تاقلم بشري
Acclimatization - Acclimatation
التأقلم البشري
التأقلم البشري acclimatizaion مقدرة الإنسان على التلاؤم مع التغيرات التي تحدث في بيئته، مثل تغيّر درجة حرارة المحيط والارتفاع والمناخ والبيئات. وتتصف هذه التغيرات بأنها متدرجة تثير استجابة طويلة الأمد. أمّا التغيرات الفجائية التي تثير استجابة سريعة قصيرة الأمد عن طريق الجملة العصبية والغدد الصمّاوية فلا تدخل في نطاق التأقلم.
يستطيع الإنسان أن يقوم بتنظيم عملياته الداخلية بسرعة للمحافظة على ذاته إزاء التغيرات البيئية التي يواجهها ساعة فساعة أو يوماً فيوماً، لكن هذا التنظيم السريع أو ما ندعوه بالاستتباب محدود لا يستطيع مواجهة التغيرات البيئية الكثيرة بكفاءة وفعالية، وأبرز مثال على تنظيم العمليات الداخلية مايحدث من فرط في التهوية ـ عند ازدياد مقدار ثاني أكسيد الكربون في السائل خارج الخلوي ـ يؤدي إلى طرح ثاني أكسيد الكربون وتخفيض مقداره في السائل خارج الخلوي.
ومع أنّ للعضوية مجموعة تلاؤمات غير محدودة فإنها قد تلجأ إلى طريقة واحدة في التلاؤم مع التغيرات ذات الأسباب المختلفة، ولنأخذ مثالاً على ذلك التأقلم لانخفاض ضغط الأكسجين القسمي في المناطق المرتفعة التي تتحسّن فيها قدرة الدم على نقل الأكسجين بازدياد عدد الكريات الحمر، ويتم الأمر نفسه في النفاخ الرئوي الذي ينقص فيه إمداد الرئتين بالأكسجين فيعوّض هذا النقص بازدياد عدد الكريات الحمر أيضاً.
هذا، ولا يترك التأقلم انطباعاً دائماً على آليات الفرد الوراثية على عكس ما يشاهد في التطور evolution الذي يتجلى بانتخاب سمة وراثية.
تأثيرات البيئة
تتغيّر الأحوال البيئية بتغيّر الفصول من الشتاء إلى الصيف ومن الخريف إلى الربيع، ومن الرطوبة إلى الجفاف وما يؤدي ذلك من تغيّر في المناخ يُستعرض تأثيره في الحياة من خلال التأقلم مع درجة الحرارة والرطوبة والضغط والصوت والمواد الكيمياوية التي في البيئة.
ـ التأقلم مع درجة الحرارة: إذا أُخذت بالحسبان مجموعة العناصر التي تؤثر تأثيراً عظيماً في الحالة الجوية مثل أشعة الشمس والرطوبة والرياح، فإن مايلفت النظر أن درجة الحرارة بمفردها يمكن أن تكون دليلاً أساسياً على صلاح المناخ للحياة. وما سبب ذلك إلا لأن سرعة التفاعلات التي تجري في الخلايا والنسج تتأثر بدرجة الحرارة تأثراً فعلياً وجدياً إضافة إلى تأثير درجة الحرارة الواضح في مختلف نواحي الحياة. فعندما ترتفع درجة الحرارة إلى ما فوق 30 درجة سيليزيوس، تنقص قدرة الإنسان على تبديد الحرارة لدرجة تكفي لتنظيم درجة حرارة بدنه، وذلك تبعاً لدرجة الرطوبة أيضاً، ويلجأ بدلاً من ذلك إلى التعرق الذي يعدّ وسيلة للتبريد بالتبخير مما يمكّنه من مزاولة الأعمال الشاقة بأقل قدر ممكن من الاضطراب الفيزيولوجي، بعد أيام تقدر بخمسة تنقضي في الجو الحار، ويتم ذلك بانخفاض سرعة النبض والتنفّس وتنشيط مزيد من الغدد العرقية والمحافظة بشكل معاوض على إفراغ الماء من الكلية فينقص جريان الأملاح من الكلية والغدد العرقية. هذا ويتكامل التأقلم في مدة أسبوعين.
