناعة طبيعية، وتتزود هذه المنطقة بالمياه لأنها غيضة وسط ثلاثة أنهار، ولذلك فإن أرض المنطقة لا تجدب من قحط وجفاف، ويؤكد ذلك اليعقوبي في قوله «لا يجدب زرع ذلك البلد قط، إلا أن يصيبه ريح وبرد»، وهو أمر ممكن الوقوع لأن المشهور أن الشمس نادرة الظهور بتاهرت، وأن المدينة كثيرة البرد والثلج والأمطار، مما جعل بعضهم يتندرون بأن شتاءها يبلغ ثلاثة عشر شهراً، من ناحية أخرى كانت تاهرت تقاطعاً لخطوط مواصلات من الجنوب إلى الشمال بطريق وادي شلف ومن الشرق إلى الغرب أو الجنوب الغربي خاصة، ويشير اليعقوبي إلى قصر الطريق بينها وبين سجلماسة بوابة تجارة الذهب عبر الصحراء، مما جعل المدينة سوقاً، وجعل أهلها يشاركون في التجارة، وكانت ثروة هذا الإقليم وتجارته النافقة سبباً في اجتذاب الناس إلى تاهرت من فارس، موطن أجداد بني رستم الذين ينحدرون من بهرام الفارسي، ومن عرب إفريقية، ومن جهات مختلفة من بلاد البربر، من قبائل نفوسة بطرابلس، ومن قبائل زناتة الرحّل في إفريقية (تونس) والمغرب الأوسط، وقد ترددت هذه القبائل كثيراً على أسواق هذا الإقليم وأثرت من تجارتها فيها. وقد وصف اليعقوبي الذي زار تاهَرت في عهد محمد بن أفلح (ت281هـ) بأنها جليلة القدر عظيمة الأمر، وأنه يتصل بمدينة تاهرت بلد عظيم ينسب إليها في طاعة محمد بن أفلح، وأن هناك حصناً على ساحل البحر الأعظم (البحر المتوسط) ترسو به مراكب، تاهرت يقال له مرسى فرَّوخ.
في سنة 296هـ/908م استولى الداعي الشيعي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد على تاهرت، وأنهى حكم الرستميين فيها، وصارت تاهرت تابعة للفاطميين ونوابهم من صنهاجة، بعد انتقال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر، وتعرَّضت المدينة لسيطرة قبيلة زنانة عليها مراراً، ثم صارت تابعة للموحدين.
ومن تتبع أخبار تاهَرت يُلاحظ أن اليعقوبي، وهو من جغرافيي القرن الثالث الهجري، لا يتحدث إلا عن تاهرت المحدثة، بينما يصف ابن حوقل، وهو من جغرافيي القرن الرابع الهجري، تاهرت القديمة والمحدثة معاً مما يدل على أن الحياة عادت ثانية إلى القديمة، فهو يذكر أن في القديمة كثيراً من الناس، وفيها جامع كما أن للمحدثة جامعاً، ولكل منهما إمام وخطيب إلا أن التجار والتجارة بالمحدثة أكثر، ويشير إلى أن لأهل المدينتين مياهاً كثيرة تدخل على أكثر دورهم، وأشجاراً وبساتين وحمامات وخانات وأن العسل والسمن وضروب الغلات كثيرة، وكذلك الماشية والغنم والبغال والحمير، أما الشريف الإدريسي، وهو من علماء القرن السادس، فإنه يذكر أن مدينة تاهرت كانت فيما سلف من الزمان مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة، ولكنه لا يصف إلاَّ تاهرت القديمة، فيذكر أنها ذات سور وعلى قِنَّة جبل قليل الارتفاع، وبها ناس وجماعات من البربر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة، وبأرضها مزارع وضياع جمة، مما يدل على أن المحدثة لم يعد لها شأن، وهذا ما يؤكده ابن خلدون الذي يذكر أن كثرة الغارات التي كانت تشن عليها في عهد الموحدين دفعت أهلها إلى هجرها «فخلا جوها وعفا رسمها» في سنة 620هـ/1223م، بينما نهضت تاهرت القديمة من بين الأطلال واستمر نهوضها إلى العصر الحديث.
نجدة خماش