أما التأقلم مع البرودة «انخفاض درجة الحرارة» فيتم بأن يرفع الشخص المتأقلم معدّل استقلابه الأساسي، ويُعبّر عن ذلك في البدء بالارتجاف الذي يعد آلية وقائية ترفع معدّل الاستقلاب إلى 4-5 أضعافه. ويتم التأقلم مع البرودة ببطء إذ تستغرق عمليته مدة شهرين على الأقل.
أمّا مايتمتع به سكان المناطق الحارة من تأقلم دائم مع الحرارة فيعود إلى تغير في العوامل التي تثير التعرق ودوران الدم في الجلد.
ـ التأقلم مع الرطوبة: لا ينفصل هذا الشكل من التلاؤم في الإنسان عن تلاؤمه مع درجة الحرارة. ولا يستطيع الإنسان أن يحافظ على درجة حرارته في الأجواء الرطبة إلا من خلال التعرق الغزير الذي قد يؤدي، إن كان الجو رطباً جداً، إلى إضاعة كمية من الأملاح التي في الجسم مما يقتضي تناول مقادير إضافية من الملح للتعويض عن الضائع.
ـ التأقلم مع تغيرات الضغط: أوضح مثال على تأقلم الإنسان مع الضغط والارتفاع ما يشاهد في سكان جبال الأنديز الأصليين الذين يعيشون في مناطق يزيد ارتفاعها على 18000 قدم، فقد تكيّف هؤلاء السكان على العيش في هذه البيئة فنقص وزنهم بالنسبة إلى طولهم وزادت سعتهم الحيوية وسعة تهويتهم كما ازدادت كتلة الكريات الحمر وكتلة الغلوبين العضلي وضخامة عضلة البطين الأيمن وعضلات الأوعية الرئوية الصغيرة.
وإن بعض الطيارين الذين يرتفعون بسرعة في الجو إلى ارتفاعات شاهقة يعانون من الانزعاج الذي لا يلبث أن يزول عند تأقلمهم مع هذه الأجواء، وذلك بعد تكرر سفرهم في الارتفاعات الشاهقة، غير أنّ توفير المقصورات المكيّفة الضغط والأكسجين قد وسّعت مقدرة الإنسان على ارتياد الأجواء المرتفعة لأن انخفاض الضغط الجوي يوجب إحاطة البدن بكامله بضغط مناسب يسمح بدوران الدم دوراناً سوياً.
إنّ نقص ضغط الأكسجين في الارتفاعات الشاهقة يؤدي إلى تناقص أكسجة دم القادم الجديد، ولمعاوضة ذلك، يتسرع تنفسه ويزيد محتوى الأكسجين في دمه وينخفض مقدار ثاني أكسيد الكربون CO2 وتزداد قلوية الدم، ويصاب بعض الأفراد بالصداع والدوار، وتختلف مدة هذا الانزعاج وشدّته بين الأفراد. وبعد فترة زمنية، تمتد من أسبوع إلى بضعة شهور، تزول أعراض الدوار الحادة ويبدأ القادم الجديد باستعادة نشاطه.
ويوضح التلاؤم الفيزيولوجي الذي يحدث مبكراً بقصد المعاوضة الآليات المشتركة في التأقلم، فازدياد عدد الكريات الحمر يحسّن مقدرة الدم على نقل الأكسجين ويزداد الدوران الدموي وتتحسّن تروية النسج بالدم، وهذا يوضح ازدياد الاستفادة من الأكسجين على المستوى داخل الخلوي.
ـ التأقلم مع الصوت: تستشعر الأذن تذبذبات ضغط الهواء السريعة فيما يعرف بالصوت. وينقص استمرار التعرض لهذا الصوت حساسية الأذن، وذلك لنقص عمل كثير من المستقبلات الحسية، مما يجعل أصوات الطائرات وضجيج الآلات محتملة بمرور الزمن، ويعدّ هذا التحمل نوعاً من التأقلم. وازدياد الصخب والضجيج في العالم يجعل لهذا التأقلم حدوداً تصير معها الأذيّات البدنية والاضطرابات النفسية العقلية ذات تأثير عظيم في صحة الإنسان وراحته.
ـ التأقلم مع المواد الكيمياوية: الملح أبرز هذه المواد ذات العلاقة بتأقلم الإنسان مع المواد الكيمياوية. وتأقلم الإنسان مع الملح وثيق الصلة بتأقلمه مع الرطوبة إذ تقوم الكلى بإفراغ الملح والماء كيما تحافظ على تركيز ثابت للملح. ويلجأ الإنسان إلى استدراك الملح من طعامه وشرابه.
ولابدّ من الإشارة إلى أن المواد التي تنتج من العمليات الصناعية واستعمالاتها المختلفة التي تتراكم في النباتات والحيوانات تنتقل إلى الإنسان عند استهلاكه للطعام، فقد حدث أن انتقل الزئبق والزرنيخ بتناول بعض أنواع الأطعمة وسبّبا الوفاة أحياناً، ويبدي الإنسان التأقلم مع هذه المواد بنقص امتصاصه إياها. وتطرح هذه المسألة تساؤلات مثيرة حول مصير تأقلم الإنسان مع مثل هذه المواد التي يبدو أنها آخذة في الازدياد، ولا تلوح في الأفق بشائر تعزز الأمل بعمل جاد للحدّ منها ولاسيما أن ما يتناوله الإنسان من طعام قد يكون ملوثاً، ولنأخذ مثالاً على ذلك بعض أنواع السمك القادرة على تحمل هذه المواد مدة طويلة مما يعد معه هذا التحمل شكلاً من التأقلم، ولكن الإنسان إذا تناولها أصيب بالتسمم الزئبقي أو الزرنيخي.
أهمية التأقلم الحيوية
مع أن المعارف العلمية أدّت إلى وضع مصطلحات دقيقة عن أنواع التلاؤم التي درست تحت عنوان التأقلم، فما زالت هناك تلاؤمات أخرى غامضة للتغيرات البيئية.
يمكن على وجه العموم أن يغيّر التأقلم قابليات الاستتباب تجاه الأحوال العادية التي تتغير بتغيّر الفصول والانتقال إلى أماكن جديدة، فإن لم يستطع التأقلم فسح المجال لقيام الوظائف الفعالة بعملها في الأحوال المتغيّرة ألحق ذلك ضرراً بليغاً بالعضوية. وهكذا يسمح التأقلم للعضوية بممارسة وظائفها في مجالات الاختلافات الفصلية الكثيرة وعند الانتقال إلى بيئات جديدة.
وهناك التأقلم الموسمي، وفيه يتهيأ الإنسان لاستقبال الموسم الجديد بإجراءات تتناول طراز حياته الذي يشمل سكنه وغذاءه ولباسه فيغيرها بحسب ما تتطلب الأحوال الموسمية فضلاً عن تلاؤمه مع درجة الحرارة في ذلك الموسم.
وهناك أيضاً التأقلم ذو الطبيعة التوقعيّة الذي يظهر قبل حدوث التغيّر. وقد يكون توقع التغيّر المنتظر دافعاً لحدوث التحضيرات الفيزيولوجية البطيئة تجاه التغيّرات المناخية التي غالباً ما تحدث بشكل مفاجىء. ويتطلب هذا الأمر الإحساس بالوقت الذي يشير إلى التنبؤ بالتغيّر المنتظر، فطول النهار أو قصره هما الإشارة الظاهرة لذلك، إلا أنها تصطدم بالنظم الداخلي الذي يعدّ مشعراً بالتأقلم.
محمد ياسين
Acclimatization - Acclimatation
التأقلم البشري
التأقلم البشري acclimatizaion مقدرة الإنسان على التلاؤم مع التغيرات التي تحدث في بيئته، مثل تغيّر درجة حرارة المحيط والارتفاع والمناخ والبيئات. وتتصف هذه التغيرات بأنها متدرجة تثير استجابة طويلة الأمد. أمّا التغيرات الفجائية التي تثير استجابة سريعة قصيرة الأمد عن طريق الجملة العصبية والغدد الصمّاوية فلا تدخل في نطاق التأقلم.
يستطيع الإنسان أن يقوم بتنظيم عملياته الداخلية بسرعة للمحافظة على ذاته إزاء التغيرات البيئية التي يواجهها ساعة فساعة أو يوماً فيوماً، لكن هذا التنظيم السريع أو ما ندعوه بالاستتباب محدود لا يستطيع مواجهة التغيرات البيئية الكثيرة بكفاءة وفعالية، وأبرز مثال على تنظيم العمليات الداخلية مايحدث من فرط في التهوية ـ عند ازدياد مقدار ثاني أكسيد الكربون في السائل خارج الخلوي ـ يؤدي إلى طرح ثاني أكسيد الكربون وتخفيض مقداره في السائل خارج الخلوي.
ومع أنّ للعضوية مجموعة تلاؤمات غير محدودة فإنها قد تلجأ إلى طريقة واحدة في التلاؤم مع التغيرات ذات الأسباب المختلفة، ولنأخذ مثالاً على ذلك التأقلم لانخفاض ضغط الأكسجين القسمي في المناطق المرتفعة التي تتحسّن فيها قدرة الدم على نقل الأكسجين بازدياد عدد الكريات الحمر، ويتم الأمر نفسه في النفاخ الرئوي الذي ينقص فيه إمداد الرئتين بالأكسجين فيعوّض هذا النقص بازدياد عدد الكريات الحمر أيضاً.
هذا، ولا يترك التأقلم انطباعاً دائماً على آليات الفرد الوراثية على عكس ما يشاهد في التطور evolution الذي يتجلى بانتخاب سمة وراثية.
تأثيرات البيئة
تتغيّر الأحوال البيئية بتغيّر الفصول من الشتاء إلى الصيف ومن الخريف إلى الربيع، ومن الرطوبة إلى الجفاف وما يؤدي ذلك من تغيّر في المناخ يُستعرض تأثيره في الحياة من خلال التأقلم مع درجة الحرارة والرطوبة والضغط والصوت والمواد الكيمياوية التي في البيئة.
ـ التأقلم مع درجة الحرارة: إذا أُخذت بالحسبان مجموعة العناصر التي تؤثر تأثيراً عظيماً في الحالة الجوية مثل أشعة الشمس والرطوبة والرياح، فإن مايلفت النظر أن درجة الحرارة بمفردها يمكن أن تكون دليلاً أساسياً على صلاح المناخ للحياة. وما سبب ذلك إلا لأن سرعة التفاعلات التي تجري في الخلايا والنسج تتأثر بدرجة الحرارة تأثراً فعلياً وجدياً إضافة إلى تأثير درجة الحرارة الواضح في مختلف نواحي الحياة. فعندما ترتفع درجة الحرارة إلى ما فوق 30 درجة سيليزيوس، تنقص قدرة الإنسان على تبديد الحرارة لدرجة تكفي لتنظيم درجة حرارة بدنه، وذلك تبعاً لدرجة الرطوبة أيضاً، ويلجأ بدلاً من ذلك إلى التعرق الذي يعدّ وسيلة للتبريد بالتبخير مما يمكّنه من مزاولة الأعمال الشاقة بأقل قدر ممكن من الاضطراب الفيزيولوجي، بعد أيام تقدر بخمسة تنقضي في الجو الحار، ويتم ذلك بانخفاض سرعة النبض والتنفّس وتنشيط مزيد من الغدد العرقية والمحافظة بشكل معاوض على إفراغ الماء من الكلية فينقص جريان الأملاح من الكلية والغدد العرقية. هذا ويتكامل التأقلم في مدة أسبوعين.
أما التأقلم مع البرودة «انخفاض درجة الحرارة» فيتم بأن يرفع الشخص المتأقلم معدّل استقلابه الأساسي، ويُعبّر عن ذلك في البدء بالارتجاف الذي يعد آلية وقائية ترفع معدّل الاستقلاب إلى 4-5 أضعافه. ويتم التأقلم مع البرودة ببطء إذ تستغرق عمليته مدة شهرين على الأقل.
أمّا مايتمتع به سكان المناطق الحارة من تأقلم دائم مع الحرارة فيعود إلى تغير في العوامل التي تثير التعرق ودوران الدم في الجلد.
ـ التأقلم مع الرطوبة: لا ينفصل هذا الشكل من التلاؤم في الإنسان عن تلاؤمه مع درجة الحرارة. ولا يستطيع الإنسان أن يحافظ على درجة حرارته في الأجواء الرطبة إلا من خلال التعرق الغزير الذي قد يؤدي، إن كان الجو رطباً جداً، إلى إضاعة كمية من الأملاح التي في الجسم مما يقتضي تناول مقادير إضافية من الملح للتعويض عن الضائع.
ـ التأقلم مع تغيرات الضغط: أوضح مثال على تأقلم الإنسان مع الضغط والارتفاع ما يشاهد في سكان جبال الأنديز الأصليين الذين يعيشون في مناطق يزيد ارتفاعها على 18000 قدم، فقد تكيّف هؤلاء السكان على العيش في هذه البيئة فنقص وزنهم بالنسبة إلى طولهم وزادت سعتهم الحيوية وسعة تهويتهم كما ازدادت كتلة الكريات الحمر وكتلة الغلوبين العضلي وضخامة عضلة البطين الأيمن وعضلات الأوعية الرئوية الصغيرة.
وإن بعض الطيارين الذين يرتفعون بسرعة في الجو إلى ارتفاعات شاهقة يعانون من الانزعاج الذي لا يلبث أن يزول عند تأقلمهم مع هذه الأجواء، وذلك بعد تكرر سفرهم في الارتفاعات الشاهقة، غير أنّ توفير المقصورات المكيّفة الضغط والأكسجين قد وسّعت مقدرة الإنسان على ارتياد الأجواء المرتفعة لأن انخفاض الضغط الجوي يوجب إحاطة البدن بكامله بضغط مناسب يسمح بدوران الدم دوراناً سوياً.
إنّ نقص ضغط الأكسجين في الارتفاعات الشاهقة يؤدي إلى تناقص أكسجة دم القادم الجديد، ولمعاوضة ذلك، يتسرع تنفسه ويزيد محتوى الأكسجين في دمه وينخفض مقدار ثاني أكسيد الكربون CO2 وتزداد قلوية الدم، ويصاب بعض الأفراد بالصداع والدوار، وتختلف مدة هذا الانزعاج وشدّته بين الأفراد. وبعد فترة زمنية، تمتد من أسبوع إلى بضعة شهور، تزول أعراض الدوار الحادة ويبدأ القادم الجديد باستعادة نشاطه.
ويوضح التلاؤم الفيزيولوجي الذي يحدث مبكراً بقصد المعاوضة الآليات المشتركة في التأقلم، فازدياد عدد الكريات الحمر يحسّن مقدرة الدم على نقل الأكسجين ويزداد الدوران الدموي وتتحسّن تروية النسج بالدم، وهذا يوضح ازدياد الاستفادة من الأكسجين على المستوى داخل الخلوي.
ـ التأقلم مع الصوت: تستشعر الأذن تذبذبات ضغط الهواء السريعة فيما يعرف بالصوت. وينقص استمرار التعرض لهذا الصوت حساسية الأذن، وذلك لنقص عمل كثير من المستقبلات الحسية، مما يجعل أصوات الطائرات وضجيج الآلات محتملة بمرور الزمن، ويعدّ هذا التحمل نوعاً من التأقلم. وازدياد الصخب والضجيج في العالم يجعل لهذا التأقلم حدوداً تصير معها الأذيّات البدنية والاضطرابات النفسية العقلية ذات تأثير عظيم في صحة الإنسان وراحته.
ـ التأقلم مع المواد الكيمياوية: الملح أبرز هذه المواد ذات العلاقة بتأقلم الإنسان مع المواد الكيمياوية. وتأقلم الإنسان مع الملح وثيق الصلة بتأقلمه مع الرطوبة إذ تقوم الكلى بإفراغ الملح والماء كيما تحافظ على تركيز ثابت للملح. ويلجأ الإنسان إلى استدراك الملح من طعامه وشرابه.
ولابدّ من الإشارة إلى أن المواد التي تنتج من العمليات الصناعية واستعمالاتها المختلفة التي تتراكم في النباتات والحيوانات تنتقل إلى الإنسان عند استهلاكه للطعام، فقد حدث أن انتقل الزئبق والزرنيخ بتناول بعض أنواع الأطعمة وسبّبا الوفاة أحياناً، ويبدي الإنسان التأقلم مع هذه المواد بنقص امتصاصه إياها. وتطرح هذه المسألة تساؤلات مثيرة حول مصير تأقلم الإنسان مع مثل هذه المواد التي يبدو أنها آخذة في الازدياد، ولا تلوح في الأفق بشائر تعزز الأمل بعمل جاد للحدّ منها ولاسيما أن ما يتناوله الإنسان من طعام قد يكون ملوثاً، ولنأخذ مثالاً على ذلك بعض أنواع السمك القادرة على تحمل هذه المواد مدة طويلة مما يعد معه هذا التحمل شكلاً من التأقلم، ولكن الإنسان إذا تناولها أصيب بالتسمم الزئبقي أو الزرنيخي.
أهمية التأقلم الحيوية
مع أن المعارف العلمية أدّت إلى وضع مصطلحات دقيقة عن أنواع التلاؤم التي درست تحت عنوان التأقلم، فما زالت هناك تلاؤمات أخرى غامضة للتغيرات البيئية.
يمكن على وجه العموم أن يغيّر التأقلم قابليات الاستتباب تجاه الأحوال العادية التي تتغير بتغيّر الفصول والانتقال إلى أماكن جديدة، فإن لم يستطع التأقلم فسح المجال لقيام الوظائف الفعالة بعملها في الأحوال المتغيّرة ألحق ذلك ضرراً بليغاً بالعضوية. وهكذا يسمح التأقلم للعضوية بممارسة وظائفها في مجالات الاختلافات الفصلية الكثيرة وعند الانتقال إلى بيئات جديدة.
وهناك التأقلم الموسمي، وفيه يتهيأ الإنسان لاستقبال الموسم الجديد بإجراءات تتناول طراز حياته الذي يشمل سكنه وغذاءه ولباسه فيغيرها بحسب ما تتطلب الأحوال الموسمية فضلاً عن تلاؤمه مع درجة الحرارة في ذلك الموسم.
وهناك أيضاً التأقلم ذو الطبيعة التوقعيّة الذي يظهر قبل حدوث التغيّر. وقد يكون توقع التغيّر المنتظر دافعاً لحدوث التحضيرات الفيزيولوجية البطيئة تجاه التغيّرات المناخية التي غالباً ما تحدث بشكل مفاجىء. ويتطلب هذا الأمر الإحساس بالوقت الذي يشير إلى التنبؤ بالتغيّر المنتظر، فطول النهار أو قصره هما الإشارة الظاهرة لذلك، إلا أنها تصطدم بالنظم الداخلي الذي يعدّ مشعراً بالتأقلم.
محمد ياسين